"تفاؤل مشوب بالحذر" في تطور العلاقات بين جنوب السودان وشماله، رغم إتفاق رئيسيّ الدولتين عمر البشير وسلفاكير في القمة المشتركة لحل الخلافات العالقة بين البلدين بأديس أبابا، ورضوخ الطرفين لتبادل النفط مرة أخري، إلا أنهما فشلا في حل النزاعات الحددوية التي دفعتهما في وقت سابق في حرب أهلية، وتسابقت الدولتان في دعم الحركات المتمرده والعصابات المسلحة. وأكد مراقبون سياسيون عرب بأن مخاوف الشارع السوداني ستزداد كلما اتسعت الفترة الزمنية بين التوقيع علي الإتفاقيات، وبطء التنفيذ على أرض الواقع، وأيضاً تبقي التخوفات بسبب عدم توصل رئيسا البلدين إلى إتفاق نهائي برسم حدود نهائية بين دولتيهما، بعد أن فشلا في حل نزاع منطقة أبيي ، والتي تسببت في نشوب خلافات حددوية كونها منطقة غنية بالموارد الطبيعية، ورغم أنه إتفاق "ناقص" في جميع جوانبه السياسية والعسكرية والإقتصادية، إلا أن الخبراء أكدا أن الإتفاق خطوة على الطريق الملىء بالألغام بين الجارتين، وتخوف الخبراء من وقوع هجمات إرهابية علي حدود دولتي السودان من قبل بعض الجهات الخارجية تساندها قوى متمرده سودانية داخلية تقضي علي الجهود الرامية لحل نزاعات الجارتين، كما أن خلفيات الماضي تؤكد تورط دولة الجنوب في تزويد المتمردين بالسلاح، بجانب إتهام جوبا للخرطوم بأنها تدعم الحركات المسلحة ضدها، وحذر الخبراء من عدم صمود الإتفاقية بسبب رؤية الفصائل المسلحة في جوبا بأن سلفاكير قدم تنازلات غير مبررة، وقد لا يعترف المسلحون بهذه الإتفاقية، ما يجعل تكهنات المواجهة العسكرية بين فصائل الجنوب والشمال تسيطر علي الساحة السياسية. وقال د.خالد عمارة نائب وزير الخارجية المصري للعلاقات الدولية الأسبق: إن ما تحقق من تفاهمات سياسية وإقتصادية بين جوباوالخرطوم ليس هيناً خاصةً وأن الحرب بين البلدين مازالت تلقي بظلالها وقد تندلع في أي لحظة تهور من قبل بعض الحركات المتمرده، موضحاً بأن الإتفاق على تصدير النفط، والترتيبات الأمنية، والقضايا الإقتصادية، خطوه مهمة، ولكن الرئيسان قد أغفلا عن عمد "قضية آبيي" بإعتبارها حجر عثرة على طريق تطبيع العلاقات بالكامل بين الجارتين السودانيتين، وتمثل قنبلة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة يقع فيها خلاف أو تباين في الرأي بين الخرطوموجوبا على أية مشكلة قد تستجد. مشيراً الي أن جنوب السودان مازال يواجه أعمال عنف قبلية دامية، بسبب تزايد القوات المتمرده والجيش الشعبى المسلح، ومن الصعب بناء دولة سودانية جنوبية جديده قبل القضاء على هذه البؤر الإرهابية التي تسعى لجر السودان لحرب مسلحة جديده، حيث أبدت اعتراضها علي الإتفاقية ويقولون بأن سلفاكير قدم تنازلات غير مبرره، مطالباً أبناء الوطن الواحد بنبذ الخلافات التي تؤدي الي شن الحرب مجدداً بين الشمال والجنوب بعد المواجهات والإشتباكات المسلحة التي تصاعدت مؤخراً في المنطقة الحدودية بين الجيش السوداني في الخرطوم والجيش الشعبي والمتمردين في جوبا. مشدداً على ضرورة الالتزام بأول خطوات السلام بين الجارتين، وعلى الدولة المصرية أن ترعى الإتفاقيات القادمة وتحاول إنهاء الصراع العسكري المزمن، للخروج بنتائج إيجابية وملموسة في القمم الرئاسية السودانية القدمة، التي ستجمع البشير وسلفاكير، وعنوان المرحلة القادمة "الحرب أو التهدئة". الحل تدريجي وأضاف د.عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية الأسبق، بأنه ليس عيباً أن تبدأ الخرطوموجوبا في حل الخلافات العالقة بينهما بالتدريج، فرغم الإتفاق إقتصادياً الإ أن الوضع العسكري مازال عالقاً.. مؤكداً بأن الإبقاء علي الأزمات وتراكمها يؤدي الي الإشتعال ونشوب لحرب مجدداً، وبعد أن أدرك البشير وسلفاكير أن الحرب لا تحل الأزمات الدولية بل تعقّدها قررا اللجوء للمفاوضات كإجراء لتسوية الأزمات أولاً بأول. مشيراً الى أن التوتر الذي تشهده دولتي السودان بسبب بعض النزاعات المسلحة بين قوات التمرد في الجنوب، والجيش الشمالي، ولكن هذه النزاعات في حال عدم إجهاضها ستؤدي إلى حرب جديده قادمة بين الدولتين برعاية جهات خارجية تدعم بالمال والسلاح القوات المتمرده، مؤكداً بأن التوغل الإسرائيلي في الجنوب واضح تماماً ويلعب علي وتيرة الإمدادات العسكرية والمالية والنزاعات القبلية وحركات التمرد، موضحاً بأن إبتعاد مصر عن السودان أدى إلى إقحام الغرب نفسه في الشأن الداخلي السوداني، كما