بعد محاولات دامت لأكثر من 15 عاما، وكلها باءت بالفشل، جاء حكم المحكمة الإدارية العليا بإلغاء قرار لجنة شئون الأحزاب الصادر في العام 2009 بالاعتراض علي تأسيس حزب الوسط، ليكون بذلك أول الاحزاب التي يتم تأسيسها بعد ثورة 25 يناير، وبذلك أصبح الحزب يتمتع بالشخصية الاعتبارية ويكون له حق ممارسة نشاطه السياسي اعتبارا من تاريخ صدور الحكم. وقد بدأت فكرة مشروع إنشاء حزب "الوسط" نتيجة لتطورات فكرية وخبرات عملية لمجموعة من شباب الحركة الإسلامية في مصر، والتي رأت أنه بات من الضروري تكوين تجربة حزبية سياسية مدنية تترجم المشروع الحضاري العربي الإسلامي، بعد أن خاضت هذه المجموعة تجارب في العمل العام بدءًا من الحركة الطلابية في الجامعات المصرية منذ السبعينيات، مرورا بالعمل في النقابات المهنية منذ منتصف الثمانينيات إلي منتصف التسعينيات من القرن العشرين فضلا عن الخبرات الأخري في المجالس المحلية والعمل البرلماني. وفي نهاية العام 1995 التقت مجموعة من هؤلاء الشباب واتفقوا علي أن يترجموا هذه الفكرة إلي مشروع، واختاروا له اسم "الوسط" من بين العديد من الخيارات التي كانت مطروحة وقتها. وعقب انتهاء هذه المجموعة من صياغة برنامج الحزب، تم جمع عدد من المؤسسين وضم مختلف الاطياف من نسيج المجتمع المصري، وتقدمت في العاشر من يناير في العام 1996 الي لجنة شئون الاحزاب لتأسيس حزب "الوسط" لتصدر لجنة الأحزاب بمجلس الشوري قرارا برفض إنشاء الحزب في مايو من العام ذاته، ليثار جدل واسع النطاق حول الحزب في كل وسائل الإعلام، وتكثر التساؤلات حول أهدافه ومعني مرجعيته الإسلامية.. وقدم د. محمد سليم العوا بصفته المحامي الأصلي لوكيل المؤسسين طعنا في قرار اللجنة أمام محكمة الأحزاب ليتم تداول القضية أمام محكمة الأحزاب والتي أصدرت الحكم بالرفض في العام 1998 . ولم تفتر المحاولات بعد حكم الرفض؛ ليتقدم وكيل مؤسسي حزب الوسط بطلب آخر بمشروع وبرنامج جديد باسم حزب "الوسط المصري"، والذي ضم عددًا أكبر من المؤسسين الجدد عن المرة الأولي، ونجح المؤسسون في رسم صورة واضحة عن المشروع من حيث استقلاله عن "الإخوان المسلمين" وسعيه لأن يكون حزبًا مدنيا ذا مرجعية إسلامية ومستقلًا، ويعبر عن شريحة واسعة من المواطنين المصريين، ليتم رفض المشروع مرة ثانية من لجنة الأحزاب ويتكرر السيناريو مرة أخري فيتقدم المؤسسون إلي محكمة الأحزاب التي رفضت الدعوي بإنشاء الحزب للمرة الثانية. لم يستسلم مؤسسو فكرة حزب الوسط عقب الحكم، بل ساهموا في كل الأنشطة السياسية والثقافية والفكرية والحوارية سواء علي المستوي المحلي والعربي والدولي، وتطورت أفكار المؤسسين حتي تم بلورة المشروع الأخير باسم حزب "الوسط الجديد"، وتم التقدم به رسميا في مايو 2004 وقد ضم عددًا أكبر من المؤسسين من المحاولتين الأوليين، بلغ نحو 200 مؤسس من بينهم عدد من الرموز الفكرية والسياسية والثقافية المهتمة أمثال المفكر د. عبد الوهاب المسيري والسياسي فكري الجزار، والملقب بشيخ المستقلين في البرلمان المصري لعدة دورات، وعدد من أساتذة الجامعات والقضاة والمحامين والمهنيين ورجال الأعمال والعمال والفلاحين. ورفضت لجنة الأحزاب الطلب في المرة الثالثة، بحجة عدم تقديمه للجديد في برنامجه. وبناء علي هذا تقدم حزب الوسط بطعن علي قرار