في مليونية (نبذ العنف) التي دعت لها الجماعة الإسلامية بميدان النهضة من أمام جامعة القاهرة بالأمس و شاركت فيها جماعة الإخوان المسلمين وسط غياب سلفي يشوبه الدرامية و التمثيلية ، أتضح هنا مدى الإستعراضية التي تتمتع بها الجماعات الإسلامية لإيصال الخوف و الحذر منهم لكل من يهاجمهم و يتهمهم في أهدافهم التي يروجون بشرعيتها و هي في الأصل لها أغراضًا سلطوية تتنسم نفحة الثأر و الإنتقام مما حدث لهم في الماضي ما بين الملكية و الجمهورية. ما أثار الإنتباه بالأمس هو رفع صور قاتل الرئيس أنور السادات (خالد الإسلامبولي) و قائد تنظيم القاعدة الراحل (أسامة بن لادن) و الشيخ (عمر عبد الرحمن) و غيرهم من الرموز المتصلة بالجماعات الإسلامية الداعية للعنف و كأنها سخرية غير مقصودة من قبل منظمي المليونية بنبذ العنف و ما فعلوه من حمل تلك الصور و الشعارات ما هي إلا دعوة للعنف و لكن بشكل مشرع يجعل التاريخ يقف طويلاً أمام تلك المليونية حائرًا في إيجاد وصف دقيق لما تمر به مصر و المنطقة بأكملها و كأن التاريخ ينقلب و لا يدور بدورته بشكل منتظم بل ينقلب رأسًا على عقب وسط حالة خطيرة من التيه الفكري الذي إنتاب أهل المنطقة بأكملها بعد أن تسيد الإسلاميون الموقف بإعتلائهم السلطة في رحاب الربيع العربي. هنا يطرح السؤال الملح في الأذهان نفسه بقوة جبرية أتت من تساؤلات التاريخ المخيفة هل إنقلبت الحقائق و تبدلت المفاهيم و تراقصت الألفاظ حسب أهواء أصحابها لنجد أنفسنا أمام إبهام غزير الإفراز لعقول الأجيال القادمة و ذلك برفع صور مجرمي الأمس بأنهم أبطال اليوم الأحياء منهم و الأموات و كل من قُتل على أيديهم ما هم إلا خارجين عن الملة أو مارقين عن شرع الله أو إنحرفوا سياسيًا على حساب الأمة و أن اليوم تعود لهم حقوقهم التي سُلبت من الحكومات السابقة لتُبدل عبارات التوبيخ و الإجرام و التهم بعبارات الثناء و التبجيل و البطولة المؤجلة لأكثر من ستين عامًا لأنهم أصحاب حق ضائع ظهر بزوغه بنور الربيع العربي و لواء الدين الذي يدافعون عنه تلك السنين و العقود الطويلة. لننتظر الأعوام القادمة في تترات البرامج التي تتحدث عن تاريخ مصر و نرى صور (نجيب محفوظ – طلعت حرب – أم كلثوم – محمد عبد الوهاب – طه حسين – جمال عبد الناصر – أنور السادات – أحمد زكي – عباس محمود العقاد – هدى شعراوي – درية شفيق – صفية زغلول – جيهان السادات – مصطفى كامل – سعد زغلول ... و غيرهم) تستبدل بصور (زينب الغزالي – سيد قطب – حسن البنا – حسن الهضيبي – عبود الزمر – عمر التلمساني – خالد الإسلامبولي – عبد السلام طايل – محمود الصباغ – محمد حامد أبو النصر ... و غيرهم) و ليستبدل لقب أمير الرواية العربية بأمير الدعوة الجهادية و أم الأبطال بأم الصابرين و أم المصريين بأم المؤمنين و عميد الأدب العربي بعميد الجهاد الإسلامي و يتم وضع رموز الماضي الكريه لنفوس الإسلاميين في مزبلة التاريخ ليضعوا أنفسهم مكانهم في دائرة الضوء و النور بعد أن تعودوا حياة الظلام و الخفاء ليتم ذلك بتشريعهم للتاريخ بنبرة القولبة التي تضع مصر في غيابات المجهول المخيف.