منذ عزل الرئيس محمد مرسي من الحكم إبان ثورة 30 يونيو التي خرجت رفضاً لحكم جماعة الإخوان المسلمين وطالبت بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، أصبح الوضع السياسي والأمني في البلاد مليء بالتظاهرات الدموية التي لا تخلو منها شوارع القاهرة والمحافظات وجميع الميادين.. وأيضاً منذ فض اعتصام مؤيدي الإخوان والرئيس مرسي في ميداني رابعة العدوية والنهضة أصبحت الحالة الأمنية تهيمن على البلاد بصورة متزايدة ؛ حيث تم فرض حظر التجوال في عشرة محافظات، وأعلنت حالة الطوارئ، واستخدمت الشرطة القوة ضد المتظاهرين والتي خلفت مئات القتلى والجرحى. ومن المفارقات أن العديد من المفكرين والكتاب يطالبون بالقضاء على وجود الإخوان في البلاد.. والسؤال الآن بغض النظر عن تعدد العوامل المؤثرة في قرار اعتبار الإخوان منظمة إرهابية أم لا سواء كانوا إعلاميين أو مثقفين،كيف يتم تشجيع المصالحة السياسية مع الدولة في مواجهة العنف المتصاعد من الإخوان؟ وهل يمكن أن تشارك قوى تيار الإسلام السياسي من جديد في المؤسسات الديمقراطية أم سيتم إقصاؤها بعد حالة الضيق والضجر التي أصابت الشعب من كل ما هو إسلامي؟. أبو العز الحريري وكيل مؤسسي حزب التحالف الشعبي الاشتراكي قال: البعض يعتقد أن تأثير الحملة الأمنية التي تشنها وزراة الداخلية منذ عزل الرئيس مرسي هو إضعاف الإخوان المسلمين، بحيث تكون الجماعة غير قادرة على العودة من جديد إلى الحياة السياسية في الوقت القريب، والحقيقة أنه لايمكن القضاء على هذا التنظيم المتعمق في جذور الدولة منذ أكثر من ثمانية عقود، والإخوان لن تنتهي من الحياة السياسية المصرية وستعود من جديد في طابور ثالث أو رابع، لكنها ستأخذ وقتاً طويلاً حتى تعود من بعيد إلى المصريين مجدداً، خاصةً وأن تجربتهم في الحكم لمدة عام واحد فقط أظهرت فشل هذا التنظيم في إدارة البلاد، بجانب صدمة الشعب في الإخوان بعد أن حملوا السلاح في وجه الدولة إبان قيام القوات الأمنية بفض اعتصام مؤيدي مرسي غير السلمي بميداني رابعة العدوية والنهضة، لافتاً إلى أن الجماعة مازال أمامها فرصة لوضع السلاح جانباً والعودة من جديد بشرط مراجعة أفكارهم القطبية -في إشارة إلى سيد قطب- القديمة التي تدعو إلى العنف والقتل وتكفير المجتمع، وعلى شباب الجماعة عدم الانسياق وراء دعوات قادتهم التخريبية والعمل من جديد على كيفية إعادة ثقة الشعب المفقودة في الإخوان وإعادة بناء التنظيم من جديد بشكل قانوني وبشفافية معلنة وإظهار التمويلات الخارجية بدلاً من الغموض والسرية المحاطة بهذه الجماعة. وأشار محمد أبو حامد رئيس حزب حياة المصريين، إلى أنه عندما دعا الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة الشعب إلى النزول في الميادين بالملايين لمنح الجيش تفويضاً شعبياً لمحاربة الإرهاب، أدركت الجماعة أن القادم سيكون أسوأ عليهم، ولن يتم التعامل معهم وفق الطريقة السلمية السياسية أو الدبلوماسية, ولكن سيكون هناك طريق آخر للمعاملة في حال استمروا في العنف والفوضى، وقد كان حيث عاندت الإخوان القوات المسلحة والشعب بهذا التفويض كما قللت الجماعة من إمكانية الدولة في فض اعتصامهم برابعة العدوية، ولكنهم أخطأوا في تقديرهم نظراً لأن مصر كانت تمر بحالة من الجمود السياسي وجميع محاولات الحل السلمي داخلياً وخارجياً باءت بالفشل، موضحاً أن النظام السياسي المؤقت لا يسعى إلى محاربة الإخوان للقضاء على هذا التنظيم، لكن الجماعة ومؤيديها هم من وضعوا أنفسهم في هذه الزاوية من الخلاف بعد أن رفعوا السلاح في وجه الدولة وساروا على طريق العنف والدماء، فلو كانت الجماعة ارتضت برفض المصريين على حكم الرئيس المعزول مرسي وأقرت بثورة 30 يونيو لتغيّر الأمر كثيراً، ولكانت الجماعة نافست من جديد في الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفق ما أقرته خارطة الطريق، ومن يدري ربما استطاعت الجماعة قلب الطاولة على جميع القوى السياسية والعودة مجدداً إلى السلطة والحكم لكنها اختارت الفوضى والعنف والدماء، وبالتالي فإن مسؤولية الدولة حماية مواطنيها من الإرهاب والفكر المتطرف. في حين أكد تامر القاضي المتحدث باسم