جامعة المنيا تستضيف أسبوع شباب الجامعات ال 14    أسعار الذهب في ختام التعاملات اليوم السبت 2025.12.27    حزم بالجمارك والضرائب العقارية قريبًا لتخفيف الأعباء على المستثمرين والمواطنين    فتح المطارات للاستثمار |شراكة تشغيلية مع القطاع الخاص دون المساس بالسيادة    مصر و20 دولة عربية وإسلامية تعلن رفضها اعتراف إسرائيل باستقلالية إقليم أرض الصومال    فرنسا ترحب باتفاق وقف إطلاق النار بين تايلاند وكمبوديا    انطلاق مباراة تونس ونيجيريا في كأس أمم أفريقيا 2025    النصر يحطم أرقام دوري روشن بانطلاقة تاريخية بعد ثلاثية الأخدود    الأهلي يفوز على الكويت الكويتي ويتوج بالبطولة العربية لكرة الماء    رصاصة أنهت الخلاف.. مصرع حداد في مشاجرة بالأسلحة النارية بشبرا الخيمة    هنا شيحة ناعية داوود عبد السيد.. «ترك لنا أفلامًا ما زالت تعيش»    شاهد أولى كواليس «حد أقصى» بطولة روجينا | رمضان 2026    سهر الصايغ وعمرو عبد الجليل يتعاقدان على «إعلام وراثة» | رمضان 2026    الوطنية للانتخابات تعلن انتهاء اليوم الأول من التصويت بإعادة الدوائر ال19    كواليس الاجتماعات السرية قبل النكسة.. قنديل: عبد الناصر حدد موعد الضربة وعامر رد بهو كان نبي؟    218 فعالية و59 ألف مستفيد.. حصاد مديرية الشباب والرياضة بالمنيا خلال 2025    نيجيريا ضد تونس .. نسور قرطاج بالقوة الضاربة فى كأس أمم أفريقيا    خبيرة تكشف طرق الاختيار السليم للزواج وتوقعات الأبراج 2026    خبير تشريعات: توثيق 1500 فيديو لمرشحين خلال 6 جولات يشتكون من انتهاكات    وزير الصحة يكرم الزميل عاطف السيد تقديرًا لدوره في تغطية ملف الشئون الصحية    الجيش السوداني يعلن استعادة السيطرة على منطقة الداكنوج بكردفان    موجة جوية غير مستقرة بشمال سيناء تتسبب بإغلاق ميناء العريش    النائب أحمد سيد: السياحة قضية أمن قومي وصناعة استراتيجية تقود الاقتصاد الوطني    الدفاعات الجوية الروسية تسقط 111 مسيرة أوكرانية خلال 3 ساعات    جهود لإنقاذ طفل سقط في بئر مياه شمالي غزة    معهد بحوث البترول وجامعة بورسعيد يوقعان اتفاقية تعاون استراتيجية لدعم التنمية والابتكار    تأجيل قضية فتى الدارك ويب المتهم بقتل طفل شبرا الخيمة لجلسة 24 يناير    تعليم العاصمة تعلن انطلاق البث المباشر لمراجعات الشهادة الإعدادية    خبير نووى: الأوروبيون فقدوا أوراق الضغط وإيران تتحرك بحرية فى ملف التخصيب    تجربة رائدة لدمج التعليم بالإنتاج فى كفرالشيخ |أرباح مليونية بالمدارس الزراعية    وزير الإسكان يتفقد مشروع "حدائق تلال الفسطاط" بمحافظة القاهرة    مسؤول سابق بالخارجية الأمريكية: واشنطن لن تسمح لإسرائيل بشن هجوم على إيران    صادر له قرار هدم منذ 22 عاما.. النيابة تطلب تحريات تحطم سيارة إثر انهيار عقار بجمرك الإسكندرية    ألمانيا تغلق مطار هانوفر بعد رصد مسيرات في مجاله الجوي    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    وزير الطاقة بجيبوتي: محطة الطاقة الشمسية في عرتا شهادة على عمق الشراكة مع مصر    يصيب بالجلطات ويُعرض القلب للخطر، جمال شعبان يحذر من التعرض للبرد الشديد    جولة في غرفة ملابس الأهلي قبل مواجهة المصرية للاتصالات بكأس مصر    السجن 10 أعوام وغرامة 50 ألف جنيه لمتهم بحيازة مخدرات وسلاح ناري بالإسكندرية    شوربة شوفان باللبن والخضار، بديل خفيف للعشاء المتأخر    الأرصاد: السحب تتشكل على جنوب الوجه البحري وتتجه للقاهرة وتوقعات بسقوط أمطار    بعزيمته قبل خطواته.. العم بهي الدين يتحدى العجز ويشارك في الانتخابات البرلمانية بدشنا في قنا    عمومية الطائرة تعتمد بالإجماع تعديلات لائحة النظام الأساسي وفق قانون الرياضة الجديد    الدكتور أحمد