تعتبر مصر أبرز مظاهر فشل السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط؛ إذ راهنت الإدارة على الرئيس الإخواني محمد مرسي، وعمدت إلى غض النظر وتجاهل تجاوزات الرئيس وجماعته الإخوان المسلمين. وقللت السفيرة الأمريكية لدى مصر، آن باترسون، من شأن انتهاكات الرئيس مرسي، ولزمت لغة إدانة مخففة لسياساته وأقلعت عن لقاء قوى المعارضة. السفيرة هي من أتباع سياسة أوباما التي تحصر نزعة العداء الشعبي للولايات المتحدة بمن يشغل قمة الهرم الرئاسي، وبهذا استهانت بحجم وتجذّر حدة المعارضة المصرية للرئيس مرسي وحطت من شأنها. كما نقل عنها أنها أعربت عن شكوكها في عدم قدرة قوى المعارضة على تحقيق أهدافها المعلنة، مما انعكس سلبيا على سياسة أوباما التي فشلت في تحديد موقف فوري من الأزمة التي اندلعت في مصر في 30 يونيو. يذكر أن الإدارة الأمريكية استمرت في تمويل حكومة الرئيس مرسي على الرغم من الاخفاقات والفشل في إدارة الملف الاقتصادي. وقد أرجأت إدارة الرئيس أوباما العمل بالقيود القانونية المفروضة على الدعم العسكري لمصر لدواعي انتهاكات الحقوق المدنية، يوم 10 مايو 2013، وأفرجت بموجبه عن مبلغ 1،3 مليار دولار من بند المساعدات دون أدنى مراعاة لاشتراطات القانون على ضرورة «دعم الحكومة المصرية المرحلة الانتقالية للوصول إلى حكومة مدنية، تتضمن إجراء انتخابات حرة ونزيهة وتبني سياسات لحماية حق التعبير والتجمهر واعتناق الدين وسيادة القانون». قضي الأمر تدخّل الجيش وتحرّك القوات المسلّحة المصرية لعزل الرئيس محمد مرسي، كانت النقطة المفصلية في الأوضاع المصرية، وقد تساءل الجميع، عندها، عن حقيقة دور الإدارة الأمريكية على خلفية مبادرة وتحرك القوات المسلحة المصرية. الموقف الأميركي المعلن لا يدعم حركة انقلاب عسكري، بالمعنى التقليدي الذي يؤدي إلى انتقال زمام الأمور إلى أيدي المؤسسة العسكرية، سيما وأن السفيرة الأمريكية لدى مصر أوضحت «قلقها العميق» لإجراءات إقصاء وعزل الرئيس مرسي مطالبة القوات المسلحة ب»التحرك العاجل والمسؤول لإعادة السلطة كاملة إلى حكومة مدنية منتخبة في أقرب فرصة ممكنة وتفادي أية إجراءات تعسفية لاعتقال الرئيس مرسي وأعوانه». ويبقى السؤال مشروعا حول ما قد تقدم عليه الولاياتالمتحدة في حال اندلاع حرب أهلية محدودة، سيما بعد قيام مجموعة إسلامية متطرفة شن هجوم مسلح في شبه جزيرة سيناء في ساعات الفجر الأولى من يوم الجمعة، 5 تموز، والذي أسفر عن مصرع أحد الجنود المصريين؛ سبقه تداعي بضعة آلاف من مسلحي تنظيم الإخوان المسلمين إلى سيناء خلال ذروة الأزمة مع الرئيس مرسي. يضاف أن «مجموعة ملثمة» شنت هجوما على مطار مدينة العريش مستخدمة الصواريخ والقذائف الصاروخية ومضادات الطائرات، واستهدفت أيضا معسكرا لقوى الأمن في مدينة رفح المصرية وعدة مواقع عسكرية أخرى امتدت لنحو أربع ساعات. لو قدر لتلك الاشتباكات أن تتوسع وتتطور إلى حرب أهلية في مصر، فمن المستبعد تدخل الولاياتالمتحدة بكل ثقلها كما فعلت في الحالة الليبية، سيما وأن الاعتبارات المصرية في الاستراتيجية