ترتفع وتيرة التصعيد من الجانبين المصري والسوداني وإثيوبيا من جهة أخرى، خاصة بعد فشل المفاوضات الأخيرة في العاصمة الكونغولية كينشاسا. ولازالت إثيوبيا تصر على إتمام الملء الثاني في يوليو المقبل، حتى ولو لم يتم التوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان. ويكمن سبب فشل جولة المفاوضات الأخيرة، في رفض إثيوبيا للمقترح الذي قدمه السودان وأيّدته مصر بتشكيل رباعية دولية تقودها الكونغو الديمقراطية التي ترأس الاتحاد الأفريقي، للتوسط بين الدول الثلاث. وأعرب وزراء الخارجية والري في السودان ومصر عن بالغ القلق إزاء الآثار والأضرار المحتملة لملء وتشغيل سد النهضة بشكل أحادي وبدون اتفاق ملزم قانوناً ينظم عمل هذا السد الضخم على حقوق السودان ومصر ومصالحهما المائية، وأكدوا على أهمية تضافر الجهود الدولية من أجل الوصول لتسوية لأزمة سد النهضة تراعي مصالح الدول الثلاث وتحقق مصالحها المشتركة. و توافقت رؤى البلدين حول ضرورة التنسيق للتحرك لحماية الأمن والسلم والاستقرار في المنطقة وفي القارة الإفريقية، وهو ما يتطلب تدخل نشط من قبل المجتمع الدولي لدرء المخاطر المتصلة باستمرار إثيوبيا في انتهاج سياستها القائمة على السعي لفرض الأمر الواقع على دولتي المصب والإرادة المنفردة التي تواصل إثيوبيا إتباعها والتي تتجسد في إعلانها عن عزمها على ملء سد النهضة خلال موسم الفيضان المقبل دون مراعاة لمصالح السودان ومصر. وفي في هذا الصدد قال الدكتور سمير غطاس رئيس منتدى الشرق الأوسط لدراسات الإستراتيجية، ل صوت البلد " أن ما تمارسه إثيوبيا الآن من تعنت وإصرار على ملء السد في يوليو القادم، أمرًا في غاية الغرابة، ويدفعنا للتساؤل عن السر الذي يجعلها تتعامل بهذه الرعونة؟. ولم تظهر الخيارات البديلة للتعامل مع قضية سد النهضة إلا مؤخرًا، وأن التفاوض مرة تلو أخري لم يؤدي إلى تقدم أو وقف محاولات إثيوبيا في بناء السد وفرضها واقعًا لا يمكن التراجع عنه، وهي إستراتيجية معروفة يمارسها الجانبان الإسرائيلي والتركي، وهو استمرار التفاوض مع استكمال بناء السد من الجانب الإثيوبي. وأضاف غطاس، أن الشروع الإثيوبي في الملء الثاني يهدد السودان بصفة رئيسية، ويخلق واقع جديد غير مقبول من الجانب المصري، وأكثر من 18 مليار متر مكعب من المياه ليس بأمر هين. وعن التصعيد التالي الذي سوف تلجأ إليه مصر والسودان بعد فشل المفاوضات" قال غطاس"، هناك خياران لا ثالث لهما، الأول، هو تدويل القضية، وهذا أمر كان يجب أن نذهب إليه من قبل، ونجحت إثيوبيا إلى نقلنا إلى الحل الإقليمي. لأن هناك مادة أساسية في الأممالمتحدة تنص على" أن النزاعات الإقليمية تحل عبر المنظمات الإقليمية، وعلى هذا نجحت إثيوبيا في جرنا إلى الإتحاد الإقليمي الذي تحتل فيه إثيوبيا مكانة هامة. كما أن خيار التدويل عبر المحكمة الدولية أو مجلس الأمن؛ مسألة معقدة وتتطلب شروطا خاصة، وهي معركة سياسية ودبلوماسية يجب التحضير لها جيدًا حتى لا نخسرها. وهناك قرارين يصدران عن مجلس الأمن، أحدهما وفقا للمادة السادسة، وهو توصي باستمرار التفاوض من أجل حل النزاع الداخلي وهي غير ملزمة للأطراف، بمعنى أنها توصيات وفقط. أما