"الإمام الأكبر محمد سيد طنطاوي .. من بنى سليم إلى المدينةالمنورة" كتاب أعدته لجنة البحوث بالإدارة العامة لبحوث الدعوة بمصر تحت إشراف د. سالم عبد الجليل .. ولد العالم الجليل د. محمد سيد طنطاوي الراحل في قرية "سليم الشرقية" التابعة لمركز "طهطا" محافظة سوهاج فى 13 من جمادى الأولى سنة 1347ه الموافق 28 من أكتوبر سنة 1928 وكان والده -رحمه الله - قد نذره للعلم فنشأ محبا للعلم ومواظبا على ما يكلفه به مشايخه من حفظ للقرآن الكريم ؛ وقد أتم حفظ القرآن وهو في الثالثة عشرة من عمره. والكثير من الناس يكتفون بما حصلوه من شهادات علمية إلا أن هذا الصنف الفريد من الناس لا يقف عند حد ولا يقنع بشهادة من العلم ؛ لذا فقد واصل شيخنا دراسته العليا بكلية أصول الدين في قسم التفسير والحديث، ثم سجل رسالة الدكتوراة وموضوعها: "بنو إسرائيل في القرآن والسنة" وحصل على تقدير امتياز؛وتدرج في المناصب القيادية، عندما صدر قرار بإنشاء كلية أصول الدين بأسيوط سنة 1968م نقل إليها لكفاءته عميدا لكلية أصول الدين بأسيوط في سنة 1976م، وفي سنة 1985 عين عميدا لكلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة، وفي الثامن والعشرين من شهر أكتوبر 1986 صدر قرار جمهوري بتعيينه مفتيا للديار المصرية، وشاء الله – عز وجل – أن يكون يوم تعيين فضيلته فى هذا المنصب موافقا ليوم ميلاده فى 28 أكتوبر 1928، بعد أن بلغ الثامنة والخمسين. وأصدر فضيلته خلال قيامه بوظيفة الإفتاء كثيرا من الفتاوى التي كان لها أثرها فى المجتمع مواكبة لمتغيرات العصر ، ومن هذه الفتاوى فتوى تحريم مصادرة الأموال إلا عن طريق الهيئات القضائية، وفتوى إلغاء ضريبة التركات، وفتوى تنظيم الأسرة وفتوى نقل الأعضاء وغيرها. وفي شهر مارس 1996م صدر قرار جمهوري بتعيين فضيلته شيخا للأزهر الشريف، ومن ملامح فكره ومنهج دعوته حرصه على العدالة الاجتماعية، ويظهر ذلك من خلال إجابته عن سؤال وجه إلى فضيلته كان نصه: وكل مصدر أموال الناس دون تعويض حلال أم حرام؟ وهل رد المال إلى أصحابه حتى لو كانت قد انقضت عشرات السنين على المصادرات واجب أم لا؟ وقد أجاب فضيلة المفتى عن السؤال الأول بقوله: من التشريعات الحكيمة التي قررتها الشريعة الإسلامية لحماية أموال الناس: قطع يد االسارق متى توافرت الشروط التي تحتم تنفيذ هذه العقوبة، قال تعالى: "والسارق والسرقة فاقطعوا أيديهما جزاءا بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم" ثم أوجبت عقوبة أشد ردعا لقطاع الطريق الذين يسلبون الناس أموالهم ظلما وعدوانا. وللإجابة عن الشق الثاني يقول: إن شريعة الإسلام توجب على الغاصب أن يرد الشئ المغصوب، أو قيمته إذا برده أو أتلفه، كما أنها قد قررت أن الأموال المغتصبة لا تتقادم الزمان، بل يجب أن ترد هي أو قيمتها إلى أصحابها فإذا كانوا قد ماتوا، ردت إلى ورثتهم من، والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل. ويشير الكتاب إلى أخلاق فضيلة الإمام فقد أثار الدكتور طنطاوى ضده الكثير من علماء الأزهر من أصحاب الفكر التقليدي المحافظ الذين يؤثرون السلامة ولا يرغبون في اتخاذ المواقف التي تمليها ظروف العصر ومقتضيات الزمن ومستجدات الدهور. لقد أخذ الدكتور طنطاوى مواقفا لمصلحة المرأة المسلمة، وأكد حقوقها التي جاء بها الإسلام الحنيف. لقد تبرع فضيلته بكل ما رزقه الله تعالى من أموال وصلت إليه عن طريق مؤلفاته وبحوثه وأحاديثه عبر الوسائل الإعلامية داخل مصر وخارجها، ومن