تفعيل المشاركة المجتمعية لتطوير وصيانة المدارس واستكمال التشجير بأسيوط    إنفوجراف| أسعار الذهب اليوم السبت 23 أغسطس    1350 مجمعا استهلاكيا يطرح 15 سلعة بتخفيضات ضمن مبادرة خفض الأسعار    «بحوث الصحراء» ينفذ خزانات لتعظيم الاستفادة من مياه الأمطار في مطروح    برئاسة الإمام الأكبر | «حكماء المسلمين» يدين استهداف قافلة إنسانية بالسودان    «صحح مفاهيمك».. مبادرة دعوية خارج المساجد بمشاركة 15 وزارة    ثلاثة أفلام جديدة فى الطريق.. سلمى أبو ضيف تنتعش سينمائيا    ما أسباب استجابة الدعاء؟.. واعظة بالأزهر تجيب    مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية يحيي ذكرى وفاة العالم الكبير الشيخ مصطفى المراغي    طلقات تحذيرية على الحدود بين الكوريتين ترفع حدة التوتر    موعد مباراة النصر والأهلي والقنوات الناقلة بنهائي كأس السوبر السعودي    اليوم.. اجتماع الجمعية العمومية العادية للإسماعيلي لمنافشة الميزانية والحساب الختامي    استئناف مباريات الجولة الأولى بدوري المحترفين    طلاب الثانوية الأزهرية الدور الثانى يؤدون اليوم امتحان التاريخ والفيزياء    تجديد حبس عاطل وشقيقته بتهمة جلب 3000 قرص مخدر داخل طرد بريدي    السجن المشدد 15 سنة لسباك قتل جاره في الجمالية    حبس سائق بتهمة الاستيلاء على سيارة محملة بحقائب وأموال بالسلام    ضبط لحوم وسلع غذائية فاسدة وتحرير 260 محضرًا في حملات تموينية بأسيوط    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تحقيق استقصائى يكتبه حافظ الشاعر عن : بين "الحصة" والبطالة.. تخبط وزارة التعليم المصرية في ملف تعيين المعلمين    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : إلى أين!?    "يونيسيف" تطالب إسرائيل بالوفاء بالتزاماتها والسماح بدخول المساعدات بالكميات اللازمة لغزة    جامعة القاهرة تُطلق قافلة تنموية شاملة لمدينة الحوامدية بالجيزة    حملة «100 يوم صحة» تقدّم 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يومًا    أسعار الفراخ اليوم السبت 23-8-2025 فى أسواق محافظة المنوفية    3 وفيات ومصاب في حادث تصادم مروّع على طريق أسيوط الزراعي    توجيه حكومي جديد لبيع السلع بأسعار مخفضة    المكرونة ب210 جنيهات.. أسعار السمك في مطروح اليوم السبت 23-8-2025    استشهاد 19 فلسطينيا إثر قصف إسرائيل خيام النازحين بخان يونس ومخيم المغازي    «الإفتاء» تستطلع هلال شهر ربيع الأول اليوم    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    الأمم المتحدة: نصف مليون شخص بغزة محاصرون فى مجاعة    تفاصيل وأسباب تفتيش منزل مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق جون بولتون    وزارة الخارجية الروسية تكشف عدد المواطنين الروس المتبقين في غزة    وزارة الصحة تقدم 3 نصائح هامة لشراء الألبان    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    ملف يلا كورة.. خطة انتخابات الأهلي.. رسائل الزمالك.. واعتماد لجنة الحكام    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    بعثة منتخب مصر للناشئين تؤدي مناسك العمرة عقب مواجهة السعودية    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب موقف بلاده من إسرائيل    سعر الطماطم والبطاطس والخضار في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    قطع المياه عن بعض المناطق بأكتوبر الجديدة لمدة 6 ساعات    محمود وفا حكما لمباراة الاتحاد والبنك الأهلى والسيد للإسماعيلى والطلائع    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    حدث بالفن| أول تعليق من شيرين عبد الوهاب بعد أنباء عودتها ل حسام حبيب وفنان يرفض مصافحة معجبة ونجوم الفن في سهرة صيفية خاصة    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منير عليمي : نترجم الرواية لنكتشف أنفسنا ونكتشف العالم
نشر في صوت البلد يوم 02 - 05 - 2017

الكتابة عوالم مفتوحة، الكثير من الكتاب كانوا وسيظلون يدافعون عن هذا التمشي ضد القولبة وهو ما انتهجوه حتى في أعمالهم الأدبية، التي تكسر الحواجز الأجناسية والفكرية والجمالية، لتقديم ما هو جديد دائما، فما هو جديد يجب أن يكون متجاوزا، وما هو متجاوز هو بالضرورة حر، حر خلف الحواجز والحدود.. التقينا المترجم والشاعر التونسي منير عليمي في حوار معه حول الترجمة والشعر والتداخل الأجناسي في الكتابة والإبداع.
