رغم ارتفاع وتيرة المنافسة فى انتخابات الرئاسة، وسعى كل المرشحين لنيل ثقة الناخب المصرى إلا أن رئيس مصر القادم - أياً كان - سيكون عليه مواجهة كارثة تهاوى الاقتصاد المصرى؛ وإتساع عجز الموازنة إلى 144 مليار جنيه؛ وارتفاع الدين لنحو تريليون جنيه؛ بالاضافة إلى ارتفاعة نسبة البطالة إلى 13 % مقابل تراجع في الاحتياطيات الأجنبية لأقل من 16.2 مليار دولار، وعليه أن يواجه هذه التحديات الجمة دون الخوف من مواجهة ضغوط خارجية أو داخلية، والتعامل بحنكة مع المطالب الفئوية المتصاعدة، وتحقيق الاصلاح السياسيي والاقتصادي على حد سواء لبلوغ الاستقرار المأمول. يقول محسن عادل - نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار- إن الجميع متفق على أهمية تعميم الإصلاح بمفاهيمه الشاملة كنتيجة طبيعية لتحركات ثورة 25 يناير الواسعة التي تتفاعل في العديد من النواحي، بما يشمل تداول السلطات، والتوزيع العادل للدخل القومي الذي يحقق النمو والتنمية معا، ومحاربة الفساد عبر نهوض المؤسسات وتفعيل القضاء، وإنتاج فرص عمل حقيقية تستقطب معدلات البطالة المرتفعة خصوصا في أوساط الشباب، فالعقد الاجتماعي الاقتصادي الجديد المطلوب إبرامه لا يشمل تحقيق النمو ومكافحة التضخم والتقدم على مسارات تحقيق الأهداف المالية والنقدية والتنموية فحسب، إنما ينبغي التأكد من أنه يجري التقدم اللازم على صعيد الاستثمارات الجديدة في القطاع الموفرة لفرص العمل الجديدة وكذلك في إيجاد المساكن الملائمة للشباب بما يسهم في خلق مستوى أفضل من الطمأنينة بشأن مستقبلهم. وطالب عادل بالتأكيد على العمل على تمكين الشباب من خلال مستويات أفضل من التعليم والتدريب التقني تتلاءم مخرجاته مع حركة الاقتصاد ومجالات نموه وتطوره المستقبلي، فرئيس الجمهورية الجديد سيكون مطالب بالعمل أيضا على إنشاء المؤسسات القادرة على دفع الإصلاحات السياسية والديمقراطية وكذلك الاقتصادية والاجتماعية قدما، وذلك مع تفعيل قدرة هذه المؤسسات على ممارسة الرقابة وتحقيق التوازن بينها. وأشار عادل إلى أنه من بين التحديات التي يواجهها الرئيس القادم زيادة معدلات النمو الي نسبة تتراوح ما بين 5% و 7% سنويا لتوفير 500 ألف فرصة عمل علي الاقل سنويا بما يخفض معدل البطالة الي اقل من 8%، بالاضافة الى ضرورة الوصول بنصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي الى ما يتراوح بين 10 الاف و 12 ألف دولار سنويا. وشدد على ضرورة العمل على دعم احتياطي النقد الاجنبي ليصل مرة اخري الى حدود 30 مليار دولار لتخفيف الضغوط على أسعار الصرف المحلية مع دعم البدائل التمويلية الاكثر مرونة حاليا لتخفيض الدين الاجمالي الي نحو 600-650 مليار جنيه كمستوي امن مع عدم السعي لزيادة الدين الخارجي بما يساهم في خفض متوسطات اسعار الفائدة الي ما بين 8% و 10% و يهبط بعجز الموازنة الي ما بين 25 مليار جنيه و 30 مليار جنيه مع العمل على تخفيض العجز في الميزان التجاري بزيادة الصادرات و الحد من الواردات و اعادة الفائض من جديد لميزان المدفوعات المصري. وأوضح عادل أن مصر تمتلك بدائل استثمارية عريضة على رأسها القوة الاقتصادية للمصريين فى الخارج والذين يمكن ربط دعمهم للاقتصاد المصري باستثمارات محددة إلى جانب امكانيه طرح صكوك تمويل بعملات اجنبية لتمويل مشروعات تنموية مثل تشجيع زراعة القمح محليا بما يعنى زيادة فرص عمل وتنشيط اقتصادى بالاضافة إلى زيادة فى النقد الاجنبى آخذين في الاعتبار أن تحويلات المصريين فى الخارج العام الماضى قد بلغت رقماً قياسياً تجاوز 12 مليار دولار . وأشار عادل إلى أنه من بين البدائل الاقتصادية حالياً تحصيل الضرائب المتأخرة و ترشيد الانفاق الحكومي مع وضع خطة تحفيزية لاستغلال ودائع القطاع المصرفي في بدائل تنموية آمنة، وإعادة النظر في الأصول الحكومية غير المستغلة و تشغيل المصانع المعطلة و تحويل قناة السويس الي منطقة اقتصادية للخدمات اللوجستية عالميا بالاضافة إلي إعادة النظر في الحوافز الاقتصادية والضريبية وربطها في الأساس بمؤشرات العائد الاستثماري والقيمة المضافة، فمصر تحتاج الآن إلى أفكار ابتكارية لمعالجة هذه الازمة الاقتصادية وقد يكون من بين هذه الأفكار بيع الأرضى استثمار للمصريين فى الخارج وتوحيد سياسة المعاملة التعريفية بين السائح المصرى والسائح الاجنبى داخل مصر، لهذا فالحكومة