أوقاف الفيوم تواصل فعاليات برنامج "صحح قراءتك" بالمساجد الكبرى    بعد صعوده أمس.. ماذا حدث لسعر الدولار في 9 بنوك ببداية تعاملات اليوم الأربعاء؟    فتح فروع بنك ناصر استثنائيًا يوم السبت المقبل لصرف معاشات شهر يونيو    توضيح حكومي بشأن تحويل الدعم السلعي إلى نقدي    وزير النقل يشهد توقيع مذكرة لإنشاء أول مشروع لتخريد السفن بميناء دمياط    ارتفاع أسعار النفط مع التوقعات بإبقاء "أوبك +" على تخفيضات الإنتاج    وفد مصر يشارك بالاجتماعات السنوية لمجموعة بنك التنمية الإفريقي لعام 2024 في كينيا    جنوب إفريقيا تعلن التوجه إلى مجلس الأمن للمطالبة بتطبيق قرارات محكمة العدل الدولية بشأن رفح    إخلاء مستشفى القدس الميداني في خان يونس    بعد مجزرة المخيم.. بايدن: عملية إسرائيل في رفح الفلسطينية لم تتخط الخطوط الحمراء    عاجل| إعلام فلسطيني: مروحيات إسرائيلية تنقل جنودا مصابين جراء معارك غزة لمستشفى ببئر السبع    عيد عبد الملك: منافسة الشناوي وشوبير ستكون في صالح الأهلي    «15قذيفة مثيرة».. ملخص تصريحات شيكابالا    كأس مصر، موعد مباراة المقاولون والترسانة والقناة الناقلة    المقاولون والترسانة.. مواجهة الجريحين في دور ال32 بكأس مصر    الحالة المرورية اليوم، زحام بالقاهرة والجيزة وسيولة بالطرق الصحراوية والساحلية (فيديو)    محاكمة مضيفة طيران بتهمة قتل ابنتها.. اليوم    صفحات الغش تنشر أسئلة امتحانات الدبلومات الفنية والتعليم «كالعادة» تحقق    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى العمرانية دون إصابات    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 29 مايو 2024: تحذير ل«الأسد» ومكاسب ل«الجدي»    بعد ترميمه.. "الأعلى للآثار" يفتتح مسجد الطنبغا الماريداني بالدرب الأحمر    قبل عرضه.. تفاصيل مسلسل «مفترق طرق»    وزارة الصحة تكشف المضاعفات الخطرة للولادات القيصرية غير المبررة.. انفوجراف    وزارة الصحة تكشف نصائح لمساعدة مريض الصرع على أداء مناسك الحج بأمان    "اختر صحتك قل لا للتبغ".. ندوة بطب عين شمس    «السبكي» يستقبل رئيس «صحة النواب» في زيارة تفقدية لمستشفى شرم الشيخ الدولي.. صور    متظاهرون مؤيدون لفلسطين يحاولون اقتحام سفارة إسرائيل في المكسيك (فيديو)    لهذا السبب.. مي نور الشريف تتصدر تريند "جوجل" في السعودية    دولة الإمارات وكوريا الجنوبية توقعان اتفاقية تجارية    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأربعاء 29 مايو 2024    تنسيق الشهادة الإعدادية 2024.. شروط المدارس الثانوية العسكرية والأوراق المطلوبة    3 دول أوروبية تعترف رسميا بدولة فلسطين.. ماذا قال الاحتلال الإسرائيلي؟    محمد فاضل: «تجربة الضاحك الباكي لن تتكرر»    أفضل دعاء الرزق وقضاء الديون.. اللهم ارزقني حلالًا طيبًا    الخارجية الروسية تعلق على تصريح رئيس الدبلوماسية الأوروبية حول شرعية ضرب أراضيها    هجوم مركّز وإصابات مؤكدة.. حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد إسرائيل يوم الثلاثاء    90 عاماً من الريادة.. ندوة ل«إعلام القاهرة وخريجى الإعلام» احتفالاً ب«عيد الإعلاميين»    الصالة الموسمية بمطار القاهرة الدولي تستقبل طلائع حجاج بيت الله