يحيى يشارك باحتفالية ميثاق التطوع ويؤكد: العمل الأهلى منظومة تنموية    الرقابة المالية تصدر نموذج وثيقة تأمين سند الملكية العقارية في مصر    افتتاح مشروعات تعليمية وخدمية في جامعة بورسعيد بتكلفة 436 مليون جنيه    تعذر وصول رئيس اللجنة 40 بمركز إيتاي البارود لتعرضه لحادث    27 ديسمبر 2025.. أسعار الحديد والاسمنت بالمصانع المحلية اليوم    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    موعد مباراة السنغال والكونغو الديمقراطية بأمم أفريقيا.. والقنوات الناقلة    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    الصحة: فحص 9 ملايين و759 ألف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج فقدان السمع لدى حديثي الولادة    عشرات الشباب يصطفون أمام لجان دائرة الرمل في أول أيام إعادة انتخابات النواب 2025    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    فلافيو: الفراعنة مرشحون للقب أفريقيا وشيكوبانزا يحتاج ثقة جمهور الزمالك    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    لماذا لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة خديجة طيلة 25 عامًا؟.. أحمد كريمة يُجيب    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعرف على رد دار الإفتاء ما هو التكفير ومن له الحق فى إصدار الحكم
نشر في صوت البلد يوم 15 - 12 - 2016

فندت دار الإفتاء المصرية، قضية التكفير فى ردها على عدة تساؤلات وهى ما التكفير؟ وما حكمه؟ وهل يجوز لكل شخص أن ينزل حكم الكفر على آحاد الناس؟ وما يجب على المسلم حتى يأمن شر هذه الفتنة؟
قالت دار الإفتاء، إن التكفير متعلق بإنزال أحكام الكفر؛ ولذا فعلينا أن نعرف الكفر أولاً، لأنه من المقرر أن الحكم على شىء فرع عن تصوره.
تعريف الكفر:
الكفر لغة: نقيض الإيمان، يقال: كفر بالله (من باب نصر) يكفر كفرا وكفورا وكفرانا، فهو كافر، والجمع: كفار، وكفرة. وهو: كفار أيضًا، وهو: كفور، والجمع: كفر. وهى: كافرة، والجمع: كوافر.
قال الراغب الأصفهاني: ويقال: (كفر فلان) إذا اعتقد الكفر، ويقال ذلك: إذا أظهر الكفر وإن لم يعتقد؛ ولذلك قال تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}.
والكفر شرعا: إنكار ما علم ضرورة أنه من دين سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- كإنكار وجود الصانع، ونبوته -عليه الصلاة والسلام- وحرمة الزنا ونحو ذلك.
قال الإمام الغزالي: «كل حكم شرعى يدعيه مدع فإما أن يعرفه بأصل من أصول الشرع من إجماع أو نقل أو بقياس على أصل، وكذلك كون الشخص كافرا إما أن يدرك بأصل أو بقياس على ذلك الأصل، والأصل المقطوع به أن كل من كذب محمدا -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر».
وقال أيضا فى فيصل التفرقة: «اعلم أن شرح ما يكفر به وما لا يكفر به يستدعى تفصيلا طويلا يفتقر إلى ذكر كل المقالات والمذاهب، وذكر شبهة كل واحد ودليل ووجه بعده عن الظاهر، ووجه تأويله، وذلك لا يحويه مجلدات، ولا تتسع لشرح ذلك أوقاتى، فاقنع الآن بوصية وقانون: أما الوصية: فأن تكف لسانك عن أهل القبلة ما أمكنك، ما داموا قائلين: لا إله إلا الله محمد رسول الله، غير مناقضين لها، والمناقضة: تجويزهم الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعذر، أو غير عذر، فإن التكفير فيه خطر، والسكوت لا خطر فيه. أما القانون: فهو أن تعلم أن النظريات قسمان: قسم يتعلق بأصول القواعد، وقسم يتعلق بالفروع... إلى أن قال: «لا تكفير فى الفروع أصلا، إلا فى مسألة واحدة، وهى أن ينكر أصلا دينيا علم من الرسول صلى الله عليه وسلم بالتواتر، لكن فى بعضها تخطئة، كما فى الفقهيات، وفى بعضها تبديع، كالخطأ المتعلق بالإمامة وأحوال الصحابة.