واقع المستندات الرسمية فقد بلغت هذه التبرعات حتى نهاية شهر ديسمبر 2009 سبعة ملايين وسبعين ألف جنيه. وفى جزء آخر من هذا الكتاب، نرى بعض أقوال الدعاة عن فضيلة الشيخ، يقول الدكتور يوسف القرضاوى: كان الشيخ طنطاوي دمث الخلق، لطيف المعشر، ولكنه ابن الصعيد حقا، لا يحسن التجمل ولا التكلف بل يتعامل على السجية، وهو طيب القلب، يألف ويؤلف ما لم يستفزه أحد بالحق أو بالباطل، فيثور ويخرج عن طوره. وعن مكانة الشيخ عند المسيحيين المصريين كتب إميل أمين عند رحيل الإمام الشجاع فى الزمن الصعب قائلا: ربما لم تجمع مصر على تكريم راحل مثلما أجمعت فى الأيام القليلة الماضية على تكريم اسم شيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوى، ذلك الرجل الطيب الذى اعتبر شيخا للإسلام المصري، ذلك الإسلام السمح المعتدل الذى لا يعرف التعصب ويرفض الغلو. ويقول د. محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف السابق: "إن افتقاده تمثل خسارة كبيرة لمصر وللعالم الإسلامى، وعزاؤنا أنه أدى رسالته حتى اللحظة الأخيرة على خير وجه، فقد عاش طوال حياته يعمل جاهدا على نشر قيم الإسلام الرفيعة كالاعتدال والوسطية والتسامح. ويرسل د.عبد الهادى التازى تحية من المغرب إلى روح شيخ الأزهر سيد طنطاوى .. يقول: "زرته ذات مرة بمكتبه فى الأزهر ومعي حفيدتى "أسمهان" التي تهيبت أول الأمر أن تقتحم على الشيخ مكتبه الذي كان يعج بالزوار من كل جهات الدنيا، لكنها فوجئت بأنها تجد نفسها أمام أب عطوف خلوق أمام أستاذ كبير ومتواضع أيضا، يشاركها هوايتها الصحفية ويدخل معها أجواء الصحافة وفؤاد الصحفيين، وكنت مدينا لصديقنا الراحل - رحمه الله- بالحصول على نسخة من كتاب "المفهم لما أشكل من تخليص صحيح مسلم" لأبى العباس أحمد بن عمر الأنصارى القرطبى في الإسكندرية عام 656ه -1258م. كانت النسخة نادرة وجاءت ندرتها من أنها كانت بخط الرحالة المغربي ابن بطوطة الذي اكتشفا أنه كان عام 727ه – 1327م بدمشق بالمدرسة العزيزية.. رحم الله أخانا الدكتور محمد سيد طنطاوي، وأعان العلامة الجليل الشيخ الطيب على تحمل العبء الذى كان يذكرنا دائما بنصيحة ابن سعيد ومن سار على درب ابن سعيد. المواطنة من منظور إسلامى ومن كتابات فضيلته "المواطنة من منظور إسلامى" فيقول : الإنسان العاقل السوي تراه كل مراحل حياته، يشتاق إلى موطنه الذي ولد على ترابه، وفوق أرضه نشأ، وتحت سمائه استظل، ومن هوائه تنفس، ومن طعامه وشرابه ترعرع، ولقد ضرب لنا سيدنا وشفيعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثال في الدفاع عن الأرض ولد فيها، وعاش على ربوعها أكثر من خمسين سنة، وبين أهلها لقب بالصادق الأمين، ففى الحديث الصحيح أن النبى (صلى الله عليه وسلم ) دعا للمدينة فقال: "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد" وصححها وبارك لنا في مدها وانقل حماها واجعلها بالجحفة، اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة البركة". وهذا أمير الشعراء أحمد شوقى – رحمه الله – يعود من منفاه ببلاد الأندلس إلى وطنه مصر بعد أن فارقه فيصور سروره وهو فى طريقه إليه تصويرا مؤثرا فيقول: ويا وطني لقيتك بعد يأس ... كأني قد لقيت بك الشبابا وكل مسافر سيئوب يوما ... إذا رزق السلامة والإيابة ولقد قال الحكماء: حب الوطن من الإيمان، والمواطنة بمعنى تآلف الناس وتعاونهم فى بلد واحد، أو فى موطن واحد، بصرف النظر عن عقائدهم دليل على سلامة العقول والوجدان.