شعرت وأنا أشاهد سهرة أم كلثوم علي شاشة النيل الثقافية في ليل رمضان أنه لن يغفر لنا حرمان الجيل الجديد المأمول منه في أيامنا هذه أن يواصل بناء نهضتنا الحالية.. من أن تكون أغنيته هي أغنية ست الطرب أم كلثوم بعظمة الكلمة واللحن والأداء السماوي.. ويتمتع جيلنا الجديد بما تمتع به كل من عاش زمن أم كلثوم.. فلكل زمن أغنيته التي تعبر عنه حتي إنه قد قيل إذا أردت أن تعرف شعبا فاسمع أغنيته.. والشعب الذي يواصل رحلة الأجداد الذين بنوا الأهرامات كانت أغنيته.. أغنية أم كلثوم. وقد قال الرئيس مبارك في مقدمة أحدث كتاب صدر عن المركز القومي للترجمة بعنوان أم كلثوم كوكب الشرق: كان المصري بما أبدعه من فن حضاري منذ أقدم العصور منبهرا بالأسرار الخفية ومسحورا بالخلود والديمومة ولا نهائية الزمان والمكان.. وبهذا الإبداع الفني اللازم لحياة الجماعات الإنسانية الذي جددته كوكب الشرق بأغانيها.. استطاعت أم كلثوم أن تكسب العالم.. وأن تصعد إلي القمة وأن تتربع في قلوب الناس وذاكرتهم.. وتفتحت بذلك أمامها أبواب الخلود والتاريخ ولم يكن غياب أم كلثوم عن عالمنا غير مرحلة أولي من سلسلة استقرارها في ضمير البشر.. وقد شاهدت هذا الخلود في عيون البشر في ليلة النيل التي سهرت فيها نخبة من المصريين وهي تستمع إلي أصوات أولاد النيل وهم يحاولون تقليد هرم المصريين أم كلثوم.. وكانت أشبه بالمحاكمة.. أين صوت أم كلثوم؟ وأسمع صوت عمر الشريف يجيء من باريس في كتاب إيزابيل الكاتبة الجزائرية.. يقول عمر الشريف: كم مضي علي رحيلها؟ عشر سنوات؟ بل يوم واحد.. فمع طلعة كل شمس تعود أم كلثوم إلي الحياة في فؤاد مائة وعشرين مليون نسمة ومن المؤكد أن بريق أوسمتها قد خبا وأن الألقاب التشريفية التي خلعت عليها قد توارت.. ولكن مازال حب أم كلثوم شاغرا وهامتها لم يطاولها حتي يومنا هذا أحد.. وبقيت الأسطورة.. وتجسدت لي في عيون البشر حولي في خيمة النيل فوق جبل المقطم الذي يحضن قاهرة المعز.. وما يقال عن الظاهرة الغنائية الشبابية التي تفسد ما بنته أم كلثوم في هرمها طوبة طوبة.. وجلعت من يستمع إلي أغنيات أم كلثوم يقول إن هذه أغنيات شعب متحضر.. رفيع الذوق خلد الوجود في أهرامات ومعابد ومسلات وتماثيل.. تنحني لها الدنيا المتحضرة .. وتقف أمامها عاجزة عن حل أسرارها حتي الآن.. وهؤلاء هم الأحفاد الذين يواصلون رحلة الأجداد بنهضة يشيدون بها هرمهم في ظل السلام.. ولكن يبدو أن جيل الظاهرة الشبابية لا يستوعب دور الأغنية في بناء الوطن وتحقيق أحلامه.. فأغرقه في فساد الذوق وعري الفتيات غير المبرر والفن الهابط ونسي أنه يرتكب جريمة في حق الجيل الجاد الذي يبني نهضة مصر - الآن - بالعرق.. والحفر في الصخر.. والحلم بمستقبل أفضل، هكذا كان حديث الذين اجتمعوا في ليلة سهرة أم كلثوم في حضن شاشة النيل.. لقد كان العشق لأم كلثوم هو قانون الليلة.. لقد قال العاشقون لأم كلثوم في تلك الليلة: لا.. سيظل المواطن المصري.. ابن النيل.. كما قال الرئيس مبارك.. مسحورا بالخلود.. والخلود أم كلثوم..