وجاء فى المعيار المعرب للونشريسى: قال الأبيارى وغيره: «وضابط ما يكفر به ثلاثة أمور:
أحدها: ما يكون نفس اعتقاده كفرا كإنكار الصانع وصفاته التى لا يكون إلا صانعا بها، وجحد النبوءة.
الثانى: صدور ما لا يقع إلا من كافر.
الثالث: إنكار ما علم من الدين ضرورة؛ لأنه مائل إلى تكذيب الشارع. وهذا الضابط ذكره الشيح عز الدين ابن عبد السلام فى قواعده، والقرافى فى قواعده وغيرهم».
وقال القرافى: «وأصل الكفر إنما هو انتهاك خاص لحرمة الربوبية، إما بالجهل بوجود الصانع، أو صفاته العلية، أو جحد ما علم من الدين بالضرورة».
لا يكفر المسلم بذنب فعله:
من أصول عقيدة المسلمين أنهم لا يكفرون أحدا من المسلمين بذنب، ولو كان من كبائر الذنوب -فى ما دون الشرك- قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما} فإنهم لا يحكمون على مرتكبها بالكفر، وإنما يحكمون عليه بالفسق ونقص الإيمان ما لم يستحله؛ لأن أصل الكفر هو التكذيب المتعمد، وشرح الصدر له، وطمأنينة القلب به، وسكون النفس إليه. قال تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم}.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة من أصل الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله، ولا تكفره بذنب، ولا تخرجه من الإسلام بعمل...».
قال النووى: «اعلم أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب ولا يكفر أهل الأهواء والبدع (الخوارج، المعتزلة، الرافضة، وغيرهم)، وأن من جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة حكم بردته وكفره إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة ونحوه ممن يخفى عليه، فيعرف ذلك، فإن استمر حكم بكفره، وكذا حكم من استحل الزنا أو الخمر أو القتل أو غير ذلك من المحرمات التى يعلم تحريمها ضرورة».
وقال ابن تيمية‏:‏ «ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله، ولا بخطأ أخطأ به، كالمسائل التى تنازع فيها أهل القبلة، فإن الله تعالى قال‏: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير}، وقد ثبت فى الصحيح أن الله تعالى أجاب هذا الدعاء وغفر للمؤمنين خطأهم».
تعريف التكفير:
التكفير تفعيل من الكفر، وهو مصدر كفر، يقال: كفره (بالتشديد) تكفيرا: نسبه إلى الكفر.
حكم التكفير:
الوصف بالكفر دائر بين حكمين: أحدهما: التحريم، وذلك إذا كان من يوصف بالكفر مسلما باقيا على إسلامه، ولم يقم الدليل على كفره؛ لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذى له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله فى ذمته". وقوله: "أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه".
ثانيهما: الوجوب، إذا كان وصف الكفر صادرا ممن هو أهل له من المفتين والقضاة، وكان من وصف به مستحقا له ممن توافر فيه شروط الكفر سابقة الذكر.
التكفير مسألة فقهية من اختصاص أهل الفتوى والقضاء:
التكفير مسألة فقهية، بمعنى أنها حكم شرعى يوصف به فعل من كان مكلفا بالشرع، قال الغزالى -رضى الله عنه- فى الاقتصاد: «إن هذه مسألة فقهية، أعنى الحكم بتكفير من قال قولا وتعاطى فعلا، فإنها تارة تكون معلومة بأدلة سمعية وتارة تكون مظنونة بالاجتهاد، ولا مجال لدليل العقل فيها البتة، ولا يمكن تفهيم هذا إلا بعد تفهيم قولنا: إن هذا الشخص كافر والكشف عن معناه، وذلك يرجع إلى الإخبار عن مستقره فى الدار الآخرة وأنه فى النار على التأبيد، وعن حكمه فى الدنيا وأنه لا يجب القصاص بقتله ولا يمكن من نكاح مسلمة ولا عصمة لدمه وماله، إلى غير ذلك من الأحكام».
