ويختارون الجيد منها، لتقديمه للمستمع السكندري. قلت لجمال توكل يومها: إنني أسمع هذا البرنامج بانتظام، ففيه أجد الأصوات الجميلة والجديدة، وقد كتبت لك رسالة بهذا المعني. لكنه قال لي بأسي: لم تصلني رسالتك، وفي الإذاعة يتحملونني بالعافية، إنني لا أجد مقعدا أجلس عليه. وكانت علاقة جمال توكل بإذاعة الإسكندرية في ذلك الوقت أن يحضر لتسجيل برنامجه، ويعود إلي البيت. وهذا ما حدث مع الفنان القدير محمود حسن في أيامنا هذه، فقد كان يقدم ندوة موسيقية رائعة مساء كل أربعاء في مركز الإسكندرية للإبداع، كنت حريصا علي حضورها بقاعة السينما التي تقام فيها الندوة، ذات المقاعد الكثيرة جدا الممتلئة عن آخرها بمجموعة من الهواة: شباب ونساء وشيوخ. أدخل القاعة الواسعة، فأجد الأستاذ محمود حسن يجلس في المواجهة، وبجواره الفنان الكبير محمد مراد محتضنا عودة، وبجواره الأستاذ محمد المصري وهو أستاذ للموسيقي في مديرية التعليم، والأستاذ محمد منصور المحامي عاشق لصوت عبدالوهاب ويؤدي أدواره بمهارة وجمال. كنت أنتظر يوم الأربعاء بشغف لأحضر هذه الندوة الموسيقية، واكتشفت فيها أصواتا جميلة وقادرة، كل ندوة أسمع صوتا جديدا ونادرا. سمعت الفنانة فاطمة حرفوش تغني أغاني أم كلثوم باقتدار، وحين يقدم محمود حسن المطرب أو المطربة، يحدثنا عن مؤلف الأغنية وملحنها، ونبذة عن حياتهما، وحياة المغني أو المغنية، وكيف تقابل معهم، فمحمود حسن تاريخ قديم، وخبرة حياتية في الموسيقي والغناء لا مثيل لها الآن. ويستضيف في كل ندوة مطربا مشهورا له تاريخ كبير مثل أسامة رءوف، وعبدالرزاق إبراهيم، وإبراهيم عبد الشفيع، وغيرهم. أحس منذ وقت طويل بأنني مقصر في حق محمود حسن، لأنني لم أكتب عنه وعن دوره في إثراء الحركة الفنية في الإسكندرية، وعن تقديم الأصوات الجميلة التي أصبحت عملة نادرة في أيامنا هذه. وفكرت في أن أطالب في مقالة مكتبة الإسكندرية بالاتفاق معه لتقديم لقاء شهري يتحدث فيه عن ذكرياته مع محمد عبدالوهاب الذي كان أقرب إنسان إليه في الإسكندرية، وتقديم الحكايات والأغاني والصور النادرة له مع محمد عبدالوهاب، وأن تهتم القناة الخامسة (تلفزيون الإسكندرية) به وتستفيد من خبراته، وتقديمه في برنامج تليفزيوني أسبوعي، يتضمن تقديم مآثر محمد عبد الوهاب وأهل الطرب الذين عاشرهم وتعامل معهم، وتقديم الأصوات الفنية الراقية في هذا البرنامج، لكن حدث لمحمود حسن ما سبق أن ذكرته عن الإذاعي الكبير جمال توكل، فقد أصدر الأستاذ الدكتور أحمد يحيي عاشور رئيس مجلس إدارة مركز الإسكندرية للإبداع قرارا بإلغاء الندوة الموسيقية الوحيدة التي كانت ترتاح نفوسنا فيها. سمعت الدكتور أحمد يحيي عاشور يتحدث في ندوة عن الأصوات المسفة التي تطاردنا أجهزة الإعلام بها، فلماذا لم يدرك أن ما يفعله محمود حسن في ندوته الموسيقية فيه جزء من حل المشكلة؟، إنه يقدم أصواتا أنا واثق من أنها ستنتشر في القريب وستتهافت عليها القنوات الإعلامية في البلاد العربية كلها، في كل ندوة نسمع أصواتا جديدة وجيدة، من الإسكندرية ومن باقي محافظات مصر، ومن البلاد العربية، فقد قدم محمود حسن فتاة تونسية غنت أمامنا أغاني أسمهان وليلي مراد باقتدار. ويقدم ندوات من وقت لآخر للغناء السكندري المفتري عليه، أغاني عزت عوض الله وإكرام وبدرية السيد وغيرهم، كنت أشارك المطربين والمطربات الغناء بسعادة لا مثيل لها، ندوة الأستاذ محمود حسن تضم عناصر مثقفة وواعية علي كل المستويات، كان الفنان المثقف الأستاذ محمد المصري يشرح لنا المقامات الموسيقية بأسلوب سهل للغاية، ويمسك عوده ويغني أغاني عظيمة لعبد الوهاب وغيره من ملحني مصر الكبار. لي أصدقاء يقدمون ندوات أدبية شهرية في الأربعاء الذي يقدم محمود حسن فيه ندوته، لكنني أفضل حضور ندوة محمود حسن الموسيقية، ففيها أغسل همومي، أسعد وأنا أسمع هذه الأصوات، وأسعد أكثر وأنا أتفاعل معها وأشاركها الغناء. خسارة كبيرة أن تتوقف هذه الندوة التي كانت تقدم في كل أربعاء عددا كبيرا من عازفي الآلات الموسيقية جاءوا بآلاتهم: عود وكمان وجيتار وأكورديون وأورج، في كل ندوة تأتي فتاة صغيرة مع أمها, وأبيها، الذي يحمل لها الأورج لتؤدي أغنيتين بصوت جميل مبشر.