الحرام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    وظائف السعودية 2024.. أمانة مكة تعلن حاجتها لعمالة في 3 تخصصات (التفاصيل والشروط)    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    رابط نتيجة الصف الثالث الإعدادي برقم الجلوس 2024.. موعد إعلانها وطريقة الاستعلام    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29 مايو في محافظات مصر    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    جوزيف بلاتر: أشكر القائمين على منظومة كرة القدم الإفريقية.. وسعيد لما وصلت إليه إفريقيا    يرسمان التاتوه على جسديهما، فيديو مثير لسفاح التجمع مع طليقته (فيديو)    وزير الصحة التونسي يؤكد حرص بلاده على التوصل لإنشاء معاهدة دولية للتأهب للجوائح الصحية    إبراهيم عيسى يكشف موقف تغيير الحكومة والمحافظين    هل طلب إمام عاشور العودة إلى الزمالك؟.. شيكابالا يكشف تفاصيل الحديث المثير    رئيس رابطة الأنديةل قصواء: استكمال دوري كورونا تسبب في عدم انتظام مواعيد الدوري المصري حتى الآن    كريم فؤاد: موسيمانى عاملنى بطريقة سيئة ولم يقتنع بى كلاعب.. وموقف السولية لا ينسى    أسماء جلال تكشف عن شخصيتها في «اللعب مع العيال» بطولة محمد إمام (تفاصيل)    رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى 2024    أحمد دياب: فوز الأهلى والزمالك بالبطولات الأفريقية سيعود بالخير على المنتخب    إصابة 17شخصًا في تصادم ميكروباص بفنطاس غاز بالمنيا    ننشر أسماء المتقدمين للجنة القيد تحت التمرين في نقابة الصحفيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أردوغان من مصر: إذا كان للعالم العربي أبواب عدة فإن مصر هي بابه الأكبر
نشر في القاهرة يوم 20 - 09 - 2011

بدأت العلاقات المصرية التركية مرحلة جديدة مع زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لمصر في 12 14 من سبتمبر الجاري ، بعد ثورة 25 يناير ، وجاءت الزيارة " التاريخية "لأردوغان في ظل مرحلة دقيقة نظرا للتطورات الاستثنائية التي تموج بها المنطقة علي عدة مستويات : أولها مستوي السياسة الخارجية المصرية بعد ثورة 25 يناير، ثانيها مستوي العلاقات الخارجية التركية في ظل مرحلة صعود إقليمي وعالمي غير مسبوقة في تاريخ الدولة التركية الحديثة ،ويأتي ثالث المستويات ممثلا في التطورات الاستثنائية والعاصفة بين كل من مصر وتركيا من ناحية، والطرف الإقليمي المشترك (إسرائيل) من ناحية أخري. ولفت الانتباه أن زيارة أردوغان لمصر حفلت باهتمام وترحيب بالغ علي المستويين الرسمي والشعبي في البلدين، وجاءت وسط اهتمام إقليمي وعالمي واسع النطاق، نظرا لمحورية تأثير كل من مصر وتركيا في مجريات الأحداث الراهنة، ولأن الدولتين تستندان إلي رصيد كبير من علاقات التعاون السياسية والاقتصادية فيما بينهما، بدءا من اتفاق التجارة بين الدولتين في 1976، وتأسيس اللجنة المصرية التركية المشتركة في 1988، وتجديد الاتفاق التجاري في 1994، وتأسيس مجلس الأعمال التركي المصري للتعاون في المجالات الاقتصادية والمقاولات والسياحة، وتوقيع مذكرة تفاهم لتصدير الغاز المسيل لتركيا، واتفاقية تجارة حرة في 2007، وتبادل الاستثمارات والمشاريع المشتركة، فضلا عن عشرات الزيارات لمسئولي البلدين لتبادل الرأي والمشورة في