علي الرغم من أنه يحق للمدونين التعبير بحرية علي الإنترنت، إلا أن هذا الحق لم يمنع المحاكم من مقاضاتهم، بسبب تعليقات حملت أحياناً تذييل "مجهول"، أو حتي توجيه اتهامات جنائية بحقهم! (1) يشبه عالم الإنترنت مدينة سحرية، لأنه يحمل من المفاجآت ما يفوق توقعاتنا؛ ففي هذا العالم المفتوح، لا نتحرك في مساحة جغرافية محددة، بل نكون منفتحين علي العالم كله. يمكننا ملاحظة هذا عبر تزايد الإقبال علي المواقع الإلكترونية، والمدونات، ومواقع الأفلام والأغاني، وغير ذلك. أي أن كل ما يبحث عنه المرء من الممكن أن يجده عبر شاشة الكمبيوتر الصغيرة.. لكن ماذا سيحصل لو اكتشف أحد الأشخاص وهو يتجول في عالم الإنترنت جريمة تتعلق بأحد أفراد عائلته؟ في خبر طريف ورد عبر وكالات الأنباء أن مواطنا بريطانيا أصيب بالذهول الشديد بل بالفزع وهو يشاهد مقطع فيديو تم بثه علي الإنترنت علي موقع "يوتيوب"، حيث تعرف الرجل علي ابنه وهو يحاول السرقة، ويعاونه شخص آخر، فقد قاما بتوقيف سيدة تحت تهديد السلاح أمام ماكينة صرف آلي تخص أحد البنوك، ولكنهما سرعان ما ذهبا خاليي الوفاض بعدما أبلغتهما المرأة أن شدة الرعب أنستها الرقم السري الذي تستخدمه في سحب الأموال. وتكمن المفاجأة في أن الأب أسرع بتسليم ابنه الشاب إلي الشرطة. ولا نعرف إذا كان هذا التصرف من حسن حظ الابن كي يرتدع عن فعلته ولا يقوم بتكرارها مع ضحايا آخرين. (2) لكن ليس كل ما يأتي به الإنترنت، علي شبه حادثة الرجل الذي اكتشف أن ابنه سارق. فمن خلال الإنترنت أيضا تمكنت العجوز الجزائرية المُعمرة "رحمة" من امتلاك مأوي آمن يحفظ كرامتها هي وابنها، ويرحمهما من وحشية الرصيف، بعد أن اشتد الفقر والعوذ عليهما معاً. حصل هذا بفضل حملة قام بها متطوعون علي الموقع الاجتماعي فيس بوك. فقد ظلت هذه المرأة - التي شارفت علي دخول عامها المائة - تواجه شظف العيش بين حائطين جاد بهما أحد المواطنين بالمدينة، وقام الابن الوحيد المرافق لها بعد هجر الآخرين، بتغطيته من الأعلي بالخشب والبلاستيك، بينما ظل المكان مفتوحا من كل الاتجاهات. لكن دقت ساعة الفرج بتحرك أحد المواطنين، والذي قام بتحريك حملة إنسانية عبر الفيس بوك"، قادتها جماعة من المتطوعين يدعون جماعة ناس الخير، حيث تمكنوا بعد جهد من إقناع الابن بنشر صور عن وضعيته ووالدته علي الموقع. وفي أقل من أسبوع، تحركت السلطات لزيارة رحمة من قبل الوالي ثم رئيس الدائرة، وأمرت بنقل العجوز ? أخيرا - إلي المستشفي لإجراء فحوص، والتكفل بوضعها الصحي المتدهور، إضافة إلي تأمين مسكن لها. خطوة متأخرة جدا، لكن خير من لا شيء. (3) "احذروا التدوين".. عنوان تقرير موسع نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" فيه تنبيهات عن عواقب النشر في المدونات، وما يمكن أن يجره التدوين علي أصحابه، خاصة اذا اختاروا التدوين وسيلة للتنفيس عن غضبهم. وحسب الصحيفة أن ما نظنه حرية وتعبيرا عن الرأي مهما كان، قد يعتبره القضاء إهانة أو تشهيراً أو تهديداً. وقد يكون مجرد تعليق عابر، ومفتاح البداية لسيل من التعليقات المسيئة، وأحيانا المغلوطة؛ مما قد يؤدي بالمدونين والمعلقين أن يكون مصيرهم خلف القضبان. فالإنترنت فتح أمام الشبان طرقاً