نبدأ حديثنا مع عليمي عن رواية بوهوميل هرابال “عزلة صاخبة جدا” التي نشرت منذ أيام عن منشورات المتوسط وأطلت على القارئ العربي لأول مرة هذه الأيام من خلال معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته السابعة والعشرين. إذ يعتبرها مترجمها رواية غيّرت الكثير من عالم الرواية، ليس في التشيك فقط، بل في أوروبا عامّة، لأنّها قطعت مع مقولة الشكل والبناء الجاهزَيْن في الرّواية.
صناعة السلاح
يقول منير عليمي “هذه الرواية بمثابة تجربة جديدة، كانت عبارة عن تحدّ بالنّسبة إلى بوهوميل هرابال كي يجعل من اللغة الشّعرية أساسا لعمل سردي، وتلك هي قوة الرّواية التي أرّخت لفترة عصيبة من تاريخ التّشيك خاصّة وتاريخ أوروبّا عامّة، بأسلوب نجح في صياغة صورة جديدة ومختلفة عمّا نسمّيه اليوم الواقعيّة السحريّة في الرّواية”.
لدى ضيفنا عدد من الترجمات الشعرية، التي عمل فيها على أشعار عالمية مختلفة ومجهولة بالنسبة إلى القارئ العربي، لكنه اختار اقتحام عالم النشر برواية، نسأله هنا عن سبب اختياره لهذه الرواية تحديدا، وإن كان ذلك تأكيدا لميل سوق النشر إلى الروايات وتفضيلها على الشعر، ليجيبنا “نحنُ نطالع دائما كي نصطدم بعالم غير عالمنا، وكلّما عثرنا على عالم مخالفٍ حملنا أنفسنا وسعينا إلى الإقامة فيه. لا وسيلة للإقامة في هذا العالم غير التّرجمة.
قرأت عمل بوهوميل هرابال ووجدتُ نفسي أغوص داخل عملٍ روائي يحمل بين صفحاته عوالم شعرية مغايرة تماما لما كنتُ أحمله من تصوّرات حول الشّعر والرواية عموما. أستطيعُ القولَ إن رواية ‘عزلة صاخبة جدا‘ أعادت الصّخب إلى كلّ قراءاتي السّابقة ودفعتني إلى إجراء محاكمة عادلة لرؤيتي إلى الشّعر والسّرد والفلسفة والفكر بأبعادها المختلفة، ولهذا السّبب أقدمتُ على ترجمة هذا الكتاب”.