موضوعات السياسات الإقليمية والعالمية. وفي السياق،فإن هناك صيغة جديدة من الأفكار المتبادلة بين دوائر ومسئولين كثر في مصر وتركيا مؤداها أنه نظرا لموقع البلدين المتميز، وثقلهما الإقليمي، فإن لديهما جميع المؤهلات التي تضعهما معا في مركز القيادة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، سياسيا واقتصاديا. آفاق واعدة علي مدي أيام قبيل زيارة أردوغان لمصر، ركزت الدوائر السياسية والإعلامية في تركيا اهتماما واسع النطاق علي الزيارة المرتقبة باعتبارها أول استكشاف تركي لما أطلقت عليه هذه الدوائر " مركز الربيع العربي "أي مصر، والتي تعني اهتماما تركيا بتوطيد علاقاتها مع " الحكم الجديد " بعد سقوط مبارك، والتمهيد لتعزيز الدور التركي في " الخريطة الجديدة " للشرق الأوسط حيث شملت جولة أردوغان أيضا زيارة دول الربيع العربي الأخري ، أي ليبيا وتونس، بهدف دعم مكانة تركيا في المنطقة ومد يد المساعدة للدول التي تفتح صفحة جديدة مع شعوبها ومع العالم. وفي الوقت نفسه، جاءت زيارة أردوغان لمصر في وقت تعيش فيه أرض الكنانة مرحلة " إعادة بناء " جذرية علي مستوي الداخل لإقامة دولة ديمقراطية حديثة تحترم حقوق الإنسان والمواطنة ، وعلي مستوي الخارج بهدف بناء علاقات مع العالم ودول الجوار علي أساس الندية والاحترام المتبادل وعدم الخضوع والتبعية، واستقلالية القرار المصري، واستلهام كل ما يحقق مصلحة الشعب المصري سياسيا واقتصاديا وأمنيا، في المقام الأول. وكان أول ما كشفت عنه زيارة أردوغان التاريخية لمصر أنه في ظل الروح التي تصاحب ثورة 25 يناير، واتجاه أنقرة في مرحلة مبكرة من الثورة لدعم مطالب الشعب المصري في الحرية والكرامة وبناء دولة ديمقراطية حديثة، فإن آفاقا واعدة تنتظرالدولتين لبناء شراكة علي أساس قوي لدعم النمو الاقتصادي في البلدين، وهو ما تمخضت عنه الزيارة بتوقيع 11 اتفاقية تعاون في مجالات الاتصالات والتكنولوجيا المعلوماتية والبريد والبترول والثروة المعدنية والكهرباء والطاقة والصناعة والتجارة والإعلام والرياضة والتعاون الثقافي والسياحة، كما اتفق الطرفان المصري والتركي علي زيادة الاستثمارات التركية في مصر من 5.1 مليار دولار إلي 5 مليار دولار. ويأتي ذلك انطلاقا من حقائق الواقع حيث يصل عدد سكان مصر وتركيا معا نحو 160 مليون نسمة، بمساحة أرض تصل إلي 7.1 مليون كيلو متر مربع، وناتج محلي اجمالي مشترك يصل إلي 800 مليار دولار، وتجارة دولية تصل إلي 400 مليار دولار، كما يصل حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا إلي 1 .3 مليار دولار في العام الماضي ، بينما كان في 2006 يصل إلي 1.3 مليار دولار، وهناك صادرات مصرية لتركيا تقدر بنحو 900 مليون دولار بزيادة 40 % عن مستويات عام 2009 . ووفقا لما أعلنه السفير التركي في القاهرة، فإن الاستثمار الأجنبي المباشر التركي في مصر يصل إلي 5.1 مليار دولار، وتوجد 200 شركة تركية مسجلة في مصر، وهناك 70 مستثمرا تركيا يستثمرون في مصر بصورة فردية، ويبلغ عدد العمال المصريين في الشركات التركية نحو 50 ألف عامل يعملون في مجالات المنسوجات وتجميع الأتوبيسات والقطاع المالي وصناعة الزجاج والإنشاءات والطاقة والصناعات الغذائية والأدوات الكهربائية. وفي ضوء زيارة أردوغان لمصر، فقد تأكد الاتجاه