يقول هيرمان فى كتابه عن الاثار: إذا أردت أن تشاهد عظمة مصر فانظر إلى مسلاتها التى تعبر عن الخلود، خلود الحضارة فى أسمى معانيها، وإذا أردت أن تشاهد تلك المسلات فاذهب إلى اى عاصمة من عواصم العالم المتحضر، فستجد واحدة أو أكثر تتصدر أعظم ميادينها؛ إذ تتفرد الحضارة الفرعونية بأنها الحضارة الوحيدة التي بها فن إنشاء المسلات. ففراعنة مصر شيدوا العديد من المسلات؛ وكان تحتمس الثالث أكثر الفراعنة تشييداً للمسلات، خلال سنوات حكمة شيدت سبع مسلات منها خمسة أقيمت في طيبة واثنتان في معبد أتون بهليوبوليس وللأسف لا يوجد لتحتمس أية مسلة في مصر حالياً إذ خرجت مسلاته لأوروبا وأمريكا. ويعتبر الرومان أول من سطو علي المسلات المصرية؛ فتوجد في روما ثلاث عشرة مسلة مصرية عدا ما هو منصوب خارجها. وأضخم هذه المسلات هي المقامة في ساحة الشعب بروما وارتفاعها اثنين وثلاثين متراً تقريباً وتزن 235 طنا وقد نقلت إلي روما في القرن الأول ق.م. والمسلات المصرية الموجودة فى روما حاليا مسلة لاتيرانيسي، والتي بناها تحتمس الثالث، ويبلغ ارتفاعها 32.18متر، 45.7 متر، وموجودة فى ساحة سان جيوفاني في لاتيرانو. وتعتبر أطول مسلة في روما ولديها أكبر قاعدة وتزن 230 طنا، أخذت من معبد آمون في الكرنك أحضرها إلى روما قنسطانطيوس الثاني في العام 357 م. ليزين بها ساحة مكسيموس عثر عليها في ثلاثة أجزاء منفصلة العام 1587. واستعيد قوامها بطول أقصر ب4 أمتار عما كانت عليه بواسطة البابا سيكستوس الخامس ووضعت في ساحة سان جيوفاني قرب قصر لاتيران. أما مسلة الفاتيكان فبناها أمنحوتب الثاني وموجودة فى ساحة القديس بطرس وارتفاعها 25.5متر, مدعومة بأسود برونزية وصليب في أعلاها، وهي مسلة كانت قائمة في مدينة هليوبليس عاصمة دولة مصر السفلي (Lower Egypt) أخذت إلى روما بواسطة الامبراطور كاليجولا العام 37. لتوضع في "سبينا" وهي موضوعة حاليا في ساحة الفاتيكان بأوامر البابا سيكستوس الخامس وهي المسلة الوحدة في روما التي لم تسقط في الحقبة الرومانية وماتلاها ويعتقد أن المسلة في العصر الروماني كان بها كرة ذهبية علي قمة المسلة تحوي رماد يوليوس قيصر فيما يبدو كتقديس له، وقد أزالها المعماري الايطالي دومينجو فانتانا بعد إعادة وضع المسلة في مكانها الحالي بطلب من البابا سيكستوس الخامس والكرة موضوعة حاليا في متحف روما. وايضا مسلة فلامينيو بناها رمسيس الثاني ويبلغ ارتفاعها 24مترًا -36.50 متر موجودة فى ساحة بوبولو، والتي أحضرت من هليوبليس إلى روما بواسطة أغسطس قيصر في سنة 10 قبل الميلاد ووضعت في ساحة مكسيموس عثر عليها في ذات الوقت الذي عثر فيه علي المسلة الموضوعة في لاتيرانينيسي العام 1587 م. في قطعتين وأعيد تركيبها بواسطة البابا سيكستوس الخامس في 1589. وأضيف إليها نحت الأسود في القاعدة العام 1818. ومسلة سولاري التي بناها بسامتيك الأول ويصل ارتفاعها إلي 21.79 متر - 33.97 متر وهي موجودة فى ساحة مونتيتشيتوريو؛ أحضرت من مكانها الأصلي في هليوبليس بواسطة أغسطس سنة 10 قبل الميلاد وعثر عليها في القرن السادس عشر وأصلحت بواسطة البابا بيوس السادس ووضعت بباحة قصر "بلاتزيو مونتيتشيتوريو" في روما في 1792. وايضا مسلة ماتشوتيو، والتي بناها رمسيس الثاني، وارتفاعها 6.34 