يرى عليمي أن ترجمة الرّواية باتت عمليّة ضروريّة الآن كي نتعرّف على أنفسنا وفق نظرة الآخر الرّوائي. ومن ناحية أخرى يعتقد أن الرّواية مهدّدة دائما لأنها تقف دوما وقفة المتّهم والقاضي في آن واحد وذلك لما تشهدهُ من تغيرات ونظريات جديدة تتصارع فيما بينها. أمّا الشعر فهو، في رأيه، كائنٌ أرحب يعيشُ داخل الكون ويمتدّ إلى خارجهِ وبالتّالي هو مسيّر كلّ شيء ولا يقفُ أي جنس أدبي بمعزلٍ عنه، ومسألة نشره مرتبطة بالتّرجمة في حدّ ذاتها، فهي عملية صعبة جدا وعبارة عن كفاح طويل من أجل قذف روح جديدة في نصّ بجسدٍ جديد وهواء صالح للعيش. وبتحقق هذه الرّوح يتحقق الشعر الذي نركض خلفهُ بأكثر من لغة ولا ننال منهُ إلا القليل.
عن الترجمة وعلاقته بها يقول الشاعر والمترجم التونسي “الترجمة عملية قراءة بعينٍ ثالثة. ترجمتُ الكثير من القصائد، ولكن عندما فكّرتُ في محاولة نشرها لم أجد رابطا بين كلّ تلك النّصوص سوى أنها تنتمي إلى الشّعر في معناه الواسع. ترجمة الشّعر تثبتُ أنّ أخطر شيء في هذا العالم هو الكلمات، فهي محرّك كلّ شيء. أن تترجم نصّا شعريا فذلك أشبه بصناعة سلاح جديدٍ وذلك السّلاح نفسه سيكون في يد أكثر من جندي؛ فالمترجمُ هنا هو المسيّر لحرب أبديّة يقودها الشّعر في قلوب شعراء وكتّاب وروائيين وعليهِ هنا أن يكون عادلا. الترّجمة تظلّ عملية قراءة بالنّسبة إلي وأحيانا تتحوّل إلى عملية بحث عن مدى قدرة نصّ ما على العيش داخل بيئة غير بيئته”.
المترجم كغيره من المبدعين في العالم العربي يواجه الكثير من الإشكاليات، وهنا يلفت عليمي إلى أن المترجم مثلهُ مثل كلّ شاعر أو روائي يظلّ فريسة وطنهِ ونخبه البائسة التي تريدُ السّيطرة على كلّ شيء. فهو يعاني من ضيق مجالات التّعامل إضافة إلى غياب المؤسسات التي تدعم الترجمة والمترجمين؛ إذ الترجمة آخر اهتمامات وزارة الثقافة في تونس مثلا، وآخر اهتمامات الجامعات التي لا تولي هذه المسألة اهتماما، كما يقول.
الشعر ضد الاحتضار
نتطرق مع منير عليمي إلى تجربته كشاعر خيّر عدم نشر مخطوطاته، والاكتفاء بنشر نصوص هنا وهناك، ليقول “لا بدّ من الإشارة إلى كوني أنتمي إلى جيل جديدٍ من الشعراء الذين حاولوا جاهدين أن يمسحوا الغبار عن المشهد الأدبي التونسي الممزق والذي تتحكم فيه مؤسسات رسمية مختلفة كانت وما زالت من أكبر المدافعين عن سوق الرّداءة الأدبيّة”.
ويتابع “الشعر تجربة تولدُ أبدية من البداية أو حاملة نعشها معها؛ ف‘الشاعر الحقيقيُّ هو من يولدُ ساعة موتهِ‘. كلّ ما أكتبهُ الآن ينتمي إلى تجربة جيل جديد كاملٍ. لكن لا يمكنُ تقييم ما أكتبه إلا بعد صدور العمل الأوّل الذي لن يطول كثيرا. مسألة نشر الشعر باتت معقدة في تونس، حيث لا توجد دور نشر بالمعنى الحقيقي وذلك لغياب فهم حقيقي لطبيعة المشهد الثقافي في تونس، فمن يمثلون الكاتب التونسي من المنتمين إلى تنظيمات واتحادات لا علاقة لهم بما يحملهُ الجيل الجديد من تصوّرات حقيقية لبناء واقع مغاير يصلِحُ من وضعية دور النشر والتوزيع في تونس. إذا لم يحدث تغيير جذري في صلب وزارة الثقافة فستتحوّل هذه الوزارة بمرور الوقت إلى مستودع كبير لكل ما هو جامد”.
