مع مرور الذكرى الثالثة لثورات الربيع العربي تتداعى إلى حيز الذاكرة كثير من الأفكار الداعية إلى التأمل في تلك الثورات.. التطور التكنولوجي في وسائل الاتصال، ثورة الإنترنت وما طرحته من شبكات التواصل الاجتماعي كتويتر، فيس بوك، يوتيوب، ورسائل متحركة ذهاباً وإياباً عبر البريد الإلكتروني تحمل الكثير من الأفكار الثورية والغضب والطموح إلى إصلاح أو تغيير الواقع، كاميرات تسكن موبايلات أصبحت في يد كل مواطن وأحداث ومشاهد حية تلتقط فور حدوثها وكثير من الصور والمعلومات يتم تداولها بسهولة ويسر. وهنا تبرز عدة أسئلة تفتح باب الحوار والنقاش، حول هل كان هذا التطور عاملاً قوياً في إحداث حراك سياسي في دول الربيع العربي بعد سنوات طوال من الركود واليأس من إصلاح الفساد؟ هل كانت مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت سبباً رئيسياً من أسباب نجاح الثورة في مصر؟ هل كان الفشل في احتواء الأزمة من قبل النظام الحاكم في مصر"عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك" مثلاً سبباً لانتقال الغضب من داخل العالم الافتراضي ليتحوّل إلى غضب شعبي عارم يعم الشارع العام؟ هل مواقع التواصل ما زالت تملك نفس القوة ؟ هل تمثل رقابة الحكومات لحركة تداول المعلومات على الإنترنت انتهاكاً لحقوق الإنسان في حرية الرأي والتعبير..؟! يرى د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن تكنولوجيا الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي كان لها دور واضح في نجاح الثورة في مصر " 25 يناير 2011" حيث كان الشباب الذي فجر الثورة ينتمي إلى الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة التي امتلكت هذه التكنولوجيا وتعاملت معها بكفاءة عالية مما ساعد على إحداث تواصل سريع وتعبئة وحشد لم يسبق لهما مثيل مما ساهم في إطلاق شرارة الثورة وإنجاحها ذلك النجاح الذي أبهر العالم. ويقول د. نافعة: إن عدم إدراك النظام الحاكم لأبعاد التطور التكنولوجي والحراك الحادث داخل مواقع التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت كان له أثر بالغ في فشله في احتواء الأزمة ومن ثم كان هذا عاملاً من عوامل نجاح الثورة التي لم تبدأ كثورة وإنما كانت وقفة احتجاجية مبررها الوفاة المأساوية للشاب خالد سعيد ونتيجة لغباء النظام السياسي والتعامل الخاطئ لجهاز الشرطة مع الشباب تصاعدت الأحداث بشكل أربك النظام الذي لم يعط لوسائل التواصل التقنية ذلك الثقل الذي يناسبها ويناسب قوة وسرعة تأثيرها فكان هناك نوع من الاستهانة بالإنترنت وما يحدث على صفحاته وما تملكه مواقع التواصل الاجتماعي فيها من قدرة على الحشد بهذا الزخم والنمط التعبوي مما ساعد على تنامي هذه الاحتجاجات ووصولها إلى مرحلة الثورة. ويضيف: أن تكنولوجيا وسائل التواصل لم تؤثر فقط على الحراك السياسي بل على المستوى الاجتماعي أثرت على نمط وسلوك التواصل داخل الأسرة في نفس المنزل حيث نجد أفراد العائلة يتواصلون فيما بينهم من خلال هذه الوسائل رغم وجودهم في مساحات ضيقة داخل المنزل. غير أنه يستدرك قائلاً: بأن تلك الوسائل قد فقدت الكثير من تأثيرها الآن وأن هذا التأثير أصبح محدوداً ومرتبطاً بمن يتفقون أيديولوجياً فهي تعد مثلا وسيلة