أمن الجيزة يضبط أنصار مرشحة يوزعون سلعا غذائية بإمبابة    «رحل أغلى ما عندي».. زوجة داوود عبد السيد تودعه بكلمات مؤثرة    تاون جاس لسكان شبرا: لا تنزعجوا من رائحة الغاز مجرد أعمال صيانة    إنجازات الزراعة خلال 2025| طفرة تصديرية واكتفاء ذاتي.. والميكنة تغطي 8.3 مليون فدان    وزير الخارجية يبحث مع نظيره النيجيري تطورات الأوضاع الاقليمية    انطلاق مباراة مودرن سبورت والقناة في كأس مصر    إخماد حريق بشقة سكنية بمنطقة العجوزة دون إصابات    تعرف على القطع الأثرية المختارة لشهر ديسمبر في متاحف الآثار    جيش الاحتلال الإسرائيلي يفرض حظر تجول ويغلق طرقا رئيسية يعتقل عددا من الفلسطينيين    بلديات شمال غزة: قوات الاحتلال الإسرائيلية دمرت 90% من الآبار.. والمنطقة تعيش كارثة    منتخب الفراعنة ضد جنوب أفريقيا.. محمد الشناوي حارس المواعيد الكبرى    الرقابة المالية تصدر نموذج وثيقة تأمين سند الملكية العقارية في مصر    انطلاق مباراة بنين وبوتسوانا بأمم أفريقيا 2025    قرار وزاري من وزير العمل بشأن تحديد ساعات العمل في المنشآت الصناعية    الداخلية تضبط شخص يوزع أموالا بمحيط لجان في سوهاج    مواعيد وضوابط التقييمات النهائية لطلاب الصفين الأول والثاني الابتدائي    اليوم.. العرض الخاص لفيلم "الملحد" ل أحمد حاتم    سهر الصايغ وعمرو عبد الجليل يتعاقدان على "إعلام وراثة" لرمضان 2026    المشاط: نعمل على وصول النمو لمستويات 7% لزيادة معدلات التشغيل وتحقيق تنمية تنعكس على المواطن    حضور قوي لمتطوعي صناع الخير فى احتفالية اليوم العالمي للتطوع بجامعة القاهرة لعرض تجاربهم الناجحة    12 رقما من فوز مصر على جنوب إفريقيا    برئاسة محمد سلامة.. انتخاب مجلس إدارة جديد ل الاتحاد السكندري    فلافيو: الأهلي بيتي.. وأتمنى التدريب في مصر    تعذر وصول رئيس اللجنة 40 بمركز إيتاي البارود لتعرضه لحادث    القبض على أجنبي لتحرشه بسيدة في عابدين    الشتاء يكشر عن أنيابه.. أمطار ورياح شديدة واضطراب بالملاحة البحرية    انهيار جزئي لعقار قديم في منطقة رأس التين بالإسكندرية    افتتاح مشروعات تعليمية وخدمية في جامعة بورسعيد بتكلفة 436 مليون جنيه    هيئة تنشيط السياحة: القوافل السياحية أداة استراتيجية مهمة للترويج للمنتج المصري    القوات الإسرائيلية تنفذ عملية تهجير قسري بشمال الضفة الغربية    وزير الإسكان يؤكد خلال تفقده مشروع «حدائق تلال الفسطاط»: نقلة حضارية جديدة    وزير الصحة: بدء الاستعداد للمرحلة الثالثة من التأمين الصحي الشامل    متحدث الوزراء: توجيهات بتخصيص الموارد لتطوير التأمين الصحي الشامل و«حياة كريمة»    27 ديسمبر 2025.. أسعار الحديد والاسمنت بالمصانع المحلية اليوم    روسيا: تنفيذ ضربة مكثفة ضد البنية التحتية للطاقة والصناعة الدفاعية الأوكرانية    وزارة الدفاع العراقية: 6 طائرات فرنسية جديدة ستصل قريبا لتعزيز الدفاع الجوي    الغش ممنوع تماما.. 