نتطرق مع عليمي إلى الحديث حول رؤيته للشعر التونسي اليوم، ليقول ضيفنا “يشهد الشعر التونسي اليوم ثورة حقيقية بقيادة جيل قطع أشواطا جديدة من أجل كتابة نصّ حقيقي ومتجاوز، جيل لا يصدّق ما يراهُ معلّقا في السّماء العالية لكنّه يصدّق دائما مرارة الأشواك التي يلتقطها بكفّه كي يترك للدم مساحة للكتابة، جيل يكتبُ بدموعه ودمه مع كلّ المسحوقين في هذا الوطن الذي ما زال يركضُ خلف حلمه. لكن هذا لا ينفي وجودَ مشاريع هدم قائمة تسعى جاهدة إلى زرع الرّداءة في كلّ زاوية”.
يحدثنا عليمي عن مشاريعه الأدبية اللاحقة من شعر وترجمة وإن كان يفكر كبقية الشعراء في كتابة رواية، ليقول “أفكّر في طباعة مجموعتي الشّعرية الأولى هذه السّنة إضافة إلى بعض الكتب في مجال التّرجمة التي ستصدر قريبا عن دور نشر تونسية وعربية. أما بالنّسبة إلى الرواية فهي مرتبطة تماما بعملية الكتابة بمعناها الواسع.
إذا حدث وكتبت رواية فالشعر هو ما سيدفعني إلى ذلك، لأنه كما أشرتُ سابقا هو محرّك كلّ شيء، فالرواية الخالية من الشعر أشبهُ بصخرة لا نبض فيها. الشعر هو الحياة لأنه لا يؤمن بموت الإنسان، فإذا آمنتُ بموت الإنسان الذي لا يكفُّ عن الاحتضار، سأتّجه مباشرة إلى الرّواية كي أكتب عن موتهِ”.
الكتابة عوالم مفتوحة، الكثير من الكتاب كانوا وسيظلون يدافعون عن هذا التمشي ضد القولبة وهو ما انتهجوه حتى في أعمالهم الأدبية، التي تكسر الحواجز الأجناسية والفكرية والجمالية، لتقديم ما هو جديد دائما، فما هو جديد يجب أن يكون متجاوزا، وما هو متجاوز هو بالضرورة حر، حر خلف الحواجز والحدود.. التقينا المترجم والشاعر التونسي منير عليمي في حوار معه حول الترجمة والشعر والتداخل الأجناسي في الكتابة والإبداع.
نبدأ حديثنا مع عليمي عن رواية بوهوميل هرابال “عزلة صاخبة جدا” التي نشرت منذ أيام عن منشورات المتوسط وأطلت على القارئ العربي لأول مرة هذه الأيام من خلال معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته السابعة والعشرين. إذ يعتبرها مترجمها رواية غيّرت الكثير من عالم الرواية، ليس في التشيك فقط، بل في أوروبا عامّة، لأنّها قطعت مع مقولة الشكل والبناء الجاهزَيْن في الرّواية.
صناعة السلاح
يقول منير عليمي “هذه الرواية بمثابة تجربة جديدة، كانت عبارة عن تحدّ بالنّسبة إلى بوهوميل هرابال كي يجعل من اللغة الشّعرية أساسا لعمل سردي، وتلك هي قوة الرّواية التي أرّخت لفترة عصيبة من تاريخ التّشيك خاصّة وتاريخ أوروبّا عامّة، بأسلوب نجح في صياغة صورة جديدة ومختلفة عمّا نسمّيه اليوم الواقعيّة السحريّة في الرّواية”.