وقال أيضا فى فيصل التفرقة: «الكفر حكم شرعى، كالرق والحرية مثلا؛ إذ معناه إباحة الدم والحكم بالخلود فى النار، ومدركه شرعى فيدرك إما بنص وإما بقياس على منصوص».
وقال أيضا: «قد ظن بعض الناس أن مأخذ التكفير من العقل لا من الشرع وأن الجاهل بالله كافر، والعارف به مؤمن. فيقال له: الحكم بإباحة الدم والخلود فى النار، حكم شرعى لا معنى له قبل ورود الشرع».
وقال الإمام السبكى فى الفتاوى: «التكفير حكم شرعى سببه جحد الربوبية أو الوحدانية أو الرسالة أو قول أو فعل حكم الشارع بأنه كفر وإن لم يكن جحدا».
وقال الشهرستاني: «وللأصوليين خلاف فى تكفير أهل الأهواء مع قطعهم بأن المصيب واحد بعينه؛ لأن التكفير حكم شرعى، والتصويب حكم عقلى».
يجب على المفتين والقضاة الاحتياط فى إنزال حكم الكفر المعين:
على الرغم من أن قضية إنزال حكم الكفر خاصة بالمفتين والقضاة إلا أن العلماء لم يفوتهم أن ينبهوا على الاحتياط فى هذا الشأن؛ لذلك تضافرت أدلة الشرع الشريف على وجوب الاحتياط فى تكفير المسلم، قال تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا}. فحذرهم من التسرع فى التكفير، وأمرهم بالتثبت فى حق من ظهرت منه علامات الإسلام فى موطن ليس أهله بمسلمين.
وعن أبى ذر رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « .. ومن دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه».
وعليه فلا ينبغى التسرع فى تكفير المسلم متى أمكن حمل كلامه على محمل حسن، وما يشك فى أنه كفر لا يحكم به، فإن المسلم لا يخرجه عن الإيمان إلا جحود ما أدخله فيه؛ إذ الإسلام الثابت لا يزول بالشك، وقد تتابعت كلمات العلماء على تقرير هذا الأمر، نذكر منها ما يلى:
قال الإمام الغزالى: «ولا ينبغى أن يظن أن التكفير ونفيه ينبغى أن يدرك قطعا فى كل مقام، بل التكفير حكم شرعى يرجع إلى: إباحة المال، وسفك الدم، والحكم بالخلود فى النار، فمأخذه كمأخذ سائر الأحكام الشرعية فتارة يدرك بيقين، وتارة بظن غالب، وتارة يتردد فيه. ومهما حصل تردد، فالوقف فيه عن التكفير أولى، والمبادرة إلى التكفير إنما تغلب على طباع من يغلب عليهم الجهل».
وقال أيضًا فى الاقتصاد: «والذى ينبغى أن يميل المحصل إليه الاحتراز من التكفير ما وجد إليه سبيلا، فإن استباحة الأموال والدماء من المصلين إلى القبلة، المصرحين بقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، خطأ، والخطأ فى ترك تكفير ألف كافر فى الحياة أهون من الخطأ فى سفك محجمة من دم امرئ مسلم، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله».
وقال ابن عابدين: «لا يفتى بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن أو كان فى كفره خلاف، ولو كان ذلك رواية ضعيفة».
وجاء فى البحر الرائق: وفى جامع الفصولين: «روى الطحاوى عن أصحابنا لا يخرج الرجل من الإيمان إلا جحود ما أدخله فيه، وما يشك فى أنه ردة لا يحكم به؛ إذ الإسلام الثابت لا يزول بالشك مع أن الإسلام يعلو وينبغى للعالم إذا رفع إليه هذا ألا يبادر بتكفير أهل الإسلام. وفى الفتاوى الصغرى: الكفر شىء عظيم، فلا أجعل المؤمن كافرا متى وجدت رواية أنه لا يكفر. وفى الخلاصة وغيرها: إذا كان فى المسألة وجوه توجب التكفير ووجه واحد يمنع التكفير فعلى المفتى أن يميل إلى الوجه الذى يمنع التكفير تحسينا للظن بالمسلم. زاد فى البزازية: إلا إذا صرح بإرادة موجب الكفر فلا ينفعه التأويل حينئذ. وفى التتارخانية: لا يكفر بالمحتمل لأن الكفر نهاية فى العقوبة فيستدعى نهاية فى الجناية ومع الاحتمال لا نهاية».