متر -14.52 متر موجودة فى ساحة روتوندا، وفي الأصل هي واحدة من مسلتين متشابهتين في معبد الاله رع في هليوبليس أحضرتا إلى روما والأخرى أقصر طولا نقلت إلى معبد ايزيس قرب "سانتا ماريا سوبرا مينرفا" في إيطاليا الحالية، ونقلها البابا كليمنت التاسع خلف معبد بانثيون في روما في 1711. ومسلة دوجالي والتي بناها رمسيس الثاني، وارتفاعها 6.34متر وهي موجودة فى حمامات ديكولتيان في الأصل هي واحدة من مسلتين متشابهتين في هليوبليس والأخرى موجودة الآن في حديقة بوبولي الشهيرة في فلورنسا بايطاليا، نقلت إلى معبد ايزيس في روما، عثر عليها العام 1883 قرب "سانتا ماريا سوبرا مينرفا" وهي الآن موضوعة " كنصب تكريمي" لمعركة دوجالي في الحبشة. وكان الأمبراطور البيزنطي قسطنطين نقل إحدي مسلات تحتمس الثالث من الكرنك إلي القسطنطينية وهي منصوبة حالياً في اسطنبول قرب مسجد السلطان أحمد. وتمر القرون وينتهي الحكم البيزنطي لمصر وبعده الروماني حتي نصل إلي نهاية القرن الثامن عشر بوصول حملة نابليون علي مصر أرسلت جوزفين لزوجها نابليون خطابا جاء فيه "إذا ذهبت إلي طيبة لا تنسي أن تحضر لي مسلة معك"، وكان نابليون يريد محاكاة الرومان بنقل إحدي المسلات من مصر إلي باريس لكن الظروف السيئة التي أحاطت بالحملة لم تمكنه من ذلك عام 1822 استطاع النابغة شامبليون فك رموز حجر رشيد وبذلك بدأت صفحة جديدة لاكتشاف أسرار الحضارة الفرعونية وظهر اهتمام حكومات أوروبا بهذه الحضارة كلا من حكومة فرنسا وبريطانيا طلبت من محمد علي باشا إحدي المسلات المصرية بعد نهب الرومان للكثير من مسلات مصر لم تتبق إلا القليل منها مسلتان لم يتمكن الرومان من نقلهما فظلتا بالإسكندرية، ثم قرر محمد علي باشا منحها لفرنسا وانجلترا إلا أن شامبليون أفهم حكومته الفرنسية أن هاتين المسلتين ليستا بحالة جيدة وأن أفضل مسلة موجودة في مصر هي مسلة حتشبسوت المقامة بمدخل معبد الأقصر، وقد وافق محمد علي أخيراً علي إهداء هذه المسلة إلي فرنسا التي كلفت المهندس أبولوينير بنقلها من الأقصر في يناير 1831 ووصلت إلي باريس في ديسمبر 1832 بعد رحلة بالغة المشقة يطول شرحها. وتعتبر المسلات التاريخية من أشهر الآثار التى خلفها الفراعنة وأشهرها الأهرامات والمعابد والمقابر، وكلمة المسلة تعنى فى اللغة العربية الإبرة شيدها الفراعنة للإشارة إلى أصبع العقيدة الذى يشير إلى عرش الإله فى السماء وذلك تعبيراً عن وحدانية الخلق، والمسلة رمز عند المصريين القدماء، يعبر شكلها عن هرم (بن بن) ذى الأضلاع الأربعة التى تمثل أركان الدنيا الأربعة، وتتجه بشكلها الهرمى نحو السماء مكونة قمة المسلة، أما جسم المسلة فهو القائم الذى يحمله فى عنان السماء ليربط بينها وبين الأرض كرمز للإيمان. وقد أطلق المصريون القدماء اسم (تحن) على المسلة ومعناة "أصبع الشعاع المضيء" وأطلق عليها مؤرخو الاغريق اسم Obelisk أى الوتر او الإبرة، وهو الاسم الذى اشتهرت به فى الغرب وترجمه العرب الى (مسلة)، ولقد سجل التاريخ ما ارتفع فى سماء مصر بما لا يقل عن مائة وعشرين مسلة. وبعد أن كانت أرض الكنانة تحتفظ بين جنباتها ب 12 مسلة ترتفع فى سماء مصر، اختفت تلك المسلات لترتفع فى عواصم وحواضر العالم المتقدم: لندن، باريس، روما، القسطنطينية، نيويورك.