منافس الأهلي.. بورتو يسابق الزمن لضم فيجا قبل انطلاق مونديال الأندية    7 لاعبين مهددون بالرحيل عن ريال مدريد    أحمد الفيشاوي يثير الجدل مجددًا بظهوره ب«حلق» في أحدث إطلالة على إنستجرام    من مدريد إلى نيويورك..فى انتظار ولادة صعبة لحل الدولتين    باريس سان جيرمان ينهي عقدة تاريخية لأندية فرنسا أوروبيًا    بعد رحيله عن الأهلي.. هل طلب سامي قمصان ضم ميشيل يانكون لجهاز نادي زد؟    لاعبان سابقان.. الزمالك يفاضل بين ثلاثي الدوري لضم أحدهم (تفاصيل)    معاكسة فتاة ببنها تنتهى بجثة ومصاب والأمن يسيطر ويضبط المتهمين    متحدث الصحة: نضع خطة طوارئ متكاملة خلال إجازة العيد.. جاهزية كل المستشفيات    ديستربتيك: استثمرنا 65% من محفظتنا فى شركات ناشئة.. ونستعد لإطلاق صندوق جديد خلال عامين    مطالب برلمانية للحكومة بسرعة تقديم تعديل تشريعى على قانون مخالفات البناء    البلشي يرفض حبس الصحفيين في قضايا النشر: حماية التعبير لا تعني الإفلات من المحاسبة    القومي لحقوق الإنسان يكرم مسلسل ظلم المصطبة    الحبس والغرامة للمتهمين باقتطاع فيديوهات للإعلامية ريهام سعيد وإعادة نشرها    «سيبتك» أولى مفاجآت ألبوم حسام حبيب لصيف 2025    مدير فرع هيئة الرعاية الصحية بالإسماعيلية يستقبل وفدا من الصحة العالمية    رئيس النحالين العرب: 3 جهات رقابية تشرف على إنتاج عسل النحل المصري    وزير الصحة: تجاوزنا أزمة نقص الدواء باحتياطي 3 أشهر.. وحجم التوسع بالمستشفيات مش موجود في العالم    بحثًا عن الزمن المفقود فى غزة    مصطفى كامل وأنوشكا ونادية مصطفى وتامر عبد المنعم فى عزاء والد رئيس الأوبرا    20 صورة.. مستشار الرئيس السيسي يتفقد دير مارمينا في الإسكندرية    موعد أذان مغرب السبت 4 من ذي الحجة 2025.. وبعض الآداب عشر ذي الحجة    بعد نجاح مسابقته السنويَّة للقرآن الكريم| الأزهر يطلق «مسابقة السنَّة النبويَّة»    ماذا على الحاج إذا فعل محظورًا من محظورات الإحرام؟.. الدكتور يسري جبر يجيب    الهمص يتهم الجيش الإسرائيلي باستهداف المستشفيات بشكل ممنهج في قطاع غزة    الإخوان في فرنسا.. كيف تُؤسِّس الجماعة حياةً يوميةً إسلاميةً؟.. خطة لصبغ حياة المسلم فى مجالات بعيدة عن الشق الدينى    المجلس القومي لحقوق الإنسان يكرم أبطال مسلسل ظلم المصطبة    وزارة الزراعة تنفي ما تردد عن بيع المبنى القديم لمستثمر خليجي    برونو يحير جماهير مانشستر يونايتد برسالة غامضة    القاهرة الإخبارية: القوات الروسية تمكنت من تحقيق اختراقات في المواقع الدفاعية الأوكرانية    "أوبك+": 8 أعضاء سيرفعون إنتاج النفط في يوليو ب411 ألف برميل يوميا    قواعد تنسيق العام الجديد.. اعرف تفاصيل اختبارات القدرات    ما حكم بيع جزء من الأضحية؟    