تسونامي يضرب جزر الكوريل الروسية وهوكايدو اليابانية بعد زلزال قوته 8ر8 درجة    سعر الذهب في مصر اليوم الأربعاء 30-7-2025 مع بداية التعاملات    ترامب: يتم إرسال العديد من الأموال إلى قطاع غزة وحماس تقوم بسرقتها    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    تنسيق الثانوية 2025.. ماذا تعرف عن دراسة "الأوتوترونكس" بجامعة حلوان التكنولوجية؟    تنسيق الجامعات 2025| كل ما تريد معرفته عن بكالوريوس إدارة وتشغيل الفنادق "ماريوت"    4 أرغفة ب دينار.. تسعيرة الخبز الجديدة تغضب أصحاب المخابز في ليبيا    إبراهيم ربيع: «مرتزقة الإخوان» يفبركون الفيديوهات لنشر الفوضى    عمر فاروق: وعي الشعب المصري خط الدفاع الأول ضد مؤامرات «الإرهابية»    الغمري: «الإخوان الإرهابية» تزور التاريخ.. وتحاول تشويه موقف مصر الداعم لفلسطين    الحكومة تواصل إنقاذ نهر النيل: إزالة 87 ألف حالة تعدٍ منذ 2015 وحتى الآن    مدير أمن سوهاج يتفقد الشوارع الرئيسية لمتابعة الحالة الأمنية والمرورية    غرق طفل بترعة في مركز سوهاج.. والإنقاذ النهري ينتشل الجثة    وفاة طالب أثناء أداء امتحانات الدور الثاني بكلية التجارة بجامعة الفيوم    القانون يحدد شروط لوضع الإعلانات.. تعرف عليها    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الإعلامى حسام الغمرى: جماعة الإخوان تحاول تشويه موقف مصر الشريف تجاه فلسطين.. فيديو    محمد محسن يحتفل بعيد ميلاد زوجته هبة مجدي برسالة رومانسية (صور)    لهذا السبب... لطفي لبيب يتصدر تريند جوجل    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    إخماد حريق في محول كهرباء في «أبو النمرس» بالجيزة    ترامب يهدد بفرض عقوبات ثانوية ويمنح روسيا 10 أيام للتوصل لاتفاق مع أوكرانيا    القنوات الناقلة مباشر لمباراة ليفربول ضد يوكوهاما والموعد والمعلق.. موقف محمد صلاح    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    «التموين»: لا صحة لعدم صرف الخبز المدعم لأصحاب معاش تكافل وكرامة    بكابلات جديدة.. قرب الانتهاء من تغذية محطة جزيرة الذهب أسفل كوبري العمرانية    من المهم توخي الحذر في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 30 يوليو    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    مطران دشنا يترأس صلوات رفع بخور عشية بكنيسة الشهيد العظيم أبو سيفين (صور)    وكيله ل في الجول: أحمد ربيع لم يفقد الأمل بانتقاله للزمالك.. وجون إدوارد أصر عليه منذ يومه الأول    الخارجية الأردنية ترحب بعزم بريطانيا الاعتراف بالدولة الفلسطينية    وزير الخارجية يتوجه إلى واشنطن في زيارة ثنائية    رئيس مدينة الحسنة يعقد اجتماعا تنسيقيا تمهيدا للاستعداد لانتخابات الشيوخ 2025    أسامة نبيه يضم 33 لاعبا فى معسكر منتخب الشباب تحت 20 سنة    الجنايني يتحدث عن مفاوضات عبد القادر.. وعرض نيوم "الكوبري" وصدمة الجفالي    أحمد فؤاد سليم: عشت مواجهة الخطر في الاستنزاف وأكتوبر.. وفخور بتجربتي ب "المستقبل المشرق"    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    استعدادًا للموسم الجديد.. نجاح 37 حكمًا و51 مساعدًا في اختبارات اللياقة البدنية    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    عاصم الجزار: لا مكان للمال السياسي في اختيار مرشحينا    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. موعد الانطلاق والمؤشرات الأولية المتوقعة للقبول    رسميًا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025    محمد