في ظل ما شهدته السنوات الأخيرة من تصاعدٍ كبيرٍ لاستخدام الإعلام الإلكتروني مع تطور أدوات التكنولوجيا وانتشارها، أدت مواقع التواصل الاجتماعي دوراً بارزاً في إنجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، وكانت عاملاً رئيساً في الحشد والإرشاد ونقل الأحداث. واليوم وبعد عام على تولي الرئيس محمد مرسي مسئولية الحكم في البلاد، نزلت جموع غفيرة من المصريين، لكنهم انقسموا بين مؤيد للرئيس ومعارض له. في المرة الأولى كانت جموع المصريين الرافضين للنظام السابق على قلب رجلٍ واحد، لكن حالة الانقسام الحاد التي يشهدها الشارع المصري، انعكست بصورة كاملة على مواقع التواصل الاجتماعي التي قامت بدور مشابه تقريباً، لكن الأمر اختلف باختلاف نظام الحكم والمعارضة له معاً. والدليل على ذلك وجود عشرات الصفحات - إن لم يكن أكثر - حفل بها موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" للتعبير عن تظاهرات 30 يونيو، وعشرات الآلاف من التغريدات على موقع "تويتر"، للتعليق على الأنباء المتتالية أو لنقل الأخبار المتعلقة بهذه التظاهرات من المواقع الإلكترونية والشخصيات وبعض الناشطين في الميدان، إضافةً إلى المئات من مقاطع الفيديو التي بثها ناشطون على موقع "يوتيوب"، وتنقل ما يحدث على الأرض في معظم ميادين "مصر". سمة التباين وتزامن الدور الكبير الذي أدته مواقع التواصل الاجتماعي في ثورة 25 يناير، مع إعلامٍ جماهيريٍ يعاني قيودا وسيطرةً من جانب الدولة، بالمقارنة مع وضعه حاليا. أما عن الدور الذي أدته هذه المواقع في أحداث تظاهرات 30 يونيو، فإنه بالفعل كان فعالاً على صعيد الحشد والتعبئة وبلورة الأفكار والمواقف. كما عملت في بعض الأحيان كبنية أساسية اتصالية للفعاليات اللوجستية للحراك الميداني، عبر توجيه المتظاهرين لأماكن التجمع وإرشادهم لسلوكيات التعامل خلال التظاهر. وبالتالي كان هناك اختلاف بين دور هذه الوسائل عما قامت به في ثورة يناير، أبرزها ظهور نشاط موجه لمؤيدي جماعة الإخوان المسلمين وتيارات الإسلام السياسي، من خلال مساهمات مبرمجة. وكانت ساحات التواصل الاجتماعي في الموجة الأولى من ثورة يناير، تتحرك ككتلة واحدة باتجاهٍ واحد، أما الآن فهي أسيرة سمة رئيسة، وهي أن ثمة مجموعاً عاماً في مواجهة خصم متمرس في خندق لتأييد النظام، وهو ما انعكس على التفاعل الذي أصبح أكثر حدةً مع وجود منحى للتراشق والاستهداف بين الفريقين. تداعيات جديدة وعلى إثر ذلك التباين، ظهرت تداعيات جديدة كان لها أثرها على عمق الأزمة السياسية في مصر نتيجة الاستقطاب الحاد بين مؤيدي الرئيس ومعارضيه، فعلى الرغم من أن مجمل النشاط العام على مواقع التواصل الاجتماعي حاليا يدعم الحراك الثوري المنادي بالإطاحة بالرئيس "مرسي"، لكنه يؤكد في الوقت نفسه، أن جماعات المؤيدين تحتفظ بنقاط ارتكاز واضحة. وعلى المستوى من تلك التداعيات المستندة على فكرة الانقسام، هو أن هناك ما يمكن وصفه ب"الجانب الأسود" في هذا الحراك الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي محاولة مؤيدي الرئيس جر التفاعل إلى خانة التكفير والفتنة الطائفية، وفي الوقت نفسه فإن المتفاعلين مع الحراك الثوري المناهض للرئيس يميلون إلى اتخاذ منحى استهدافي وعنيف. أما الجانب الإيجابي في هذا الحراك، فهو الدور الذي أدته هذه المواقع في نقل نبض الشارع، واستخدام ذلك في عمليات الحشد والتعبئة، وبلورة الشعور العام بالغضب، وتحويله أحيانا إلى بنية أساسية للتواصل اللوجيستي الداعم للحراك الميداني. ومن ناحية أخرى، فلا ننفي وجود بعض من أنصار وفلول النظام السابق تحاول الاستفادة من هذا الحراك الثوري، وهذا لا يلغي حقيقة أن الغالبية العظمى منه "ثورية بامتياز"، وهي الطاقة والوقود الأساسي للحَراك. وفي النهاية يبقى من الثابت أن الفرصة عظيمة أمام مواقع التواصل الاجتماعي لممارسة دور إيجابي في التغيير السياسي في "مصر"، لكن هناك مخاطر من دعوات العنف والتحريض والتكفير والتي يتحمل مسئوليتها الطرفان، وبالأخص مؤيدي الرئيس. ومن ناحية أخرى، يرى بعض الخبراء أن دور مواقع التواصل الاجتماعي كما يسمونه "الإعلام الجديد" بدا متراجعاً خلال الأحداث الأخيرة، لكنه كان مشاركاً لوسائل الإعلام الجماهيري (التلفزيون والصحافة والإذاعة) التي أدت دوراً بارزاً في إبراز الخلافات بين أطياف السياسة. انتهاكات الدولة وعلى جانب أخر، لم يكن الإعلام بوجه عام بمعزلٍ عن التداعيات والقيود، ففي الوقت الذي تعتبر فيه حرية التعبير والإعلام أساسَ أي نظام ديمقراطي، نجد أن الصراع في مصر لم يعد مقتصرا فقط بين القوى السياسية والسلطة الحاكمة، حيث وصل مداه إلى منابر المعرفة وتقييد حرية الإعلام، بعد أن أصدرت المنطقة الحرة الإعلامية التابعة لوزارة الاستثمار مؤخرا إنذارات لخمس قنوات فضائية مصرية خاصة، اتهمتها بمخالفة الضوابط التي أصدرت لها التراخيص بموجبها، بعد الاطلاع على تقارير رصد مهنية عرضت في اجتماع للهيئة الحكومية التي تضم في عضويتها ممثلين عن معظم القنوات المصرية. هذا وقد أدان عددٌ من خبراء الإعلام في مصر ما حدث، محملين السلطة الحاكمة المسئولية، كما أعربوا عن قلقهم من تطور الأمر إلى اشتباكات قد تواجه الإعلاميين المصريين في الفترة المقبلة، فضلا عن انتقادهم الأسلوب الذي تعامل به نظام الرئيس مرسي مع وسائل الإعلام بشكل عام، بدلاً من محاولة كسب الإعلام والإعلاميين في صفِّه.