منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير، يُجرى إعادة تشكيل الهوية الدينية في مصر، وتحاول جماعات الإسلام الشيعي الانفتاح السياسي والانصهار في الحياة السياسية المصرية، خاصةً وأن المزاج الديني في البلاد يتصف دوماً بعدم الغلو في المذهبية والطائفية، وتسعى الطائفة الشيعية في مصر تقديم نفسها كلاعب رئيسي في الحياة السياسية عبر حزب التحرير الشيعي، الذي يجاهد أعضاؤه لانتزاع موافقة لجنة شئون الأحزاب، والذي يضم بين جنباته عدداً من رموز الشيعة المصريين، أبرزهم المفكر الشيعي أحمد راسم النفيس، والطاهر الهاشمي الصوفي، الذي أعلن انتماءه للمذهب الاثنى عشري الشيعي. على الرغم من عدم وجود احصائيات رسمية حول عدد الشيعة في مصر، لكن تشير التقديرات إلى أنهم يشكّلون حوالي 2.5 مليون نسمة من إجمالي عدد السكان، ومن أبرز الجماعات الشيعية في البلاد: الاثنى عشرية، والإسماعيليين، والفاطميين والذين يعتبرون سلالة الشيعة، التي احتلت مصر في عام 969 م، وحكمت البلاد لمدة 200 سنة، وأسسوا وقتها الدولة الفاطمية، ورغم أن جماعة التيار السلفي ترى أن الشيعة أكثر خطراً على الإسلام من اليهود، إلا أن جماعة الإخوان المسلمين بعد فوز مرشحها محمد مرسي بالرئاسة، مدت جسور التواصُل مع الشيعة وإيران، وكان الرئيس السابق أحمدي نجاد أول رئيس إيراني يزور مصر منذ ثورة 1979. في جوهر العقيدة الأيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين التي تحاول التحالف مع أي جماعات من الإسلام السياسي بعد 30 يونيو، تسعى إلى التقليل من شأن الخلافات الدينية بين السُنة والشيعة، كما أن رغبة جماعة الإخوان المسلمين بعد ثورة الخامس والعشرين في قيام نموذج يحاكي الثورة الإيرانية في القاهرة، كان عاملاً رئيسياً وراء توتر علاقتها مع حلفائها من التيار السلفي وجماعات الإسلام السياسي. لكن أصبح هذا التصوّر مُنتشراً على نطاق واسع في المجتمعات العربية السُنية، حيث تحاول إيران تصدير مرجعيتها الشيعية لعدد من الدول العربية على رأسها العراق وسوريا ولبنان، ما يعني غزو الهلال الشيعي الذي تقوده إيران، والذي يشكّل تهديداً للمجتمعات السُنية في الشرق الأوسط. ومن جانبه، يطالب بهاء أنور مدير مركز مصر الفاطمية الشيعي لحقوق الإنسان، باعتراف رسمي من الدولة بالجماعة الشيعية في البلاد، خاصةً وأن الرئيس عبد الفتاح السيسي نادى كثيراً بأهمية تجديد الخطاب الديني، ما يعني أهمية التلاحُم بين الأيديولوجية الدينية المتنوّعة في مصر، ويوضح أن اعتراف الدولة يضمن للشيعة إنشاء قاعات الصلاة والحق في ممارسة شعائرهم دون اضطهاد، وحصة ثابتة من المقاعد في مجلس النواب، ويرى أن الشيعة تمثل ثالث أكبر مجموعة دينية في مصر بعد الأغلبية السُنية والمسيحيين، وهو ما يعضد مطالب الشيعة نحو تمثيل عادل في البرلمان كما هو الحال مع الأقباط، ويؤكد أن الخلاف الشيعي السُني سياسي، ولا علاقة له بالدين كما يزعم مشايخ التيار السلفي في مصر، ويوضح أنه في حال عدم اعتراف الدولة بحقوق الشيعة كأقلية دينية، سيتم إرسال تقارير إلى المنظمات الدولية تثبت التحريض المستمر ضد الشيعة في مصر. بينما يقول د. كمال حبيب الخبير في شئون الجماعات الإسلامية: إن فكرة استيراد التشيُّع من إيران غير صحيحة، نظراً لأن الشيعة الفاطميين حكموا العالم لمدة مائتي