كتاب الإسلام وأصول الحكم الذي نشره الشيخ علي عبدالرازق عام5291, كان له دوي القنبلة في مصر والعالم الإسلامي, ويكفي القول بأنه في مصر أسقط وزارة, وفض ائتلافا واستحدث في السياسة تيارا خطيرا, وأنه في العالم الإسلامي ارتبط بالظروف التي يجتازها هذا العالم فقد كان هناك حدث شغله وهو إعلان كمال أتاتورك إلغاء الخلافة الإسلامية بتركيا عام4291, وبالتالي كان لهذا الحدث رد في العالم الإسلامي, حيث بدأ التفكير في إعادة هذه الخلافة في عدد من الدول ومنها مصر التي دعا بعض علمائها بإيعاز من الملك فؤاد إلي عقد مؤتمر لبحث مسألة الخلافة. وفيما كانت الأحداث تشغل الرأي العام الإسلامي, وتجد صداها في الصحف الأجنبية كانت هناك تيارات خفية تجري خلف وجهات الأحزاب السياسية بمصر منها ما يعارض, ومنها ما يوافق, مبررا أن الوقت مناسب لتنصيب الملك فؤاد خليفة للمسلمين. وأخذ تيار معارضة مشروع الخلافة صورته العلمية حين قام الشيخ علي عبدالرازق بإصدار كتاب الإسلام وأصول الحكم متضمنا أفكارا منها أن رسالة النبي صلي الله عليه وسلم روحية لا تشوبها نزعة ملك, ولا دعوة لدولة, وأن الإسلام وحدة دينية, والنبي صلي الله عليه وسلم دعا إلي تلك الوحدة وأتمها بالفعل قبل وفاته, وفي سبيل ذلك ناضل بلسانه وسنانه حتي جاء نصر الله والفتح. ويقول الشيخ علي عبدالرازق: وإذا كان الرسول الكريم لم يكن إلا رسولا صاحب رسالة أو دعوة دينية فحسب, فإنه يجب ألا يفوتنا أن هذه الدعوة تستلزم نوعا من الزعامة في قومه والسلطان عليهم, ولكن ذلك لم يكن مثل زعامة الملوك وسلطانهم علي رعيتهم. فلا نخلط بين زعامة الرسالة, وزعامة الملك.. مثلا إن زعامة موسي وعيسي عليهما السلام في اتباعهما لم تكن زعامة ملوكية ولا كانت كذلك زعامة أكثر الأنبياء والمرسلين. ثم يحدثنا المؤلف في بداية كتابه عن الخلافة معناها وطبيعتها كيف أن القرآن الكريم لم يذكرها وكذا السنة ويشير إلي أن التاريخ بين لنا أن الخلافة كانت نكبة علي الإسلام والمسلمين, وينبوع شر وفساد, وغيرها من الأفكار التي أدت إلي قيام معركة تدخلت فيها عوامل حزبية وسياسية لإشعال نيرانها خاصة بعد حكم هيئة كبار العلماء بإخراج الشيخ علي من زمرتها, وبنت حكمها علي عدد من الحيثيات رد عليها الشيخ علي عبدالرازق: إن فكرة الكتاب الأساسية التي تم الحكم عليه بسببها هي أن الإسلام لم يقرر نظاما معينا للحكومة, ولم يفرض علي المسلمين نظاما خاصا يجب أن يحكموا بمقتضاه, بل ترك لنا مطلق الحرية في أن ننظم الدولة طبقا للأحوال التي توجد فيها مع مراعاة التطور الاجتماعي, ومقتضيات الزمن.