تواصل ممتازة وسريعة داخل الحزب الواحد ولكن لم تعد تملك نفس الثقل الذي كان لها أثناء الثورة كما فقدت إلى حد كبير دورها في الحشد والتعبئة. وانخفاض تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في الوقت الحالي مقارنة بزمن الثورة، يرجعه د. مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إلى حالة الانقسام التي وصلت إلى مستوى التمزق داخل التنظيمات السياسية ويرى أن المشكلة الكبرى في هذا الانقسام لإيمان كل فريق بوجهة نظره إيماناً مطلقاً مرجعه الأساسي " رأيي صواب لا يحتمل الخطأ ورأيك خطأ لا يحتمل الصواب " مشيراً بذلك إلى حالة التصلب في تبني المواقف والآراء ويتفق د. علوي مع الرأي القائل بأن مواقع التواصل الاجتماعي كان لها دور رئيسي في الثورة المصرية حيث يحصل معظم هذا الجيل من الشباب على المعلومات من شبكة الإنترنت ويتواصلون من خلالها حيث كان لها دور واضح في دفع الشباب إلى الاحتجاج والنزول إلى الشارع في وقت الثورة بهدف الإصلاح. ويقول: أن الأزمة قبل أن تتصاعد إلى مرحلة الثورة كانت مجرد احتجاج وأن المطالب كانت في البداية إصلاح النظام ثم تصاعدت إلى إسقاطه وهذا التصاعد كان مرجعه في المقام الأول هو خطأ الدولة في تناول الأزمة واحتوائها والذي تمثل في بطء ردود أفعال النظام الحاكم للمتغيرات السريعة ولم تكن ردود الأفعال هذه سوى خطابات توجه إلى الجماهير بعد فوات الأوان. ويرى أن الخطأ الأكبر في تناول نظام مبارك لهذه الأزمة كان إغلاق شبكات الإنترنت وإغلاق شبكات الموبايل كمحاولة مستميتة لمنع التواصل بهدف كبح جماح الثورة والسيطرة عليها ولكن هذا الإجراء جاء بنتيجة عكسية حيث انتقل الغضب من العالم الافتراضي للإنترنت إلى أرض الواقع وتغير مكان لقاء القابعين أمام الشاشات من مواقع التواصل وغرف الدردشة " الشات " إلى الميادين والشوارع واستبدلت المكالمات والرسائل في الهواتف بهتافات حشود ضخمة في ميدان التحرير وغيره من الميادين ومما زاد الموقف سوءاً وتوقف التواصل بين أفراد جهاز الأمن نفسه مما أدى لحالة من الارتباك لدى النظام. في هذا السياق يذكر اللواء محمود الرشيدي الخبير في أمن المعلوماتية - في وقت الثورة - في مؤلف يتناول أحدث الثورة كيف تفاجأ رجال الأمن في مصر بدور وتأثير الإنترنت والوسائل الحديثة لتبادل المعلومات في تحريك الرأي العام والتأثير على الشباب المصري الذي واكب التطور الحالي في تلك الوسائل بينما لم تكن أجهزة الأمن مواكبة لعالم التقنية الحديثة بنفس القدر. إن كان لوسائل التواصل الحديثة المتمثلة في الإنترنت بمواقعها الاجتماعية دور في ثورات الربيع العربي مما أدى إلى تسمية هذه الثورات باسم هذه المواقع مثل الثورة المصرية التي يطلق عليها البعض ثورة الفيس بوك ففي واقع الأمر لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الربط بين الثورة وبين الأداة الإعلامية المستخدمة في توجيهها وقيادتها فقد سميت من قبل ثورة إيران التي قامت في عام 1979 بقيادة الخوميني بثورة الكاسيت حيث كان يعتمد في التوجيه والتعبئة والحشد على شرائط الكاسيت ونجح بهذه الوسيلة في انتزاع الحكم وفي إطار تهكمي ساخر يذكر أحد المواقع الإلكترونية في عام 2009 " إذا كانت الثورة الخومينية