لدى ضيفنا عدد من الترجمات الشعرية، التي عمل فيها على أشعار عالمية مختلفة ومجهولة بالنسبة إلى القارئ العربي، لكنه اختار اقتحام عالم النشر برواية، نسأله هنا عن سبب اختياره لهذه الرواية تحديدا، وإن كان ذلك تأكيدا لميل سوق النشر إلى الروايات وتفضيلها على الشعر، ليجيبنا “نحنُ نطالع دائما كي نصطدم بعالم غير عالمنا، وكلّما عثرنا على عالم مخالفٍ حملنا أنفسنا وسعينا إلى الإقامة فيه. لا وسيلة للإقامة في هذا العالم غير التّرجمة.
قرأت عمل بوهوميل هرابال ووجدتُ نفسي أغوص داخل عملٍ روائي يحمل بين صفحاته عوالم شعرية مغايرة تماما لما كنتُ أحمله من تصوّرات حول الشّعر والرواية عموما. أستطيعُ القولَ إن رواية ‘عزلة صاخبة جدا‘ أعادت الصّخب إلى كلّ قراءاتي السّابقة ودفعتني إلى إجراء محاكمة عادلة لرؤيتي إلى الشّعر والسّرد والفلسفة والفكر بأبعادها المختلفة، ولهذا السّبب أقدمتُ على ترجمة هذا الكتاب”.
يرى عليمي أن ترجمة الرّواية باتت عمليّة ضروريّة الآن كي نتعرّف على أنفسنا وفق نظرة الآخر الرّوائي. ومن ناحية أخرى يعتقد أن الرّواية مهدّدة دائما لأنها تقف دوما وقفة المتّهم والقاضي في آن واحد وذلك لما تشهدهُ من تغيرات ونظريات جديدة تتصارع فيما بينها. أمّا الشعر فهو، في رأيه، كائنٌ أرحب يعيشُ داخل الكون ويمتدّ إلى خارجهِ وبالتّالي هو مسيّر كلّ شيء ولا يقفُ أي جنس أدبي بمعزلٍ عنه، ومسألة نشره مرتبطة بالتّرجمة في حدّ ذاتها، فهي عملية صعبة جدا وعبارة عن كفاح طويل من أجل قذف روح جديدة في نصّ بجسدٍ جديد وهواء صالح للعيش. وبتحقق هذه الرّوح يتحقق الشعر الذي نركض خلفهُ بأكثر من لغة ولا ننال منهُ إلا القليل.
عن الترجمة وعلاقته بها يقول الشاعر والمترجم التونسي “الترجمة عملية قراءة بعينٍ ثالثة. ترجمتُ الكثير من القصائد، ولكن عندما فكّرتُ في محاولة نشرها لم أجد رابطا بين كلّ تلك النّصوص سوى أنها تنتمي إلى الشّعر في معناه الواسع. ترجمة الشّعر تثبتُ أنّ أخطر شيء في هذا العالم هو الكلمات، فهي محرّك كلّ شيء. أن تترجم نصّا شعريا فذلك أشبه بصناعة سلاح جديدٍ وذلك السّلاح نفسه سيكون في يد أكثر من جندي؛ فالمترجمُ هنا هو المسيّر لحرب أبديّة يقودها الشّعر في قلوب شعراء وكتّاب وروائيين وعليهِ هنا أن يكون عادلا. الترّجمة تظلّ عملية قراءة بالنّسبة إلي وأحيانا تتحوّل إلى عملية بحث عن مدى قدرة نصّ ما على العيش داخل بيئة غير بيئته”.