اللجنة أمام محكمة الأحزاب بمجلس الدولة الذي تم تداوله أمام محكمة الأحزاب والتي قامت بدورها بإحالته إلي هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني؛ لتنتهي إلي ضرورة إلغاء قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية المطعون عليه وما ترتب عليه من آثار. وبعد اندلاع ثورة 25 يناير تقدم المهندس أبو العلا ماضي، وكيل مؤسسي حزب الوسط بطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، ضد كل من رئيس مجلس الشوري ورئيس لجنة شئون الأحزاب، بسبب رفض تأسيس حزب الوسط لأكثر من مرتين؛ مما دعاه إلي اللجوء للقضاء حتي يحصل علي الموافقة بتأسيس الحزب لتقضي المحكمة الإدارية العليا، دائرة الأحزاب السياسية برئاسة المستشار محمد عبد الغني رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين مجدي العجاتي وحسين بركات وأحمد عبدالتواب وأحمد عبود وعادل بريك وشحاته ابو زيد ومنير عبد القدوس، بإلزام لجنة شئون الأحزاب بالموافقة علي تأسيس حزب الوسط. وعن الحكم يقول المستشار مجدي العجاتي نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس دائرة الفحص بالمحكمة الادارية العليا: إن المحكمة انتهت الي عدم مشروعية قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية التي كان يرأسها صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري والأمين العام للحزب الوطني بالاعتراض علي تأسيس حزب الوسط لخروج اللجنة عن الفهم الصحيح لأحكام الدستور والإدراك والوعي لقانون الأحزاب السياسية.. مشيرا إلي أن الحكم صدر في ظل الاعلان الصادر بتاريخ 13 فبراير2011 من المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي يدير أمور البلاد حاليا بصفة مؤقتة بتعطيل أحكام الدستور الذي يقتصر علي الأحكام الخاصة برئاسة الدولة وتنظيم السلطتين التنفيذية والتشريعية. ومن جانبه، يؤكد رئيس حزب الوسط أبو العلا ماضي، أن قرار المحكمة الإدارية العليا الترخيص للحزب هو من ثمار ثورة 25 يناير.. موضحا: إن الحزب ظل يناضل علي مدي 15 عاما من أجل الحصول علي ترخيص يسمح له بالانخراط في الحياة السياسية، ومعربا عن امتنانه للثورة في الاعتراف بهذا الحزب. ويضيف ماضي: "كنا قلقين قبل الثورة من تكرار السيناريو الذي تكرر في ثلاث مرات سابقة من رفض وتعنت، لكن رياح الحرية التي هبت علي مصر وأسقطت النظام الفاسد ألغت قرار لجنة شئون الأحزاب". ويوضح ماضي أن السبب الرئيس وراء رفض لجنة الاحزاب المتكرر لتأسيس حزب الوسط موقف رجال النظام السابق وعلي رأسهم صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري ومفيد شهاب وزير الشئون القانونية والبرلمانية لبرنامج الحزب الذي يتبني برنامجا للاصلاح السياسي يقتضي في المقام الاول تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، وهو الامر الذي ادي الي استنكارهم لبرنامج الحزب ورفضهم المطلق له. ويستكمل عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط الجديد الحديث قائلا: إن الحزب سيبدأ نشاطه فوريا من خلال برنامجه الذي يشتمل علي عدة محاور للاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، داعيا الشباب إلي الالتفاف حول الأحزاب الجادة والشخصيات والبرامج الواضحة وأن يبتعدوا عن الأحزاب الهزلية.