ترتفع وتيرة التصعيد من الجانبين المصري والسوداني وإثيوبيا من جهة أخرى، خاصة بعد تعثر المفاوضات الأخيرة في العاصمة الكونغولية كينشاسا. ولازالت إثيوبيا تصرعلى إتمام الملء الثاني في يوليو المقبل، حتى ولو لم يتم التوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان. وهاجمت إثيوبيا قرار جامعة الدول العربية، في بيان قالت فيه " إثيوبيا ترفض رفضًا قاطعًا محاولة جامعة الدول العربية لإملاء شروط تتعلق بملء سد النهضة. كمنظمة إقليمية، كان من المناسب فقط لجامعة الدول العربية أن تشجع الأطراف الثلاثة على التوصل إلى حل يربح فيه الجميع بدلاً من موقفها غير المفيد والمتحيز وغير المعقول". وفي في هذا الصدد قال الدكتور سمير غطاس رئيس منتدى الشرق الأوسط لدراسات الإستراتيجية : إن ما تمارسه إثيوبيا الآن من تعنت وإصرار على ملء السد في يوليو القادم، أمرًا في غاية الغرابة، ويدفعنا للتساؤل عن السر الذي يجعلها تتعامل بهذه الرعونة؟. ولم تظهر الخيارات البديلة للتعامل مع قضية سد النهضة إلا مؤخرًا، وأن التفاوض مرة تلو أخري لم يؤدي إلى تقدم أو وقف محاولات إثيوبيا في بناء السد وفرضها واقعًا لا يمكن التراجع عنه، وهي إستراتيجية معروفة يمارسها الجانبان الإسرائيلي والتركي، وهو استمرار التفاوض مع استكمال بناء السد من الجانب الإثيوبي. وأضاف غطاس : إن الشروع الإثيوبي في الملء الثاني يهدد السودان بصفة رئيسية، ويخلق واقع جديد غير مقبول من الجانب المصري، وأكثر من 18 مليار متر مكعب من المياه ليس بأمر هين. وعن التصعيد التالي الذي سوف تلجأ إليه مصر والسودان بعد فشل المفاوضات" قال غطاس"، هناك خياران لا ثالث لهما، الأول، هو تدويل القضية، وهذا أمر كان يجب أن نذهب إليه من قبل، وعلينا أن نخلق أزمة دولية وإقليمية بسبب قضية سد النهضة، وتغيير إستراتيجية التفاوض وفريق إدارة الأزمة؛ ويجب أن يعلم العالم أن الأزمة حقيقية وأن الأمور جدية. مضيفًا "نجحت إثيوبيا إلى نقلنا إلى الحل الإقليمي. لأن هناك مادة أساسية في الأممالمتحدة تنص على" أن النزاعات الإقليمية تحل عبر المنظمات الإقليمية، وعلى هذا نجحت إثيوبيا في جرنا إلى الإتحاد الإقليمي الذي تحتل فيه إثيوبيا مكانة هامة. وتابع: ويخشي مع عملية التدويل والذهاب إلى مجلس الأمن أن تتخلى عنا أمريكا وتقف إلى الجانب الإثيوبي، أو على الأقل أن تدفع القضية إلى البند السادس الذي يوصي فقط، ولا يضع التزامات على الجانب الإثيوبي. أما عن الخيار العسكري سيصبح صعبا للغاية خاصة بعد الملء الثاني للسد، لأن ضرب السد يعني انهيار 18 مليار متر مكعب من المياه، الأمر الذي يعني غرق السودان وانهيار السدود وتوقف الكهرباء بها، فضلًا عن تهديد حياة أكثر من مليون مواطن سوداني، ولهذا تعارض السودان الخيار العسكري من جانب مصر. كما أن هناك شروطًا للخيار العسكري؛ فالأمر ليس سهلًا كما يعتقد البعض، وعامل التوقيت هام جدًا، فضرب السد قبل الملء الثاني يختلف كثيرًا عن ضربه بعده. و ضرب السد قبل الملء لابد وأن يسبقه تمهيدًا دوليًا يقنع دول العالم أن هذا ليس عدوانًا على إثيوبيا، وإنما حقًا أصيلًا لمصر للحفاظ على حقها في المياه. وفيما يخص إمكانية ضرب السد، قال "غطاس" أن مصر قادرة على ضرب السد من حيث المدى، عن طريق الطائرات سوخوي 35 و "رافال" ومداها 1600 كيلو بحسب حمولتها، ويكفي صاروخين وفقط، أو من قاعدة البحر الأحمر، أو من السودان إذا تم الاتفاق معها. ولكن الأهم من ضرب السد هو، ماذا عن اليوم الثاني للخيار العسكري؟