المترجم كغيره من المبدعين في العالم العربي يواجه الكثير من الإشكاليات، وهنا يلفت عليمي إلى أن المترجم مثلهُ مثل كلّ شاعر أو روائي يظلّ فريسة وطنهِ ونخبه البائسة التي تريدُ السّيطرة على كلّ شيء. فهو يعاني من ضيق مجالات التّعامل إضافة إلى غياب المؤسسات التي تدعم الترجمة والمترجمين؛ إذ الترجمة آخر اهتمامات وزارة الثقافة في تونس مثلا، وآخر اهتمامات الجامعات التي لا تولي هذه المسألة اهتماما، كما يقول.
الشعر ضد الاحتضار
نتطرق مع منير عليمي إلى تجربته كشاعر خيّر عدم نشر مخطوطاته، والاكتفاء بنشر نصوص هنا وهناك، ليقول “لا بدّ من الإشارة إلى كوني أنتمي إلى جيل جديدٍ من الشعراء الذين حاولوا جاهدين أن يمسحوا الغبار عن المشهد الأدبي التونسي الممزق والذي تتحكم فيه مؤسسات رسمية مختلفة كانت وما زالت من أكبر المدافعين عن سوق الرّداءة الأدبيّة”.
ويتابع “الشعر تجربة تولدُ أبدية من البداية أو حاملة نعشها معها؛ ف‘الشاعر الحقيقيُّ هو من يولدُ ساعة موتهِ‘. كلّ ما أكتبهُ الآن ينتمي إلى تجربة جيل جديد كاملٍ. لكن لا يمكنُ تقييم ما أكتبه إلا بعد صدور العمل الأوّل الذي لن يطول كثيرا. مسألة نشر الشعر باتت معقدة في تونس، حيث لا توجد دور نشر بالمعنى الحقيقي وذلك لغياب فهم حقيقي لطبيعة المشهد الثقافي في تونس، فمن يمثلون الكاتب التونسي من المنتمين إلى تنظيمات واتحادات لا علاقة لهم بما يحملهُ الجيل الجديد من تصوّرات حقيقية لبناء واقع مغاير يصلِحُ من وضعية دور النشر والتوزيع في تونس. إذا لم يحدث تغيير جذري في صلب وزارة الثقافة فستتحوّل هذه الوزارة بمرور الوقت إلى مستودع كبير لكل ما هو جامد”.
نتطرق مع عليمي إلى الحديث حول رؤيته للشعر التونسي اليوم، ليقول ضيفنا “يشهد الشعر التونسي اليوم ثورة حقيقية بقيادة جيل قطع أشواطا جديدة من أجل كتابة نصّ حقيقي ومتجاوز، جيل لا يصدّق ما يراهُ معلّقا في السّماء العالية لكنّه يصدّق دائما مرارة الأشواك التي يلتقطها بكفّه كي يترك للدم مساحة للكتابة، جيل يكتبُ بدموعه ودمه مع كلّ المسحوقين في هذا الوطن الذي ما زال يركضُ خلف حلمه. لكن هذا لا ينفي وجودَ مشاريع هدم قائمة تسعى جاهدة إلى زرع الرّداءة في كلّ زاوية”.
يحدثنا عليمي عن مشاريعه الأدبية اللاحقة من شعر وترجمة وإن كان يفكر كبقية الشعراء في كتابة رواية، ليقول “أفكّر في طباعة مجموعتي الشّعرية الأولى هذه السّنة إضافة إلى بعض الكتب في مجال التّرجمة التي ستصدر قريبا عن دور نشر تونسية وعربية. أما بالنّسبة إلى الرواية فهي مرتبطة تماما بعملية الكتابة بمعناها الواسع.
إذا حدث وكتبت رواية فالشعر هو ما سيدفعني إلى ذلك، لأنه كما أشرتُ سابقا هو محرّك كلّ شيء، فالرواية الخالية من الشعر أشبهُ بصخرة لا نبض فيها. الشعر هو الحياة لأنه لا يؤمن بموت الإنسان، فإذا آمنتُ بموت الإنسان الذي لا يكفُّ عن الاحتضار، سأتّجه مباشرة إلى الرّواية كي أكتب عن موتهِ”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.