10 تعليمات صارمة من المديريات التعليمية لامتحانات الفصل الدراسي الأول    الداخلية: ضبط 866 كيلو مخدرات و157 قطعة سلاح ناري خلال 24 ساعة    إصلاح كسر خط مياه بشارع 17 بمدينة بنى سويف    خلال جراحة استمرت 8 ساعات.. نجاح الفريق الطبي في إعادة بناء وجه كامل بمستشفى شربين    عندها 100 سنة.. معمّرة في قنا تدلي بصوتها في انتخابات النواب على كرسي متحرك    انطلاق الدورة 37 لمؤتمر أدباء مصر بالعريش    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    الصحة: فحص 9 ملايين و759 ألف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج فقدان السمع لدى حديثي الولادة    اليوم.. نظر محاكمة 3 متهمين بقضية "خلية داعش عين شمس"    عشرات الشباب يصطفون أمام لجان دائرة الرمل في أول أيام إعادة انتخابات النواب 2025    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة المصرية للاتصالات في كأس مصر    مفتي مصر بدين الهجوم على مسجد بحمص السورية    121 عامًا على ميلادها.. «كوكب الشرق» التي لا يعرفها صُناع «الست»    خبيرة تكشف سر رقم 1 وتأثيره القوي على أبراج 2026    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    يايسله: إهدار الفرص وقلة التركيز كلفتنا خسارة مباراة الفتح    جيسوس يعزز قائمة النصر بثلاثي أجنبي قبل مواجهة الأخدود    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    لماذا لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة خديجة طيلة 25 عامًا؟.. أحمد كريمة يُجيب    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تنظيم داعش يتبنى نظامًا فيدراليًّا لتأمين مصادر دخل
نشر في صوت البلد يوم 27 - 11 - 2019

سلطت تحذيرات مارشال بيلنغسلي، مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب، بتغير نمط تمويل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من المركزية إلى النظام اللامركزي، الأضواء على قيمة وأهمية الحركة الاقتصادية للتنظيم، والكشف عن قدرته على التمحور والتطور.
وأثار المسؤول الأميركي جدلًا كبيرًا في المؤتمر الصحافي الذي عقده، الخميس الماضي في لوكسمبورغ، عندما أشار إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية، “ما زالت لديه قدرة كبيرة على الحصول على الملايين من الدولارات”، بما يعني أنه يملك مصادر تمويل تجعله قادرًا على التأقلم مع المتغيرات.
يأتي ذلك وسط تقديرات متضاربة بشأن المصير والحيرة اللذين تعاني منهما الدول التي شاركت في الحرب ضد داعش خلال السنوات الماضية، فبعد القضاء على جزء كبير من الجسم الفاعل في كل من العراق وسوريا، والقبض على الآلاف من المنتمين إليه لا يعرف العالم أين يضع أقدامه وما هي الخطوة المقبلة للتعامل مع داعش.
تحول في المراكز
يستثمر قادة التنظيم في هذا الارتباك، ويحاولون القبض على زمام الأمور من جديد، ويستفيد من المعركة الدائرة حاليًا حول مصير عشرات الآلاف من عناصر التنظيم والزوجات والأطفال القابعين في شمال شرق سوريا، فالدول الغربية لا تبدي استعدادًا لعودة من يحملون جنسيتها، وتركيا تناور بهذه الورقة وممارسة المزيد من الضغوط، وقوات سوريا الديمقراطية الكردية تلوّح بالتخلي عن مسؤوليتها عن القابعين في سجونها بعد فتور العلاقة مع الولايات المتحدة.
لم تكن التصريحات الأميركية سوى ورقة تضاف إلى دفتر كبير من التمدد الخطير للجماعات المتطرفة، والقدرة على التلوّن، وتوظيف التناقضات الحاصلة بين قوى إقليمية ودولية عديدة.
تفضي التطورات الاقتصادية إلى تغيير في طبيعة العمل داخل التنظيم بناء على الظروف الراهنة، لكن يعتقد خبراء أن التحول من النظام المركزي إلى اقتصاديات لا مركزية وموزعة ومستقلة مسألة تزيد من تعقيدات المواجهة الدولية ضد الإرهاب، وتحدّ من التفاؤل الذي صاحب هدم قواعد التنظيم الرئيسية في سوريا.
