تمر اليوم الذكرى المائة و إثنان من ميلاد إمام الدعاة و ترجمان القرآن الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي ترك لنا إرثًا ثريًا و متنوعًا في مجال الدعوة خاصةً في تفسير القرآن الكريم الذي أضفى عليه البساطة و السلاسة و العمق و المنهجية في تفسير آي الذكر الحكيم حيث نجح في أن يلتف حوله كل الفئات العمرية و الطبقات الاجتماعية و الأيديولوجيات سواء التي إتفقت معه أو إختلفت لأنه نجح في إضفاء بصمة قوية تجعلنا نعرف المعاني الصعبة و العميقة في كتاب الله بمنتهى الحب و الائتلاف ليصدق قول الدكتور إبراهيم بدران شيخ الأطباء الذي قال عنه: (إن الشعراوي بحق هو ترجمان القرآن). ولد الشيخ محمد متولي الشعراوي يوم 16 أبريل من عام 1911 بقرية دقادوس بمكرز ميت غمر التابعة لمحافظة الدقهلية لأبوين ينتميان للفلاحين البسطاء الذين أرادوا النور لولدهم في رحاب كتاب الله عز وجل و لذلك ألتحق بكتاب القرية و حفظ القرآن الكريم في سن الحادية عشر من عمره و ألتحق بالمعهد الديني بالزقازيق الذي كان يرأسه الشيخ المهدي و كان الشعراوي لا يريد الإلتحاق بالأزهر لإرتباطه بالأرض و الزراعة لدرجة أنه أراد أن يعمي نفسه بالفلفل الحار و لكن كشف الأب حيلته ثم لجأ و هو يُختبر بمعهد الزقازيق من الشيخ المهدي بعمل تفويت في الآيات لدرجة أن الشيخ المهدي كشف حيلته بإستعانته بأبيه الذي كان ينتظر بالخارج و قال له: هذه حركات ولد يحفظ القرآن جيدًا. فرد الأب: أتاريه كان عاوز يعمي نفسه عشان ما يخشش المعهد. فرد الشيخ المهدي: و لو عمل كده كنت دخلته قسم المكفوفين و أهو أنا حاكتب ناجح و بإمتياز. تلك هي نقطة التحول في حياة الشعراوي بتسخير الأقدار الشيخ المهدي له ليكون علمًا من أعلام الوطن و الأمة العربية و الإسلامية و حصل الشيخ الشعراوي عام 1923 على الشهادة الإبتدائية الأزهرية و كان الشعراوي يتسم منذ الصغر بحفظ الشعر و الأقوال المأثورة و كان الأب يكافئه على هذا للتشجيع و التحفيز ، دخل الشعراوي المرحلة الثانوية و زاد إهتمامه بالشعر و الأدب و لكاريزمته بين زملائه أختير رئيسًا لاتحاد الطلبة و رئيسًا لجمعية الأدباء بالزقازيق و كان معه في هذه الجمعية: الشاعر طاهر أبوفاشا – الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي – الكاتب خالد محمد خالد – الدكتور أحمد هيكل – الدكتور حسن جاد. كانوا يعرضون عليه ما يكتبون لكفاءته الشعرية و الأدبية و في عام 1937 ألتحق بكلية اللغة العربية التابعة للأزهر الشريف و أختار تلك الكلية لكي يقوم بإستكشاف الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم و مدى تكريم القرآن للغة العربية التي هي لغة أهل الجنة في الدار الآخرة و كان معه في دفعته العالم الجليل الشيخ أحمد حسن الباقوري من رواد الأزهر و الدعوة و كانت لثورة 1919 دورًا في إيقاظ الشعور الوطني للمصريين فكان الشعراوي يقوم بإمتداد تلك الثورة لفترته في الثلاثينات بكتابة المنشورات و القصائد التي تعبر عن سخط الشعب للإنجليز و جاء الشعراوي و هو متزوج في سن مبكرة يقوم بكتابة قصيدة تهاجم الملك فاروق بسبب