بين جدرانه تتنفس ذاكرة الوطن، وعلى ضفاف نيله كتبت أولى سطور الجمهورية، إنه مبنى مجلس قيادة ثورة 23 يوليو، الذي تحوّل من استراحة ملكية إلى منصة لإعلان التغيير، ومن مقر للقيادة إلى متحف يحكي تاريخ مصر الحديث بكل تفاصيله. أصل الحكاية| «شماعة ملابس ملكية» تُعرض لأول مرة بمتحف ركن فاروق في هذا التقرير نسلط الضوء على قيمة المبنى التاريخية والمعمارية، ودوره كمتحف يوثق لحظات مفصلية في تاريخ الوطن. المبنى وتاريخه الملكي أوضح خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان أن مبنى مجلس قيادة الثورة يُعد من أبرز معالم القاهرة، سواء من حيث الطراز المعماري أو القيمة التاريخية. فقد شُيّد عام 1949 على الطراز اليوناني القديم، مكونًا من ثلاثة طوابق، ويضم 40 غرفة، بُني ليكون استراحة فاخرة للملك فاروق ومرفأً لليخوت الملكية على مساحة 3200 متر مربع، وبتكلفة بلغت 118 ألف جنيه آنذاك. من استراحة ملكية إلى مقر للثوار لم يمر عام على انتهاء بنائه حتى وقعت ثورة 23 يوليو عام 1952، ليُعاد توظيف المبنى كمقر رسمي لاجتماعات مجلس قيادة الثورة. من هذا المبنى التاريخي، أُذيع أول بيان للثورة، وعاش فيه الزعيم جمال عبد الناصر لحظات مصيرية خلال العدوان الثلاثي عام 1956، وكان شاهداً على صدور أهم قرارات الثورة في بداياتها. بل وخرجت منه جنازة عبد الناصر عام 1970، في وداع مهيب لقائد حمل أحلام شعبه. المبنى متحفًا وطنيًا يوثق الثورة في عام 1996، أصدر الرئيس الأسبق حسني مبارك قرارًا بتحويل المبنى إلى متحف يضم مقتنيات زعماء الثورة، وأسندت مهام الترميم والإعداد إلى قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة. وقد تسلمت شركة المقاولون العرب المشروع لاحقًا، وبدأ العمل الفعلي عام 2009، بعد ضم المبنى إلى قائمة الآثار الإسلامية. مقتنيات المتحف: شواهد حية على ثورة يوليو يضم المتحف ما يقرب من 1186 قطعة أثرية ووثائق ومقتنيات نادرة، من بينها: - الميكروفون الذي أعلن منه الرئيس السادات بيان الثورة. - أول علم رُفع على أرض سيناء بعد حرب أكتوبر 1973. - تماثيل نصفية للرئيسين عبد الناصر والسادات. - صور نادرة للرئيسين مع زعماء العالم. - مجموعة من طوابع البريد التذكارية الصادرة في خمسينيات القرن الماضي. - وثائق رسمية مهمة تتعلق بالثورة وزعمائها. - هدايا تذكارية قدّمت للرئيس السادات في مناسبات مختلفة. ** رموز ثقافية بعد الثورة: ثروت عكاشة نموذجًا أشار الدكتور ريحان إلى شخصيات بارزة ساهمت في الحركة الثقافية بعد الثورة، وعلى رأسهم الدكتور ثروت عكاشة، وزير الثقافة والإرشاد القومي الأسبق، والذي شغل المنصب من 1958 حتى 1960. في عهده شهدت مصر نهضة ثقافية غير مسبوقة، وامتد تأثيرها إلى كافة أرجاء العالم العربي. ** من أبرز إنجازاته: - إنقاذ معابد أبو سمبل وفيلة. - إنشاء أكاديمية الفنون ودار الكتب القومية. - تأسيس قصر ثقافة في كل محافظة. إطلاق مشروع "الصوت والضوء" في الهرم والكرنك. نال وسام اليونسكو الذهبي عام 1970، وتوفي عام 2012، مخلفًا إرثًا حضاريًا لا يُنسى. ** الدكتور أحمد قدري: ترميم الذاكرة الأثرية ومن رموز ثورة يوليو الثقافية أيضًا الدكتور أحمد قدري، رئيس هيئة الآثار المصرية بين عامي 1978 و1988. أعاد لمناطق القاهرة التاريخية هيبتها، فحوّل ما كان مخازن مهجورة إلى مواقع تراثية حية. من أبرز أعماله: - ترميم قلعة صلاح الدين بالقاهرة وقلعة طابا. - تطوير المنطقة الواقعة بين مسجدي السلطان حسن والرفاعي لتصبح مزارًا عالميًا. - ترميم المتحف القبطي ومتحف الفن الإسلامي. متحف مجلس قيادة الثورة ليس مجرد مبنى أثري، بل هو سجل حي لتاريخ شعب اختار التغيير. وبين مقتنياته وصوره وجدرانه، يعيش الزائر لحظات فارقة صنعت ملامح مصر الحديثة. زيارة هذا المتحف ليست نزهة ثقافية فحسب، بل هي واجب وطني لتعميق الانتماء ونقل التاريخ من جيل إلى جيل.