محافظ القليوبية يوجه بسرعة الانتهاء من رصف وتطوير محور مصرف الحصة    ب حملة توقيعات.. «الصحفيين»: 5 توصيات ل تعديل المادة 12 من «تنظيم الصحافة والإعلام» (تفاصيل)    استعدادًا لعيد الأضحى| تفتيش نقاط الذبيح ومحال الجزارة بالإسماعيلية    محافظ أسيوط ووزير الموارد المائية والري يتفقدان قناطر أسيوط الجديدة ومحطتها الكهرومائية    تكشف خطورتها.. «الصحة العالمية» تدعو الحكومات إلى حظر جميع نكهات منتجات التبغ    وزير الخارجية يبحث مع عضو لجنة الخدمات العسكرية ب"الشيوخ الأمريكي" سبل دعم الشراكة الاستراتيجية    مصادرة 37 مكبر صوت من التكاتك المخالفة بحملة بشوارع السنبلاوين في الدقهلية    حظك اليوم السبت 31 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    لماذا سيرتدي إنتر القميص الثالث في نهائي دوري أبطال أوروبا؟    تفاصيل ما حدث في أول أيام امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنوفية    "حياة كريمة" تبدأ تنفيذ المسح الميداني في المناطق المتضررة بالإسكندرية    بدر عبد العاطى وزير الخارجية ل"صوت الأمة": مصر تعكف مصر على بذل جهود حثيثة بالشراكة مع قطر أمريكا لوقف الحرب في غزة    وزير التربية والتعليم يبحث مع منظمة "يونيسف" وضع خطط لتدريب المعلمين على المناهج المطورة وطرق التدريس    استخراج حجر بطارية ألعاب من مريء طفل ابتلعه أثناء اللعب.. صور    أفضل الأدعية المستجابة عند العواصف والرعد والأمطار    رئيس الإنجيلية يستهل جولته الرعوية بالمنيا بتنصيب القس ريموند سمعان    ماذا قالت وكالة الطاقة الذرية في تقريرها عن أنشطة إيران؟    مصدر كردي: وفد من الإدارة الذاتية الكردية يتجه لدمشق لبحث تطبيق اتفاق وقّعته الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية قبل نحو 3 أشهر    "نفرح بأولادك"..إلهام شاهين توجه رسالة ل أمينة خليل بعد حفل زفافها (صور)    قبل وقفة عرفة.. «اليوم السابع» يرصد تجهيزات مشعر عرفات "فيديو"    عمرو الدجوى يقدم بلاغا للنائب العام يتهم بنات عمته بالاستيلاء على أموال الأسرة    عيد الأضحى 2025.. محافظ الغربية يؤكد توافر السلع واستعداد المستشفيات لاستقبال العيد    سحب 700 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز.. ضبط 4 طن دقيق مدعم بالمحافظات    سويلم: الأهلي تسلم الدرع في الملعب وحسم اللقب انتهى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرواية والايديولويجا
نشر في صوت البلد يوم 11 - 01 - 2017

تتّصف علاقة الرواية بالايديولوجيا بطابع إشكالي يتّخذ صبغة عويصة. ومن السائد الذي ينزل منزلة اليقين أنّ الأدب برمّته لا يخلو من أن يُعبِّر عن توجهّات ايديولوجية مُعيَّنة، وهذا وفق تصوّر ج. لوكاتش الذي يَعُدٌّ كلّ أفعال البشر مُندرجة في الايديولوجيا.
وهناك عديدٌ من الاتّجاهات النقديّة التي صيغت أسسُها النظريّة والإجرائيّة بمُوجب هذا المقتضى. ولا نعدم في مسير النقد المرجعيات التي تتضمّن المبادئ المُؤسِّسة للعلاقة المذكورة؛ خاصَّة تلك التي تبني قناعاتها وفق الواقعية الاشتراكيّة (ج. لوكاتش: الرواية بوصفها ملحمة بورجوازيّة) أو وفق النظرية الماركسية (تيري إيغلتون)، أو وفق استثمار مُعطيات السوسيولوجيا (غولدمان). بيد أنّ ما ينبغي أخذه بعين المراعاة هو نسبية الربط بين الأدب والايديولوجيا في بعض هذه الاتّجاهات، خاصّة البنيوية التكوينيّة في مقاربتها الفن الروائيّ.