الفساد و كان يحث على القضاء على الفساد من الحاكم و الشعب في نفس الوقت مما عرضه للإعتقال ثم الرفت من الأزهر و كان أبيه يشتري له المراجع و كتب التراث و الشعر و كل ما يتعلق بدراسته لكي يستزيد رغم الفصل من الأزهر إلى أن جاءت الأقدار لتكون رحيمة بالشعراوي بعد أن ساهم الزعيم مصطفى النحاس باشا في إعادة الطلبة المفصولين إلى الأزهر و كان الشعراوي من بينهم و كان وفديًا لحبه لسعد زغلول و مصطفى النحاس و كان يستشهد بهما في خواطره القرآنية إلى جانب ولعه بأمير الشعراء أحمد شوقي الذي قابله عن طريق شاعر من قريته لكي يعرف مستواه الشعري من أمير الشعراء عبر القصائد التي نشرها في الجرائد و كان يناظر (شاعر البؤس و الشقاء) عبد الحميد الديب في قصائد شعرية و أثناء لقاءه بأحمد شوقي عاتب عليه في قصيدة كتبها في شهر رمضان و هي: رمضان ولى و هاتها يا ساقي فهي تسعى لكل مشتاق فقال له الشعراوي: هل نحن للخمر بعد رمضان لهذه الدرجة؟! فقال له أحمد شوقي: ألست حافظًا للقرآن؟ فرد بسرعة: نعم فقال له أحمد شوقي: أقرأ أخر سورة الشعراء فقرأ الشعراوي أخر السورة التي تصف الشعراء بالغواية إلا من أمن و عمل صالحًا و ذكر الله كثيرا فقال له شوقي: هذا ردي عليك. تدرج الشيخ الشعراوي في وظائف متعددة ما بين مدرسًا للغة العربية في طنطا بعد تخرجه عام 1940 و حصوله على العالمية مع إجازة التدريس عام 1943 و أنتقل للعمل بالمعهد الديني بالزقازيق ثم المعهد الديني بالأسكندرية و بعد خبرة طويلة في مجال التدريس سافر إلى السعودية عام 1950 ليعمل أستاذًا للشريعة بجامعة أم القرى على الرغم من تخصصه في اللغة العربية و لكنه أخترق الصعب و تمكن من مجاله الجديد لدرجة أن الطلبة كانوا يحبونه و يسألونه في مسائل دينية كثيرة و كان يجاوبهم ببساطته المعهودة كما عرفناها من خواطره الإيمانية. عمل الشيخ الشعراوي مديرًا لمكتب الشيخ حسن مأمون و كان المذيع الشهير أحمد فراج صاحب برنامج (نور على نور) أراد مقابلة الشيخ حسن مأمون ليتفق معه على تسجيل حلقة و لكن أرادت الأقدار أن ينتظر فراج الشيخ حسن مأمون في حضرة الشعراوي الذي جذبه بحلاوة الحديث ليقترح عليه فراج بأن يكون هو ضيف البرنامج عام 1963 يشرح فيها سورة (الروم) و كانت الحلقة الأولى و الأخيرة و كانت عودة الشعراوي للقاهرة جاءت بسبب الخلاف الذي نشب بين الرئيس جمال عبد الناصر و الملك فيصل عاهل السعودية فكانت العودة و كان الميعاد مع المرناة لتخاطب وجه الشعراوي و جاءت بعثة للشعراوي في الجزائر عام 1963 بعد الإستقلال عن الإستعمار الفرنسي ليكون ضلعًا مؤثرًا في إحياء اللغة العربية بالجزائر بسبب تأثر اللسان العربي الجزائري باللغة الفرنسية على مدار 130 سنة إلى جانب أن صلى صلاة الإستسقاء رغم أنف الملحدين يدعوا الله بالخير على أهل الجزائر و التخلص من حالة الجفاف فإذ بالأمطار تنهال على الجزائر ببركات دعوة إمام الدعاة و أثناء تواجده بالجزائر حدثت نكسة 1967 و التي قام فيها بصلاة الشكر التي أحدثت جدلاً واسعًا ما بين الإستغراب و الإستنكار فإذ بالشعراوي يفسر هذا قائلاً: صليت لله شاكرًا لأننا