قد قامت على الكاسيت فإن الكاميرا الديجيتال في طريقها للإطاحة بها ". فيما يتعلق بالعلاقة التفاعلية بين الحكومات والشعوب نلاحظ أنه مع تنامي استخدام الإنترنت في الحركات الثورية أصبحت بعض الحكومات القمعية تستخدم أنظمة المراقبة والرصد والتتبع وأدوات اعتراض الرسائل الإلكترونية والرسائل النصية وتسجيل حركة الإنترنت وتحديد أماكن الهواتف الخلوية " الموبايلات " من أجل ملاحقة المعارضين وهنا تطفو إلى السطح قضية حقوق الإنسان في التعبير وحرية الرأي وتداول المعلومات وهنا يفرق د. مصطفى علوي بين نوعين من الرصد، الأول إيجابي ومحمود حيث تقوم الحكومات من خلال الرقابة والمتابعة بمعرفة اتجاهات الرأي العام السائد واستشعار السلبيات في أدائها التي تؤدي إلى غضب الجماهير ومن ثم البحث عن الإصلاح قبل حدوث الأزمات والانفجار، والنوع الثاني يراه سلبياً وهو الرصد من أجل القمع ومحاربة المعارضين كنوع من التسلط والاستبداد. فيما ترى منظمات حقوق الإنسان أن حق التعبيرعن الرأي وتبادل المعلومات على الإنترنت حق أصيل لا يجب المساس به يقول بريت سولومون المدير التنفيذي لمنظمة " أكسيس " الحقوقية الأمريكية التي تطالب بحرية الإنترنت " أن الأنظمة القمعية تستخدم تكنولوجيا المراقبة ويقودنا هذا إلى منحنى بالغ الأهمية وهو أن هذه المراقبة تمثل انتهاكاً بالغاً لحقوق الإنسان ". تدين تلك المنظمات الحقوقية التجارة في أجهزة الرصد والمراقبة للإنترنت وتراها نوعاً من تجارة الأسلحة – بالرغم من كونها ليست أسلحة – التي تستخدم في قمع المعارضين للسلطة عن طريق منعهم من ممارسة أبسط أنواع الحرية وهي حرية الرأي والتعبير من خلال الإنترنت. إن لوسائل الإعلام دوراً في التواصل السياسي وهذا الدور يعني بعرض وتفسير المعلومات والرسائل لأغراض تقاسم السلطة بمعنى إمداد المتلقي بالمعلومة من أجل دفعه إلى التفاعل مع محتواها وتكوين رأي عام صحيح ضاغط ومؤثر على القمة السياسية فيحدث التقاسم في السلطة بين القمة السياسية والقاعدة الشعبية عند إتاحة المعلومات لجموع الشعب وبذلك يخرج المجتمع من حالة استقطاب السلطة بيد القمة السياسية. لقد كان من أهم نتائج التطور التكنولوجي في وسائل التواصل تحوّل العالم إلى قرية كونية صغيرة تتداخل فيها العوامل الاقتصادية والثقافية وقامت شبكة الإنترنت بشد أواصر مكونات هذه القرية وعندما تطورت أدوات هذه الشبكة انسحب هذا التطور إلى الشئون السياسية وأصبحت له انعكاسات واضحة لا يمكن إنكارها حيث أصبح الإنترنت سلطة إضافية تنافس القنوات الفضائية والسلطة السياسية في توجيه الرأي العام توجيهاً قد يعارض في بعض الأحيان ما ترغب فيه السلطة السياسية أو ما تسعى إليه قنوات الإعلام. تحمل الأسهم الفاصلة بين كلمات عنوان هذا التقرير في داخلها الكثير من التفاصيل التي تؤكد بقوة على تأثير تكنولوجيا وسائل التواصل وشبكة الإنترنت ودورها في إحداث الحراك السياسي وكذلك قدرتها على أن تكون أداة جيدة في يد النظام الحاكم من أجل الاستقرار وتطوير المجتمع إذا أحسن استخدامها كأداة لمعرفة احتياجات الجماهير وآرائهم أو أن تكون أداة للقمع والاستبداد والحقيقة التي لا يمكن إغفالها هي أن للتكنولجيا تأثيرها الفعلي على أرض الواقع في السياسة.