تعتبر الدولة صورة من صور المجتمع السياسى ويشترط لقيامها العناصر المادية الثلاثة "الشعب الأرض السلطة " كما يشترط لها عنصر معنوى وهو " سيادة القانون " بمعنى خضوع كل من الأفراد ومؤسسات الدولة للقوانين وتحمل تبعية الاخلال به وتعد الدولة الاسلامية أول صورة للدولة تقرر فيها المبدأ المعروف بالشرعية أو مبدأ خضوع الدولة للقانون لان الأحكام الشرعية أو القانونية جاء بها الوحى فى القرآن الكريم والسنة وهى أحكام صادرة عن سلطة أعلى من سلطات الدولة جميعاً ، الا ان الدولة الاسلامية سبقها صور عديدة من المجتمعات السياسية أقام بعضها الحضارات ولكن هذه المجتمعات لم تعرف مبدأ خضوع الدولة للقانون انما كان القانون هو إرادة الحاكم الفرد الذى يخضع له الجميع أما فى الدولة الاسلامية فان مصدر القانون هو من وحى السماء . وجعل الإسلام التزام احكام القانون أساساً لمشروعية الدولة و طاعة الخليفة واجبة بقدر حرصه على تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية اما اذا اتبع الهوى انعزل عن الخلافة ، استمرت الخلافة تنظيماً لرئاسة الدولة الاسلامية حتة ألغيت الخلافة الإسلامية العثمانية فى تركيا اعتباراً من 23 /3 / 1924 على أثر قيام الثورة بها ، ومنذ ذلك التاريخ كانت الدعوة الى إقامة نظم حكم أساسها الاسلام وهى الدعوة التى لم يخلى منها جزء من اجزاء العالم الاسلامى وكانت أحد أسباب اهتمام الباحثين لدراسة المبادئ التى قررها الاسلام فى المجال الدستورى والسياسى ودراسة صور تطبيقها فى العصور المختلفة . تأسيس الدولة الإسلامية كانت هجرة الرسول" صلى الله عليه وسلم" مبتدأ المرحلة الثانية من عهد النبوة التى عرفت بالعهد المدنى وفى هذه الفترة نزلت غالبية التشريعات العملية ، حيث تكونت بالهجرة الدولة الإسلامية وأصبح لها كيان دولى فاتجه الوحى الى تنظيم الدولة داخلياً وخارجياً فشرع لها الأحكام التى تتناول شئونها سواء فى علاقات الافراد أو الجماعات أو الدولة مع غيرها ، وبعد هجرة الرسول " صلعم " الى المدينة كتب وثيقة بينه وبين أهل المدينة والتى يسميها كثير من الباحثين " دستور المدينة " الذى يشمل اهما مبادئه تحقيق مبدأ المواطنة ، وتعيين شخص رئيس الدولة ، الانضمام الى المعاهدات بعد توقيعها الذى أصبح من مسلمات قواعد المعاهدات الدولية فى العصر الحديث ، منع ابرام صلح منفرد مع اعداء الأمة ، وجوب القصاص فى القتل ، منع ايواء المجرمين وغيرها من مبادئ على اساسها تكونت الدولة الجديدة وأخذت تباشر مهامها التى شملت كل نواحى النشاط السياسى ، وأقامت الدولة العدالة عن طريق القضاء ونظمت الدفاع وسياسة الحروب فى الغزاوات ، كما نظمت موارد الدولة المالية بتنظيم الزكاة وطرق جبايتها ، وبهذه الصورة ثبتت دعائم النظام السياسى فى المدينة التى ضمت معظم انحاء الجزيرة العربية ، ومارست الدولة الاسلامية الجديدة السلطات التى تمارسها اية دولة فى العالم وهى سلطات التشريع والقضاء والتنفيذ ، وقد تميزت هذه المرحلة بوحدة مصدر العمل السياسى وتمثله فى النهاية فى القرارات السياسية التى يتخذها الرسول" صلعم " لكن بعد وفاته فتح الاسلام باب الاجتهاد فظهرت النظريات المتعلقة بالحياة السياسية للمسلمين . الدين والدولة فى الاسلام أصدر الشيخ عبد الرازق كتاب ( الإسلام وأصول الحكم ) سنة 1925 ، الذى كتب به العديد من الاراء التى يتم استخلصها فى أن