الأغنية الثورية التي كانت تعبر عن نهضة مصر وحركاتها الثورية منذ ثورة 1952 كيف أصابها الخمول والهزل وأصبح هناك من يخشاها أو يتجنب عرضها على شاشات التليفزيون؟ هذا الفن الذي يصادق العامل في مصنعه والفلاح في حقله والشباب في حياتهم ويعبر عن حركة الحياة وانفعالات الجماهير ويصوغ وجدانهم.. أين فن الأغنية الثورية؟ أين الأصوات الجديدة؟ بل أين الأغاني الوطنية التي شدا بها حليم وشادية وعبد الوهاب وآخرون؟ توجد الآن حالة غير مسبوقة من الاستقطاب تشهدها الأغنية الوطنية في مصر، فبينما نجد بعض القنوات الخاصة تركز على إذاعة الأغاني الوطنية ذات النكهة الثورية، وتحديدًا الأغنيات التي قدمتها الفرق الجديدة كإسكندريلا، وكايروكي.. وغيرهما، وعلى بعض الأغاني الثورية التي قدمها بعض المطربين كعلي الحجار، وعايدة الأيوبي.. وغيرها. نجد أن شاشات التليفزيون المصري وميكروفونات الإذاعة تستبعد تمامًا هذه الأغاني، بل تعيب من يذيعها كما حدث مؤخرًا مع من أذاعوا أغنية "مطلوب زعيم"، وبدلًا من ذلك يركز التليفزيون والإذاعة الحكومية على إذاعة الأغاني الوطنية التقليدية الباهتة التي أُنتجت في عهد النظام السابق ، والتي تتعامل مع الوطنية كمعانٍ عامة. عن هذه الظاهرة يقول الموسيقار حلمي بكر، عضو لجنة استماع الأغاني بالإذاعة المصرية: إن احتكار الأغاني الوطنية التي ظهرت في عهد النظام السابق لشاشة التليفزيون المصري ظاهرة طبيعية ومتوقعة؛ وذلك لأن التليفزيون انتابته حالة مرضية عصبية هي توالي الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية، وتفرغ العاملون في ماسبيرو للمطالبة بلوائح للأجور، وأصبح كل منهم يفكر في نفسه فقط ويطالب بحقوقه الشخصية، مشيرًا إلى أن العاملين بماسبيرو أغلبهم موظفون ولم ينتجوا أي شيء. وعلى الجانب الآخر استطاعت القنوات الخاصة المناسبة وبشدة من خلال تقديم أغاني الفرق الجديدة مثل: كايروكي، وإسنكدريلا.. وغيرهما، وهذه الفرق تهدي أغانيها لهذه القنوات مقابل أن تقوم بإذاعتها فقط، لكن العاملين بماسبيرو لم يستغلوا حتى هذه الإهداءات؛ وذلك لأن إعلاميي القطاع الخاص حريصون على عملهم، لكن العاملين بماسبيرو مجرد موظفين. حقوق الملكية أما مجدي سليمان، رئيس شبكة البرنامج العام، فقد نفى أن تكون الإذاعة المصرية قد اكتفت بإذاعة الأغاني الوطنية التي أُنتجت في عهد النظام السابق، مشيرًا إلى أن الإذاعة قامت بتبني مشروع لإنتاج أغانٍ وطنية راقية بعد الثورة، وشمل هذا المشروع أغاني للمطربة ريهام عبد الحكيم، وخالد عجاج، محمد الحلو.. وغيرهم. وفيما يتعلق بأغنية "مطلوب زعيم" لفريق كايروكي، التي مُنع بثها مؤخرًا في الإذاعة المصرية؛ لأنها غير معتمدة كما جاء في التبرير الرسمي للمنع، أشار سليمان إلى أن الإذاعة المصرية لن تستطيع إذاعة هذه الأغنية أو أي أغانٍ للفرق الجديدة؛ لأنها من إنتاج شركات أخرى، وإذاعتها يعتبر إجراء غير قانوني فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية، كما أن أي أغنية جديدة