أما تدني مستوي الأداء الديمقراطي في معظم مجتمعاتنا العربية فلا يحتاج إلي المزيد من التأكيد، فهل لنا إزاءه أن نتفائل مع من يزعمون أن الأنترنت سوف يسقط الحلقات الوسيطة بين الحكام ومواطنيهم.. محققة بذلك نوعا من الديمقراطية المباشرة،التي يشارك فيها لجميع في عملية اتخاذ القرار، دون الحاجة إلي تمثيل نيابي توكل إليه هذه المهمةّ.. وهل لنا أن نقلق أشد القلق، مع من يري في ديمقراطية الإنترنت هذه ضربا من الفوضي، سيؤدي إلي مزيد من تدخل الحكومة من أجل السيطرة علي جماهيرها، خاصة أن الإنترنت توفر الوسائل العلمية الفعالة لإحكام هذه السيطرة، حيث يسجل للمواطنين مواقعهم وأفعالهم لتكشف من ثم - عن أهوائهم السياسية والفكرية، مما يجعلهم أكثر عرضة لهذه الرقابة الالكترونية التي لا تغفو لها عين.. بهذه الكلمات يقدم د.علي نبيل خبير تكنولوجيا المعلومات بالعالم العربي لكتاب "الديمقراطية الرقمية" الذي صدر في سلسلة العلوم والتكنولوجيا عن مكتبة الأسرة. ويوضح مؤلف الكتاب جمال محمد غيطاس في المقدمة أن الكتاب محاولة للتعامل مع ظاهرة الديمقراطية الرقمية بنظرة ترتكز علي لملمة التفاصيل المبعثرة والمتشظية، إضافة إلي توصيف الظاهرة من خلال إطار محدد ومتكامل يساعد القارئ علي تكوين فهم كلي لأبعادها المختلفة، وقال إنه لتحقيق هذا الغرض بدأ بتمهيد يتلمس الحياة الرقمية العامة البازغة والأخذ في النشوء والتطور في شتي المجالات والتخصصات، بما يهيئ الزهن للتعامل مع ظاهرة الديمقراطية الرقمية ويقدم نبذة عن الأرضية التي تتحرك فوقها هذه الظاهرة باعتبارها ظواهر مجتمعية تكنولوجية لا تنشأ أو تتحرك في فراغ. يحاول الفصل الأول من الكتاب تقديم تعريف بظاهرة الديمقراطية الرقمية، وماذا يعني هذا المصطلح، من خلال عرض تحليلي لشقي. المصطلح (الديمقراطية-الرقمية) وكيف تلاقيا معا وتفاعلا حتي شكلا الظاهرة. أما الفصل الثاني فيستعرض أهم التجليات ومظاهر الديمقراطية الرقمية وفقا للمفهوم أو التصور الذي عرضه الفصل الأول ويتناول بالشرح والتحليل كيف استطاع التلاحم (الرقمي-الديمقراطي) إعادة توليد الآليات والأدوات المستخدمة في ممارسة الديمقراطية في شكل ومظهر ونمط رقمي جديد، سواء فيما يتعلق بآلية التصويت والانتخابات، أوالتعبير عن الرأي والحوار أو استطلاعات الرأي أو الفعل السياسي الميداني. ويقدم الفصل الثالث عرضا لتجارب أو حالات الديمقراطية الرقمية في خمس دول هي: الولاياتالمتحدة ومصر وبريطانيا والهند واسكتلندا، وهي تجارب أو حالات تم انتقاؤها وفقا لزاوية الرؤية التي تم بها كل تجربة علي حدة، وذلك لتأكيد أن الديمقراطية الرقمية تتنوع وتختلف من مجتمع لآخر وفقا لخصوصيته ولا تنتشر بطريقة كربونية تطبق كما هي في كل زمان ومكان. ويأتي الفصل الأخير ليستعرض الدور الذي لعبته وستلعبه التكنولوجيا الرقمية، في تحديد الفكر الديمقراطي نفسه، وليس أدوات ممارسته فقط ويشرح كيف ستوفر التكنولوجيا الرقمية الفرصة لقوالب ونماذج ديمقراطية متعددة لكي تنشر ويسطع نجمها مستقبلا.