السادس: المغرب مستعد لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    ترامب: الهند ستواجه تعريفة جمركية تتراوح بين 20% و25% على الأرجح    الجنايني عن شروط عبدالله السعيد للتجديد مع الزمالك: "سيب اللي يفتي يفتي"    جدول امتحانات الثانوية العامة دور ثاني 2025 (اعرف التفاصيل)    «الجو هيقلب» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : أمطار وانخفاض «مفاجئ»    معلقة داخل الشقة.. جثة لمسن مشنوق تثير الذعر بين الجيران ببورسعيد    بدأت بصداع وتحولت إلى شلل كامل.. سكتة دماغية تصيب رجلًا ب«متلازمة الحبس»    طريقة عمل سلطة الطحينة للمشاوي، وصفة سريعة ولذيذة في دقائق    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    حكم الرضاعة من الخالة وما يترتب عليه من أحكام؟.. محمد علي يوضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قانون القراءة ملامح في طريق التجديد والتنوير
نشر في صوت البلد يوم 15 - 05 - 2017

وفي ضوء التسارع المعرفي الراهن استطاعت دولة الإمارات العربية المتحدة أن تحقق سبقا حضاريا ماتعا، نعم فعلتها دولة الإمارات العربية المتحدة، هكذا يمكن توصيف أصداء القانون الأول من نوعه الذي أصدره الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو مشروع تنويري يمنح المواطن العربي وليس الإماراتي فحسب فرصة ممارسة فعل القراءة بمستوياتها المتعددة وفق إطار تشريعي وثمة برامج ومساقات محددة تحت رعاية وإشراف وتنفيذ مؤسسات حكومية تستهدف في منتجها النهائي ترسيخ وتدعيم بل وتكريس عادات القراءة في دولة الإمارات، وإن كنت أرى أن هذا الملمح الحضاري الاستثنائي سيتجاوز بصورة متسارعة تخوم الوطن الإماراتي ليعبر صوب كافة البلدان العربية الأخرى.
قانون القراءة.. صوب تجربة فريدة
ولا يمكن للمواطن العربي أن يتغافل عن هذا السبق الثقافي الفريد الذي أحدثته دولة الإمارات العربية المتحدة بإصدارها قانونا للقراءة، فهي بذلك تؤسس لمرحلة جديدة من مراحل التطور الإنساني في مسيرته الحضارية، إذ تتسابق الدول المتناحرة هذه الآونة في استباق التسليح والاستثمار الاقتصادي والتوسع المادي العمراني، لجأت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى اتخاذ طريق مغاير لسمة العصر الراهن ألا وهو سبيل القراءة، بمعنى الاستثمار البشري الذي يضمن للإنسان بقاءه الحضاري، والأبرز من هذا كله فإن تسليح المرء بالقراءة وإحداثياتها هو خير وسيلة للمنافسة الثقافية من ناحية، ولمواجهة كافة التيارات والاتجاهات الوافدة على البيئة العربية من ناحية أخرى.
نعم بالفعل أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة قانونا للقراءة، واستطاعت أن تنحى منحى مغايرا لما اعتاد عليه المفكرون التربويون العرب والأجانب على السواء حينما رصدوا لنا كنه القراءة بأنها عملية ميكانيكية أو فك رموز، أي ترجمة الرمز المكتوب إلى صوت، والتعريفات التي ترى في عملية القراءة عملية عقلية مركبة وذات شكل هرمي يرتبط بالتفكير بدرجاته المختلفة، بحيث إن كل درجة تفكير تعتمد على ما تحتها ولا تتم بدونها.
أو كما رأى جيبسون من أن القراءة عملية اتصال واستجابة لرموز مكتوبة وترجمتها إلى كلام وفهم معناها. بينما يرى دشنت أن عملية القراءة عملية تتعدى فك الرمز وتهجئة الكلمات المطبوعة، وهي عملية تهدف إلى الوصول لمعنى المادة وفهمها ومن ثم تداخل القارئ بالمادة وتحليلها وعمل إسقاطات ذاتية عليها. أي أن القراءة عملية موضوعية من حيث إدراك معنى المادة، وعملية ذاتية من حيث التفاعل معها وتحليلها واستخلاص نتائج منها.