وتنبغي الإشارة- قبل فحص الإشكالية المذكورة- إلى أنّنا نتعامل مع مفهوم الايديولوجيا كما هو مصوغ في الأدبيات الفلسفيّة والسوسيولوجيّة من دون إبداء ما يُمكِن أن يكُون مراجعة له. فقد يُتاح لنا في مناسبة أخرى فعل هذا. وينحصر مفهوم الايديولوجيا العامّ في كونها وعيا يتّصل بإدراك العالم وفهمه وتعاطيه. ويكاد ينقسم هذا المفهوم العامّ إلى ثلاثة فُهُوم رئيسة: أ- بوصفه تبنّيا من قِبَل زمرة اجتماعيّة لمنظور مغلوط في فهم الأوضاع التي تُحيط بها. ب- بصفته توجّها- من قِبَل زمرة اجتماعيّة مُهيمِنة- يتأسّس على مغالطات تُحرِّف الحقائق تحت هاجس الحفاظ على مصالحها والأوضاع الاجتماعيّة كما هي. ج- بعدّه فكرا تنعدم فيه النزعة النقديّة التي تُميِّز العلم. لكنّ ما يهمّ في هذا أنّ الايديولوجيا تتّصف بكونها وعيا يُصاغ في حضن الجماعة، ولا يعود إلى فرد مُفرد، كما تتميّز بمظهريْن، إمّا أن تكُون تكراريّة، لا تُعيد تجديد نفسها إلا في ضوء إضافة عناصر فكريّة جديدة تُدعم القديم القائم في صلبها في هيئة نواة مُوجَّهة نحو الحفاظ على الأوضاع، وإمّا أنّها ثوريّة تسعى إلى بناء تصوّر جديد للعالم يقوم على مُراعاة التطلّعات الاجتماعيّة لزمرة اجتماعيّة صاعدة بوصفها قوّة مُنتجة. لكنّ ما يهم هو أنّ كلّا من المظهريْن يتّصفان بكونهما مُرتبطيْن بوعي جماعيّ. ولقد رُئِيَ إلى الأدب في علاقته بالايديولوجيا انطلاقا من المظهر الثاني، لكنْ وفق سؤال مركزيّ: أيُعبِّر النصّ عن الوعي الصاعد المُغاير لما هو قائم بمُراعاة ما ينبغي أن يكُون (الوعي المُمكِن: غولدمان) أم عن تحريف هذا الوعي الصاعد بوضعه في غير موضعه (إيغلتون: النقد والايديولوجيا)؟
قد يكُون التفكير في علاقة الأدب بالايديولوجيا مقبولا في نطاق ما قيل أعلاه، إذا كان الأمر يتعلّق بإنتاج مُسند إلى الجماعة، ومتّصف بالمجهولية، أو بإنتاج تخييليّ أُنتج فيما قبْل العصر الحديث؛ فمن مُميِّزات الأدب أنّه يتّصل بالكتابة التي تحمل في ثناياها التعبير عن الفرداني، الذي يُعَدّ ميزة المُجتمع البورجوازيّ. وهذا كاف للربط بين الإنتاج التخييليّ والفرد، لا الجماعة. وإذا كان الأمر كذلك فكيف يُعبِّر الأدب عن الايديولوجيا التي هي موصوفة بكونها وعيا ذا اتّصال بما هو جماعيّ؟ يصير هذا الإشكال أكثر قوّة إذا ما طُرح على مُستوى الرواية التي تُعبِّر عن الشرخ العميق الذي حدث بين الفرد والمُجتمع؛ لا جماعة بعينها. صحيح أنّ هناك نصوصا روائيّة تُغاير هذا الاتّصاف الجماليّ، ومنها ما يذهب نحو وجهة مُعاكسة تقوم على تمجيد الفعل البطوليّ للجماعة، كما هو الشأن بالنسبة إلى رواية «الأمّ» لمكسيم غوركي، لكنْ لا يُمْكِن اعتماد نصوص روائيّة استثنائيّة نموذجا لبناء تصوّر لعلاقة الرواية بالايديولوجيا يشمل المتن الروائيّ العالمي برمّته.