المشترك المصري التركي لتنشيط حركة التجارة والاستثمارات الخاصة بالبلدين في الأسواق الأفريقية ومنطقة الشرق الأوسط، وتفعيل أدوات التعاون عبر المجلس الأعلي الاستراتيجي للتعاون الاقتصادي، فضلا عن توقيع الاتفاقات في المجالات والقطاعات السياحية وبما يخدم أهداف التشغيل والتصدير والنمو الاقتصادي في البلدين. حسابات إقليمية في إطار زيارة أردوغان لمصر، تواتر الحديث سياسيا وإعلاميا في تركيا عن تشكيل محور تركي مصري استراتيجي في المنطقة، بما يعني تدشين تحالف جديد يخدم استراتيجية البلدين ، الأمر الذي سبب قلقا بالغا في الأوساط الإسرائيلية إزاء نتائج زيارة رئيس الوزراء التركي لمصر . ومن المعروف أن الأجواء التي سبقت الزيارة شهدت أعلي درجات التوتر بين إسرائيل من ناحية، وكل من حليفيها السابقين مصر وتركيا من ناحية أخري ، فقد اتخذت تركيا قرارها بطرد السفير الإسرائيلي وتخفيض مستوي التمثيل بين الدولتين وتجميد الاتفاقات العسكرية فيما بينهما بسبب رفض إسرائيل الاعتذار عن هجومها علي أسطول الحرية لمساعدة غزة في 2010، ما أدي إلي مقتل نشطاء بينهم تسعة من الأتراك . أما في مصر، فقد كان الحدث كبيرا أيضا، فبعد أيام من مقتل عدد من المصريين في منطقة الحدود برصاص إسرائيلي، قامت مظاهرات حاشدة ضد السفارة الإسرائيلية في القاهرة ، واقتحم المتظاهرون الغاضبون السفارة، وأضطر السفير ومرافقوه إلي " الفرار " من مصر، ما أدي إلي توتر شديد بين إسرائيل ومصر . وعندما سئل وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو عن أحداث السفارة في القاهرة قال " إن المصريين أعربوا عن غضبهم، وقد أصبحت إسرائيل معزولة الآن أكثر من أي وقت مضي "، ما فهم منه أن تركيا لا تتعاطف بأي حال مع إسرائيل، وأن أسسا جديدة بدأت تحكم العلاقات التركية مع إسرائيل ودول الجوار. وفي ظل معطيات اللحظة الراهنة،فإنه يصعب القول إن منطقة الشرق الأوسط بعد أحداث " الربيع العربي " ستعود كما كانت قبله، حيث تدل مؤشرات عديدة علي أن المنطقة علي موعد مع تغيرات كبيرة في " موازين القوي " في ظل ما طرأ علي أنظمة الحكم في دول عربية لها وزنها الإقليمي من تغيرات، في مصر وتونس وليبيا، فضلا عن تطورات جارية وعاصفة في كل من سوريا واليمن . وإذا كان من المؤكد أن تركيا تنطلق في علاقاتها الجديدة مع مصر من قاعدة التقدير الكامل لدور مصر وثقلها الإقليمي، فإن هذا التقدير يتعين أن ينبني علي قاعدة قوية من العلاقات السياسية والاقتصادية والمصالح المتبادلة والمبادرات المشتركة بين الجانبين . وهنا، لابد من الإشارة إلي عدد من الملاحظات الفارقة في سياق العلاقات المصرية التركية، والعلاقات التركية العربية عموما: أولا .. لوحظ وجود درجة عالية جدا من التقدير التركي لدور مصر ومكانتها العربية والإقليمية والعالمية، وأكد ذلك أردوغان بقوله " إذا كان للعالم العربي أبواب عدة، فلا شك أن مصر هي بابه الأكبر " مشيرا إلي أن مصر لا غني عنها في نهوض العالم العربي، ومن ثمة فإنه لابد من إقامة علاقة شراكة استراتيجية معها . كما لوحظ أيضا درجة مناسبة من الإدراك التركي لحقيقة " اللحظة الراهنة " في العالم العربي ومصر، وأنها لحظة تغيير جذري، وانهيار بُني لإقامة بُني جديدة، وإعادة صياغة علاقات القوة والحكم والسياسة في المجتمعات