المادة السابعة هي التي تفرض عقوبات. أما عن الخيار العسكري سيصبح صعبا للغاية خاصة بعد الملء الثاني للسد، لأن ضرب السد يعني انهيار 18 مليار متر مكعب من المياه، الأمر الذي يعني غرق السودان وانهيار السدود وتوقف الكهرباء بها، فضلًا عن تهديد حياة أكثر من مليون مواطن سوداني، ولهذا تعارض السودان الخيار العسكري من جانب مصر. كما أن هناك شروطًا للخيار العسكري؛ فالأمر ليس سهلًا كما يعتقد البعض، وعامل التوقيت هام جدًا، فضرب السد قبل الملء الثاني يختلف كثيرًا عن ضربه بعده. و ضرب السد قبل الملء لابد وأن يسبقه تمهيدًا دوليًا يقنع دول العالم أن هذا ليس عدوانًا على إثيوبيا، وإنما حقًا أصيلًا لمصر للحفاظ على حقها في المياه. وفيما يخص إمكانية ضرب السد، قال "غطاس" أن مصر قادرة على ضرب السد من حيث المدى، عن طريق الطائرات سوخوي 35 و "رافال" ومداها 1600 كيلو بحسب حمولتها، ويكفي صاروخين وفقط، أو من قاعدة البحر الأحمر، أو من السودان إذا تم الاتفاق معها. ولكن الأهم من ضرب السد هو، ماذا عن اليوم الثاني للخيار العسكري؟، لأن هناك جهات دولية مشاركة في بناء السد، ولن تقبل أن تقوم بدفع مبالغ طائلة في بناءه وتراهن على عائده ومكانة إثيوبيا كقوة إقليمية، ويتم ضربه عسكريًا، إذا لم يكن هناك مبرر سياسي وأخلاقي يتفق مع القانون الدولي. وفي هذه اللحظة قد تفرض عليك تلك الدول عقوبات اقتصادية بموجب البند السابع من قانون مجلس الأمن الدولي، فضلًا عن تأثر السياحة الداخلية والاستثمار والوضع الداخلي للدولة المصرية. ولمح "غطاس"إلى أمكانية تواطؤ الجانب الأمريكي مع إثيوبيا، أو أنها تفضل إثيوبيا على مصر، وهذا ما ظهر في حديث مبعوث الولاياتالمتحدة، الذي زار مصر وبعدها السودان ثم إثيوبيا، وعاد بنفس العبارة التقليدية وهي " على الأطراف أن تستمر في التفاوض لإيجاد حل يرضي جميع الأطراف، وهو قول دبلوماسي لا يعني شيئًا. ويخشي مع عملية التدويل والذهاب إلى مجلس الأمن أن تتخلى عنا أمريكا؛ وتقف إلى الجانب الإثيوبي، أو على الأقل أن تدفع القضية إلى البند السادس الذي يوصي فقط، ولا يضع التزامات على الجانب الإثيوبي. وعن الموقف الداخلي وحالة الهياج التي يشهدها الشارع المصري قال "غطاس"، قضية المياه هي قضية المواطنين عموما، وقد تقل حصة مصر من المياه من 55 مليار إلى قرابة ال30 مليار متر مكعب. ولولا فيضان هذا العام، كانت مصر حتمًا ستواجه عجزًا مائيًا. وطالب "غطاس" بضرورة إشراك الأحزاب والمجتمع المدني وجميع القوى السياسية والبرلمان المصري في تدويل القضية، عن طريق مخاطبة البرلمانات الدولية وحشد المواطنين، وخلق أزمة دولية – بالاتفاق مع الدولة- تندد بعطش أكثر من مائة مليون مصر وتبوير الملايين من الأفدنة، فضلا عن المجاعة التي قد يتسبب فيها سد النهضة للشعب المصري، لخلق أزمة دولية وإعلام المجتمع الدولي بأنه قد يكون هناك مالا يحمد عقباه إذا تعرض الشعب المصري للعطش. وأشار " غطاس" إلى تصريحات وزير الري الأسبق، عن توافر مياه جوفية تكفي مصر لمائة عام قادمة، وأخذ الجانب الإثيوبي هذا التصريح، متعجبًا من الأزمة التي تثيرها مصر بخصوص ملء سد النهضة طالما أن لديها ما يكفيها من