لا يُعَدُّ ما قيل في صدد ارتباط الرواية بالوعي الفردانيّ، لا الايديولوجيا، شيئا جديدا؛ فقد أشار إليه لوسيان غولدمان في تنظيره الروايةَ في كتابه المعروف «من أجل علم اجتماع الرواية»؛ إذ رفض أن تنطبق الرؤيةُ إلى العالم- التي تُعَدُّ الركن الأساس في البنيوية التكوينيّة- على فنّ الرواية. وحجّتُه في هذا كون الرؤية إلى العالم تُعَدّ صياغة لتطلّعاتِ جماعة مُعيَّنة مصوغة وفق مقولات ذهنيّة، بينما الرواية تتأسَّس على وعي فردانيّ خاصّ لا يتّصل بجماعة ايديولوجيّة مُعيَّنة. ولهذا افترض مُقاربة مغايرة للنصّ الروائيّ تقوم على توجّه نظريّ مُختلف تماما؛ حيث نقل فهم تكوّن الرواية من الارتباط بالسوسيولوجيا إلى الاقتصاد. واعتمد في هذا على مدى التماثل بين البنية الروائيّة والبنية الاقتصاديّة مُؤسِّسا ما يصفه بالبنية التماثليّة ليجعلها بديلا للرؤية إلى العالم. وتصرّف نظريّ من هذا القبيل من شأنه أن يقطع- بكلّ تأكيد- مع كلّ تحليل ايديولوجيّ للرواية، وإن كان يترك الباب مُشْرَعا على نوع من الميكانيكية في العلاقة بين التخييل وسياقه الاقتصاديّ، وبين الأدب والمصلحة، لأنّ كلّ بنية اقتصاديّة تحمل في نظامها الخاصّ مراعاةَ النفع الذي يتّصل بجماعة ما مُهيمنة ومحاولةَ تأبيده. لكنّ ما يكتسي أهمّية في ما يقرّره غولدمان في مسألة علاقة الرواية بالايديولوجيا، هو الانتقال بالتفكير في تحليل جمالية النصّ الروائيّ من المُفكَّر فيه بوصفه وعيا مُؤسّسَا على علاقة الذات بالعالم- إلى اعتماد الشكل ركيزة أساسا في هذا الصدد؛ وإذ يفعل هذا فإنّه يتّخذ من مقولات اقتصاديّة مركزيّة تصف التطوّر الرأسماليّ من مرحلة الليبرالية إلى مرحلة التروستات والكارتيلات مرورا بالاقتصاد المُوجَّه، لكي يُصنِّف الرواية إلى ثلاث مراحل مُماثلة للمراحل الاقتصاديّة المذكورة.
وتجدر في هذا الصدد الإشارة أيضا إلى علاقة الأدب بالطبعنة – كما يُوظِّفها رولان بارت- بوصفها تطابقا مع الرأي العام. وعلينا أن نُوسِّع هذا الأخير في اتّجاه فعل الكتابة، وما يُصاغ حوله من وجهات نظر. وممّا هو اكيدٌ أنّ الطبعنة لا بدّ أن تشمل- مع التيارات والمدارس- نمطَ الكتابة، والحال أنّ هذه الأخيرة تتأسّس على التنافي مع التقليد؛ إذ تتّجه نحو المُغايرة التي تُعَدُّ جوهر كلّ فعل أدبيّ. ومعنى هذا أنّ بالإمكان معالجة الايديولوجيا أيضُا في مستوى فعل الكتابة، لا في الوعي الذي يُجسَّم عبر المحكي؛ ومن ثمّة فكلّ إنتاج للشكل الأدبيّ لا بدّ أن يتّسم بقدر من الفردانية التي تأخذ بكلّ جدّية مسألة مُغايرة السائد، وكلّ بداهة شكليّة مألوفة، ومن ثمّة كلّ ايديولوجيا تتّصل بالشكل.
........
٭ أكاديمي وأديب من المغرب
تتّصف علاقة الرواية بالايديولوجيا بطابع إشكالي يتّخذ صبغة عويصة. ومن السائد الذي ينزل منزلة اليقين أنّ الأدب برمّته لا يخلو من أن يُعبِّر عن توجهّات ايديولوجية مُعيَّنة، وهذا وفق تصوّر ج. لوكاتش الذي يَعُدٌّ كلّ أفعال البشر مُندرجة في الايديولوجيا.