شتي للتعبير عن آرائهم مهما بلغت حدة التطرف فيها، وبالتالي فمع تزايد المدونات، وتزايد التعليقات ارتفعت أيضا عدد الدعاوي القضائية التي رفعها من يقولون إنهم تأذوا أو تعرضوا للتشهير أو التهديد بسبب ما قرأوه في المدونة. وعلي الرغم من أنه يحق للمدونين التعبير بحرية علي الانترنت، إلا أن هذا الحق لم يمنع المحاكم من مقاضاتهم، بسبب تعليقات حملت أحياناً تذييل "مجهول"، أو حتي توجيه اتهامات جنائية بحقهم! لكن في المقابل ربما ما يجدر بنا التنبه له أن معظم المدونين لا يملكون أدني فكرة عن المسئولية التي يتحملونها عندما يضعون تعليقاً علي الإنترنت، أو أنهم من الممكن أن يتعرضوا للمقاضاة بسبب تعليق، يعرضهم لدعوي قضائية تستمر لسنوات، وتكلف مبالغ طائلة. (4) عربيا، انتشرت في السنوات الأخيرة العديد من محطات الإذاعة علي الإنترنت، تديرها مجموعات متحمسة من الشبان أو الشابات. ويري خبراء إعلاميون في هذه التجارب ظاهرة إيجابية تكسر احتكار الإعلام الرسمي، كما تسمح بفضاء واسع من الحريات، إلا أنهم حذروا من الفهم الخاطئ للحرية والذي قد ينقلب إلي فوضي وغوغائية. ومن أشهر هذه المحطات إذاعة "بنات وبس"، التي تعتبر تجربة جديدة وفريدة كونها أول إذاعة "متخصصة" علي الإنترنت في الوطن العربي، وتخاطب الفتيات علي مختلف أعمارهن، وأطلق تلك الإذاعة 25 فتاة و5 شباب مصريين، وتعتمد علي بث هموم الفتيات وقضاياهم التي تشغلهم ومحاولة معالجة هذه القضايا بزاوية اجتماعية ومن خلال رؤية "نسائية" محضة. وتوضح أماني التونسي المتخصصة في علوم الحاسب، والتي جاء تأسيس هذه الإذاعة بمبادرة منها، أن ما دفعها لتأسيس الإذاعة إحساسها بالظروف الاجتماعية الصعبة التي تعيشها المرأة.. مشيرة إلي أن أبرز التحديات التي تواجهها الإذاعة بخلاف عقبة التمويل الاتهام بمهاجمة الرجال". ومن الأمثلة الناجحة أيضا لراديو الإنترنت أو الراديو الإلكتروني راديو "حريتنا"، الذي بدأ بمستوي الهواة قبل أن يصل إلي مرحلة الاحترافية. وقام بإنشاء تلك المحطة عدة شبان تدربوا في برنامج تدريبي للإذاعه البريطانيه، وبعدها قاموا باستئجار شقة وخط فائق السرعة للبث، وحصلوا علي الموافقات اللازمة أمنياً لعدم وجود تراخيص ل"الراديو الإلكتروني" في العالم العربي. وهناك أيضاً إذاعة "راديو ضاد" التي اختارت هذا الاسم - علي حد قول مؤسسها أحمد بلال - تأكيداً علي اعتزازها باللغة العربية، لغة الضاد، التي توحد بين كل الشباب العربي، وذلك حسب شعارها الذي يقول: "لا حد يباعدنا ولا دين يفرقنا.. لسان الضاد يجمعنا". ويؤكد مدير الإذاعة أحمد بلال أن "ض" إذاعة شبابية منفتحة علي الجميع، وتهدف في الأساس إلي تسليط الضوء علي مشاكل الشباب، وتسعي للوصول إلي فريق عمل متكامل قادر علي البث لمدة 24 ساعة في اليوم. ومثل كل هذه التجارب؛ سواء عبر التدوين، أو الإذاعة، أو الفيس بوك، وسائل للتعبير مفتوحة وبلا حدود، لكن في مطلق الأحوال يبدو أن ما يجب التنبه له جيدا هو تحمل مسئولية ما يُكتب أو يبث علي الانترنت والتفكير جيدا قبل الضغط علي زر الإرسال، أو العرض، لأن احتمال القيام بإيذاء أحد ما وارد جدا، أما امكانية التراجع وسحب ما كُتب أو قيل، قد لا تكون سهلة في كل الحالات.