وقال ديفيد وينتر، الباحث في المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب في لاهاي بهولندا، إن داعش يتجه نحو تغيير شكله كليا بعد مقتل زعيمه أبوبكر البغدادي، وتولي قائد جديد، وإحدى الدلالات على ذلك التحول الجاري في المنظومة الاقتصادية.
يبدو التنظيم أقرب للعمل بالمنظومة الفيدرالية، عقب تواضع حظوره في سوريا والعراق.
وبات يميل أكثر إلى نظم الإدارة الذاتية لكياناته الميدانية في آسيا وأفريقيا وأوروبا، وبصورة تسمح للخلايا بالعمل بحرية أوسع في التخطيط وتنفيذ العمليات، وتوفير تمويلات خاصة لتصبح مثل النظام الفيدرالي، أي كل ولاية لها مصادر دخل وقوانين، وفي النهاية تبقى تحت لواء إدارة مركزية واحدة.
مع تولي أبوإبراهيم الهاشمي قيادة داعش، وهو اسم غير معروف، تواترت الأسئلة حول تأثير ذلك على حظوظ التنظيم ككل. وثمة من يرى أن التنظيم الرئيسي والأفرع المتباينة واجها أزمة توافق على قائد جديد.
تحول النظام الاقتصادي لداعش دليل على وجود أزمة داخل التنظيم
وخشي القادة الكبار من أن يؤدي موت البغدادي إلى تفكيك خطير في هياكل التنظيمن وظهور كيانات منشقة موازية. وخرجت هذه المخاوف من وجود أفرع تمتلك رغبة في الاستقلال، مثل بوكو حرام في نيجيريا، وجماعة أنصار الإسلام في الفلبين.
راقت فكرة الميل نحو إعطاء الحكم الذاتي لكل جماعة تابعة لداعش للبعض، وبدت خطوة جيدة لقطع الطريق على من يريدون الانفصال، وترضي غرور زعماء الأفرع الساعية للاستقلال الذاتي.
أوضح وينتر عبر الهاتف من لاهاي، أن هناك معايير تحدد تقدم وتراجع التنظيم، بينها السيطرة الميدانية والتوسع الأيديولوجي، والقوة الاقتصادية التي تساعد على زيادة رقعة الأرض وترفع فاعلية التجنيد والاستقطاب.
ولفت وينتر إلى أن الأمر يحتاج 500 دولار فقط لإطعام وتوفير سكن خلية إرهابية من شخصين أو ثلاثة، قائلا “قاعدة إنشاء حركة متطرفة تقول: معك أموال إذا أنت قادر على البقاء”.
عكس التحذير الأميركي خطورة الوضع، وما يحمله من تداعيات يمكن أن تحول المسألة من المركزية إلى اللامركزية أو ما يعرف ب”المال الموزع”، لأن ذلك يعني صعوبة تعقّب حركة الأموال وتجفيف منابع الإرهاب بسبب كثرتها وتشعبها.
منابع جديدة
أكد وينتر أن أفرع داعش متنوعة ومتواجدة في بلدان عدة، وداخل كل دولة العشرات من الفرص الاستثمارية، ويستفيد التنظيم من فوضى أبار النفط في ليبيا مثلًا، وهو من مصادر التمويل المهمة، في حين يعتمد الجنود على أموال الفدية من عمليات الخطف في الفلبين وباكستان ونيجيريا، بينما يعملون بالتجارة في شرق أفريقيا ومالي والنيجر.
أفصحت الولايات المتحدة عن البعض من أدوات داعش الاقتصادية المستحدثة، منها التركيز على مقدار الفدية المتحصلة من عمليات الخطف والابتزاز، والتغول في ممارسة السرقات في نيجيريا، حيث عرفت عناصر التنظيم بسرقة الأبقار هناك، على عكس السابق، حيث كانت المصادر الأساسية منحصرة في جمع الجباية وبيع الآثار وعوائد النفط الذي يتم تهريبه.