الرسول " صلعم " لم يكن إلا رسول لدعوة دينية خالصة للدين لا تشوبها نزعة ملك ولا دعوة لدولة ، وان الرسالة لذاتها تستلزم من الرسول نوعاً من الزعامة فى قومه لكن ذلك ليس من زعامة الملوك فلا يجب الخلط بين زعامة الرسالة وزعامة الملك ، الا ان العلماء قدموا نقد كثير لكتاب الشيخ على عبد الرزاق حيث صدرت عددة كتب منها : كتاب ( نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم ) للشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر ، وكتاب ( حقيقة الاسلام وأصول الحكم ) للشيخ محمد بخيت المطيعى مفتى الديار المصرية ، وكتاب ( نقد علمى لكتاب الاسلام وأصول الحكم ) للشيخ محمد الطاهر بن عاشور مفتى المالكية فى تونس ، حيث تعرضت هذه الكتب جميعاً لنقد آراء الشيخ عبد الرازق حيث اتفقوا على ان هجرة الرسول" صلعم " الى المدينة كانت بداية تأسيس الدولة الاسلامية ، كما ان الإسلام قد آتى فى القرآن الكريم والسنة بمبادئ عامة لنظام الحكم فى الدولة الاسلامية يجب على المسلمين الالتزام بها منها ما يتصل بنظام الحكم وبالقواعد الدستورية التى يجب مراعتها فى الدولة الاسلامية ،كما ان الفقه الاسلامى كان ولايزال هو القانون الذى يقيد الحاكم وهو ليس من صنعه ولا يملك تعديله وهو طوال عصور الخلافة الإسلامية هو المعيار الذى توزن به تصرفات الدولة وتصرفات الأفراد القائمين على أمر هذه السلطات ، كما انه المرجع فى تحديد مدى اتفاق تصرفات الحاكم فى أية دولة اسلامية مع مبادئ الاسلام أو مخالفتها . الامام محمد عبدة ودعاوى التجديد وجاء تعبير تجديد الدين الإسلامى ليقصد به العودة الى الأصل وتخليص الدين الاسلامى مما يكون قد علق به من شوائب نتيجة البدع أو الجهل ولكن لا يقصد بها تغيير أحكام الدين فهى ثابتة ، وهناك جانبين أساسيين فى الدين الاسلامى هما جانب العبادات لا تدخل فى باب التجديد حيث أصولها ثابتة ومستقرة، وباب المعاملات وهو مفتوح للتجديد حيث الاسلام يتميز بالمرونة وانه دين لكل عصر وتجديد الفكر ليواكب التطورات ، ومن ابرز دعاة التجديد فى الفكر السياسى الإمام محمد عبده ( 1849 1905 ) حيث كان فكره سابقا لزمانه ويمكن تطبيق منهجه فى الإصلاح السياسى الآن ، وذلك بأن نبدأ بالتربية والتعليم وإصلاح الفرد أولا ، ثم إصلاح المجتمع ثانيا، كما ان لتحقيق المواطنة يجب أن يحصل الفرد على حقوقه ، فهذا الشيخ كان مصلحا ومعلما عبقرى المثال ، وكان اماما وقدوة فى زمان استكانت فيه العقول لسطوة التقاليد ، ففى نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين شهدت مصر محاولة جسورة ورائدة لمناهضة الموروث الراكد وادانته ، ولبعث التفكير الفلسفى واحيائه حيث نادى بالعديد من الافكار منها تاكيده على روح القانون وخصوصيته المستمده من كل مجتمع وأعتبره أساس التفرقة بين المجتمعات المتقدمة والمتخلفة ، والقانون عنده لا يعنى القانون المدنى فقط حيث ركز اهتمامه حول الشريعة ، كما انه وضع قيود على الحرية فالحرية عنه مقيدة وليست مطلقة وركز على وجود حريات أساسية لا يجب ان تمس وهى حرية التفكير والقول والانتخاب حيث ان الحرية لا يجب ان تعطى مرة واحدة حتى يمكن استيعابها بل يجب الأعداد لها أعداداً فكرياً بحيث يواكب نمو المؤسسات نمو الأفراد فالشعب الذى يلجأ الى الثورة غير مهيئ بعد للحرية ، ومن هنا يظهر اهمية دور الصفوة المستنيرة فى الرقابة