أنه لا يستريح لمثل هذه الإتفاقات التي يكون الغرض منها إنهاء صراعات أو مصالح مشتركة، ولابد من تقديم تنازلات حتى لا تنجرف السودان في حرب تفتك بشعبيها ويضيع مستقبل شعبها بسبب عناد البشير وغرور سلفاكير. ومن جانبه أشار د. حسن نافعه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الي أن ما جرى في "أديس أبابا" بمثابة إتفاق مبدئي, وبالقطع أفضل من عدم وجود إتفاق، وكان من المفترض علي الدول العربية أن تستغل الحدث وتحاول إبرام إتفاق نهائي لحل الخلافات لحدودية مثل مشكلة أبيي وكاردفان، لأن بقاءها عالقة مؤشر لعدم الإستقرار وتأجيج الصراع وتسويق الأسلحة بين البلدين مجدداً, مؤكداً بأن إشتعال الحرب مجدداً سوف تكون مختلفة عن سابقتها ؛ لأنها في السابق كانت مجرد حرب أهلية، ونزاعات مسلحة، وتمرد بين الحركات المسلحة، ولكنها حالياً ستكون حرباً بين دولتين بين تعهدات والتزامات دولية، ومجلس الأمن لن يقف متفرجاً وسوف تستغل بعض الدول الخارجية الطامعة والطامحة لإستغلال الأرض السودانية مثل "أمريكا وإسرائيل" الفرصة للتدخل العسكري في البلاد بحجة حفظ السلام ووقف إطلاق النار بين الطرفين، ولكنها ستسعى لبناء قواعد عسكرية والإستيلاء علي حقول النفط المتنازع عليها بين الجارتين ولن يكون للشعب السوداني نصيب من ثروات بلادهم، محذراً من إستمرار تهميش المناطق الحدودية المتنازع عليها بين الشمال والجنوب في إتفاقية السلام الموقعهة بينهما وهم ولاية جنوب كردفان، والنيل الأزرق، وآبيي، حيث سيبقي السودان أبعد ما يكون عن الإستقرار وبناء الدولتين. إغفال قضايا أساسية ويري د.جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، بأن الإتفاق السوداني لم يتناول قضايا أساسية كالحدود، لذلك أصبح الإتفاق مجرد محاولة لتسكين الأزمات وتهدئة النفوس، مطالباً الجامعة العربية بإتخاذ موقف مشابه لحل الأزمة السورية كما فعل الإتحاد الإفريقي في حل الأزمة السودانية، مؤكداً بأن الأطماع الغربية لن تترك دولتي السودان ينعمون بالمال والنفط والثروات المعدنية، ولكنهم يرغبون في تصدير الأسلحة والأموال لدعم حركات التمرد، حتى ينشغل السودان في صراعاتة الداخلية، بجانب موافقة مجلس الأمن على إبتداع عقوبات على الخرطوم برعاية أمريكا مثل قانون "محاسبة السودان" الذي يلعب علي ورقة حقوق الإنسان، وقتل المدنيين، والتحول الديمقراطي، والجرائم لتي تحدث ضد الإنسانية، والولايات المتحده تدرك جيداً أن هذه الميادىء بعيده تماماً عن الشعب السوداني حالياً بسبب صراعاته ومشاكلة الداخلية وطبيعتة القبلية، واصفاً إياها بأنها مجرد محاولات لتفكيك السودان والتدخل في شئونة حسب الرؤية الأمريكية، متخوفاً من الزيارات المتعدده من سلفاكير لإسرائيل إلى تقوم علي محورين، أولاً: تنبىء بعلاقات سودانية جنوبية قوية مع الدولة الصهيونية والتي ستحدث إرتباكاً داخل الأمن لقومي المصري والسوداني، ثانياً: التخوف من إستقواء القوى المتمردة السودانية بإسرائيل لوجود حليف قوي يدعمهم بالأسلحة التي يريدونها، ثالثاً تفتح هذه الزيارات أبواباً خلفية يكون ظاهراً منها التعاون الزراعي والإستثماري، وطالما تواجدت البعثات المختلفة على أرض السودان يكون من السهل التجسس علي مصر والدول المجاورة من الناحية الخلفية السودانية. وكشف د.عماد جاد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، بأن تهديد مجلس الأمن الدولي بوضع خلافات دولتي السودان على طاولته قاد البشير وسلفاكير الي القبول بتوقيع إتفاق جزئي، وكان يجب علي الإتحاد الإفريقي أن يسعى لإستمرار المفاوضات للتوصل لحل شامل لكافة المشاكل والملفات، بما يمنع عودة المواجهات المسلحة من جديد. وأوضح أن الإتفاقية ستسمح لجنوب السودان بأن يعاود تصدير النفط عن طريق موانئ دولة الشمال مما ينعش إقتصاد البلدين المتهالك، حيث أدت الأزمة الإقتصادية الطاحنة للدولتين لجلوس الطرفين للتفاوض ، خاصةً بعد أن ذهبت معظم موارد الشمال للجنوب بعد إنفصاله، ووقف ضخ النفط الجنوبي عبر أنابيب الشمال أفقده ملايين الدولارات شهرياً، بالإضافة إلى رغبة أبناء الجنوب ضخ نفطهم عبر أنابيب الشمال لسد العجز في ميزانيته، بدلاً من بناء خط جديد لأنابيب النفط يكلفهم مبالغ باهظة، ومن ثم فإن الإتفاق بين الجارتين كان على الجانب الإقتصادي فقط، لتجنب التظاهرات والإحتجاجات مثل التي حدثت سابقاً وكان يطلق عليها "مظاهرات الطلبة".