يبدو تحول النظام الاقتصادي لداعش دليلًا على وجود أزمة داخل التنظيم، تتعلق بضعف استقبال المنح والتمويلات من المنظمات والعناصر المشبوهة، وصعوبة توفير شبكة تداول الأموال بين الأفرع بسبب تصاعد درجة الرقابة القوية واللصيقة من مجموعة مكافحة تمويل داعش التي أنشأتها الولايات المتحدة وتضم السعودية وبعض الدول الأوروبية، لتعقب حركة الأموال وقطع الطريق أمامها.
يعني استقلال الأفرع ماديًّا أن قادة داعش الجدد فشلوا في الحفاظ على هيمنة المركز، وهو لب فكرة الخلافة الحاكمة، وباتوا عاجزين عن التمدد اقتصاديًّا. ويمثل وجود نظام يحكم التنظيم المتطرف بعد رحيل البغدادي، أن القائد الحالي جاء محمّلا بأهداف سياسية ودينية واقتصادية تختلف عن سابقه، ويمكن اعتبار سياسة داعش الاقتصادية الجديدة مسألة تبرهن على ذلك التغيير المنتظر.
وكشفت ماري لوبكين، كاتبة كندية متخصصة في دراسة الاقتصاديات غير الرسمية للجماعات والكيانات المتشددة، أن داعش يعتبر من التنظيمات الذكية، ويناهض المجتمع العالمي ويقف ضد أفكاره، لكنه يستخدم آلياته في التطوّر السياسي والاقتصادي.
وأضافت، في مقال لها على موقع “ميديم تي.آي”، المتخصص في رصد ومكافحة الإرهاب، أن النظام العالمي يتجه أكثر نحو الاقتصاديات اللامركزية، ومنح المزيد من الاستقلالية للكيانات المختصة والمسؤولة عن الملفات الاقتصادية الرئيسية، ورفع يد السلطات الرسمية المباشرة على حركة الاقتصاد.
يدرك داعش هذه المعادلة وقدرته على التعامل مع توازناتها، ويعمل وفق الآلية العالمية، ويرغب في هدم النظام العام، لكنه يسعى للتطور عبر أدواته أولا، ليحقق أعلى استفادة ممكنة.
لم يكن التحوّل في المركزية الاقتصادية الدلالة الأولى على الفلسفة التي يملكها التنظيم، وسعت قياداته عند الإعلان عن الخلافة بمناطق في سوريا والعراق إلى إبراز التنظيم كدولة حديثة لها نظام متماسك وحكومة وبرلمان (مجلس شورى) وكيان اقتصادي وعملة مستقلة وحركة اجتماعية منتظمة.
لن تتوقف عملية تمحور التنظيم في المستقبل عند عمليات التمويل، وقد يصاحب ذلك تغيرات واسعة في طريقة تنفيذ العمليات ومنح الأسلحة وأسلوب الاستهداف، بما يتماشى مع النظام الجديد الذي يدير التنظيم الراديكالي، ومن المرجح أن تصبح التحولات المنتظرة أكثر دموية ووحشية لتسير بالتوازي مع إعادة بناء داعش وتجديد الدماء.
سلطت تحذيرات مارشال بيلنغسلي، مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب، بتغير نمط تمويل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من المركزية إلى النظام اللامركزي، الأضواء على قيمة وأهمية الحركة الاقتصادية للتنظيم، والكشف عن قدرته على التمحور والتطور.
وأثار المسؤول الأميركي جدلًا كبيرًا في المؤتمر الصحافي الذي عقده، الخميس الماضي في لوكسمبورغ، عندما أشار إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية، “ما زالت لديه قدرة كبيرة على الحصول على الملايين من الدولارات”، بما يعني أنه يملك مصادر تمويل تجعله قادرًا على التأقلم مع المتغيرات.
يأتي ذلك وسط تقديرات متضاربة بشأن المصير والحيرة اللذين تعاني منهما الدول التي شاركت في الحرب ضد داعش خلال السنوات الماضية، فبعد القضاء على جزء كبير من الجسم الفاعل في كل من العراق وسوريا، والقبض على الآلاف من المنتمين إليه لا يعرف العالم أين يضع أقدامه وما هي الخطوة المقبلة للتعامل مع داعش.
