يتصاعد الدور الذى تلعبه مواقع التواصل الاجتماعى عبر شبكة «الإنترنت» تصاعداً كبيراً، وقد أخذ هذا الدور فى الاتساع، ليصبح جزءاً أساسياً من إدارة التفاعل السياسى فى بلدان منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى فى العالم. يرى باحثون كثيرون أن وسائط التواصل الاجتماعى لعبت دوراً جوهرياً فى أحداث ما عرف ب«الربيع العربى» على صعيد بلورة مشاعر الغضب لدى المجموعات الشبابية، ونقل المعلومات والآراء والصور الخاصة بالحراك السياسى، والتحول إلى بنية اتصالية أساسية لتنظيم الاحتجاجات والتظاهرات، ثم العمل كمرصد للانتهاكات والاعتداءات بحق المتظاهرين والمحتجين، وصولاً إلى كونها وسيلة ضغط أساسية فى المعركة السياسية عبر تأثيرها الكبير فى الرأى العام المحلى والدولى. ويلاحظ آخرون تصاعد دور تلك الوسائط فى نقل الرسائل الرسمية من السلطات والفاعلين السياسيين إلى قطاع من المواطنين يتميز بأنه الأكثر معرفة وتعليماً من جهة، والأنشط فيما يتعلق باحتمال المشاركة بفاعلية فى الشأن العام من جهة أخرى. وفى هذا الصدد، تفيد دراسة نشرتها مؤسسة «ديجتال بوليسى كاونسل» أن 123 رئيس دولة أو حكومة باتوا يستخدمون موقعى «تويتر» و«فيس بوك» بانتظام، فى نهاية العام الماضى 2012، بارتفاع نسبته 78% مقارنة بالعام السابق عليه، وأن معظم هؤلاء يبثون رسائل سياسية وأخباراً عبر حساباتهم. مع الارتفاع المطرد فى عدد مستخدمى «الإنترنت» فى العالم، والزيادة المتسارعة فى مستخدمى وسائط التواصل الاجتماعى الشهيرة، تتكرس الوظيفة الإخبارية لتلك الوسائط، وتصبح مصدراً رئيسياً لاعتماد الجمهور ووسيلة لمتابعة الأحداث والمشاركة فى صياغتها والتعليق عليها. ويمكن القول إن الوظيفة الإخبارية لمواقع التواصل الاجتماعى ظهرت كمحاولة للالتفاف على قمع بعض الأنظمة الاستبدادية وتقييدها لوسائل الإعلام النظامية (معلومة الهوية ومحددة المسئولية)، كما حدث فى أحداث «الإيجور» فى الصين، وفى الانتخابات الإيرانية 2009، وفى العدوان الإسرائيلى على لبنان 2006، وغزة 2008، ثم الصراع الدائر راهناً فى سوريا. لكن تلك الوظيفة شهدت أزهى عصورها، حينما تحولت مواقع التواصل الاجتماعى إلى «بنية أساسية اتصالية» فى دول التغيير العربى، التى شهدت «ثورات» أطاحت بأنظمة حكم استبدادية، من خلال أدوار مارستها تلك المواقع فى الحشد والتعبئة وتنظيم «النضال السلمى» وبلورة الاحتجاجات وصياغة المواقف والشعارات. تعطى مواقع التواصل الاجتماعى لمستخدميها صلاحيات غير قابلة للمنافسة من أى وسيلة إعلام نظامية؛ إذ تمكنهم من انتقاء الأخبار، وصياغتها، وتأطيرها، وبثها خلال ثوانٍ معدودات، طالما كانوا يمتلكون هواتف جوالة ذكية، أو أياً من الوسائط التقنية الأخرى، وصلة ل«الإنترنت». يمكن ملاحظة أن نسبة استخدام مواقع التواصل الاجتماعى كمصدر للأخبار تزداد باطراد فى ظل سخونة الأوضاع السياسية من جهة، وكلما تعرض الإعلام النظامى لتضييق أو استهداف من السلطات من جهة أخرى. وقد شهدت السنوات القليلة الفائتة اتجاهاً من قبل السلطات فى غير دولة عربية إلى استهداف «مدونين» و«مغردين» باتهامات وأحكام بالسجن بأكثر مما يحدث مع الصحفيين والإعلاميين الذين يمارسون عملهم فى وسائل الإعلام النظامية. تزيد نسبة مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى فى الدول التى تشهد انغلاقاً فى إعلامها النظامى، وترتفع نسبة المحتوى السياسى فى «تويتر» بشكل مطرد، ويزيد ميل السياسيين من كافة الأطراف إلى استخدامه فى إنتاج الأخبار وبثها وتداولها ومتابعة تطورات الرأى العام ومحاولة تقصى ما يطرأ على الوعى الجمعى للنخب من تغيرات. فى مقابل الميزات الكبيرة التى تتيحها مواقع التواصل الاجتماعى لمستخدميها، خصوصاً على صُعد السرعة والإيجاز والبلورة وإمكانات البحث وقدرات التعبئة والتوجيه، ثمة الكثير من السلبيات والاعتوارات؛ فتلك الوسائط لا تُخضع المحتوى الذى تبثه لأى شكل من أشكال التقييم أو المراجعة، ولا تُلزم من يبث هذا المحتوى بأى قدر من الالتزام، سوى ما يقرره طوعاً لذاته. تمثل مواقع التواصل الاجتماعى رصيداً إخبارياً معتبراً، خصوصاً فى ظل أجواء التعتيم والاستبداد التى تغل يد الإعلام النظامى، لكنها أيضاً تعد ميداناً خصباً لاختلاق الوقائع وتشويه الحقائق وبلورة المشاعر العدائية وأحياناً بث الكراهية. سيمكنك بكل سهولة أن تدخل على «تويتر» مثلاً وتكتب تدوينة تعبر فيها عن رأى أو تنقل اقتباساً أو حتى معلومة، لكن لن يكون هناك ما يضمن لك الحماية من رد علنى مباشر من شاب غاضب يطعن فى شرفك، أو يصفك ب«الحيوان»، أو يسب أحد والديك. كما أنه لا يوجد أى ضمان للمسئول السيادى فى ما يتعلق بملكيته لحسابه، ولا فيما يخص الحسابات المزيفة التى ستنشأ لمناكفته والحديث باسمه، ولا فيما يتصل بالردود الحادة والمنفلتة على أى قرار أو موقف يعلنه عبر صفحته. ستظل وسائط التواصل الاجتماعى تكسب أرضاً جديدة فى ميادين الأخبار، طالما كان الإعلام النظامى تحت قيود القمع السلطوى، وطالما كان عاجزاً عن تغيير إيقاعه وتطوير أدواته، للحاق بجمهور بات مزاجه فى التعرض الإخبارى أكثر ميلاً للمقاربة الموجزة الموحية الحادة. لكن التحدى الكبير فى هذا الصدد يتعلق بكيفية خلق التكامل والتعاون بين الإطارين النظامى وغير النظامى، بحيث يصبح أولهما أكثر تحرراً وسرعة وطزاجة، ويصبح الآخر أكثر دقة ومسئولية وخضوعاً للضبط الذاتى. تعطينا مواقع التواصل الاجتماعى عبر «الإنترنت» الكثير من الفرص على صعيد الوظيفة الإخبارية، لكنها تفرض علينا تحديات خطيرة فى الوقت نفسه.