تحت عنوان "الركود العظيم.. عامان بعد الأزمة" نظم المجلس الأعلي للثقافة ندوة خاصة عن تداعيات الأزمة المالية العالمية وأثرها في مستقبل الاقتصاد في البلدان المتقدمة ومدي تأثر الاقتصاديات الناشئة بتلك التداعيات وإجراءات الحكومات التي تصدع اقتصادها للتعافي من الأزمة الاقتصادية العالمية، شارك في الندوة د. جودة عبد الخالق أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ود. منال متولي مدير مركز الدراسات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وأدارها د. محمد النجار أستاذ بكلية التجارة جامعة بنها، بالإضافة إلي لفيف من الأكاديميين ورجال الاقتصاد والسياسة. تحدث د. جودة عبد الخالق قائلاً: لقد اندلعت الأزمة في خريف 2008 ونحن في خريف 2010 ومنذ بداية الأزمة حتي الآن مرت مياه كثيرة تحت الجسور علي امتداد العالم من غربه لشرقه حتي إن مصطلح الركود استقر في الفكر السياسي والاقتصادي مع مصطلح الكساد وأتوقف عند تعبير الركود وأتساءل: لماذا ليس كساد النظام الرأسمالي؟ هناك فهناك فترات رواج وهناك فترات كساد. ويعرف الركود بأنه إذا انخفض المعدل علي مدار ثلاثة أشهر أو أربعة فهذا ركود أما إذا كان في خلال سنة فمعني هذا أنه ركود كبير وما حدث ابتداءً من خريف 2008 ليس مدة طويلة فهذا يعني أنه ركود عظيم ضرب العالم. وأشار د. جودة إلي أن هذه هي المرة الثامنة التي يتعرض فيها العالم إلي أزمة اقتصادية طاحنة حيث تعرض سنة 1929 ويعرف هذا اليوم تحديدًا بيوم الاثنين الأسود حيث انهارت الأسعار في بورصة نيويورك وأدي ذلك إلي انهيار عظيم في الأسواق لذلك في رواية عناقيد الغضب والتي كتبت لتؤرخ لما اعتري العالم الأمريكي من عام 1929 إلي عام 1933 ووقتها كان الركود أقل وطأة من الكساد الكبير ولكنه لم يكن بلا مشاكل. والأزمة الآن بدأت بعد أن تقدم أكبر بنك في العالم طالبًا إشار إفلاسه وكان ذلك بمثابة الشرارة التي أدت إلي حريق هائل والأزمة انتقلت من أمريكا إلي دول في شرق العالم وتحورت إلي أزمة إنفلونزا الطيور والخنازير بمعني أنها لم تعد حبيسة المؤسسات المالية بل انتقلت إلي الاستثمار. وأشار إلي أنه عندما تتقلص التجارة الدولية تنعكس علي الإنتاج وهو ما يؤدي إلي تعميق الأزمة لكن جاء رد الفعل سريعًا في شكل حزم للإنقاذ والتحفيز وإنقاذ ما يمكن إنقاذه مثل إنقاذ شركة جنرال موتورز. وهذا له حسابات سياسية واقتصادية معقدة جدًا والإنقاذ كان بشكل زيادة الإنتاج لما ترتب علي فقدان ثقة المستهلكين وفي المتوسط العام علي مستوي العام ما تم إنقاذه بلغ 20% في المتوسط وقيل إن الاقتصاد العالمي مرشح للتباطؤ وإذا أردنا أن نزيد نسبة الإنقاذ فلابد من مضاعفة نسبة الإنفاق. فأمريكا مثلاً أنفقت ملايين الدولارات لتتمكن من التعافي ولكن لم تتعاف من البطالة ومن المهم أن نرصد قضية البطالة حيث كانت عامل حاسمًا في مواجهة الحزب الديمقراطي الأمريكي حيث فقد أغلبيته في مجلس النواب وتقلص في مجلس الشيوخ وهذا يعني أن الرئيس أوباما أصبح في حكم البطة العرجاء. وفي المحصلة النهائية حزم التحفيذ تترتب عليها زيادة الدين العام وهذا التزايد في الدين العام أصبح يهدد عملية الارتكاز "الدولار" وهذا سيؤدي إلي إزاحته من مكانه كعملة ارتكاز.. ونذكر مثالاً بأن الصين تمكنت من إزاحة اليابان من المركز الثاني وأصبحت شبح الولاياتالمتحدة مباشرة ثم اليابان ومن النتائج أيضًا التي ترتب عليها الأزمة: حرب العملات بين الدولار الأمريكي والأيوان الصيني. ويري د. جودة أن تأثيرات الأزمة العالمية قد طالت سوف العمل ونالت من قوته فطبقًا لمنظمة العمل الدولية تتوقع زيادة نسبة البطالة بمعدل 38 % وهذا يعتبر وضعًا مربكًا للغاية ويترتب عليه بعض الأزمات. أضافت د. منال متولي أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسة أن تباطؤ مؤشرات التعافي من الأزمة المالية والاقتصادية العالمية أحد المخاطر التي تواجه العالم في المستقبل القريب فعلي امتداد النصف الأول من عام 2009 2010 تواصلت تداعيات