تحول في المراكز
يستثمر قادة التنظيم في هذا الارتباك، ويحاولون القبض على زمام الأمور من جديد، ويستفيد من المعركة الدائرة حاليًا حول مصير عشرات الآلاف من عناصر التنظيم والزوجات والأطفال القابعين في شمال شرق سوريا، فالدول الغربية لا تبدي استعدادًا لعودة من يحملون جنسيتها، وتركيا تناور بهذه الورقة وممارسة المزيد من الضغوط، وقوات سوريا الديمقراطية الكردية تلوّح بالتخلي عن مسؤوليتها عن القابعين في سجونها بعد فتور العلاقة مع الولايات المتحدة.
لم تكن التصريحات الأميركية سوى ورقة تضاف إلى دفتر كبير من التمدد الخطير للجماعات المتطرفة، والقدرة على التلوّن، وتوظيف التناقضات الحاصلة بين قوى إقليمية ودولية عديدة.
تفضي التطورات الاقتصادية إلى تغيير في طبيعة العمل داخل التنظيم بناء على الظروف الراهنة، لكن يعتقد خبراء أن التحول من النظام المركزي إلى اقتصاديات لا مركزية وموزعة ومستقلة مسألة تزيد من تعقيدات المواجهة الدولية ضد الإرهاب، وتحدّ من التفاؤل الذي صاحب هدم قواعد التنظيم الرئيسية في سوريا.
وقال ديفيد وينتر، الباحث في المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب في لاهاي بهولندا، إن داعش يتجه نحو تغيير شكله كليا بعد مقتل زعيمه أبوبكر البغدادي، وتولي قائد جديد، وإحدى الدلالات على ذلك التحول الجاري في المنظومة الاقتصادية.
يبدو التنظيم أقرب للعمل بالمنظومة الفيدرالية، عقب تواضع حظوره في سوريا والعراق.
وبات يميل أكثر إلى نظم الإدارة الذاتية لكياناته الميدانية في آسيا وأفريقيا وأوروبا، وبصورة تسمح للخلايا بالعمل بحرية أوسع في التخطيط وتنفيذ العمليات، وتوفير تمويلات خاصة لتصبح مثل النظام الفيدرالي، أي كل ولاية لها مصادر دخل وقوانين، وفي النهاية تبقى تحت لواء إدارة مركزية واحدة.
مع تولي أبوإبراهيم الهاشمي قيادة داعش، وهو اسم غير معروف، تواترت الأسئلة حول تأثير ذلك على حظوظ التنظيم ككل. وثمة من يرى أن التنظيم الرئيسي والأفرع المتباينة واجها أزمة توافق على قائد جديد.
تحول النظام الاقتصادي لداعش دليل على وجود أزمة داخل التنظيم
وخشي القادة الكبار من أن يؤدي موت البغدادي إلى تفكيك خطير في هياكل التنظيمن وظهور كيانات منشقة موازية. وخرجت هذه المخاوف من وجود أفرع تمتلك رغبة في الاستقلال، مثل بوكو حرام في نيجيريا، وجماعة أنصار الإسلام في الفلبين.
راقت فكرة الميل نحو إعطاء الحكم الذاتي لكل جماعة تابعة لداعش للبعض، وبدت خطوة جيدة لقطع الطريق على من يريدون الانفصال، وترضي غرور زعماء الأفرع الساعية للاستقلال الذاتي.
أوضح وينتر عبر الهاتف من لاهاي، أن هناك معايير تحدد تقدم وتراجع التنظيم، بينها السيطرة الميدانية والتوسع الأيديولوجي، والقوة الاقتصادية التي تساعد على زيادة رقعة الأرض وترفع فاعلية التجنيد والاستقطاب.
ولفت وينتر إلى أن الأمر يحتاج 500 دولار فقط لإطعام وتوفير سكن خلية إرهابية من شخصين أو ثلاثة، قائلا “قاعدة إنشاء حركة متطرفة تقول: معك أموال إذا أنت قادر على البقاء”.
عكس التحذير الأميركي خطورة الوضع، وما يحمله من تداعيات يمكن أن تحول المسألة من المركزية إلى اللامركزية أو ما يعرف ب”المال الموزع”، لأن ذلك يعني صعوبة تعقّب حركة الأموال وتجفيف منابع الإرهاب بسبب كثرتها وتشعبها.