أما تايلور فذكر لنا منذ سنوات بعيدة أن القراءة عملية تفاعل متكاملة فيها يدرك القارئ الكلمات بالعين ثم يفكر بها ويفسرها حسب خلفيته وتجاربه ويخرج فيها بأفكار وتعميمات وتطبيقات عملية. ويرى سميث القراءة أنها عملية اتصال تحوي نقل معلومات من المرسل إلى المستقبل يرافقها انتخاب ورفض وقبول.
هذا التحول إلى التطبيق هو ما أكسب القانون أهميته وفاعليته في التنفيذ، كون القراءة تصبح لأول مرة فعلا عاما لا يقتصر على الممارسة الأكاديمية أو التجريب المدرسي، لذلك القانون ضمن للقراءة مقاما رفيعا باعتبارها عملية استكشافية تنويرية تأويلية ذات بعد دلالي مقصود، وبهذا التحديد يمكننا أن نذهب مع المحاولات التي ترمي إلى اعتبار القراءة عملية مكمّلة لعملية الكتابة، فلا قراءة من دون نص مكتوب، وبالتالي فالقراءة هي فعل ذهني منتج يؤدي إلى استنباط نص جديد يعتمد في تشكله على آليات القراءة كعملية ذهنية ذات بعد مستقل، ربما يستمد بعض سمات تحفزه من النص المكتوب. وحينما يسمع العربي أن دولة الإمارات العربية المتحدة نصت في قانونها للقراءة توفير حقيبة معرفية للمواليد والأطفال، فإن هذا سيمنح العربي قوة معرفية تمكنه من مواجهة الإشكالات الثقافية المحيطة به من زاوية، ومن زاوية ثانية فإن وجود حقيبة معرفية بيد المواليد بمثابة حق اعتراف علني بأن هذا الوطن منتج للمعرفة والثقافة، وأن حق المعرفة أصبح واجبا إنسانيا توفره الدولة لمواطنيها.
قانون القراءة.. أصداء ونتائج
والجدير بالرصد في إصدار قانون للقراءة بوصفها حقا إنسانيا يتمتع به المواطن الإماراتي ومن ثم العربي بوجه عام هو ما يحققه هذا القانون من جوانب نفع كثيرة، فالقراءة غذاء العقل والروح، وهي نافذتنا نحو العالم وتعتبر من أهم وسائل كسب المعرفة، فهي تمكن الإنسان من الاتصال المباشر بالمعارف الإنسانية في حاضرها وماضيها، وستظل دائماً أهم وسيلة لاتصال الإنسان بعقول الآخرين وأفكارهم، بالإضافة إلى أثرها البالغ في تكوين الشخصية الإنسانية بأبعادها المختلفة.
والقراءة ليست هدفا إنما وسيلة التعليم الأولي، وأصبح العالم ينظر للقراءة بنفس الأهمية التي ينظر بها للكلام والمشي، والذي يقرأ ويفهم ما يقرأ في سرعة يمكنه أن ينجز من الأعمال أضعاف ما ينهي القارئ العادي.
وتعتبر القراءة وفقا لقانونها الأول الجديد أساس التعليم ووسيلته الأولى، والفرد القارئ فرد نامٍ وقادر على استمرار النمو؛ فالقراءة تجعل العقل يستجيب استجابة دقيقة واعية للكلام المطبوع، وهي السبيل للاتصال بعالم الآخرين، واكتساب معارفهم وخبراتهم التي تجعله قادرًا على العيش بفكر ناضج رحب، كما تكسبه القدرة على التعبير عن نفسه. كما أن القراءة ليست هدفا في حد ذاتها، وإنما هي الوسيلة الأولى للتعلم والمعرفة والتفاعل الإيجابي، خاصة إذا ما اعتمد الأهل صيغة دائمة للتفاعل الإيجابي مع الطفل من خلال القراءة بالمناقشة والتحليل، وتبادل الرأي والتعليق على ما يقرؤه الطفل. وقد تكون هذه الإيجابية والتفاعلية هدفا في حد ذاتها؛ حيث أصبحت صفة معبرة عن قدرة الفرد على التعايش والنمو، وهذه المعرفة والتفاعل لن يكونا بغير قراءة.