العربية . وحسنا فعل أردوغان من خلال كلمته في الجامعة العربية عندما أكد أن ثورات العالم العربي جاءت إيذانا ببدء " عصر الشعوب "، وانتهاء زمن الاستبداد، لأن عجلة التاريخ إذا دارت، يتعذر إعادة عقارب الساعة إلي الوراء، وفي النهاية لايصح إلا الصحيح. ثانيا .. بدا واضحا في ثنايا المشهد الراهن أن القضية الفلسطينية وتطوراتها في المرحلة الراهنة، وقرب الإعلان عن الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، ستكون عنصرا مهما ومستمرا في سياق العلاقات بين مصر وتركيا والعالم العربي ، فمصر تلتزم تاريخيا بمسئولية سياسية وقومية إزاء الفلسطينيين وقضيتهم العادلة، وفي الآونة الراهنة، تتشارك مصر وتركيا في مستوي دعم القضية الفلسطينية، والمطالبة برفع الحصار الإسرائيلي عن غزة، ودعم مطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، ومطالبة إسرائيل بأسس عادلة للعودة إلي عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل . وإذا كان الدعم التركي للقضية الفلسطينية يوفر لتركيا دورا إقليميا إضافيا، فإنه يمثل في الوقت نفسه دعما سياسيا للدول العربية تجاه قضيتها المحورية. ثالثا .. في قابل الأيام، وفي غمار فورة الشعوب العربية التي نعيش حاليا في ذروتها، وبين أنظمة تسقط عن عروشها، وأخري تترنح وتوشك علي السقوط، ودول ومجتمعات عربية تعيد اكتشاف نفسها، وتمر بمرحلة المخاض الصعب في محاولة استيلاد " ديمقراطية " ماتزال عصية علي بني وقوي حديثة العهد بحرية الكلام والحركة، فإن العالم العربي، وما كان يطلق عليه" النظام الإقليمي العربي " يعاني حاليا أقصي درجات " الفراغ " السياسي والاستراتيجي، ويتعمق هذا الفراغ حتي أن ما كان يطلق عليه " محور الممانعة " في مواجهة " محور الاعتدال " فإن هذا كله قد سقط أو يوشك علي السقوط ، أمام تسونامي التغيرات العربية، لذلك كله ، يصعب اليوم الحديث عن رؤية عربية سياسية جامعة أو شبه جامعة، بشأن القضايا الملحة، أو رؤي جزئية تتعلق بالواقع العربي، ويبدو أن الصديق التركي يدرك جيدا أبعاد هذه الحالة العربية، ويقدم علي مد يد المشاركة والمعاونة، سابقا الآخرين ممن يتربصون ويتسابقون لملء هذا الفراغ العربي . وفضلا عن علاقات قوية مع مصر سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا ، فقد أعلن مجلس الوزراء السعودي تفويض ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام أو من ينيبه للتباحث مع الجانب التركي في شأن مشروع اتفاقية التعاون الصناعي الدفاعي والتوقيع عليه مما سيتم استكماله تنظيميا لاحقا. رابعا .. بالنسبة للعلاقات العربية عموما، وعلاقات مصر بالعالم الخارجي، فإنه علي خلاف المراحل السابقة، سيدخل في حساباتها العنصر الجديد والمتمثل في عامل " التأثير الشعبي والرأي العام الداخلي " ، بقوة وإيجابية بصورة غير مسبوقة في المراحل القادمة ، هذا العنصر الذي طال تجاهله، فلم يشارك مطلقا في رسم السياسات أو دوائر صنع القرار، ولم يكن له كلمة تذكر في علاقات الصداقة مع طرف ما، أو العداء مع طرف آخر . خامسا .. حرص رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان علي زيارة الأزهر الشريف، واللقاء مع الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، حيث أكد الجانبان علي التعاون