الأزمة المالية العالمية التي تفجرت في الولاياتالمتحدة في منتصف شهر سبتمبر من عام 2008، كما اندلعت خلال النصف الثاني من عام 2010 الأزمة المالية لشركة دبي العالمية ثم أزمة الديون السيادية لليونان والتي استشرت مخاوف انتقالها لدول أخري بمنطقة اليوور وقد يخطئ البعض عندما يعتقد بأن تأثير الأزمة ينصب علي الجانب النقدي من الاقتصاد ولكن الأخطر هو مدي تأثيرها في النمو الاقتصادي والاستثمار والتشغيل وتعددت الإجراءات التي اتخذتها الدول لمواجهة تداعيات الأزمة العالمية علي اقتصاداتها حيث يتبني عدد كبير من الدول حزمة من السياسات وبدأت في تنفيذ خطط مختلفة لتأمين اقتصادياتها من الآثار السلبية للأزمة المالية حيث تبين أن خطط الإنقاذ التي طرحتها الدول ارتكزت بصفة أساسية علي مواجهة الأبعاد المالية للأزمة وذلك في المراحل الأولي لها.. وأشارت د. منال إلي اتجاه العديد من الدول إلي وضع خطط تحفيز اقتصادي تهتم بتنشيط الطلب المحلي وزيادة الاستثمار لتعويض الانخفاض في الصادرات المترتب علي انخفاض الطلب العالمي بسبب الكساد الذي يسود دول العالم وعلي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية وأنجلترا وألمانيا وعدد آخر من دول العالم المتقدم وبعض الدول الناشئية حيث تتضمن هذه الخطط تخصيص اعتمادات مالية كبيرة لزيادة الاستثمار في مجال البنية التحتية والنقل والمواصلات، كما تشتمل هذه الخطط علي إجراءات لمساندة القطاعات المتضررة من الأزمة بهدف مساعدة الشركات علي الاستثمار في نشاطها والاحتفاظ بمعاملاتها وتتضمن هذه الإجراءات توفير التمويل لعدد من المؤسسات المالية للاستمرار في اقراض الشركات خاصة الصغيرة والمتوسطة كما اشتملت هذه الإجراءات علي التخفيضات الضريبية وفي إطار اعتماد الدول بدرجة أساسية علي أدوات السياسة المالية لمواجهة الأزمة يتبين أن التخفيضات الضريبة تمثل 1/3 من الحوافز المالية في الدول المتقدمة مقابل 3% في الدول النامية والأسواق الناشئة أما بالنسبة للسياسات والإجراءات المرتبطة بتشجيع التشغيل فأنها تمثل 3% من إجمالي إنفاق الدول المتقدمة مقابل 2% من الدول النامية والأسواق الناشئة. أما عن الآثار الاقتصادية الكلية للأزمة المالية والاقتصادية العالمية علي الاقتصاد المصري فتري د. منال أن هناك آثار للأزمة المالية علي التشغيل حيث إن معدل البطالة علي المستوي القومي كان يتجه إلي الانخفاض منذ الربع الثاني 2007 2008 حتي الربع الأخير من العام ذاته ثم بدأت معدلات البطالة في الارتفاع خلال الربعين الأول والثاني من عام 2008 2009 عند مستوي 4.9% خلال الفترة الممتدة من الربع الثالث لعام 2008 2009 وهناك أيضًا مظهر آخر من مظاهر الركود في سوق العمل وهو ارتفاع التشغيل غير الرسمي مما فاقم من التحديات القائمة بالفعل فأغلبية القوة العاملة في الحضر غير المشتغلة بالزراعة في مصر تشتغل في القطاع غير الرسمي وبصفة عامة يشتغل أكثر من نصف القوة العاملة غير الزراعية في أعمال متدنية وهي ظاهرة مشتر؛كة بين الرجال والنساء علي السواء. وقد بادرت الحكومة المصرية باتخاذ إجراءات فاعلة للتحوط من الأزمة إثر اندلاعها: الخطة الأولي وبلغت 5.31 مليار جنيه عام 2008 2009 وتم توجيهها لتنفيذ مشروعات البنية التحتية والمرافق العامة في إطار الخطة وكذلك مساندة الصادرات المصرية وتفعيل البنية الأساسية ودعم التنمية الصناعية فضلا عن تخفيض بعض فئات التعريف الجمركية لتوفير مستلزمات الإنتاج ورد ضريبة المبيعات علي السلع الرأسمالية لمدة عام لخفض التكلفة وتعزيز الميزة التنافسية للصادرات المصرية. أما الخطة الثانية وكانت بفتح اعتماد إضافي الموازنة العامة للدولة لعام 2009 2010 بنحو 10 مليارات جنيه لتوفير خدمة مالية أخري لتنشيط وتفعيل الإنفاق الحيوي في مجالات مياه الشرب والصرف الصحي. ونخلص إلي أن الأزمة تقدم لمصر فرصة فريدة من نوعها لإعادة هيكلة اقتصادها مستفيدة من الانعكاس الذي وقع علي المستوي العالمي والذي سيؤدي حتمًا إلي تشكيل جيد لانماط الإنتاج والتجارة.