وهناك عديدٌ من الاتّجاهات النقديّة التي صيغت أسسُها النظريّة والإجرائيّة بمُوجب هذا المقتضى. ولا نعدم في مسير النقد المرجعيات التي تتضمّن المبادئ المُؤسِّسة للعلاقة المذكورة؛ خاصَّة تلك التي تبني قناعاتها وفق الواقعية الاشتراكيّة (ج. لوكاتش: الرواية بوصفها ملحمة بورجوازيّة) أو وفق النظرية الماركسية (تيري إيغلتون)، أو وفق استثمار مُعطيات السوسيولوجيا (غولدمان). بيد أنّ ما ينبغي أخذه بعين المراعاة هو نسبية الربط بين الأدب والايديولوجيا في بعض هذه الاتّجاهات، خاصّة البنيوية التكوينيّة في مقاربتها الفن الروائيّ.
وتنبغي الإشارة- قبل فحص الإشكالية المذكورة- إلى أنّنا نتعامل مع مفهوم الايديولوجيا كما هو مصوغ في الأدبيات الفلسفيّة والسوسيولوجيّة من دون إبداء ما يُمكِن أن يكُون مراجعة له. فقد يُتاح لنا في مناسبة أخرى فعل هذا. وينحصر مفهوم الايديولوجيا العامّ في كونها وعيا يتّصل بإدراك العالم وفهمه وتعاطيه. ويكاد ينقسم هذا المفهوم العامّ إلى ثلاثة فُهُوم رئيسة: أ- بوصفه تبنّيا من قِبَل زمرة اجتماعيّة لمنظور مغلوط في فهم الأوضاع التي تُحيط بها. ب- بصفته توجّها- من قِبَل زمرة اجتماعيّة مُهيمِنة- يتأسّس على مغالطات تُحرِّف الحقائق تحت هاجس الحفاظ على مصالحها والأوضاع الاجتماعيّة كما هي. ج- بعدّه فكرا تنعدم فيه النزعة النقديّة التي تُميِّز العلم. لكنّ ما يهمّ في هذا أنّ الايديولوجيا تتّصف بكونها وعيا يُصاغ في حضن الجماعة، ولا يعود إلى فرد مُفرد، كما تتميّز بمظهريْن، إمّا أن تكُون تكراريّة، لا تُعيد تجديد نفسها إلا في ضوء إضافة عناصر فكريّة جديدة تُدعم القديم القائم في صلبها في هيئة نواة مُوجَّهة نحو الحفاظ على الأوضاع، وإمّا أنّها ثوريّة تسعى إلى بناء تصوّر جديد للعالم يقوم على مُراعاة التطلّعات الاجتماعيّة لزمرة اجتماعيّة صاعدة بوصفها قوّة مُنتجة. لكنّ ما يهم هو أنّ كلّا من المظهريْن يتّصفان بكونهما مُرتبطيْن بوعي جماعيّ. ولقد رُئِيَ إلى الأدب في علاقته بالايديولوجيا انطلاقا من المظهر الثاني، لكنْ وفق سؤال مركزيّ: أيُعبِّر النصّ عن الوعي الصاعد المُغاير لما هو قائم بمُراعاة ما ينبغي أن يكُون (الوعي المُمكِن: غولدمان) أم عن تحريف هذا الوعي الصاعد بوضعه في غير موضعه (إيغلتون: النقد والايديولوجيا)؟
قد يكُون التفكير في علاقة الأدب بالايديولوجيا مقبولا في نطاق ما قيل أعلاه، إذا كان الأمر يتعلّق بإنتاج مُسند إلى الجماعة، ومتّصف بالمجهولية، أو بإنتاج تخييليّ أُنتج فيما قبْل العصر الحديث؛ فمن مُميِّزات الأدب أنّه يتّصل بالكتابة التي تحمل في ثناياها التعبير عن الفرداني، الذي يُعَدّ ميزة المُجتمع البورجوازيّ. وهذا كاف للربط بين الإنتاج التخييليّ والفرد، لا الجماعة. وإذا كان الأمر كذلك فكيف يُعبِّر الأدب عن الايديولوجيا التي هي موصوفة بكونها وعيا ذا اتّصال بما هو جماعيّ؟ يصير هذا الإشكال أكثر قوّة إذا ما طُرح على مُستوى الرواية التي تُعبِّر عن الشرخ العميق الذي حدث بين الفرد والمُجتمع؛ لا جماعة بعينها. صحيح أنّ هناك نصوصا روائيّة تُغاير هذا الاتّصاف الجماليّ، ومنها ما يذهب نحو وجهة مُعاكسة تقوم على تمجيد الفعل البطوليّ للجماعة، كما هو الشأن بالنسبة إلى رواية «الأمّ» لمكسيم غوركي، لكنْ لا يُمْكِن اعتماد نصوص روائيّة استثنائيّة نموذجا لبناء تصوّر لعلاقة الرواية بالايديولوجيا يشمل المتن الروائيّ العالمي برمّته.