عام، من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي، وتضمنت الخلافة مناطق المغرب العربي والسودان وصقلية وبلاد الشام والحجاز، وجعلت في نهاية المطاف مصر مركزاً للخلافة، حتى جاء صلاح الدين الأيوبي وأعاد الإسلام السُني، وسرعان ما تغيّر مركز التعلم الشيعي إلى معقل للمذهب السُني، وعلى رأسه الجامع الأزهر، ويضيف: أن مصر كدولة وشعب لها علاقات قوية مع الشيعة، ويوجد إرث ثقافي من الأضرحة والمساجد التي تخص المذهب الشيعي، منها مساجد الحسين والسيدة زينب والإمام علي، بالإضافة إلى أضرحة أحفاد النبي محمد والصحابة وآل البيت، بالإضافة إلى احتفال المصريين السُنة مع الممارسات الشيعية مثل الاحتفال بالمولد النبوي، وعاشوراء (ذكرى وفاة الحسين)، ويحذّر حبيب من الشيعة المتحوّلين الذين آمنوا بالثورة الإيرانية، وهم أعضاء سابقون في الجماعات الإسلامية مثل الجهاد الإسلامي والإخوان المسلمين، وهؤلاء الرجال يسعون لتنفيذ المخطط الإيراني في نشر الإسلام الشيعي، وقيام الدولة الفارسية التي يُجرى العمل عليها تنفيذاً لوصايا آية الله الخميني، ولعل التوغُّل الإيراني في العراق وسوريا ولبنان خير دليل على النفوذ الإيراني في المنطقة. ومن جانبه، يرى د. أحمد بان الخبير في شئون تيار الإسلام السياسي، أن جهود التبشير الشيعية المكثفة التي ترعاها إيران وقادتها، أتت ثمارها بعد تحوّل عشرات الآلاف من المصريين إلى المذهب الشيعي، والذين يُطلق عليهم (المقنعة والمهتدين الجدد)، كما تعتبر الصوفية في مصر ملجأ لشيعة إيران، وهناك توقعات بمساعي عدد من قادة ومريدي الصوفية إلى وجود موطئ قدم في الساحة السياسية للبلاد، باعتبارهم بديلاً للإخوان والسلفيين في البرلمان المقبل، ويشير إلى أن وجود غموض نسبي نحو ميل الشيعة نحو النشاط السياسي العام في البلاد، وغالباً ما يتم التغاضي عن الشيعة في المناقشات الدينية في مصر، وأرجع بان ذلك إلى حالة الارتباك بين الطائفتين السُنية والشيعة على حد سواء؛ مما يجعل المصالحة أو القبول بينهما مهمة صعبة على نحو متزايد، وبالتالي من الصعب القبول بفكرة اختراق أصحاب المذهب الشيعي للحياة السياسية. وفي رأي د. أحمد ربيع الغزالي الخبير في شئون الحركات الإسلامية، أن الجهود التي تبذلها جامعة الأزهر لسد الهوة بين مُختلف مدارس الفكر، لم تفعل شيئاً يُذكر للتوفيق بين الأيديولوجيات الشيعية والسُنية، رغم اعتراف الأزهر بشرعية المذهب الجعفري الذي ينتمي معظم روَّاده من الشيعة، وتابع: ومع ذلك توجد حملات من وقت لآخر ضد الشيعة في مصر، ويوضح أنه تم تسييس الانقسام بين السُنة والشيعة على نطاق واسع في المجتمعات العربية، ويحاول الغرب إشعال فتنة الدين بين المسلمين لاختراق الدول العربية، بينما تعمل إيران على انتهاز الفرصة لمد جسر نفوذها على العرب، وهو ما جعل أهل السُنة في العالم العربي يعتقدون أن المذهب الشيعي وسيلة للتغلغُل الإيراني، ويرى أن العداء ضد الشيعة هو سياسي وليس دينياً، ويدور حول الطموحات المتنافسة بين المملكة العربية السعودية وإيران، ويضيف الغزالي: أنه منذ غزو الولاياتالمتحدةالأمريكية للعراق في عام 2003، عمقت الانقسام الطائفي بين السُنة والشيعة، حتى أن المسلمين الشيعة في مصر ودول الخليج لديهم ولاء سياسي لطهران أكثر من بلدانهم الأصلية، وهو ما يجعل فكرة دمجهم في الحياة السياسية المصرية أمراً صعباً بسبب عوامل سياسية ودينية وشعبية.