وقال ابن حجر الهيتمى: «ينبغى للمفتى أن يحتاط فى التكفير ما أمكنه لعظيم خطره وغلبة عدم قصده سيما من العوام».
ومما ذكر يتبين لنا حقيقة التكفير، وحكمه، وضوابطه، وتبين لنا أنه وظيفة القاضى والمفتى، ولا يجوز لغيرهما التجرؤ والافتيات عليهما فيه، لما فى ذلك السلوك من المخاطر الشديدة، على الفرد والمجتمع.
فندت دار الإفتاء المصرية، قضية التكفير فى ردها على عدة تساؤلات وهى ما التكفير؟ وما حكمه؟ وهل يجوز لكل شخص أن ينزل حكم الكفر على آحاد الناس؟ وما يجب على المسلم حتى يأمن شر هذه الفتنة؟
قالت دار الإفتاء، إن التكفير متعلق بإنزال أحكام الكفر؛ ولذا فعلينا أن نعرف الكفر أولاً، لأنه من المقرر أن الحكم على شىء فرع عن تصوره.
تعريف الكفر:
الكفر لغة: نقيض الإيمان، يقال: كفر بالله (من باب نصر) يكفر كفرا وكفورا وكفرانا، فهو كافر، والجمع: كفار، وكفرة. وهو: كفار أيضًا، وهو: كفور، والجمع: كفر. وهى: كافرة، والجمع: كوافر.
قال الراغب الأصفهاني: ويقال: (كفر فلان) إذا اعتقد الكفر، ويقال ذلك: إذا أظهر الكفر وإن لم يعتقد؛ ولذلك قال تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}.
والكفر شرعا: إنكار ما علم ضرورة أنه من دين سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- كإنكار وجود الصانع، ونبوته -عليه الصلاة والسلام- وحرمة الزنا ونحو ذلك.
قال الإمام الغزالي: «كل حكم شرعى يدعيه مدع فإما أن يعرفه بأصل من أصول الشرع من إجماع أو نقل أو بقياس على أصل، وكذلك كون الشخص كافرا إما أن يدرك بأصل أو بقياس على ذلك الأصل، والأصل المقطوع به أن كل من كذب محمدا -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر».
وقال أيضا فى فيصل التفرقة: «اعلم أن شرح ما يكفر به وما لا يكفر به يستدعى تفصيلا طويلا يفتقر إلى ذكر كل المقالات والمذاهب، وذكر شبهة كل واحد ودليل ووجه بعده عن الظاهر، ووجه تأويله، وذلك لا يحويه مجلدات، ولا تتسع لشرح ذلك أوقاتى، فاقنع الآن بوصية وقانون: أما الوصية: فأن تكف لسانك عن أهل القبلة ما أمكنك، ما داموا قائلين: لا إله إلا الله محمد رسول الله، غير مناقضين لها، والمناقضة: تجويزهم الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعذر، أو غير عذر، فإن التكفير فيه خطر، والسكوت لا خطر فيه. أما القانون: فهو أن تعلم أن النظريات قسمان: قسم يتعلق بأصول القواعد، وقسم يتعلق بالفروع... إلى أن قال: «لا تكفير فى الفروع أصلا، إلا فى مسألة واحدة، وهى أن ينكر أصلا دينيا علم من الرسول صلى الله عليه وسلم بالتواتر، لكن فى بعضها تخطئة، كما فى الفقهيات، وفى بعضها تبديع، كالخطأ المتعلق بالإمامة وأحوال الصحابة.
وجاء فى المعيار المعرب للونشريسى: قال الأبيارى وغيره: «وضابط ما يكفر به ثلاثة أمور:
أحدها: ما يكون نفس اعتقاده كفرا كإنكار الصانع وصفاته التى لا يكون إلا صانعا بها، وجحد النبوءة.
الثانى: صدور ما لا يقع إلا من كافر.