الإمارات العربية المتحدة تؤسس لوطن التنوير
بموجب إصدار دولة الإمارات العربية لأول قانون للقراءة فهي تضع قدما راسخة على أعتاب مرحلة جديدة وهي الاستثمار البشري والاعتراف بدور القراءة في تنمية التفكير والانطلاق بقوة نحو التنوير الذي ظل حلما بعيد المنال لكثير من مفكري النهضة العربية منذ مطلع القرن العشرين، حيث صرح الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة أن هذا القانون يستهدف الاستثمار في الإنسان بالدرجة الأولى، ويرسخ صورة الإمارات كنموذج ملهم في المنطقة، لافتاً سموه إلى أن هدفه جعل التعلم لكل أفراد المجتمع مدى الحياة، وتعزيز الأصول الفكرية والثقافية لمواطنينا.
وحينما يؤكد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة بأن القراءة والمعرفة أساس حقيقي للتطوير في دولة الإمارات، ولابد من تضافر الجهود كافة لإنجاح هذا القانون. وقال إن "هدفنا إعداد أجيال يعملون من أجل تفوقنا، وتحقيق رؤيتنا المستقبلية لدولة الإمارات، فإن ذلك يتوافق تمام الاتفاق مع ما ذهبت إليه كافة الأدبيات القرائية المعاصرة التي ربطت بين القراءة والتفكير من ناحية، والقراءة وإحداث التنوير من ناحية أخرى، وفي إطار العلاقة التبادلية بين القراءة والفكر تبدو تلك العلاقة في أوضح صورها، فكما يسمو الفكر بلغته، يمكن للقراءة أن تسمو بفكر صاحبها، ويشهد تاريخ الفكر الإنساني أن القراءة كانت أشد الأسلحة الأيديولوجية ضراوة، وهي الوسيلة والأداة القوية في السيطرة على الفكر."
وعن طريق القراءة يقوم الإنسان بالعمليات التفكيرية من تفسير وتحليل وموازنة وإدراك للعلاقات، واستخراج للنتائج وتجريد وتعميم، ثم يصب ناتج كل هذه العمليات عندما تمده اللغة بالرموز التي تحدد له المعاني وتحمل له الأفكار. ولا خلاف على أن القراءة هي التي تحدد الفكر،وأن الاثنين متلازمان، بل إنه يذهب إلى حد القول بأن القراءة هي الفكر. ويقول في هذا المفكر اللغوي همبولدت: "إن القراءة هي العضو الأساسي للفكر، فالفكر والقراءة هما شئ واحد وغير قابلين للانفصال".
وأخيرًا تحقق حلم طه حسين
ساعة ما انتهى عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين من كتابه الماتع "مستقبل الثقافة في مصر" في عام 1938 في أثناء رحلته إلى موزين بقرنسا حينما ندبته وزارة المعارف (التربية والتعليم حاليا) لتمثيل مصر في فعاليات مؤتمر اللجان الوطنية للتعاون الفكري الذي عقد في باريس، كتب تقريرا إلى وزارة المعارف تضمن تأكيدا على أن القراءة العامة والحرة والدرسية هي أداة الفكر والحس والشعور، وأن القراءة هي وسيلة التمكين الثقافي للشعوب العربية بوجه عام، وتشكيل الشخصية الوطنية.
وفي ضوء هذا الحلم الذي لم يشهده الأستاذ العميد طه حسين فإنه حقا تحقق، وصار واقعا وليس مجرد أمنيات أو طروحات متناثرة، فقانون القراءة الأول من نوعه أعاد الثقة بين المواطن والمعرفة، وصار وثيقة تضمن تأسيس الشخصية الوطنية التي تفكر وتربط وتستنتج من أجل تكوين لبنات صالحة في صرح الوطن الواحد.