، لأن هناك جهات دولية مشاركة في بناء السد، ولن تقبل أن تقوم بدفع مبالغ طائلة في بناءه وتراهن على عائده ومكانة إثيوبيا كقوة إقليمية، ويتم ضربه عسكريًا، إذا لم يكن هناك مبرر سياسي وأخلاقي يتفق مع القانون الدولي. وفي هذه اللحظة قد تفرض عليك تلك الدول عقوبات اقتصادية بموجب البند السابع من قانون مجلس الأمن الدولي، فضلًا عن تأثر السياحة الداخلية والاستثمار والوضع الداخلي للدولة المصرية. وطالب "غطاس" بضرورة إشراك الأحزاب والمجتمع المدني وجميع القوى السياسية والبرلمان المصري في تدويل القضية، عن طريق مخاطبة البرلمانات الدولية وحشد المواطنين، وخلق أزمة دولية – بالاتفاق مع الدولة- تندد بعطش أكثر من مائة مليون مصر وتبوير الملايين من الأفدنة، فضلا عن المجاعة التي قد يتسبب فيها سد النهضة للشعب المصري، لخلق أزمة دولية وإعلام المجتمع الدولي بأنه قد يكون هناك مالا يحمد عقباه إذا تعرض الشعب المصري للعطش. وأشار إلى أنه "عندما تم تحديد حصة مصر من مياه النيل 55 مليار متر مكعب كان تعداد مصر وقتها لا يتجاوز 50 مليون مواطن، وبعد أن تخطينا حاجز المائة مليون؛ فنحن بحاجة إلى ضعف حصتنا من المياه، ومع ذلك لا نطالب إلا بنفس الحصة المتفق عليها".
إثيوبيا تبحث عن الثمن وقال اللواء محمد رشاد وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق : إن السبب وراء تعنت الجانب الإثيوبي في المفاوضات منذ بدايتها، هو أنها تبحث عن مصلحتها وما يمكن أن تحصل عليه من مصر مقابل التفاوض علي أزمة السد، مشيرًا إلى التصريحات الإثيوبية التي نتابعها يوميًا، تحمل في طياتها السبب الجوهري في هذا الاصرار الغير مبرر على ملء السد، وهو الثمن الذي قد تحصل عليه مقابل السماح لمصر بالحصول على حصتها من المياه. وأضاف : إن الأمر ليس بيعًا للمياه بمعنى الكلمة، وإنما أن يكن هناك تبادلًا للمصالح بينها وبين مصر، من ناحية التنمية والاستثمار داخل الأراضي الإثيوبية. وحول إمكانية ضرب السد من عدمه، قال "رشاد" إن مسألة ضرب السد هو أمر مستبعد، نظرًا لأن هناك دولًا عديدة مشاركة في عملية البناء، لكنه من الممكن أن نتدخل في الميكانيزم الخاص بتخزين المياه، بدلًا من عملية الضرب. وحول تصريح الرئيس السيسي وتحذيره الأخير لإثيوبيا، قال إن ذلك نسميه "تلميح بالردع دون الدخول فيه" وأشار إلى مشاركته الأخيرة في المناورات المصرية السودانية، وتحول الموقف السوداني الذي كان يعارض مصر أيام "البشير" إلى مساند وداعم لمصر، نظرًا لأن السودان هو المتضرر الأول من سد النهضة. وأضاف : إن حصة السودان من المياه 18.5 مليار متر مكعب من المياه، وفي حالة الملء فإن تلك الكمية الصغير معرضة للنقصان، كما تبحث السودان عن أمنها في حالة انهيار السد أو ضربه، خاصة بعد الملء الثاني الذي ترتفع فيه كمية المياه المحتجزة خلف السد إلى 18 مليار متر مكعب، وتلك الكمية كفيلة بإغراق الخرطوم. وعن التضامن العربي مع مصر والسودان قال" رشاد" أنه لا يوجد هناك تضامن عربي فعلي، وإنما مجرد تصريحات وفقط، نظرًا لغياب الإرادة العربية، وهذا ما تستغله إسرائيل في وقتنا هذا، فقد تحول الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع حضارات. وطالب أن لا نعول على الموقف الأمريكي كثيرًا، لأن إنشاء السدود في إثيوبيا متواجدة في خطة الاستثمار الأمريكية التي تم وضعها منذ بناء السد العالي في مصر. مؤكدًا على أن هيئة الاستصلاح الأمريكية عملت على بناء 22 سد على النيل الأزرق. وأفاد أن الرعونة التي تتحدث بها إثيوبيا لم يأت من فراغ، وإنما قد يكون اطمئنانًا منها لتوافر غطاء أمريكي في حالة الخيار العسكري، نظرًا للمصالح الأمريكية في إثيوبيا خاصة في سد النهضة، الأمر الذي قد يمنع أمريكا أيضًا من أخذ موقف حاد ضدها. محمد الحملي شارك هذا الموضوع: * اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة) * انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)