لا يُعَدُّ ما قيل في صدد ارتباط الرواية بالوعي الفردانيّ، لا الايديولوجيا، شيئا جديدا؛ فقد أشار إليه لوسيان غولدمان في تنظيره الروايةَ في كتابه المعروف «من أجل علم اجتماع الرواية»؛ إذ رفض أن تنطبق الرؤيةُ إلى العالم- التي تُعَدُّ الركن الأساس في البنيوية التكوينيّة- على فنّ الرواية. وحجّتُه في هذا كون الرؤية إلى العالم تُعَدّ صياغة لتطلّعاتِ جماعة مُعيَّنة مصوغة وفق مقولات ذهنيّة، بينما الرواية تتأسَّس على وعي فردانيّ خاصّ لا يتّصل بجماعة ايديولوجيّة مُعيَّنة. ولهذا افترض مُقاربة مغايرة للنصّ الروائيّ تقوم على توجّه نظريّ مُختلف تماما؛ حيث نقل فهم تكوّن الرواية من الارتباط بالسوسيولوجيا إلى الاقتصاد. واعتمد في هذا على مدى التماثل بين البنية الروائيّة والبنية الاقتصاديّة مُؤسِّسا ما يصفه بالبنية التماثليّة ليجعلها بديلا للرؤية إلى العالم. وتصرّف نظريّ من هذا القبيل من شأنه أن يقطع- بكلّ تأكيد- مع كلّ تحليل ايديولوجيّ للرواية، وإن كان يترك الباب مُشْرَعا على نوع من الميكانيكية في العلاقة بين التخييل وسياقه الاقتصاديّ، وبين الأدب والمصلحة، لأنّ كلّ بنية اقتصاديّة تحمل في نظامها الخاصّ مراعاةَ النفع الذي يتّصل بجماعة ما مُهيمنة ومحاولةَ تأبيده. لكنّ ما يكتسي أهمّية في ما يقرّره غولدمان في مسألة علاقة الرواية بالايديولوجيا، هو الانتقال بالتفكير في تحليل جمالية النصّ الروائيّ من المُفكَّر فيه بوصفه وعيا مُؤسّسَا على علاقة الذات بالعالم- إلى اعتماد الشكل ركيزة أساسا في هذا الصدد؛ وإذ يفعل هذا فإنّه يتّخذ من مقولات اقتصاديّة مركزيّة تصف التطوّر الرأسماليّ من مرحلة الليبرالية إلى مرحلة التروستات والكارتيلات مرورا بالاقتصاد المُوجَّه، لكي يُصنِّف الرواية إلى ثلاث مراحل مُماثلة للمراحل الاقتصاديّة المذكورة.
وتجدر في هذا الصدد الإشارة أيضا إلى علاقة الأدب بالطبعنة – كما يُوظِّفها رولان بارت- بوصفها تطابقا مع الرأي العام. وعلينا أن نُوسِّع هذا الأخير في اتّجاه فعل الكتابة، وما يُصاغ حوله من وجهات نظر. وممّا هو اكيدٌ أنّ الطبعنة لا بدّ أن تشمل- مع التيارات والمدارس- نمطَ الكتابة، والحال أنّ هذه الأخيرة تتأسّس على التنافي مع التقليد؛ إذ تتّجه نحو المُغايرة التي تُعَدُّ جوهر كلّ فعل أدبيّ. ومعنى هذا أنّ بالإمكان معالجة الايديولوجيا أيضُا في مستوى فعل الكتابة، لا في الوعي الذي يُجسَّم عبر المحكي؛ ومن ثمّة فكلّ إنتاج للشكل الأدبيّ لا بدّ أن يتّسم بقدر من الفردانية التي تأخذ بكلّ جدّية مسألة مُغايرة السائد، وكلّ بداهة شكليّة مألوفة، ومن ثمّة كلّ ايديولوجيا تتّصل بالشكل.
........
٭ أكاديمي وأديب من المغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.