الثالث: إنكار ما علم من الدين ضرورة؛ لأنه مائل إلى تكذيب الشارع. وهذا الضابط ذكره الشيح عز الدين ابن عبد السلام فى قواعده، والقرافى فى قواعده وغيرهم».
وقال القرافى: «وأصل الكفر إنما هو انتهاك خاص لحرمة الربوبية، إما بالجهل بوجود الصانع، أو صفاته العلية، أو جحد ما علم من الدين بالضرورة».
لا يكفر المسلم بذنب فعله:
من أصول عقيدة المسلمين أنهم لا يكفرون أحدا من المسلمين بذنب، ولو كان من كبائر الذنوب -فى ما دون الشرك- قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما} فإنهم لا يحكمون على مرتكبها بالكفر، وإنما يحكمون عليه بالفسق ونقص الإيمان ما لم يستحله؛ لأن أصل الكفر هو التكذيب المتعمد، وشرح الصدر له، وطمأنينة القلب به، وسكون النفس إليه. قال تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم}.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة من أصل الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله، ولا تكفره بذنب، ولا تخرجه من الإسلام بعمل...».
قال النووى: «اعلم أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب ولا يكفر أهل الأهواء والبدع (الخوارج، المعتزلة، الرافضة، وغيرهم)، وأن من جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة حكم بردته وكفره إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة ونحوه ممن يخفى عليه، فيعرف ذلك، فإن استمر حكم بكفره، وكذا حكم من استحل الزنا أو الخمر أو القتل أو غير ذلك من المحرمات التى يعلم تحريمها ضرورة».
وقال ابن تيمية‏:‏ «ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله، ولا بخطأ أخطأ به، كالمسائل التى تنازع فيها أهل القبلة، فإن الله تعالى قال‏: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير}، وقد ثبت فى الصحيح أن الله تعالى أجاب هذا الدعاء وغفر للمؤمنين خطأهم».
تعريف التكفير:
التكفير تفعيل من الكفر، وهو مصدر كفر، يقال: كفره (بالتشديد) تكفيرا: نسبه إلى الكفر.
حكم التكفير:
الوصف بالكفر دائر بين حكمين: أحدهما: التحريم، وذلك إذا كان من يوصف بالكفر مسلما باقيا على إسلامه، ولم يقم الدليل على كفره؛ لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذى له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله فى ذمته". وقوله: "أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه".
ثانيهما: الوجوب، إذا كان وصف الكفر صادرا ممن هو أهل له من المفتين والقضاة، وكان من وصف به مستحقا له ممن توافر فيه شروط الكفر سابقة الذكر.
التكفير مسألة فقهية من اختصاص أهل الفتوى والقضاء:
التكفير مسألة فقهية، بمعنى أنها حكم شرعى يوصف به فعل من كان مكلفا بالشرع، قال الغزالى -رضى الله عنه- فى الاقتصاد: «إن هذه مسألة فقهية، أعنى الحكم بتكفير من قال قولا وتعاطى فعلا، فإنها تارة تكون معلومة بأدلة سمعية وتارة تكون مظنونة بالاجتهاد، ولا مجال لدليل العقل فيها البتة، ولا يمكن تفهيم هذا إلا بعد تفهيم قولنا: إن هذا الشخص كافر والكشف عن معناه، وذلك يرجع إلى الإخبار عن مستقره فى الدار الآخرة وأنه فى النار على التأبيد، وعن حكمه فى الدنيا وأنه لا يجب القصاص بقتله ولا يمكن من نكاح مسلمة ولا عصمة لدمه وماله، إلى غير ذلك من الأحكام».
وقال أيضا فى فيصل التفرقة: «الكفر حكم شرعى، كالرق والحرية مثلا؛ إذ معناه إباحة الدم والحكم بالخلود فى النار، ومدركه شرعى فيدرك إما بنص وإما بقياس على منصوص».
وقال أيضا: «قد ظن بعض الناس أن مأخذ التكفير من العقل لا من الشرع وأن الجاهل بالله كافر، والعارف به مؤمن. فيقال له: الحكم بإباحة الدم والخلود فى النار، حكم شرعى لا معنى له قبل ورود الشرع».