اتحاد شباب الثورة، أن هناك معسكرين داخل جماعة الإخوان المسلمين، الأول يطالب برفع السلاح خلال الاحتجاجات كوسيلة للدفاع عن النفس لحماية الأعضاء من هجمات الشرطة، والثاني معسكر يطالب بخروج تظاهرات تعبر عن رفض الانقلاب على الشرعية، موضحاً أنه منذ فض اعتصامات رابعة العدوية والنهضة تشتت الإخوان وتصاعدت أعمال العنف في أنحاء البلاد بسبب قيام الدولة بإخلاء الميدان بالقوة، رغم أن نفس المسؤولين كانوا وقتها عاجزين عن إخلاء ميدان التحرير من المتظاهرين، الأمر الذي يؤكد ازدواجية الدولة في التعامل مع التظاهرات، مؤكداً أن القوات الأمنية خلال مرور المسيرات المؤيدة للرئيس مرسي تحاول استفزاز الاسلاميين بشتى الطرق من أجل تحويل التظاهرة إلى عنف وتشابك متبادل, ومن ثم يوجد مبرر للقضاء على التظاهرة واعتقال البعض بتهمة مقاومة السلطات وتكدير السلم العام، لافتاً إلى أن إمكانية وقوع عنف أو مصادمات تأتي من شباب الجيل الثالث والرابع في الجماعة خاصةً في ظل استمرار اعتقال كبار قادة الجماعة، لأن هذه الحشود تخرج عن نطاق السيطرة التنظيمية لعدم وجود من يحركها على أرض الواقع، فضلاً عن أن رغبة الدولة في القضاء على قيادات المستوى الأول والثاني، لضمان عدم قدرة الجماعة على العودة من جديد إلى الحياة السياسية في المستقبل القريب. في المقابل أشار جهاد الحداد المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين: إن المصالحة مع النظام السياسي المؤقت باتت أمراً مرفوضاً، خاصةً وأن الدولة لجأت من البداية إلى أسلوب العنف في التعامل مع مؤيدي الشرعية الانتخابية والدستورية أثناء فض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة، كما أن القوات المسلحة انتصرت لفئة ترفض حكم مرسي على أخرى مؤيدة لبقائه، ومن هنا كان هذا الانحياز بمثابة علامة أن القادم لن يكون يسيراً على الإسلاميين بشكل عام وليس جماعة الإخوان المسلمين فقط، وأعتقد أن الفترة القادمة ستشهد إقصاء تيار الإسلام السياسي من الحياة السياسية المصرية بأكملها، وسيتم أيضاً حل جميع الأحزاب الدينية بعد عودة الهدوء إلى الشارع، مستنكراً الحملة الإعلامية التي تشنها وسائل الإعلام المصرية على الإخوان، كما وصفت الفضائيات وجميع المثقفين الليبراليين والعلمانيين الإخوان بأنها جماعة إرهابية، رغم أن سلمية تظاهرات التنظيم تؤكد على أننا نرفض العنف بكل أشكاله، بالإضافة إلى أن الإخوان لن تتحمل نتائج ومسؤولية بعض من يحملون السلاح في مواجهة الدولة أو الشعب، وهؤلاء قد يكونون مندسين في تظاهرات الجماعة لتشويه صورتها أمام الشعب، أو قد يكونوا أتباع النظام الأسبق وبلطجية الحزب الوطني المنحل لإظهار مؤيدي الجماعة في شكل إرهابي. وفي رأي عمرو درّاج القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، أن الإخوان لا تتبنى العنف كوسيلة سياسية للضغط على النظام المؤقت للإفراج عن قيادات الجماعة، لكن ما يحدث من تظاهرات ومسيرات مجرد تعبير غاضب في قلوب مؤيدي الشرعية بعد عزل الرئيس محمد مرسي عن الحكم، موضحاً أن اعتقال معظم قيادات مكتب الإرشاد أحدث شرخاً في نفوس شباب الإخوان، خاصةً وأنهم فقدوا طريقة الاتصال مع القيادات أثناء التحرك في الشارع، لكننا نحاول تهدئة الناس والخورج في تظاهرات سلمية دون وقوع مصادمات، حيث أن جماعة الإخوان تعلمت درساً مما أصاب الإسلاميين المتطرفين مثل الجماعة الإسلامية الذين فقدوا دعم المصريين خلال فترة الإرهاب والقتل مابين 1980 و 2000 عندما استخدموا العنف، ولذلك لانريد أن نلقى هذا المصير المظلم ونعمل على إعادة تقييم الأمور مع الدولة وإمكانية المصاحة وفق شروط غير معلنة، يتم بمقتضاها السير في خارطة طريق المرحلة الانتقالية مع إمكانية دمج الإخوان في السلطة مجدداً، لافتاً إلى أن الفترة القادمة ستشهد مراجعة جميع أفكار شباب الجماعة، ومحاولة الابتعاد عن من ينتمون إلى أفكار الراحل سيد قطب المتشددة، لأنهم يريدون العنف والفوضى والدماء ويسعون إلى الانتقام ليس فقط ضد رجال الشرطة والجيش ولكن أيضاً ضد مؤسسات الدولة، علاوة على ذلك سيظهر التطرف الإسلامي من خلال تنظيم القاعدة وأعوانها الإقليمية والمحلية.