الأمريكية هي أشد فعالية وحضورا منها في حال ليبيا، مما يضاعف من فرص تعقيدات دعم أميركي يصل إلى مجموعات متمردة مع تماسك القوات المسلحة وفعاليتها. الخيارات الأمريكية النفوذ الأميركي في مصر يستند إلى ركيزتين: استمرار الدعم المالي والمحافظة على مستوى العلاقات الراهن مع قيادة القوات المسلحة. قد يلوح أوباما بوقف الدعم المالي للسنة القادمة، بيد أن تداعيات ذلك ستترك آثارها سلبا على قدرته في التحكم بسير الأوضاع في مصر خاصة وهو في أمسّ الحاجة إلى نفوذه في المنطقة. الخيار الآخر أمامه يكمن في استغلال العقود العسكرية الجارية مع مصر. دأبت المؤسسة العسكرية المصرية المحافظة على أفضل العلاقات مع الولاياتالمتحدة، سيما وأنها تستند إلى التقنية الأمريكية في معداتها وما تتيح لها من امتيازات ميدانية في المنطقة. من الجائز أن تنحو الحكومة الجديدة نحو مصدر عسكري بديل مثل روسيا أو الصين، إلا أن ذلك سيستغرق بضعة سنوات وعشرات المليارات من الدولارات لإحداث التحول المنشود. فالقوات البرية المصرية تمتلك أكبر قوة مدرعة في المنطقة قوامها دبابات أميركية من طراز ابرامز – ام 1. مصادر التسليح البديلة ستترك تداعياتها على فعالية القوات المصرية في المدى المنظور، وعليه من المرجح بقاء القوات العسكرية المصرية حريصة على الإبقاء على الدعم العسكري ولكن مع تثبيت هامش حركة واسع تحت المظلة الأمريكية. اتفاقية السلام لعل العامل الأهم في خيارات الرئيس أوباما هو مستقبل اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ومصيرها إن هو أقدم على معاقبة القوات المسلحة بوقف المساعدات العسكرية. سيما وأن الحافز الرئيسي لبقاء الاتفاقيات قائمة يكمن في استمرار الدعم المالي. قد تقرر الولاياتالمتحدة حينئذ ولوج سياسة الترقب والانتظار لحين بزوغ حكومة جديدة، بيد أن ذلك التوجه لن يؤدي إلى تنمية العلاقات مع الشعب المصري بشكل عام. إذ أشارت الشعارات المنتشرة في الاحتجاجات المختلفة إلى عداء متجذر واضح لسياسة الرئيس أوباما حيال مصر من قبل أوساط واسعة من الشعب المصري. كما أن لجوء الولاياتالمتحدة لوقف أو التلويح بوقف حجم المساعدات المقدمة لمصر سيحفز حكومة توجهها المؤسسة العسكرية على استعادة بعض الثقة المفقودة في الاقتصاد المصري، يتلوه عودة الاستثمارات الأجنبية وتنشيط قطاع السياحة. سياسات أوباما الخارجية أخفقت خصوصا حين دعمت حكم الإخوان المسلمين في المنطقة؛ لكن هل بمقدور أوباما وفريقه السياسي الإقرار بخطأ نظرتهم السياسية، أم سيسعى لقولبة إجراءات المؤسسة العسكرية المصرية كي تتماشى مع رؤيته. آنذاك سيكون لزاما عليه التعرض للقوات المسلحة من منطلق عدائي يبتعد عن التعاون التام مع الحكومة الجديدة، ويخفق في إدراك طموحات الشعب المصري. لكن الاعتبارات السياسية لن تتوقف فجأة عند الرغبات الذاتية لكافة الأطراف التي ستجد متسعا من الوسائل لتجديد حلقة الاتصال مع الأوضاع الجديدة في مصر فالرئيس أوباما لن يلجأ إلى اتخاذ قرارات مصيرية مغايرة للوضع الراهن، وسيمضي في سياسته «بتصدر القيادة من الخلف».