أخيرا لم تعد القراءة ترفا أو ضربا من الرفاهية، بل أصبحت ضرورة معيشية وواقعا من شأنه خلق حالة من الالتحام الوثيق بين المواطن ووطنه، وبين المواطن وهويته، وأخيرا بينه وبين العالم من حوله الذي يعتبر القرءاة والثقافة المرتكز الرئيسي للتنوير والنهضة.
وفي ضوء التسارع المعرفي الراهن استطاعت دولة الإمارات العربية المتحدة أن تحقق سبقا حضاريا ماتعا، نعم فعلتها دولة الإمارات العربية المتحدة، هكذا يمكن توصيف أصداء القانون الأول من نوعه الذي أصدره الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو مشروع تنويري يمنح المواطن العربي وليس الإماراتي فحسب فرصة ممارسة فعل القراءة بمستوياتها المتعددة وفق إطار تشريعي وثمة برامج ومساقات محددة تحت رعاية وإشراف وتنفيذ مؤسسات حكومية تستهدف في منتجها النهائي ترسيخ وتدعيم بل وتكريس عادات القراءة في دولة الإمارات، وإن كنت أرى أن هذا الملمح الحضاري الاستثنائي سيتجاوز بصورة متسارعة تخوم الوطن الإماراتي ليعبر صوب كافة البلدان العربية الأخرى.
قانون القراءة.. صوب تجربة فريدة
ولا يمكن للمواطن العربي أن يتغافل عن هذا السبق الثقافي الفريد الذي أحدثته دولة الإمارات العربية المتحدة بإصدارها قانونا للقراءة، فهي بذلك تؤسس لمرحلة جديدة من مراحل التطور الإنساني في مسيرته الحضارية، إذ تتسابق الدول المتناحرة هذه الآونة في استباق التسليح والاستثمار الاقتصادي والتوسع المادي العمراني، لجأت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى اتخاذ طريق مغاير لسمة العصر الراهن ألا وهو سبيل القراءة، بمعنى الاستثمار البشري الذي يضمن للإنسان بقاءه الحضاري، والأبرز من هذا كله فإن تسليح المرء بالقراءة وإحداثياتها هو خير وسيلة للمنافسة الثقافية من ناحية، ولمواجهة كافة التيارات والاتجاهات الوافدة على البيئة العربية من ناحية أخرى.
نعم بالفعل أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة قانونا للقراءة، واستطاعت أن تنحى منحى مغايرا لما اعتاد عليه المفكرون التربويون العرب والأجانب على السواء حينما رصدوا لنا كنه القراءة بأنها عملية ميكانيكية أو فك رموز، أي ترجمة الرمز المكتوب إلى صوت، والتعريفات التي ترى في عملية القراءة عملية عقلية مركبة وذات شكل هرمي يرتبط بالتفكير بدرجاته المختلفة، بحيث إن كل درجة تفكير تعتمد على ما تحتها ولا تتم بدونها.
أو كما رأى جيبسون من أن القراءة عملية اتصال واستجابة لرموز مكتوبة وترجمتها إلى كلام وفهم معناها. بينما يرى دشنت أن عملية القراءة عملية تتعدى فك الرمز وتهجئة الكلمات المطبوعة، وهي عملية تهدف إلى الوصول لمعنى المادة وفهمها ومن ثم تداخل القارئ بالمادة وتحليلها وعمل إسقاطات ذاتية عليها. أي أن القراءة عملية موضوعية من حيث إدراك معنى المادة، وعملية ذاتية من حيث التفاعل معها وتحليلها واستخلاص نتائج منها.
أما تايلور فذكر لنا منذ سنوات بعيدة أن القراءة عملية تفاعل متكاملة فيها يدرك القارئ الكلمات بالعين ثم يفكر بها ويفسرها حسب خلفيته وتجاربه ويخرج فيها بأفكار وتعميمات وتطبيقات عملية. ويرى سميث القراءة أنها عملية اتصال تحوي نقل معلومات من المرسل إلى المستقبل يرافقها انتخاب ورفض وقبول.
