ذكرت وكالة أنباء موسكو الروسية أن الموجة الثانية للحراك الثوري المصري في 30 يونيو الماضي، اربكت سياسات عدد من الدول، التي ترتبط بعلاقات وثيقة بجماعة الإخون المسلمين، وهذا ما يفسر أن الجماعة لاتخوض معركة البقاء وحيدة. وقالت الوكالة في مقال لمدير مكتبها في القاهرة أشرف كمال أنه من المعلوم أن النظام الحاكم في تركيا، يعتبر أحد روافد الإسلام السياسي في المنطقة، وأن تيارات الإسلام السياسي في دول ما يُعرف بالربيع العربي لم تكن في طليعة الحراك الثوري الذي قاده الشباب.ولم تكن هذه التيارات تتوقع الوصول السريع إلى جنة الحكم والسلطة والنفوذ، ثم تعود لتسقط بنفس سرعة الصعود، فيما يظل سقوطها في مصر مدويا ومؤثرا سلبيا على مستقبل التنظيم محليا وإقليميا ودوليا. واضاف الكاتب يقول أن الأكيد أن جماعة الإخوان المسلمين ومؤيدي الرئيس المعزول من الجماعات الدينية، لا يخوضون معركة البقاء وحدهم، إدراكا بأن مصير الإسلام السياسي في المنطقة والعالم العربي مرهون بنتائج ما يجري في مصر. وهذا ما يفسر موقف "تركيا أردوغان" الرافضة لانحياز القوات المسلحة المصرية لإرادة الأغلبية الساحقة من الشعب المصري.
تجاهلت تركيا أردوغان، خيبة الأمل التي ضربت شرائح مختلفة من المجتمع المصري، ولم تع الشكاوى المتكررة من سيادة الفوضى وانعدام الأمن والانقسام والاحتقان بين طوائف الشعب.
أدبيات الجماعة التي حكمت مصر لعام مضى وانتهى، تخلو تماما من أي عمل ثوري، ولم تبد أي اهتمام بالمطالب الاجتماعية المشروعة، وأهداف الثورة من عيش وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة انسانية، فضلا عن أنها لم تؤمن يوما بالديمقراطية وآلياتها في مفهوم إدارة الدولة الحديثة.
رد فعل رجب طيب أردوغان حمل عبارات اعتبرتها القاهرة تدخلا غير مقبول في شؤونها الداخلية، وتجاهلت الارتباط التاريخي بين الشعبين. وغلب عليها الطابع الحزبي الخاص، لا طابع العلاقات المتوازنة بين الدول ذات السيادة. فمن الواضح أن الإيديولوجية الفكرية الدينية المشتركة بين حزب العدالة والتنمية مع الإخوان، لم تمنح الرجل مساحة حرة لخلق موقف متوازن لما يجري في مصر وبما يصب في المصالح المشتركة للبلدين.
فحزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان، يتكون من ثلاثة تيارات رئيسية، التيار الأقوى من بينها وصاحب المبادرة هو التيار الاسلامي المنشق عن حركة أربكان، والتيار الثاني هو التيار القومي المنشق عن حزب الحركة القومية، والتيار الثالث وهو التيار الليبرالي المنشق عن احزاب ليبرالية مختلفة، وما يجمع هذه التيارات الثلاثة هو الرفض المعلن لهيمنة المؤسسة العسكرية على القرار السياسي، وهوية الدولة اللا دينية.
محاولات تركيا لتصدير نموذج الإسلام السياسي الحاكم، تحطمت على صخرة التغيير الشعبي في مصر، كما ان هذا التغيير نال من تلك المكانة التي كان يتمتع به أردوغان في المنطقة.
بمعنى آخر، الإمبراطورية العثمانية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط تتبخر مع الحراك الشعبي الرافض لحكم الإخوان، وبعد ممارسات دفعت الجميع الى اعادة التفكير في منهجية واهداف تيارات الإسلام السياسي حول العالم، للإجابة عن تلك التساؤلات التي طرحت بعد التجربة القاسية للمصريين مع حكم الإخوان، والتي كشفت عن وجه آخر لأحزاب وجماعات تتستر خلف الدين.
لا ريب أن شبح الفريق أول عبد الفتاح السيسي يطارد تركيا أردوغان خوفا من عودة الجيش التركي الى لعب دور مؤثر في مسار الحياة السياسية التركية وعلاقاتها الخارجية، والذي مارسه لعقود طويلة حتى جاء أردوغان وأعاد هيكلة مؤسسات الدولة بهدف قطع الطريق أمام الجيش الذي خلق لتركيا مكانتها في محيطها الاقليمي.
كما ان استمرار موقف تركيا أردغان، يزيد من خسارتها وينال من موقفها كقوة أقليمية، في ظل الأحداث التي تشهدها العراق وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة، والتوازنات الاقليمية والدولية. تركيا أردوغان متمسكة بموقفها من التغيير الحاصل في مصر، والقاهرة تدرك أن أنقرة تستخدم كل ما تملك من علاقات دولية للضغط لعودة الرئيس المعزول، وتبقى تركيا الخاسر الأكبر اقتصاديا وسياسيا من استمرار موقف أردوغان من إرادة الشعب المصري الذي استعاد دولته الوطنية.