يعد القطن المصري من المحاصيل المهمة التي أعطت مصر سمعة ومكانة رفيعة بين 96 دولة علي مستوي العالم. وقد كان مصدرًا رئيسيًا للدخل القومي من خلال تصديره إلي أوروبا، خاصة إنجلترا، كما ساهم في رسم الخريطة السكانية المصرية ونشأة العديد من المدن. ونتيجة للأهمية الكبيرة للقطن أطلق عليه الذهب الأبيض فتقوم عليه استثمارات تقدر ب17 مليار جنيه تدر سنويًا 3 مليارات جنيه من خلال 3 آلاف منشأة صناعية يعمل بها مليون عامل يعولون 5 ملايين فرد ويدخل القطن المصري في صناعة الغزل والنسيج ومن بذرته تستخرج الزيوت وكذلك من مخلفاتها علفًا للحيوانات، وله دور في المجال الطبي حيث يصنع منه القطن الطبي والشاش والضمادات. وقد انخفضت مساحة القطن المصري من 2 مليون فدان في ستينيات القرن الماضي إلي 274 ألف فدان، مما دفعنا إلي البحث لمعرفة الأسباب التي جعلت الفلاح يتوقف عن زراعة ذلك المحصول المهم. فتبين أن زراعة القطن واجهت العديد من المشكلات أدت إلي تراجع الفلاح عن زراعته نتيجة لانخفاض أسعاره واتجه إلي زراعة محاصيل أخري أكثر قيمة وعائدًا اقتصاديا له. فتزايد اتجاه المزارعين إلي زراعة محاصيل الحبوب، مثل القمح والأرز والذرة علي أمل الاستفادة من الزيادة القياسية في أسعارها، خاصة مع ارتفاع تكاليف المعيشة، وهو ما يأتي علي حساب القطن. إلي جانب ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج من بذور وتقاوي ومبيدات وأسمدة وارتفاع إيجارات الأرض بصورة لا تتناسب مع الاقتصاد لمحصول القطن، فتكاليف الفدان تصل إلي 1700 جنيه منها 700 جنيه مستلزمات إنتاج و1555 جنيهًا لجني القطن، ورغم تحديد سعر توريد القطن، الذي أصبح قريبًا من السعر العالمي، إلا أن ربح الفلاح من زراعته معدوم، لهذا فإن أمريكا تدعم زارعي القطن بحوالي 12 مليار دولار. بالإضافة إلي مشكلة تسويق المحصول، خاصة بعد تحرير السوق في عام 1994، مما جعل المزارعين عرضة للتأثر بالأسعار العالمية المتقلبة، كما مثل ضعف الطلب الداخلي علي القطن طويل التيلة مرتفع السعر نقطة تحول في مسار مصانع الغزل التي اتجهت إلي واردات أقل سعرا وجودة. إلي جانب المنافسة الشرسة التي يواجهها القطن المصري في الأسواق العالمية من القطن الهندي والإسرائيلي في ظل الصعوبات التي تواجه العملية التصديرية، حيث أفادت دراسة حديثة بأن هناك العديد من الصعوبات التي تعيق تنمية الصادرات الزراعية، أهمها اعتماد السياسات التصديرية المصرية علي تصدير الفائض عن الاستهلاك المحلي. بالإضافة إلي عدم توافر القواعد الإنتاجية المتطورة، وكذلك البيانات والدراسات الحديثة المتعلقة بالأسواق الخارجية وظروف المنافسة في كل منها، وكذلك إنشاء وانتشار التكتلات الاقتصادية التي أثرت بالسلب في صادرات مصر الزراعية خاصة من القطن. وهناك مشكلة ارتفاع أسعار الغزل المصري وقد ساهم في ذلك زيادة الأسعار العالمية للقطن الخام بحوالي 100% فقد كان سعر القطن الخام حوالي 5000 جنيه للطن، وصل الآن إلي نحو 10 آلاف جنيه