هذا التحول إلى التطبيق هو ما أكسب القانون أهميته وفاعليته في التنفيذ، كون القراءة تصبح لأول مرة فعلا عاما لا يقتصر على الممارسة الأكاديمية أو التجريب المدرسي، لذلك القانون ضمن للقراءة مقاما رفيعا باعتبارها عملية استكشافية تنويرية تأويلية ذات بعد دلالي مقصود، وبهذا التحديد يمكننا أن نذهب مع المحاولات التي ترمي إلى اعتبار القراءة عملية مكمّلة لعملية الكتابة، فلا قراءة من دون نص مكتوب، وبالتالي فالقراءة هي فعل ذهني منتج يؤدي إلى استنباط نص جديد يعتمد في تشكله على آليات القراءة كعملية ذهنية ذات بعد مستقل، ربما يستمد بعض سمات تحفزه من النص المكتوب. وحينما يسمع العربي أن دولة الإمارات العربية المتحدة نصت في قانونها للقراءة توفير حقيبة معرفية للمواليد والأطفال، فإن هذا سيمنح العربي قوة معرفية تمكنه من مواجهة الإشكالات الثقافية المحيطة به من زاوية، ومن زاوية ثانية فإن وجود حقيبة معرفية بيد المواليد بمثابة حق اعتراف علني بأن هذا الوطن منتج للمعرفة والثقافة، وأن حق المعرفة أصبح واجبا إنسانيا توفره الدولة لمواطنيها.
قانون القراءة.. أصداء ونتائج
والجدير بالرصد في إصدار قانون للقراءة بوصفها حقا إنسانيا يتمتع به المواطن الإماراتي ومن ثم العربي بوجه عام هو ما يحققه هذا القانون من جوانب نفع كثيرة، فالقراءة غذاء العقل والروح، وهي نافذتنا نحو العالم وتعتبر من أهم وسائل كسب المعرفة، فهي تمكن الإنسان من الاتصال المباشر بالمعارف الإنسانية في حاضرها وماضيها، وستظل دائماً أهم وسيلة لاتصال الإنسان بعقول الآخرين وأفكارهم، بالإضافة إلى أثرها البالغ في تكوين الشخصية الإنسانية بأبعادها المختلفة.
والقراءة ليست هدفا إنما وسيلة التعليم الأولي، وأصبح العالم ينظر للقراءة بنفس الأهمية التي ينظر بها للكلام والمشي، والذي يقرأ ويفهم ما يقرأ في سرعة يمكنه أن ينجز من الأعمال أضعاف ما ينهي القارئ العادي.
وتعتبر القراءة وفقا لقانونها الأول الجديد أساس التعليم ووسيلته الأولى، والفرد القارئ فرد نامٍ وقادر على استمرار النمو؛ فالقراءة تجعل العقل يستجيب استجابة دقيقة واعية للكلام المطبوع، وهي السبيل للاتصال بعالم الآخرين، واكتساب معارفهم وخبراتهم التي تجعله قادرًا على العيش بفكر ناضج رحب، كما تكسبه القدرة على التعبير عن نفسه. كما أن القراءة ليست هدفا في حد ذاتها، وإنما هي الوسيلة الأولى للتعلم والمعرفة والتفاعل الإيجابي، خاصة إذا ما اعتمد الأهل صيغة دائمة للتفاعل الإيجابي مع الطفل من خلال القراءة بالمناقشة والتحليل، وتبادل الرأي والتعليق على ما يقرؤه الطفل. وقد تكون هذه الإيجابية والتفاعلية هدفا في حد ذاتها؛ حيث أصبحت صفة معبرة عن قدرة الفرد على التعايش والنمو، وهذه المعرفة والتفاعل لن يكونا بغير قراءة.
