لم يستبعد مراقبون سياسيون مصريون احتمال حصول انقلاب عسكري في مصر، أو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، أو طرح الرئيس المصري "محمد مرسي" نفسه للاستفتاء على الشعب من أجل تجديد الثقة، كلها خيارات باتت مفتوحة أمام المراقبين للمشهد السياسي المرتبك في البلاد والذي وصل مؤخرًا إلى ذروته، خاصة بعد تأييد محكمة الجنايات بإعدام 21 متهمًا من أهالي محافظة "بورسعيد" في المجزرة التي راح ضحيتها 72 مشجعًا في مباراة كرة القدم بين "الأهلي والمصري"، وما تبعها من أحداث أدت إلى فوضى عارمة اجتاحت البلاد، وتم إحراق مبنى اتحاد الكرة المصري وسرقة محتوياته، وأيضًا نادي ضباط الشرطة، فضلًا عن إضراب ضباط وأفراد الشرطة في الأقسام والمديريات وبعض قطاعات الأمن المركزي، ومطالبهم المستمرة بإقالة وزير الداخلية وتهديد الجماعة الإسلامية بفرض لجان شعبية، كما أبدت رغبتها في فرض الأمن على الشارع بطريقتها الخاصة، بعد إعلان النائب العام المستشار "طلعت إبراهيم" أحقية المواطن في القبض على المشتبه وإتاحة "الضبطية القضائية" عملًا بنص المادة 37 من قانون الإجراءات الجنائية، وهو ما أحدث لغطًا ورفضًا في كافة الأوساط السياسية والشعبية. د. جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس قال: على الرغم من التزام القوات المسلحة الابتعاد عن السياسة، وعدم دخولها مجددًا في المعترك السياسي بين الأحزاب والسلطة، إلا أنها قد تتراجع عن هذا الموقف لحماية مصر من الفوضى الحارقة التي سوف تضرب كيان الوطن من تهديدات تطال أمنها القومي وسلمها الاجتماعي، لافتًا إلى أن الحاكم الذي يحنث بالقسم يفقد شرعيته، ومن يخلف العهود والوعود خائن لوطنه ولمن أعطوه أصواتهم، وهو ما ينطبق على الرئيس "مرسي" منذ انقلابه الدستوري وما تبعه من انقلابات كان أخطرها إصداره للإعلان الدستوري غير الشرعي، وتم من خلاله اغتصاب جميع السلطات ووضعها بين يديه، إيذانًا بميلاد ديكتاتور وفرعون جديد، موضحًا أن الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين عليهم أن يخضعوا لمطالب القوى السياسية ويعرضوا رئيسهم للاستفتاء الشعبي فور تشكيل مجلس النواب الجديد "الغرفة الأولى"، حتى يقول الشعب كلمته سواء باستمرار الرئيس لنهاية مدته أو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في حال رفض الشعب استمراره في الحكم. مؤيد ومعارض ومن جانبه يرى د. حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن تزايد الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية المتردية في مصر، توحي بأن البلاد على مشارف "انقلاب عسكري" ضد نظام الرئيس محمد مرسي، يعيد البلاد إلى استقرارها ويحميها من ويلات الصراع الشعبي بين المعارضة والنظام، لافتًا إلى أن بعض الجهات ستكون مرحبة والبعض الآخر سيكون ناقمًا مثل: "أمريكا وقطر"؛ نظرًا لتعاونهما الدائم والداعم ماليًا وسياسيًا لاستقرار الحكم في مصر، إلا أن "واشنطن" سوف تهدد بوقف المعونات المالية والعسكرية مع أنها سرعان ما ترضخ للأمر للحفاظ على علاقاتها الإستراتيجية مع البلاد، بينما ستكون دول الخليج وعلى رأسهم "السعودية والإمارات" مرحبين بالانقلاب العسكري لحماية دولهم من خطر تمدد النظام الإخواني، الأمر الذي يزعزع أركان حكمهم، بل سيقوم ملوك هذه الدول بضخ الأموال والاستثمارات أملًا في إنقاذ البلاد من عثرتها الاقتصادية فرحًا بإنهاء حكم الإخوان. مقاومة إسلامية أما د. عماد جاد، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية،فيرى أن الجماعات الإسلامية في مصر استعدت جيدًا لصد أي انقلاب عسكري محتمل قد يقع في البلاد، من خلال تدريب عناصرها وميليشياتها العسكرية خلال الفترة الأخيرة لحماية الرئيس "محمد مرسي" من المتربصين بحكمه، وخاصة من معارضي "جبهة الإنقاذ" الذين يطالبون القوات المسلحة بالتدخل فورًا لإنقاذ البلاد من الفوضى وإنهاء حكم الإخوان في البلاد، وأن القوى الإسلامية في مصر تستعد لمقاومة أي انقلاب عسكري قادم، وهو ما جعل الجيش يقوم بعدة تحذيرات من مخاطر تكوين ميليشيات أو جماعات إسلامية مسلحة في "سيناء وبعض محافظات الصعيد"، فضلًا أن انزلاق البلاد بالوقوع في براثن الحرب الأهلية لن يجعل الجيش مكتوف الأيدي لمواجهة هذه الأعمال التخريبية والجماعات الإسلامية، وسيعمل على إنهاء هذه الفوضى نهائيًا، مؤكدًا أن تخوف الإسلاميين من عودة الجيش إلى الحكم مرة أخرى، يرجع إلى انخفاض شعبيتهم في الشارع لدرجة أن المواطن البسيط "كفر" بالثورة وبحكم الإخوان وبتجربة الإسلاميين في حكم مصر، ولذلك سارع