تتناحر الأفكار و تتصارع الأيديولوجيات من أجل الفوز برهان صحة النظرية على ساحة الوطن إما بالثورات أو صناديق الإقتراع أو المجابهات التليفزيونية أو عبر الجرائد و المجلات و ذلك لتوكيد صحة المذهب و صلاحية تطبيقه كنظام قائم إما حاكمًا أو نائبًا برلمانيًا. في تاريخ الأمم و الشعوب صراعات حزبية و فكرية من أجل الوصول إلى السلطة و فرض الفكر الواحد كسفر يناسب كل عصر و وقت و مصر شاهدت تلك الصراعات في عالم الأحزاب و الأفكار على مر العصور منذ العصر القديم و حتى وقتنا المعاصر الذي يشهد حتى الآن تناحرًا سياسيًا كبيرًا لا يعلم منتهاه إلا الله عز وجل لدقة و حساسية الصراع. يظل التناحر سيد الموقف بين الأحزاب و تظل المسافة شاسعة بينهم كإستحالة الإلتقاء في بوتقة واحدة إلا إذا وُجد الحاكم الذي يعادي كل التيارات فتشاء الأقدار بتصالح المصالح بين الأحزاب المتناحرة من أجل التطويق على الحاكم و حزبه ككارت ضاغط لإجهاض ديكتاتوريته الخانقة. في تاريخنا الحديث و المعاصر العديد من النماذج و الأمثلة حول هذا المشهد فنجد حزب الوفد الذي عانى الصراع مع الملك فاروق الأول بسبب وجهات نظر سياسية جعلت من حزب الوفد له الشعبية الكاملة لمصير الأمة أكثر من الملك مما أدى إلى شعور الملك بتقويض صلاحياته لينمي جماعة الإخوان المسلمين و يدعمهم تدعيمًا كبيرًا لشعبيته الجارفة التي توافق شعبية الوفد ليدخل الإمام حسن البنا الانتخابات البرلمانية و الملك يشعر بتوكيد النصر لتنقلب الدفة ما بين ليلة و ضحاها بعقد صفقة بين المتناقضين الوفد و الإخوان بعدم دخول الجماعة الانتخابات البرلمانية و ترك الساحة للوفد مقابل حفنة من الأموال تضمن إستمرارية الجماعة كمؤسسة سياسية تشبه دولة داخل دولة. بعد وصول السادات للحكم و قضائه خلال ثمانية أشهر على الكتلة الناصرية في 15 مايو العام 1971 و لضمان نصره على تلك الكتلة قام بالإفراج عن المعتقلين و من ضمنهم الجماعات الإسلامية لضربهم بالكتلة اليسارية بناءً على نصيحة عثمان أحمد عثمان و كان سيد مرعي ضد هذا المقترح لكن السادات نفذ مخططه طالبًا تأييد الجماعات الإسلامية له و لكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن بعد إتخاذ السادات لقرارات لم تعجب التيارين اليميني و اليساري خاصةً زيارة السادات لإسرائيل و توقيع كامب ديفيد لينضم التيار اليساري لليميني و يتحول بعض اليسارين إلى يمينيين من أجل ضرب السادات في مقتل ليجني السادات حصاد ما زرعه في حادث المنصة العام 1981. يتكرر المشهد هذا العام بإنضمام شعبة من حركة 6 أبريل و التيار الشعبي و التيار اليساري لميدان رابعة كوقفة واضحة وضوح الشمس ضد الجيش مرددين: (يسقط يسقط حكم العسكر). هذا التلاحم تكرارًا لما سبق في تاريخنا الحديث بإلتحام اليمين مع اليسار من أجل وحدة المصلحة لا من أجل وحدة الوطن ليزداد المشهد تأزمًا و يصبح الفريق السيسي في موقف السادات لذا عليه بالحذر و التأني في إتخاذ الإجراءات ما بين التعقل و الحزم حتى لا يترهل المشهد أسير وحدة المصالح.