على مصالح الأمة وتقييد سلطة الحكومة ومعالجة الاستبداد ، كما انه دعى الى ضرورة استيعاب الحضارة الغربية مع الحرص على التمسك بالقيم الروحية والمحافظة على الذات . المسيحية ليست ديناً ودولة معا جاءت المسيحية كديانة روحية خالصة وسيطر على الفكر المسيحى قول المسيح "مملكتى ليست من هذا العالم" فالمسيحية دين فقط فليست ديناً ودولة معا وبالتالى لم تتضمن تعاليم المسيح مبادئ سياسية أو أسساً للدولة فالدعوة هدفها روحى هى دعوة للتسامى الملائكى والتشبه بالقديسين لذلك الأنجيل لا تتضمن فكراً سياسياً ولكن منهجاً روحياً خالصاً وأعمال الرسل تتضمن النص على ان السلطة منبثقة من الله وبالتالى ضرورة طاعة الحاكم الزمنى حتى تتفرغ الكنيسة لنشاطها الروحى ، ومع هذا دار الفكر السياسى المسيحى لقرون حول الصراع بين السلطتين الدينية والزمنية . وجاءت حركة الاصلاح البروتسانتنية التى قادها مارتن لوثر ( 1483 1546 ) وقامت كثورة ضد فساد الكنيسة الكاثلوليكية فى روما وسلطة البابا ورجال الدين الذين مزجوا السلطة دنيوية بالدينية أسهموا فى ادخال أوربا فى عصور الظلام ، ومحاولة اصلاح الديانة المسيحية واعادتها الى أصولها الأولى نتيجة لما طرأ من فساد بسبب دور رجال الكنيسة السلبى ، وقام رواد الحركة الاصلاح الدينى بتدعيم سلطة الملوك لهم فى مواجهة عدائهم للكنيسة الكاثوليكية ، وقاموا باحياء فكرة ان الحاكم هو المسئول أمام الله وليس أمام البابا أو أمام الرعايا بالتالى فطاعة الرعايا للملوك مطلقة ، وفى مواجهة هذا الراى ظهر راى وهو ان الحاكم يستمد سلطته من الشعب وليس من الله وبالتالى فهو مسئول أمام الشعب ، فى هذا الوقت وجدت الأبعاد السياسية فى حركة الاصلاح صداها الكبير بين ملوك انجلترا وأمراء ألمانيا خاصة رغبة فى الحصول على ممتلكات الكنيسة الضخمة وعدم دفع الضرائب الدينية للبابا فى روما ، وبلغ قمة الأثر غير المباشر للحركة هو إقرار الحريات الفردية و خاصة فى مجال حرية العقيدة . وتعد الفاتيكان فى بداية عهدها مدفن الرسول بطرس الذى دفن حيث استشهد فى ملعب نيرون ثم تحول بعد ذلك الى كاتدرائية شيدها قسطنطين فوق نصب القديس بطرس وأخذت تتجمل منذ ذلك الحين ، وأخيراً أعاد البابوات وفنانو النهضة بناءها وأصبح الفاتيكان على مقربة من كاتدرائية القديس بطرس ، والفنانون الذين أجتذبهم الباباوات أنصار النهضة استقروا فى روما وهم الذين خلعوا على الفاتيكانن هذا المنظر الذى نعرفه اليوم ، واكتسبت الدولة الجديدة حضوراً معترف به دولياً فى مجموعة الأمم فهذة ال 44 هكتاراً تمثل الدولة الصغرى فى العالم لكن هذه البقعة الصغيرة تتمتع بقيمة رمزية استثنائية ، على هذه البقعة من الأرض يتمتع الكرسى الرسولى بملكية تامة وبسلطة وبحق مانع مطلق وبسلطة قضائية عليا تمتد الى ما تحت الأرض والى المجال الجوى ، ويبلغ سكان الفاتيكان 684 شخصاً 358 منهم فقط يتمتعون بالمواطنة الفاتيكانية والباقون مقيمون وهنا المواطنة ليست انتماء الى جماعة قومية ولكنها مرتبطة بممارسة وظيفة فى خدمة الكرسى الرسولى وعندما تنتهى الوظيفة تتلاشى المواطنة ، يمارس الحبر الأعظم سلطته على الجميع ويؤلف رجال الدين والعلمانيون والعسكريون مع بعض الجماعات الدينية الجهاز الفعلى للحاضرة الصغيرة وملحقاتها ،والوحدة العسكرية الوحيدة فى الحاضرة هى الحرس السويسرى وهى مكلفة بحماية القصر وشخص البابا .