للطن، ولأن الخام يمثل الثلثين، زاد سعر طن الغزل من 13 ألف جنيه إلي 17.700 جنيه، أي بزياد تقترب من 50007 جنيه. وقد انعكس ذلك علي أسعار الغزل المصري، وبالتالي علي مصانع النسيج، مما يهدد هذه الصناعة ويشكل خطرًا علي الصادرات، خاصة أنه لم يعد هناك إلا 3 شركات عامة فقط تصدر الغزل والنسيج للخارج وهي المحلة وشبين الكوم والدلتا في طنطا، مع شركتين من القطاع الاستثماري هما الإسكندرية ومصر-إيران، بينما هناك أكثر من 03 شركة قطاع عام تعاني من كارثة حقيقية. وكذلك اعتماد العديد من مصانع الغزل والنسيج ومصانع الملابس الجاهزة علي القطن المستورد، لرخص سعره، رغم أنه أقل جودة. وتشكل تلك الواردات خطرًا علي إنتاج القطن في مصر وتهدد مصدر رزق نصف مليون أسرة علي الأقل تعمل بزراعة وحلج القطن، خاصة في ظل تراجع استخدام القطن المصري في المصانع المحلية علي نحو كبير بلغت نسبته نحو 78.5% خلال الفترة من مارس حتي مايو 2009 فقط. وكان من نتائج انخفاض المساحة المزروعة بالقطن التأثير السلبي في العديد من الصناعات، خاصة صناعة الغزل والنسيج المجتمع بشكل عام، حيث تقلصت الطاقة الإنتاجية. وقد أدي انخفاض إنتاج القطن إلي أن الكثير من مصانع الغزل والنسيج لم تعد تعمل بكامل طاقتها، وهو الأمر الذي يؤكد تعرض الشركة لخسائر فادحة، وهذا ما يتعرض له الكثير من مصانع الغزل والنسيج في مصر؛ مما يهدد آلاف العمال بالتشرد والضياع. وعن ذلك يقول د. صديق عبد العزيز أستاذ المحاصيل بكلية الزراعة جامعة بنها: إن الفلاح ترك زراعة القطن نتيجة للعديد من الأسباب، منها: تدني أسعار القطن وطول مدة زراعته التي تصل إلي 7 أشهر، مما دفع الفلاح إلي زراعة محاصيل أخري تكون أكثر فائدة اقتصادية له مثل القمح والأرز. بالإضافة إلي عدم تشجيع الدولة للفلاح علي زراعة القطن نتيجة لدخول أكثر من بلد في منافسة القطن المصري، وانتهاء العمل بأسلوب الدورة الزراعية التي كانت تسمي "دورة القطن" التي كانت ملزمة للفلاح، ومن يخالف ذلك يتعرض لعقوبة كبيرة، أما الآن فالفلاح يزرع المحصول الذي يجلب له عائدًا كبيرًا، بغض النظر عن أهداف الدولة العامة، لذلك يجب علي الدولة وضع خطة عامة علي الجميع الالتزام بها لتنمية محصول حيوي مثل القطن في ظل مسئولياتها عن دعم مزارعي القطن، فمثلاً في أمريكا يتم دعم مزارعي القطن بحوالي 12 مليار دولار سنويًا، مما جعل الولاياتالمتحدة في مقدمة دول العالم المنتجة للقطن. وأضاف أنه من المنتظر أن تزيد مساحة القطن المزروعة إلي حوالي 371 ألف فدان في الفترة القادمة، نتيجة للمشكلة التي يتعرض لها محصول الأرز واتجاه الدولة لتخفيض مساحته بسبب مشكلة المياه التي تتعرض لها مصر واحتمال نقص حصة مصر من المياه والغرامات التي تفرضها الدولة علي من يخالف ذلك. إذًا ستعود زراعة القطن مرة أخري، نتيجة الظروف التي تقع فيها مصر، وكذلك الفوائد الاقتصادية العظيمة للذهب الأبيض، مما يعطي تفاؤلاً حول مستقبل مصر الزراعي والصناعي المرتبط بهذا المحصول الحيوي.