عشية إعلان الفائزين التسعة النهائيين في دورتها الثامنة، تكون جائزة الشيخ زايد للكتاب قد كرّست للعام الثاني على التوالي قاعدة المرور بالقائمتين الطويلة والقصيرة للمرشحين المتنافسين. وفي رأي الدكتور علي بن تميم الأمين العام للجائزة، فإن هذه الآلية الجديدة التي اعتمدتها الجائزة، ليست مجرد تقليد للجوائز العريقة الأخرى، وإنما هي أمر نابع من عمق التراث العربي عندما اختيرت عيون القصائد من قائمة طويلة، ثم اختصرت إلى قائمة أقصر سميت المعلقات. وإذا كان هذا الأمر يحقق عدالة بين المتنافسين، فإن تلك العدالة في رأي الدكتور تميم هي صنو للموضوعية، وللقواعد النقدية الصارمة التي تعتمدها الهيئة العلمية للجائزة، ولجان التحكيم ولجان القراءة. لقد كانت مهمة لجان القراءة هذا العام عسيرة، بعدما تقدم إليها في الفروع التسعة 1385 ترشيحاً، بنسبة نمو وصلت إلى 12% مقارنة بالدورة السابقة. فكيف أنجزت لجان التحكيم مهمتها؟ وما هي القواعد التي اعتمدتها؟ ومن سيكون الفائزون في الدورة الثامنة؟ عن السؤالين الأولين وغيرهما، يجيب الأمين العام للجائزة الدكتور علي بن تميم باستفاضة، أما السؤال الثالث فإنه يتركه في عهدة لجان التحكيم. - تستعد جائزة زايد للكتاب لإعلان الفائزين بجوائزها في الشهر المقبل، فكيف تقيّمون مسيرة الجائزة خلال الأعوام الماضية؟ لقد حققت جائزة الشيخ زايد للكتاب، والتي ترعاها هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، منذ انطلاقتها عام 2007، مجمل الأهداف التي وضعتها لنفسها فيما يتعلق بدعم الإبداع العربي في مختلف المجالات وتكريم المبدعين المحليين. لقد كان هدف تشجيع المبدعين والمفكرين في مجالات المعرفة والفنون والثقافة العربية والإنسانية، هو الهدف الأسمى الذي وضعته الجائزة، انطلاقا من المبادئ العظيمة التي التزم بها وعمل من أجلها، الرجل الذي تحمل الجائزة اسمه مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة وباني نهضتها، المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (رحمه الله). ومن يتابع مسيرة الجائزة خلال السنوات الماضية، ومن خلال الأسماء العلمية والأدبية فضلا عن المؤسسات العريقة والجهات الاعتبارية التي حملت جوائزها، يلاحظ أن الجائزة بفروعها، قد استطاعت بالإضافة إلى تكريم المبدعين والمفكرين المساهمة في تشجيع النشر العربي وحث الناشرين على تقديم كل ما يساهم في الارتقاء بالعقل العربي ويرفد الثقافة العربية، بما هو جديد ومميز ومواكب لقضايا العصر. ويتبدى ذلك بالدرجة الأولى في مجالات عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر: تنشيط حركة الترجمة الجادة ودعم الأعمال المميزة التي تسهم في رفع مستوى العلوم والفنون والثقافة في الوطن العربي، والاهتمام بأدب الطفل العربي وحض الكتاب المختصين على طرق المجالات الإبداعية التي تسهم في تنمية عقل الطفل العربي وإنارة وعيه من أجل خلق جيل واع لقضايا العصر. - أين أصبحت استعدادات الجائزة، لإعلان نتائج مسابقات فروعها لهذا العام؟ في الواقع عقدت قبل أيام الهيئة العلمية للدورة الثامنة من جائزة الشيخ زايد للكتاب اجتماعاتها في أبوظبي، لدراسة تقارير لجان التحكيم في فروعها التسعة، وفحص الأعمال المرشحة لعرضها على مجلس أمناء الجائزة، لاعتمادها. وقد تمت خلال الاجتماعات دراسة تقارير لجان التحكيم وفحص الأعمال المرشحة وإعداد القوائم القصيرة في فروع الجائزة التسعة. وقد تميزت المشاركات بالثراء والتنوع، وبلغ عددها في الفروع التسعة 1385 ترشيحاً، بنسبة نمو وصلت إلى 12% مقارنة بالدورة السابقة. وتعتمد الهيئة العلمية في تقييماتها على النظر في تقارير لجان التحكيم، ودراسة توصياتها وقوائم الترشيحات الطويلة، قبل وضع القوائم القصيرة لفروع الجائزة، تمهيداً لرفعها إلى مجلس الأمناء، الذي يرأسه الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان، رئيس أمناء الجائزة، لاعتمادها، على أن يتم الإعلان عن الفائزين في شهر أبريل (نيسان) المقبل، وتقديم الجائزة في احتفالية ثقافية وفكرية كبيرة تقام يوم 4 مايو (أيار) بالتزامن مع معرض أبوظبي للكتاب. قائمتان - لجأتم منذ دورتين إلى اعتماد آلية القائمة الطويلة والقائمة القصيرة، فهل تجدون أن هذه الآلية تخدم أهداف الجائزة، وتحقق المزيد من التنافس بين المرشحين؟ في الحقيقة أن اعتماد هذه الصيغة، أو الآلية، نابع بالدرجة الأولى من تجارب عريقة في التراث العربي. ولعلنا كلنا نعرف أن أبرز مثال على آلية هذا الاختيار يتمثل في منتخبات الشعر العربي وتكريم الشعراء. والمرجعية الأبرز في هذا المجال هي المعلقات السبع التي اختيرت بعناية من بين مئات أو ربما ألوف القصائد، فأصبحت أول قائمة قصيرة في تاريخ الآداب والفنون على مستوى العالم.ونحن نرى أن أغلب الجوائز العالمية، تعتمد صيغة القائمتين الطويلة والقصيرة، وفي ذلك توسيع لقاعدة الفائدة بين جموع القراء من ناحية، وتوسيع قاعدة العدالة بين المرشحين والمتنافسين في ناحية ثانية. فمجرد وصول المرشح، إلى القائمة الطويلة، ومن ثم إلى القائمة القصيرة، هو اعتراف علمي موضوعي بمنجزه الإبداعي، على طريق الوصول إلى الجائزة النهائية، حتى وإن لم يصل إليها. يضاف إلى ذلك كله، أن آلية القائمتين، الطويلة والقصيرة، توفر للجائزة نفسها نوعاً من التواصل الدائم بينها وبين المهتمين من مبدعين وقراء. - تحتل الجائزة بين الجوائز العربية الشبيهة، مكانة مرموقة، فهل ترى أن الجوائز قادرة على دفع الحركة الثقافية، وحركة التأليف والنشر، إلى تحقيق الحيوية وتجاوز معرقلاتها؟ نعم، هذا هو الهدف والمبرر الأول لإقامة الجوائز الأدبية سواء في العالم أو على الصعيد العربي. وقد حققت الجوائز المرموقة هذا الهدف بنسب متفاوتة. ومما لا شك فيه أن الجوائز عندما تعلن قوائم المرشحين إليها، والفائزين بها، تخلق دينامية مشهودة سواء في حركة النشر أو على مستوى الترويج للمنتج الأدبي أو العلمي. وبالأرقام، نستطيع أن نعرف أن كل الكتب التي فازت بالجوائز الأدبية أو العلمية، حققت نسب مبيعات عالية جدا سواء في الغرب أو في منطقتنا العربية. ولم تشذ جائزة الشيخ زايد للكتاب عن هذه القاعدة، فحققت نجاحات مشهودة في مسألة دعم حركة التأليف والنشر، وبث الحيوية في الحركة الثقافية عموماً، وهو ما يؤكده على كل حال الفائزون بالجائزة في فروعها التسعة، والأرقام التي حققتها مبيعات كتبهم. - خلال السنوات الماضية تم حجب الجائزة في بعض الفروع، فهل يدل هذا الأمر على ضعف الإنتاج الثقافي والفكري العربي في المجالات المعنية، أم أنه ينحصر في ما تتلقاه الجائزة من ترشيحات؟ أريد أن أؤكد في معرض الإجابة عن هذا السؤال، الذي كثيرا ما يطرح في بعض الأوساط الثقافية والإعلامية، أن الحجب هو حكم موضوعي مثله مثل المنح. وهو يدل بلا مواربة، على أن ما وصل إلى لجان القراءة في الجائزة لم يرق إلى مستوى المعايير العلمية والأكاديمية التي وضعتها وأعلنت عنها. إن الأحكام التي تصدرها الجائزة، تصدر بمجملها عن قواعد ورؤى نقدية، ويتم اعتمادها من هيئة واسعة من المحكمين يتراوح عددها بين 30 و40 محكماً، لذلك فإن كل ما يصدر عنها، لا يمكن إلا أن يكون معبرا عن النزاهة والموضوعية بعد فحص دقيق للمادة المعنية. وبالتالي فإن الأحكام التي تنطبق على المنح هي نفسها التي تعتمد في الحجب. أما ما يشير إليه السؤال من أن ذلك قد يكون له علاقة بضعف الإنتاج بشكل عام، فالجواب هو أننا معنيون بما يصل إلينا، وليس بما لا يصل. حتى اليوم تبدو آلية الترشيح للجائزة، غير واضحة المعالم، أو أنها غير معروفة على نطاق واسع، فهل تتم الترشيحات عن طريق الأفراد في الواقع، تستقبل الجائزة الترشيحات بمختلف الطرق الممكنة. إذ قد يكون الترشيح من قبل المؤلفين أنفسهم، أو من قبل الناشرين، أو من قبل المؤسسات العلمية والأكاديمية. المهم أن تستوفي الترشيحات الشروط الموضوعة من قبل الجائزة. - حققت الجائزة حضورا لافتا على الصعيد العالمي، خصوصا لجهة اختيار مستشرقين لنيل جائزة شخصية العام الثقافية، بالإضافة إلى الندوات العديدة التي أقيمت في عواصم العالم.. فهل تجدون أن الجائزة استطاعت أن تلعب دورا في صياغة حوار جديد بن الحضارات؟ يمكننا القول إن الجائزة تمكنت خلال الأعوام الماضية من أن تصبح جسرا من جسور التواصل بين الثقافات والآداب بجذورها المتباينة، ومنصة للحوار والتقارب بينها. وهي في هذا الإطار تنهض بدور ريادي في تشجيع المواهب الشابة، وتحفيز المؤسسات والهيئات ومراكز البحوث ودور النشر العربية وغير العربية، التي ترعى الإبداع والثقافة وترسخ القيم الإنسانية القائمة على الحوار والتسامح. هذا من جانب، أما من الجانب الآخر، فإننا نسعى إلى تشجيع الحضارات والثقافات الأخرى على الانفتاح على الثقافتين العربية والإسلامية، وإلى إيجاد فرص للقاء والتواصل بين حضارتنا والحضارات الأخرى. وعلى هذا الأساس كان الانفتاح من جانبنا في السابق على اللغة الإنجليزية بآدابها وأعلامها، بينما هذا العام فإننا نعتمد اللغتين الروسية والإيطالية، وسوف نعلن قريباً عن اللغة التي اخترناها للعام المقبل. إن الحوار بين الحضارات هو معيار أصيل في ثقافة الانفتاح على الآخر، وهو هدف لا ينحصر فقط بجهة رسمية، أو بهيئة مختصة، إنه جهد ثابت يقع على عاتق المهتمين بالدرجة الأولى بالثقافة بكل تجلياتها، ووفق هذه الرؤية تولي جائزة الشيخ زايد للكتاب أهمية كبرى من أجل ترسيخ ثقافة الانفتاح والتلاقي. - هل تعتبر معايير اختيار أعضاء لجان التحكيم وقبول الترشيحات واختيار الفائزين، ثابتة أم أنها تخضع للتغيير من دورة إلى أخرى؟ من حيث المبدأ، فإن القواعد والمعايير لا تتغير، ولكنها خاضعة للتطوير، والقبول بكل جديد بما يحقق الموضوعية. أما أعضاء لجان التحكيم أنفسهم، فإن نسبة منهم تتغير وتتبدل من عام إلى آخر، وفقاً لظروف خاصة، فضلاً عن الرغبة في التنويع والتجديد.