المياه. واختتم " غطاس" حديثه قائلًا، لا يزال هناك فسحة قليلة من الوقت، لتفادي الأخطاء التي ارتكبت في السابق، وننتزع حقنا الشرعي الذي لا يمكن أن تتنازل عنها مصر على الإطلاق، وأمامنا أقل من مائة يوم تقوم فيها إثيوبيا ببناء وسط السد حتى يتثنى لها الملء الثاني. وأشار إلى أنه "عندما تم تحديد حصة مصر من مياه النيل 55 مليار متر مكعب كان تعداد مصر وقتها لا يتجاوز 50 مليون مواطن، وبعد أن تخطينا حاجز المائة مليون؛ فنحن بحاجة إلى ضعف حصتنا من المياه، ومع ذلك لا نطالب إلا بنفس الحصة المتفق عليها". تلميح بالردع دون الدخول فيه وقال اللواء محمد رشاد وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق، إن السبب وراء تعنت الجانب الإثيوبي في المفاوضات منذ بدايتها، هو أنها تبحث عن مصلحتها وما يمكن أن تحصل عليه من مصر مقابل التفاوض علي أزمة السد، مشيرًا إلى التصريحات الإثيوبية حول الثمن الذي قد تحصل عليه مقابل السماح لمصر بالحصول على حصتها من المياه. وأضاف أن الأمر ليس بيعًا للمياه بمعنى الكلمة، وإنما أن يكن هناك تبادلًا للمصالح بينها وبين مصر، من ناحية التنمية والاستثمار داخل الأراضي الإثيوبية. وحول إمكانية ضرب السد من عدمه، قال "رشاد" إن مسألة ضرب السد هو أمر مستبعد، نظرًا لأن هناك دولًا عديدة مشاركة في عملية البناء، لكنه من الممكن أن نتدخل في الميكانيزم الخاص بتخزين المياه، بدلًا من عملية الضرب. وحول تصريح الرئيس السيسي وتحذيره الأخير لإثيوبيا، قال إن ذلك نسميه "تلميح بالردع دون الدخول فيه" وأشار إلى مشاركته الأخيرة في المناورات المصرية السودانية، وتحول الموقف السوداني الذي كان يعارض مصر أيام "البشير" إلى مساند وداعم لمصر، نظرًا لأن السودان هو المتضرر الأول من سد النهضة. وأضاف أن حصة السودان من المياه 18.5 مليار متر مكعب من المياه، وفي حالة الملء فإن تلك الكمية الصغير معرضة للنقصان، كما تبحث السودان عن أمنها في حالة انهيار السد أو ضربه، خاصة بعد الملء الثاني الذي ترتفع فيه كمية المياه المحتجزة خلف السد إلى 18 مليار متر مكعب، وتلك الكمية كفيلة بإغراق الخرطوم. وعن التضامن العربي مع مصر والسودان قال" رشاد" أنه لا يوجد هناك تضامن عربي فعلي، وإنما مجرد تصريحات وفقط، نظرًا لغياب الإرادة العربية، وهذا ما تستغله إسرائيل في وقتنا هذا، فقد تحول الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع حضارات. وطالب أن لا نعول على الموقف الأمريكي كثيرًا، لأن إنشاء السدود في إثيوبيا متواجدة في خطة الاستثمار الأمريكية التي تم وضعها منذ بناء السد العالي في مصر. مؤكدًا على أن هيئة الاستصلاح الأمريكية عملت على بناء 22 سد على النيل الأزرق. وأفاد أن الرعونة التي تتحدث بها إثيوبيا لم يأت من فراغ، وإنما قد يكون اطمئنانًا منها لتوافر غطاء أمريكي في حالة الخيار العسكري، نظرًا للمصالح الأمريكية في إثيوبيا خاصة في سد النهضة، الأمر الذي قد يمنع أمريكا أيضًا من أخذ موقف حاد ضدها. محمد الحملي شارك هذا الموضوع: * اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة) * انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)