الثقافي والإسلامي لنشر تعاليم " الدين الإسلامي الوسطي المعتدل " الذي يدعو إلي السلام وينبذ العنف والتطرف، وحرص أردوغان علي التأكيد علي مرجعية الأزهر لأهل السنة، ولكن كان هناك تأكيد من جانب الأزهر علي أن اللقاء مع رئيس وزراء تركيا لا ينطوي علي أي " تحالف إسلامي " سني، أو أن هناك محوراً إسلامياً تركياً إيرانياً مصرياً لخدمة قضايا إسلامية . ومع ذلك، فإن زيارة أردوغان لمصر حظيت باهتمام بالغ من جانب الإخوان المسلمين وحفاوة بالغة للرمز الممثل لحزب العدالة والتنمية التركي ( أردوغان ) والذي التقي بوفد إخواني رفيع المستوي، وذلك علي خلفية نظرة الإخوان المسلمين إلي تجربتهم السياسية " المرتقبة " في الانتخابات القادمة علي أنها ستكون، أو يمكن أن تكون تكرارا لنموذج الحزب التركي ذي المرجعية الإسلامية عند وصولهم إلي
أغلبية البرلمان ، وبعد ذلك وصولهم إلي السلطة، غير أن هذه النظرة الإخوانية تتجاهل حقيقة أن فكرة تكرار النموذج التركي لدي القائلين بها في الإطار المصري و العربي يقصد بها الاقتداء بنموذج انفتاحي شامل في السياستين الداخلية والخارجية علي النمط التركي، بما في ذلك التعددية السياسية، وعلمنة المجال السياسي، والاحتكام إلي الانتخابات والإرادة الشعبية، بدون أي ضغط أو تزوير لهذه الإرادة ، فضلا عن مجتمع مدني قوي ونشط في تركيا الحديثة. وفي هذا السياق، يتعين ملاحظة الخلافات داخل جماعة الإخوان بين الشيوخ الكبار، وشباب الإخوان الأكثر إعجابا بأردوغان ، فالشيوخ وهم يعربون عن إعجابهم بشهامة أردوغان فإنهم يتحفظون علي تجربة العدالة والتنمية ذات الطابع العلماني / الليبرالي المنفتح، لذلك رأينا القيادي الإخواني والحزبي عصام العريان يقول " البلاد العربية لا تحتاج إلي مشاريع خارجية "، ويبدو التناقض في موقف الإخوان في أنهم بالغوا في الاحتفاء بأردوغان، ولكنهم لمّحوا إلي رفض ما اعتبروه محاولات الهيمنة من جانب تركيا، وقال عصام العريان " لانري أن أردوغان أو بلاده تستطيع لوحدها قيادة المنطقة أو رسم مستقبلها». وعموما، يمكن القول إن زيارة أردوغان لمصر، بما تعنيه من احتمالات تأثر مصر بالتجربة التركية وتجربة العدالة والتنمية،فإن التيار الديني في مصر وجد نفسه في " مأزق " ما بين الإعجاب بالتجربة، والخوف منها نظرا للفارق الواضح بين ليبرالية الإسلام التركي وسلفية التيار الديني المصري، وقد عبر عن ذلك بوضوح الشيخ حازم أبو إسماعيل المرشح المحتمل للرئاسة بقوله متسائلا : " لقد تفاجأت بموقف أردوغان، فبينما تهتف له الجماهير المصرية لتذكره بالخلافة الإسلامية، يرد عليها هو مشيدا بالعلمانية، ويطالب المصريين بعدم الخوف منها..."!. وعبثا حاول أردوغان إقناع رموز الإخوان بصحة النهج العلماني، والدولة العلمانية التي تقف علي مسافة واحدة مع جميع الأديان، غير أن عصام العريان قال " نحن لسنا في حاجة للعلمانية، سواء بمفهوم أردوغان أو غيره، وأن الشعب المصري لن يفهم ولن يقبل أي دفاع عن نظام علماني حتي ولو كان النظام التركي ". وهكذا يصادر الإخوان علي ما يفهمه الشعب المصري، ويتبين لنا نوع الديمقراطية التي يفهمها الإخوان، ما يؤشر إلي عزمهم استخدام العاطفة الدينية لدي المصريين أسوأ استخدام. سادسا ..