البعض في عمل توكيلات لوزير الدفاع الفريق أول "عبد الفتاح السيسي" ليتولى حكم البلاد ويعيد ترتيب أوراق البيت المصري المتناثرة. أخطاء متراكمة وفي رأي محمد أبو حامد، رئيس حياة المصريين (تحت التأسيس)، أن حريق القاهرة بدأ من اتحاد الكرة وسرقة محتوياته ونادي ضباط الشرطة، وإضراب ضباط وأفراد وزارة الداخلية عن العمل بسبب إقحامهم في المواجهة السياسية وتحمل وزر القرارات الخاطئة من مؤسسة الرئاسة، بالإضافة إلى رغبة أعضاء الجماعات الإسلامية في تولي مهام الأمن بدلًا من الجهاز الأمني، ومطالبة النائب العام للمواطنين بالقبض على الغير . عملًا بنص المادة 37 من قانون الإجراءات الجنائية أو الضبطية القضائية للمواطن، وغيرها ذلك من الأمور التي تجعلنا نتوقف كثيرًا عند حكم الرئيس "مرسي" الذي يريد تحويل البلاد إلى عصابات وميليشيات خاضعة للإخوان، وهو ما ينذر بحرب أهلية على مشارف الوطن، يتم بموجبها تدخل الجيش فورًا للقيام بانقلاب عسكري لحماية البلاد، كاشفًا أن رغبة القوات المسلحة في عدم التدخل بين القوى الحزبية والفرقاء السياسيين يرجع إلى رفضهم لحكم الرئيس "مرسي" وجماعته؛ بسبب كثرة أخطائهم المتراكمة في القيادة العسكرية، والتحذيرات التي يطلقها الجيش عبر بياناته تؤكد غضب أبناء القوات المسلحة المكتوم القابل للانفجار فجأة في وجه السلطة. بينما أكد باسل عادل، عضو جبهة الإنقاذ الوطني، أن الجيش لن ينحاز لفصيل على فصيل آخر، ولو كان هناك رئيس آخر يقود البلاد في هذه المرحلة الحرجة وفعل ما فعله الرئيس "مرسي" خلال فترته القصيرة في الحكم والانقسام الذي أصاب المجتمع، ووقوع قتلى وجرحى وانتهاك حرمة القضاء، والحنث باليمين الدستورية، لكانت دعوات معارضيه بإسقاطه وإنهاء حكمه هي الدعوات نفسها التي تنطلق الآن، كما أن القوات المسلحة لا تفرق بين الرؤساء بسبب توجههم السياسي، ولكنها تسعى إلى استقرار أركان البلاد وإنهاء حالة العنف المتبادل التي قد تهدد أمن البلاد القومي، والسلم الاجتماعي، موضحًا أن الانقلاب العسكري أمر وارد، وسيقع في اللحظات النهائية قبل اقتراب البلاد من هاوية الانهيار. في حين أشار مختار نوح، القيادي المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين، إلى أن الجيش ليس له علاقة بالأحداث الجارية، ودوره يتوقف على مراقبة ومتابعة المشهد، انتظارًا لما ستؤول إليه الأمور السياسية، بعد أن تم اختراق وزارة الداخلية من قبل مؤسسة الرئاسة، وهو ما أدى إلى إضراب ضباط وأفراد الشرطة، ضمن مخطط إخواني لنشر ميليشيات التيار الإسلامي في المحافظات والاستعانة بهم لمحاصرة الأقسام والمديريات في حال قيام المؤسسة الشرطية أو العسكرية بأي تحرك ضد الرئيس "مرسي"..كاشفًا أن الدستور الجديد الذي أعده الإخوان في منتصف الليل يتيح للقوات المسلحة النزول إلى الشارع دون إذن مسبق من قائدها الأعلى المتمثل في الرئيس "مرسي" لفرض الأمن، وبما أن المصريين أمام دولة تنهار سياسيًا بسبب رغبة الجماعة في "التمكين" على مؤسسات الدولة وتحديدًا "الشرطة والقضاء"، فإن التدخل العسكري لإنهاء هذه العبث أمر واجب، أو على الرئيس الابتعاد كليًا عن الإخوان وعقد مصالحة مع كافة القوى المعارضة وتصعيد أهل الكفاءة بدلًا من أهل الثقة، أما لو استمر على سياساته الخاطئة نفسها فعليه إعادة طرح نفسه على الجماهير مرة أخرى من خلال استفتاء يجريه المجلس العسكري بحيادية ونزاهة وشفافية ليقول الشعب كلمته. رغبة في الحكم على الجانب الآخر انتقد د. جمال حشمت، عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، المطالب والدعوات التي تطالب بإنهاء حكم الرئيس "مرسي"، وعودة الجيش مرة أخرى إلى قيادة البلاد أو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، واصفًا ذلك بأنه هدم لمؤسسات الدولة الدستوري وخلق حالة من الفوضى والصراع بين مؤيدي ومعارضي بقاء الرئيس، موضحًا أنه لو كان الشعب قد انتخب الرئيس لفترة انتقالية لحين استقرار البلاد لكان الوضع مختلفًا، بينما "مرسي" رئيس شرعي من خلال الصناديق وأصوات الناخبين، ولابد أن يكمل فترته الدستورية المحددة بأربع سنوات، لافتًا إلى أن هذه المطالب يدعمها ويسوّق لها قادة "جبهة الإنقاذ"، ويعملون على نشر الفوضى والتخريب الممنهج في البلاد لتكون ذريعة لعودة القوات المسلحة بانقلاب عسكري أو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، مؤكدًا أن البحث عن المصالح السياسية والشخصية وراء هذه الدعوات ولا وجود لتلك المطالب لدى المواطنين؛ لأنها تخرج من قادة سياسيين يرغبون في حكم البلاد بأي طريقة وبأي أسلوب.