منابع جديدة
أكد وينتر أن أفرع داعش متنوعة ومتواجدة في بلدان عدة، وداخل كل دولة العشرات من الفرص الاستثمارية، ويستفيد التنظيم من فوضى أبار النفط في ليبيا مثلًا، وهو من مصادر التمويل المهمة، في حين يعتمد الجنود على أموال الفدية من عمليات الخطف في الفلبين وباكستان ونيجيريا، بينما يعملون بالتجارة في شرق أفريقيا ومالي والنيجر.
أفصحت الولايات المتحدة عن البعض من أدوات داعش الاقتصادية المستحدثة، منها التركيز على مقدار الفدية المتحصلة من عمليات الخطف والابتزاز، والتغول في ممارسة السرقات في نيجيريا، حيث عرفت عناصر التنظيم بسرقة الأبقار هناك، على عكس السابق، حيث كانت المصادر الأساسية منحصرة في جمع الجباية وبيع الآثار وعوائد النفط الذي يتم تهريبه.
يبدو تحول النظام الاقتصادي لداعش دليلًا على وجود أزمة داخل التنظيم، تتعلق بضعف استقبال المنح والتمويلات من المنظمات والعناصر المشبوهة، وصعوبة توفير شبكة تداول الأموال بين الأفرع بسبب تصاعد درجة الرقابة القوية واللصيقة من مجموعة مكافحة تمويل داعش التي أنشأتها الولايات المتحدة وتضم السعودية وبعض الدول الأوروبية، لتعقب حركة الأموال وقطع الطريق أمامها.
يعني استقلال الأفرع ماديًّا أن قادة داعش الجدد فشلوا في الحفاظ على هيمنة المركز، وهو لب فكرة الخلافة الحاكمة، وباتوا عاجزين عن التمدد اقتصاديًّا. ويمثل وجود نظام يحكم التنظيم المتطرف بعد رحيل البغدادي، أن القائد الحالي جاء محمّلا بأهداف سياسية ودينية واقتصادية تختلف عن سابقه، ويمكن اعتبار سياسة داعش الاقتصادية الجديدة مسألة تبرهن على ذلك التغيير المنتظر.
وكشفت ماري لوبكين، كاتبة كندية متخصصة في دراسة الاقتصاديات غير الرسمية للجماعات والكيانات المتشددة، أن داعش يعتبر من التنظيمات الذكية، ويناهض المجتمع العالمي ويقف ضد أفكاره، لكنه يستخدم آلياته في التطوّر السياسي والاقتصادي.
وأضافت، في مقال لها على موقع “ميديم تي.آي”، المتخصص في رصد ومكافحة الإرهاب، أن النظام العالمي يتجه أكثر نحو الاقتصاديات اللامركزية، ومنح المزيد من الاستقلالية للكيانات المختصة والمسؤولة عن الملفات الاقتصادية الرئيسية، ورفع يد السلطات الرسمية المباشرة على حركة الاقتصاد.
يدرك داعش هذه المعادلة وقدرته على التعامل مع توازناتها، ويعمل وفق الآلية العالمية، ويرغب في هدم النظام العام، لكنه يسعى للتطور عبر أدواته أولا، ليحقق أعلى استفادة ممكنة.
لم يكن التحوّل في المركزية الاقتصادية الدلالة الأولى على الفلسفة التي يملكها التنظيم، وسعت قياداته عند الإعلان عن الخلافة بمناطق في سوريا والعراق إلى إبراز التنظيم كدولة حديثة لها نظام متماسك وحكومة وبرلمان (مجلس شورى) وكيان اقتصادي وعملة مستقلة وحركة اجتماعية منتظمة.
لن تتوقف عملية تمحور التنظيم في المستقبل عند عمليات التمويل، وقد يصاحب ذلك تغيرات واسعة في طريقة تنفيذ العمليات ومنح الأسلحة وأسلوب الاستهداف، بما يتماشى مع النظام الجديد الذي يدير التنظيم الراديكالي، ومن المرجح أن تصبح التحولات المنتظرة أكثر دموية ووحشية لتسير بالتوازي مع إعادة بناء داعش وتجديد الدماء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.