تتوقع دوائر عديدة أن يتصاعد التنافس الإقليمي بين مصر وتركيا في المرحلة القادمة، خاصة وقد تحررت السياسة الخارجية لمصر من القيود الحديدية التي كان يفرضها نظام مبارك لتثبيت العلاقات الخارجية في اتجاهات محددة، خاصة تجاه الغرب والولايات المتحدة وإسرائيل، غير أن زيارة أردوغان لمصر، ووضوح مؤشرات للتفاهم والتوافق بين الجانبين ترجح علاقات تكاملية وليست تنافسية فيما بينهما، ويعود ذلك إلي منظور " براجماتي " لدي الطرفين لتغليب عنصر المصالح المتبادلة علي ما عداه. توازنات جديدة يؤكد الجانب التركي علي أن المنطقة العربية وجوارها مقدمة علي تغيرات عميقة بعد أحداث الربيع العربي وتداعياته العاصفة علي الدول والشعوب معا ، وأنه ما كان يمكن لأنقرة أن تكون بعيدة أو غير مبالية بهذه التطورات المهمة والمؤثرة . وفي سياق ذلك يتبين من الطرح التركي، ومن تصريحات أردوغان ووزير خارجيته داود أوغلو أن ثمة " خطة استراتيجية " تقريبية يجري رعايتها من جانب تركيا لتفعيل توازنات جديدة، تقوم علي أساس علاقات متجددة علي صعيد منطقة الشرق الأوسط بالمعني الواسع . وفضلا عن التقارب التركي المصري الواضح، وتوثيق علاقات الجانبين وتعميق أسس التفاهم فيما بينهما، فإن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان يؤكد علي أن العلاقات التركية الإيرانية ستشهد في المرحلة القادمة تطورات مهمة علي طريق التقارب والتفاهم، وأن وزير خارجيته سيقوم لاحقا بزيارة طهران، ثم يقوم هو بزيارتها في وقت قريب . ويشير أردوغان إلي العلاقات الاقتصادية المهمة بين تركيا وإيران، حيث تعد إيران هي المصدر الأول للغاز الذي تتلقاه تركيا، وأن التبادل التجاري بين البلدين يصل إلي 10 مليارات دولار، وثمة اتفاقات فيما بينهما للارتفاع به إلي 15 مليار دولار في 2015 . وهنا يلاحظ تركيز أردوغان علي نقطتين أساسيتين : أولا إشارته إلي أن ما يجري بين إيران وتركيا من تراشق علي مستوي التصريحات الإعلامية، فإنه لا صلة له بالمواقف الرسمية التي تلتزم بها الحكومات . ثانيا أن هناك تفاهمات تركية إيرانية بشأن تطورات الموقف المتأزم في سوريا، وأن النصائح التي قدمها أردوغان لطهران كانت هي السبب فيما شهده الموقف الإيراني من تغيير بمطالبة الأسد للتجاوب مع المطالب الشعبية، وأن ثمة اتفاقات أخري سيتم التوصل إليها في وقت لاحق، ربما في سياق مشروع تركي متجدد. ويستنتج محللون أن ثمة تقارب تركي مصري إيراني قد يحمل مؤشرات مهمة (استراتيجيا) في مرحلة قادمة . ويأتي ذلك انطلاقا من حقائق الجغرافيا السياسية وبدءا من مصر البلد الكبير التي تبلغ مساحتها أكثر من مليون كيلو متر مربع، أي نصف مساحة السعودية تقريبا، بعدد سكان ضخم يربو علي 80 مليون نسمة، وتركيا التي تبلغ مساحتها (779000 ) كم2 أي أقل من نصف مساحة إيران، بعدد سكان يربو علي 70 مليون نسمة، وإيران التي تبلغ مساحتها (1648000 ) كم2 أي أكثر من نصف مساحة السعودية، وبعدد سكان يربو علي 70 مليون نسمة، أي أكثر من ثلاثة أضعاف سكان السعودية . عزلة إسرائيل يسود اعتقاد لدي ساسة إسرائيل هذه الأيام أنها تعيش أسوأ مأزق تشهده في تاريخها، فقد ساءت علاقاتها مع الحليف التركي إلي أدني مستوياتها ، ووصل الأمر إلي حد التراشق الصريح بين الجانبين، عندما هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن سلاح البحرية