يستهل الباحث الكاتب ممدوح الشيخ مقدمة كتابه "عبد الوهاب المسيري: من المادية إلى الإنسانية الإسلامية" بالقول: إن الكتابة عن الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري مهمة صعبة أولا لأنه عالم شديد الاتساع والثراء حتى أنه يكاد يكون صاحب مشروع متكامل لإعادة تأسيس العلوم الإنسانية وفق رؤية عربية إسلامية (إنسانية) بعيدا عن تراثها الضخم الواقع في أسر المركزية الغربية، أو بتعبير آخر تأسيس "حداثة إسلامية". وقد كانت الحصيلة إنتاجا كبيرا يجمع بين الغزارة والعمق والتنوع: دراسات في الظاهرة الصهيونية وأعمال في النقد الأدبي والأدب الإنجليزي والعلمانية والتحيز ومناهج البحث، وأعمال إبداعية: دواوين شعر وقصص أطفال وكما أن المسيري من زاوية ثالثة مثل اللؤلؤة ذات الأوجه المتعددة، فهو في مرحلة من حياته كان ماركسيا ماديا وفي مرحلة تالية إسلاميا إنسانيا، وهو في مرحلة كان أكاديميا تخصصه الأدب الإنجليزي وهمه الأساسي التعليم، ثم استقال للتفرغ للكتابة وبشكل أساسي في دراسة الظاهرة الصهيونية. وقد أثمر المشروع الفكري للمفكر العربي الإسلامي الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري ثمرة أخرى مهمة ومختلفة نوعيا، فالرجل بعد ما يزيد عن ربع قرن من الصرامة التي فرضها على نفسه طوعيا لينجز مشروعه الرئيس موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية" قرر أن يخوض غمار العمل السياسي المباشر عضوا مؤسسا في حزب الوسط المصري (تحت التأسيس)، ثم ناشطا في عدد من الفعاليات السياسية توجت باختياره منسقا عاما ل "الحركة المصرية للتغيير" (كفاية). الباب الأول من الكتاب عنوانه "المسيري الإنسان"، وفي الفصل الأول منه "التكوين" يتناول الكاتب حياة المسيري الذي ولد في الثامن من أكتوبر عام 1938 في مدينة دمنهور المصرية وفي العام 1955 التحق بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، وفي العام 1959 تخرج وعيِّن معيدا، وفي عام 1963 سافر إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية للحصول على درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة كولومبيا، ثم التحق بجامعة رتجرز وحصل منها على درجة الدكتوراه عام 1969، وفي العام نفسه عاد الدكتور عبد الوهاب المسيري إلى مصر عضوا بهيئة التدريس بكلية البنات بجامعة عين شمس، وفي العام 1970 عُيِّن الدكتور المسيري مستشارا لوزير الإرشاد القومي، وكان وزير الإرشاد آنذاك الكاتب المعروف محمد حسنين هيكل الذي ربطت بينه وبين الدكتور المسيري علاقة شديدة الأهمية، وقد شهد العام 1972 صدور كتاب "نهاية التاريخ: مقدمة لدراسة بنية الفكر الصهيوني" الذي يصفه المسيري بأنه أول مؤلفاته الحقيقية، وأصدر المسيري أول مؤلفاته الموسوعية عام 1975 "موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية"، وفي العام نفسه عاد إلى أمريكا وخلال هذه الفترة التي امتدت حتى عام 1979 عمل المسيري مستشارا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأممالمتحدة، الفصل الثاني "التحولات" ويتناول فيه التحول الفكري في حياة عبد الوهاب المسيري. الباب الثاني وعنوانه "عبد الوهاب المسيري ناقدا أدبيا" ويبدأه بفصل عنوانه: "الملامح العامة لرؤيته النقدية"، أما الفصل الثاني فعنوانه: "عبد الوهاب المسيري ناقدا للتفكيكية"، يليه فصل عنوانه: "نموذج من النقد التطبيقي: المسيري وشعر المقاومة الفلسطيني". الباب الثالث خصصه ممدوح الشيخ لقضايا المنهج في فكر المسيري "التحيز والموضوعية والنماذج الإدراكية"، حيث يرى باحثون كثيرون أن المسيري استطاع أن يتخلص من القبضة الحديدية التي تفرضها النماذج المعرفية الغربية، الأمر الذي دفع بمؤرخ غربي بارز هو كافين رايلي إلى أن يصف المسيري بأنه "مفكر عربي في سياق عالمي"، الفصل الثالث في هذا الباب عنوانه: "الخريطة الإدراكية والنماذج: نموذج العلمانية الشاملة مثالا"، أما الباب الأخير من الكتاب "المشروع الفكري لعبد الوهاب المسيري" فيتضمن فصلا عنوانه: "الإطار العام والملامح الرئيسة"، وآخر عنوانه: "عبد الوهاب المسيري في سياق الفكر الإسلامي". يذكر أن المسيري توفي عن سبعين عاما في الثالث من يوليو 2008، كما يذكر أن الكتاب صدر عن مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي في بيروت ويقع في 286 صفحة من القطع المتوسط.