ومجلس الشعب مُطالبان بتدشين حملة بعنوان "اشترى المصرى" للحد من الواردات الأجنبيه الاستهلاكية وسد العجز فى ميزان المدفوعات المصرى والميزان التجارى وتوفير فرص عمل وزيادة الناتج المحلى الاجمالى وتوفير المدفوعات من النقد الأجنبى مع التأكيد علي أنه لايمكن القبول بأى شكل من الأشكال أن تُمس سيادة الدولة أوكرامتها لأى سبب من الأسباب فى مرحلة اعادة البناء التى تجتازها مصر حالياً فشعار " نبني مصر بأيدينا " هو ركيزة النمو القادمة. ونبه عادل إلى وجوب التركيز علي أن هناك قصوراً في إدراك أهمية التعرف إلى مواطن الفساد في الإدارة والاقتصاد ودورها في توليد وزيادة مشاعر الإحباط لدى المواطنين، ولا سيما لدى الشباب منهم، وهذه كلها أمور تزيد من الأسباب الداعية إلى الفشل في تحقيق التوقعات وبالتالي إلى زيادة حدة اليأس والشعور بانسداد الأفق، وأنه على الرغم من التحديات الكبيرة أمامنا، فالجميع يتطلع إلى المرحلة المقبلة بتفاؤل وأمل كبيرين، لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة، وتحفيز التنافسية العالمية للاقتصاد من خلال تحديث الاقتصاد وتطوير المناهج التعليمية بحيث يتمكن الشباب من المنافسة محلياً وعالمياً، إضافة إلى خلق فرص عمل جديدة والحد من البطالة والفقر، ولعل الإفادة المثلى من المرحلة الراهنة تتطلب التوازن بين تطوير البيئة السياسية من جهة، وبين تطوير آليات ومحركات النمو الاقتصادي المستدام والرفاه الاجتماعي للشعب من جهة أخرى، فنجاح الإصلاحات السياسية مرتبط إلى حد بعيد بنجاح الإصلاحات الاقتصادية، والعكس صحيح أيضا، فالإصلاح هو الركيزة الأهم لبناء الثقة كممر إلزامي مثالي لبلوغ الاستقرار الحقيقي وتعميم فوائده، وهذا ما نطمح إليه جميعا دولة وشعبا وأنظمة. والإصلاح بمفهومه الشامل على الصعيد الوطني هو المسار الأمثل لإعادة صياغة خريطة طريق طموحة الرؤى والأهداف لمنظومة العمل على نحو يضمن التنمية المستدامة. فيما أشار د. صلاح جودة - مديرمركز الدراسات الاقتصادية - إن المواطنين الذين خرجوا فى 25 يناير تمثلت مطالب 25 % منهم في الشق السياسي الحرية والغاء الطوارئ والإفراج عن المساجين، فيما استحوذت مطالب ال75 % منهم في الشق الاقتصادي مثل ايجاد فرص عمل، توفير مساكن ، تحسين التعليم. ووضع جودة خطة قصيرة المدى تطبق خلال 6 أشهر للرئيس القادم يأتي على رأسها توفير 3.5 مليون فرصة عمل، وذلك عن طريق إعادة تشغيل 4500 مصنع تم ايقافها في أكتوبر 2010 ، إلى جانب تقليص الاستيراد وزيادة الانتاج. وطالب الخبير الاقتصادي بضم الصناديق الخاصة للموازنة العامة والتي تم انشائها بمعرفة رئيس الجمهورية سنة 1974 ) وهذه الخطوة ستوفر نحو 216 مليار جنيه، وأكد على ضرورة وضع حد أدنى للدخل يقدر ب1200 جنيها وحد أقصى لا يتجاوز 30 الف جنيها مع وضع قواعد ومواصفات جودة للوظيفة. وأشار جودة إلى ضرورة تقليص عدد السفارات المصرية التي تبلغ 183 سفارة، لافتاً إلى أن أمريكا لديها 76 سفارة؛ بينما تتمسك مصر بفتح سفارات في دول ك السلفادور والاكوادور وهما بلدان لا يتجاوز عدد المصريين فيهما 45 مواطناً هم أعضاء السفارة، والتجارة البينية بين البلدين صفر، ولذلك يجب أن نكتفي ب 70 سفارة فقط، على أن يُعين سفير إقليمي لمجموعة دول متجاورة مما يوفر عى مصر نحو 45 مليار دولار مصروفات ( لسيارات وموظفي السفارة وغيرها). وطالب جودة الرئيس القادم بأن يتخذ قراراً بترشيد دعم الطاقة للمصانع، مشيراً إلى أن مصانع الأسمنت والحديد والسيراميك والأسمدة تُصدر مايتجاوز ال (40%- 60% ) من إجمالى الكمية المنتجة ويتم المحاسبة عليها (بالسعر العالمى) فلماذا لايتم محاسبة هذه المصانع على الكمية التى تم تصديرها للخارج على بند مدخلات الطاقة ( بالسعر العالمى)، كما طالب بتحديد هامش ربح للسلع عن طريق وضع "تكت" على السلعة يوضح تكلفة الانتاج وسعر البيع للمستهلك. وأثنى جودة على قرار إيقاف تصدير الغاز لإسرائيل وطالب الرئيس القادم بتعديل اتفاقيات أسعار الغاز مع إسبانيا وتركيا والأردن، موضحاً أن مصر تبيع المليون وحدة بنحو 1.6 دولار مقارنة بالأسعار العالمية التي تتراوح ما بين 6.8 دولار للوحدة و8.2 دولار، فيجب ألا نصدر مادة خام قائلا "البلد التي لا تضيف قيمة لصناعاتها ليس لها قيمة"، مشدداً على ضرورة توفير الغاز الى المصانع المصرية ومن ثم نصدر المنتج النهائي.