لقاء القاهرة الذى نظمه الدكتور زاهى حواس، مدير عام مصلحة الآثار المصرية يثير انزعاج المصريين هنا قبل العاشقين لحضارة مصر (مئات يحرصون على زيارة قاعة المومياوات فى المتحف البريطانى كل احد لاداء طقوس عبادة لإيزيس). الرجل المسؤول عن أهم وأعظم إرث حضارى عرفته الإنسانية فاقت شهرته فى الغرب شهرة أنديانا جونز، ليس لأن الدكتور حواس يظهر بقبعة البطل السينمائى الجلدية وإنما لأن وجهه لا يغيب عن شاشات التليفزيون يومياً. يوميا تشاهد برنامجين أو ثلاثة تسجيلية (الاستكشاف والجغرافيا والتاريخ والقنوات العادية) عن الحضارة المصرية (أمس الماضى عرض برنامج عن طب الأسنان المصرى وكيف مارسوا حشو جذور الضروس فى عهد رمسيس الثانى). والغالبية الساحقة من هذه البرامج تصور فى مصر (أى مصور تخلبه مشاهد المعابد والمقابر والآثار كخلفية مبهرة على شاطئ النيل). وفى معظمها يظهر الدكتور حواس شارحاً الأصول المصرية للاختراع أو المبتكر أو أصل الحكاية. وإلى جانب شهرته، ومرادفة اسمه لتوت عنخ آمون، فللدكتور حواس مصداقية هائلة فى ذهن المتفرج والمستمع والقارئ الغربى، ويسرع أى معد برنامج لتقديمه كشهادة بأن برنامجه صح وليس مغشوشاً. ومن الناحية المبدئية أنا وجميع المتحضرين فى العالم ضد سرقة الآثار ولابد من وضع أى لص آثار وراء القضبان ومصادرة ممتلكاته. لكن ما يزعج المثقفين المصريين هنا هو فكرة رفع رأس الملكة نفرتيتى المعزز المبهر للإبصار من متحف برلين ليعود إلى بلد لم تعد جلالتها تعرفه، حيث دفنت حفيداتها رؤوسهن فى حجاب مستورد لا علاقة له بمصر التى تربعت على عرشها. والحقيقة ماتزعلش يادكتور حواس: نفرتيتى وحجر رشيد ومسلة كليوباترا أصبحت «مزارات» لمن يعبدون حضارة مصر لأنها فى برلينولندن لا فى الانتيكخانة. هذه الآثار التى يقدسها مديرو المتاحف، هى نقطة فى بحر مقارنة بما هو تحت إمرتك ياكبير الإيجبتيولوجيستس. رأس نفرتيتى وحجر رشيد والمومياوات هم أعظم سفراء للمحروسة. فى زيارتى توت عنخ آمون للندن (1972، 2007) احتشدت جماهير أضعاف من يستقبلون جلالة الملكة فى عيد الجلوس، وبعضهم بات الليل تحت الأمطار فى الطوابير مقابل لحظات فى حضرة الفرعون الأشهر عالمياً. وأكثر قاعات المتحف البريطانى زيارة واهتماماً من جانب الزوار من جميع الجنسيات، هى قاعات المصريات وفيها حجر رشيد والمومياوات والحلى والأوانى المصرية القديمة، وهى أقل عدداً من واحد على 50 ألفاً مما هو معروض، ومخزون فى الأنتيكخانة. وإذا كانت الحكاية مسألة مبدأ وكرامة وعزة وطنية «رغم ظنى أننا كبرنا عقلنا وتجاوزنا مراهقة (هجص) المرحلة الثورجية فى الستينات» ورأسنا برأسهم ومحدش كبير، يمكن إيجاد حل وسط وهو الاعتراف التام من جانب بريطانيا وألمانيا وأمريكا وأتخن بلد فى العالم بملكية الأمة المصرية لهذه الآثار، مع التواضع والتنازل من جانب معالى الدكتور حواس مدير مصلحة الآثار المصرية بتوقيع عقد إعارة الأنتيكخانة أو مصلحة الآثار، الممتلكات لهذه المتاحف «التى تعرضها فى احترام وقدسية تفوق احترام المصلين فى كاتدرائية القديس (بول) يوم أحد عيد القيامة فى لندن». ويعاد التوقيع كل عام أمام الكاميرات لتذكيرهم «مين الكبير». وأبوس إيديك ورجليك قبل رأسك يادكتور حواس، أن تترك سفراء مصر العظام، حجر رشيد ورأس نفرتيتى والمومياوات يقدمون الوجه الحضارى للأمة المصرية العظيمة، لشعوب لا ترى، بفضل إخوان السوء والهم، من المحروسة، إلا الحجاب والجلباب والإرهاب والهباب، خاصة أن سفراء وزارة الخارجية (وغيابهم أفضل 100 مرة من وجودهم) مشغولون بكل شىء آخر إلا مصلحة الأمة المصرية.