وقال الإمام السبكى فى الفتاوى: «التكفير حكم شرعى سببه جحد الربوبية أو الوحدانية أو الرسالة أو قول أو فعل حكم الشارع بأنه كفر وإن لم يكن جحدا».
وقال الشهرستاني: «وللأصوليين خلاف فى تكفير أهل الأهواء مع قطعهم بأن المصيب واحد بعينه؛ لأن التكفير حكم شرعى، والتصويب حكم عقلى».
يجب على المفتين والقضاة الاحتياط فى إنزال حكم الكفر المعين:
على الرغم من أن قضية إنزال حكم الكفر خاصة بالمفتين والقضاة إلا أن العلماء لم يفوتهم أن ينبهوا على الاحتياط فى هذا الشأن؛ لذلك تضافرت أدلة الشرع الشريف على وجوب الاحتياط فى تكفير المسلم، قال تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا}. فحذرهم من التسرع فى التكفير، وأمرهم بالتثبت فى حق من ظهرت منه علامات الإسلام فى موطن ليس أهله بمسلمين.
وعن أبى ذر رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « .. ومن دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه».
وعليه فلا ينبغى التسرع فى تكفير المسلم متى أمكن حمل كلامه على محمل حسن، وما يشك فى أنه كفر لا يحكم به، فإن المسلم لا يخرجه عن الإيمان إلا جحود ما أدخله فيه؛ إذ الإسلام الثابت لا يزول بالشك، وقد تتابعت كلمات العلماء على تقرير هذا الأمر، نذكر منها ما يلى:
قال الإمام الغزالى: «ولا ينبغى أن يظن أن التكفير ونفيه ينبغى أن يدرك قطعا فى كل مقام، بل التكفير حكم شرعى يرجع إلى: إباحة المال، وسفك الدم، والحكم بالخلود فى النار، فمأخذه كمأخذ سائر الأحكام الشرعية فتارة يدرك بيقين، وتارة بظن غالب، وتارة يتردد فيه. ومهما حصل تردد، فالوقف فيه عن التكفير أولى، والمبادرة إلى التكفير إنما تغلب على طباع من يغلب عليهم الجهل».
وقال أيضًا فى الاقتصاد: «والذى ينبغى أن يميل المحصل إليه الاحتراز من التكفير ما وجد إليه سبيلا، فإن استباحة الأموال والدماء من المصلين إلى القبلة، المصرحين بقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، خطأ، والخطأ فى ترك تكفير ألف كافر فى الحياة أهون من الخطأ فى سفك محجمة من دم امرئ مسلم، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله».
وقال ابن عابدين: «لا يفتى بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن أو كان فى كفره خلاف، ولو كان ذلك رواية ضعيفة».
وجاء فى البحر الرائق: وفى جامع الفصولين: «روى الطحاوى عن أصحابنا لا يخرج الرجل من الإيمان إلا جحود ما أدخله فيه، وما يشك فى أنه ردة لا يحكم به؛ إذ الإسلام الثابت لا يزول بالشك مع أن الإسلام يعلو وينبغى للعالم إذا رفع إليه هذا ألا يبادر بتكفير أهل الإسلام. وفى الفتاوى الصغرى: الكفر شىء عظيم، فلا أجعل المؤمن كافرا متى وجدت رواية أنه لا يكفر. وفى الخلاصة وغيرها: إذا كان فى المسألة وجوه توجب التكفير ووجه واحد يمنع التكفير فعلى المفتى أن يميل إلى الوجه الذى يمنع التكفير تحسينا للظن بالمسلم. زاد فى البزازية: إلا إذا صرح بإرادة موجب الكفر فلا ينفعه التأويل حينئذ. وفى التتارخانية: لا يكفر بالمحتمل لأن الكفر نهاية فى العقوبة فيستدعى نهاية فى الجناية ومع الاحتمال لا نهاية».
وقال ابن حجر الهيتمى: «ينبغى للمفتى أن يحتاط فى التكفير ما أمكنه لعظيم خطره وغلبة عدم قصده سيما من العوام».
ومما ذكر يتبين لنا حقيقة التكفير، وحكمه، وضوابطه، وتبين لنا أنه وظيفة القاضى والمفتى، ولا يجوز لغيرهما التجرؤ والافتيات عليهما فيه، لما فى ذلك السلوك من المخاطر الشديدة، على الفرد والمجتمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.