يجب أن تحال إلى لجنة الاستماع لتقرر قبولها أو رفضها، وأنه بعد الثورة لم يتدخل أي أحد في إذاعة أي شيء. جمود الفكر أما الناقد طارق الشناوي، فيرى أن التليفزيون والإذاعة المصرية يقدمان ما يريد النظام الحالي بثه، النظام الذي يسير على النهج السابق، فماسبيرو يعرض الأغاني التي كانت في عهد مبارك، كما أن العاملين في ماسبيرو متجمدون فكريًا، لذا فهم لن يقدموا تلك الأغاني الثورية التي لها موقف ضد النظام، وإذا كانت الأغاني الجديدة يجب من الناحية القانونية والإجرائية أن تمر على لجنة الاستماع، إلا أن لجنة الاستماع يجب أن تحدث وتجدد دماء أعضائها؛ كي يتملكوا رؤية عصرية في اختيار الأغاني. وأوضح الشناوي أن القنوات الخاصة لا تقدم الأغاني الوطنية القديمة التي كانت في عهد مبارك؛ لأنها تذكرنا بمبارك، كما أن هذه القنوات الخاصة تعمل بطريقة عصرية عن التليفزيون المصري، وبها مساحات أوسع لحرية التعبير. أغانٍ معبرة من جهته، قال مصدر مسئول بقناة "أون تي في" طلب عدم ذكر اسمه: إن القناة تحصل على الأغاني الجديدة كإهداء من المطربين والفرق ودون أي مقابل، كما أن القناة تحرص على عرض هذه الأغاني إنصافًا لهؤلاء المطربين وهذه الفرق، الذين كانوا مظلومين في عهد مبارك، وما زالوا مستبعدين من إعلام الدولة حتى الآن، وعن عدم وجود أغانٍ وطنية مثل أغاني شادية وعبد الحليم والأغاني التي أُنتجت في عهد النظام السابق، أكد المصدر أن القناة تقوم بعرضها في برنامج "آخر كلام" للإعلامي يسري فودة، لكنها تعطى للأغاني المعبرة أكثر عن الثورة مساحة أوسع على خريطتها. ويرى حازم شاهين، مؤسس فرقة "إسكندريللا"، أن التليفزيون المصري مواقفه دائمًا مع النظام، وبالتالي فهو لا يقوم بعرض الأغاني الثورية التي تعبر عن الثورة وتقول رأيها دون رقابة، موضحًا أن التليفزيون المصري وجه الدعوة لاستضافة فريق "إسكندريللا"؛ لإثبات أنهم يستضيفون الفرق الغنائية الجديدة والثورية. لكن تم دعوة الفرقة دون معرفة ما الذي سيقوله وهذا تم رفضه من الفرقة وفي الاتجاه نفسه هناك أيضًا بعض القنوات الخاصة التي ترفض استضافة هذه الفرق، مثل قناة "سي، بي، سي" التي اعتبرها المشاهد "مليئة بالفلول" لكن في المقابل هناك بعض القنوات مثل "أون تي في" قد استضافت الفريق أكثر من مرة، وهو عرض جميع الأغاني التي تتبنى الثورة ومواقفها. وأضاف شاهين، إنه رغم أن التليفزيون المصري يتجنب تقديم الأغاني الثورية، لكن هناك قلة من العاملين به مع الثورة، وهؤلاء يأخذون على عاتقهم مسئولية إذاعة أغاني الفرقة، وهذا حدث في شبكة صوت العرب والشرق الأوسط. بينما يرى محمد عليوة، المخرج بالقناة الأولى، أن ماسبيرو يتعامل مع عرض الأغاني بطريقة صحيحة، ويعرض الأغاني الثورية الجديد منها والقديم؛ لأنه يجب أن يعرض جميع الألوان الموسيقية، ويفعل مثل ما تفعله بعض القنوات الخاصة التي تقدم مذيعًا محايدًا، مؤكدًا أن بعض هذه القنوات الخاصة أفسدت الحياة الإعلامية وتعتبر موضة، وسيجري عليه الزمن على حد قوله.