الإمارات العربية المتحدة تؤسس لوطن التنوير
بموجب إصدار دولة الإمارات العربية لأول قانون للقراءة فهي تضع قدما راسخة على أعتاب مرحلة جديدة وهي الاستثمار البشري والاعتراف بدور القراءة في تنمية التفكير والانطلاق بقوة نحو التنوير الذي ظل حلما بعيد المنال لكثير من مفكري النهضة العربية منذ مطلع القرن العشرين، حيث صرح الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة أن هذا القانون يستهدف الاستثمار في الإنسان بالدرجة الأولى، ويرسخ صورة الإمارات كنموذج ملهم في المنطقة، لافتاً سموه إلى أن هدفه جعل التعلم لكل أفراد المجتمع مدى الحياة، وتعزيز الأصول الفكرية والثقافية لمواطنينا.
وحينما يؤكد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة بأن القراءة والمعرفة أساس حقيقي للتطوير في دولة الإمارات، ولابد من تضافر الجهود كافة لإنجاح هذا القانون. وقال إن "هدفنا إعداد أجيال يعملون من أجل تفوقنا، وتحقيق رؤيتنا المستقبلية لدولة الإمارات، فإن ذلك يتوافق تمام الاتفاق مع ما ذهبت إليه كافة الأدبيات القرائية المعاصرة التي ربطت بين القراءة والتفكير من ناحية، والقراءة وإحداث التنوير من ناحية أخرى، وفي إطار العلاقة التبادلية بين القراءة والفكر تبدو تلك العلاقة في أوضح صورها، فكما يسمو الفكر بلغته، يمكن للقراءة أن تسمو بفكر صاحبها، ويشهد تاريخ الفكر الإنساني أن القراءة كانت أشد الأسلحة الأيديولوجية ضراوة، وهي الوسيلة والأداة القوية في السيطرة على الفكر."
وعن طريق القراءة يقوم الإنسان بالعمليات التفكيرية من تفسير وتحليل وموازنة وإدراك للعلاقات، واستخراج للنتائج وتجريد وتعميم، ثم يصب ناتج كل هذه العمليات عندما تمده اللغة بالرموز التي تحدد له المعاني وتحمل له الأفكار. ولا خلاف على أن القراءة هي التي تحدد الفكر،وأن الاثنين متلازمان، بل إنه يذهب إلى حد القول بأن القراءة هي الفكر. ويقول في هذا المفكر اللغوي همبولدت: "إن القراءة هي العضو الأساسي للفكر، فالفكر والقراءة هما شئ واحد وغير قابلين للانفصال".
وأخيرًا تحقق حلم طه حسين
ساعة ما انتهى عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين من كتابه الماتع "مستقبل الثقافة في مصر" في عام 1938 في أثناء رحلته إلى موزين بقرنسا حينما ندبته وزارة المعارف (التربية والتعليم حاليا) لتمثيل مصر في فعاليات مؤتمر اللجان الوطنية للتعاون الفكري الذي عقد في باريس، كتب تقريرا إلى وزارة المعارف تضمن تأكيدا على أن القراءة العامة والحرة والدرسية هي أداة الفكر والحس والشعور، وأن القراءة هي وسيلة التمكين الثقافي للشعوب العربية بوجه عام، وتشكيل الشخصية الوطنية.
وفي ضوء هذا الحلم الذي لم يشهده الأستاذ العميد طه حسين فإنه حقا تحقق، وصار واقعا وليس مجرد أمنيات أو طروحات متناثرة، فقانون القراءة الأول من نوعه أعاد الثقة بين المواطن والمعرفة، وصار وثيقة تضمن تأسيس الشخصية الوطنية التي تفكر وتربط وتستنتج من أجل تكوين لبنات صالحة في صرح الوطن الواحد.
أخيرا لم تعد القراءة ترفا أو ضربا من الرفاهية، بل أصبحت ضرورة معيشية وواقعا من شأنه خلق حالة من الالتحام الوثيق بين المواطن ووطنه، وبين المواطن وهويته، وأخيرا بينه وبين العالم من حوله الذي يعتبر القرءاة والثقافة المرتكز الرئيسي للتنوير والنهضة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.