الإسرائيلي هو من أقوي الأسلحة، ليرد عليه أردوغان بأن (حادث مرمرة في 31 مايو 2010 والهجوم الذي وقع في المياه الدولية لايتفق مع أي قانون دولي، وكان ذلك سببا كافيا لتندلع حرب، ولكن تماشيا مع عظمة تركيا فقد قررت التصرف بصبر )، وطبعا من المعروف أن ميزان القوة العسكرية في البحر المتوسط في صالح تركيا بامتياز . و قد أكد أردوغان أن هناك مساعدات إنسانية ستقدم، ومن الطبيعي أن تحميها سفن البحرية التركية، وهكذا، تواجه إسرائيل للمرة الأولي خطابا تملأه الثقة والتحدي والإصرار بدون أي تردد، ومن جانب صديق حليف طالما أمنت تل أبيب جانبه . ثم يحدد أردوغان شروطه تجاه إسرائيل بضرورة اعتذارها لتركيا، وتعويض أسر الشهداء، ورفع الحصار عن غزة، وإلا ستظل العلاقات مقطوعة بين الجانبين، ويشعر الإسرائيليون أن تركيا تسعي " لإذلال " إسرائيل، وزعزعة مكانتها الاستراتيجية، وضربها في الصميم. من ناحية أخري، تواجه إسرائيل حالة غير مسبوقة من خلال المواجهة المباشرة مع " الشارع المصري " بكل ما ينطوي عليه من غضب وإصرار علي التعبير عن مشاعر حقيقية ضد إسرائيل، ووجود سفارة لها علي أرض مصر، خاصة مع كل الغطرسة والغباء السياسي والعسكري الذي تمثل في قتل إسرائيل لمواطنين مصريين علي منطقة الحدود، في ظل حالة استثنائية يعيشها الشارع المصري حاليا بعد اندلاع ثورته الكبري، وسقوط مبارك، حليف إسرائيل، وكنزها الاستراتيجي الضائع . ثم تأتي ثالثة الأثافي، حيث يستعد الفلسطينيون للحصول علي اعتراف دولي بدولة فلسطينية في إطار " غالبية " مرتقبة في الأمم المتحدة، وهو ما يسبب قلقا بالغا داخل إسرائيل، وتستعد له بتدابير وإجراءات تقترب من الاستعداد للحرب، لأن الاعتراف بدولة فلسطينية في الأمم المتحدة يعني مباشرة إدخال المنظمة الدولية طرفا في الصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما حاولت إسرائيل تجنبه باستماتة . ويبدو أن الزمن الحالي في إسرائيل هو زمن الحساب التاريخي، أو كما توقع المؤرخ الإسرائيلي رويفين موسكوفيتش أنه زمن نهاية إسرائيل، فهذا المؤرخ يقول إن سياسة العنف حملت الرعب إلي كل بيت في إسرائيل، فالصواريخ والقنابل الذرية والأسلحة البيولوجية، شلت قدرة إسرائيل علي الحياة، وكأنها نموذج لذلك الكائن الذي اختنق في درعه السميك . والحقيقة أن القلق الإسرائيلي والانتقادات من كل حدب وصوب تضاعفت عدة مرات في ظل التقارب بين مصر وتركيا، والزيارة التاريخية التي قام بها أردوغان لمصر، وما تم التوصل إليه من تفاهمات واتفاقات بين الجانبين . وفي ظل حالة عارمة من الجدل المجتمعي داخل إسرائيل يطالب محرر عسكري إسرائيلي بلاده بأن تغير من نمط سلوكها السياسي والعسكري، وأن تضع في حساباتها ردود فعل الشارع العربي والإسلامي علي كل خطوة تخطوها، وأن يضبط وزراء إسرائيل كلامهم، حيث مضي الزمن الذي كان فيه الحكام العرب يلجمون فيه ألسنة شعوبهم إلي غير رجعة . وتقول صحيفة الجارديان البريطانية إن إسرائيل عليها أن تختار بين الحرب،أو قبول الامتناع عن فرض إرادتها علي جيرانها بعد الآن، وأن إسرائيل تبدو محاصرة، وتنتابها المخاوف علي اتفاقية السلام مع مصر، والتي كانت تل أبيب تعتبرها أهم نصر استراتيجي توصلت إليه في تاريخها .

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.