لو كنا إنتصرنا لقالوا أننا إنتصرنا في أحضان الشيوعية كما قالوا عام 1956 و لنسينا أن نلجأ لله من أجل الفوز بفضله و كرمه. عند عودة الشعراوي لمصر في أواخر الستينات عين مديرًا لأوقاف محافظة الغربية ثم وكيلاً للدعوة و الفكر ثم وكيلاً للأزهر و عند تولي الرئيس أنور السادات الحكم عام 1970 يوم 15 أكتوبر أعاد السادات في التو و اللحظة العلاقات مع السعودية و على أثرها عاد الشعراوي للسعودية مرةً ثانية ليدرس بجامعة الملك عبد العزيز و أثناء تواجده بالسعودية حدث نصر أكتوبر و كان الشعراوي من ضمن الدعاة الذي أعادوا الحياة الروحية لمصر أثناء حروب الإستنزاف هو و الشيخ محمد الغزالي و الشيخ عبد الحليم محمود و كان النتاج قد بزغ بنوره يوم 6 أكتوبر 1973 و هو في السعودية و كانت من تدابير الأقدار أنه أثناء تواجه بمصر في أجازة سنوية في أغسطس 1973 يوم 26 رجب يوم الإسراء و المعراج إستضافه أحمد فراج في برنامجه (نور على نور) بعد عشر سنوات من ظهوره الأول و كانت الفنانة هند رستم حاضرة في البرنامج للإستماع للشعراوي و كانت تلك الحلقة هي نقطة التحول في حياة الشعراوي ليصول و يجول بخواطره الإيمانية أثناء شرحه لهذا الحدث الهام الذي جعل نور الإسلام ينتشر في كل مكان و كأن تلك الحلقة تحمل في جعبتها حالة من النشوة بأن فرج الله أتٍ و أن نصر الله قريب. في عام 1976 وقع إختيار رئيس الوزراء ممدوح سالم على الشيخ الشعراوي لشغل منصب وزير الأوقاف و كان الشعراوي في حالة من القلق و الخوف لكنه إستخار الله ليقبل المهمة لخدمة دينه و كتابه الكريم من خلال هذا المنصب و كان للشعراوي مفعول السحر و السكينة في أحداث 18 و 19 يناير من عام 1977 التي سميت من السادات باسم (إنتفاضة الحرامية) بعمل نداء للشعب أن يلتزموا الصمت و الهدوء حتى لا تعاني البلاد من الإنفلات الأمني الذي قد يودي بالوطن إلى الهرج و المرج و الفوضى و بالفعل أعاد الشعراوي الأمور لنصابها بحضوره القوي و إيمانه العميق و كان له دور في إصدار أول قرار وزاري بإيجاد بنوك تعتمد على التعاملات الإسلامية و كاأن بنك فيصل أول بنك على النظام الإسلامي و ظل الشيخ الشعراوي بمنصب وزير الأوقاف حتى عام 1978 حيث قام السادات بتغيير الوزارة و كان الشعراوي في منتهى السعادة حيث قال: أسوأ فترة في حياتي هي فترة الوزارة. فاز الشعراوي بفضل عظيم حينما ألقى خطبة وقفة عرفات في بدايات السبعينات بالحرم المكي و كان الفوز العظيم بأن قام بتفسير كتاب الله عز وجل منذ عام 1977 و سمي برنامجه ب(الخواطر القرآنية) و كان ضد كلمة (تفسير) قائلاً: لو قلنا كلمة تفسير القرآن لكان أحق الناس بنفسير كتاب الله هو الرسول عليه الصلاة و السلام. عين الشعراوي عضوًا بمجلس الشورى عام 1980 سنة تأسيسه بقرار جمهوري و عين عضوًا بمجمع اللغة العربية (مجمع الخالدين) عام 1987 و عرضت عليه مناصب عديدة ما بين مصر و الدول العربية و عرض عليه منصب شيخ الأزهر لكنه فضل التفرغ للدعوة و للخواطر القرآنية و ظل يفسر القرآن حتى وفاته يوم 17 يونيه من عام 1998 متوقفًا عند الجزء السابع و العشرين من القرآن الكريم. من مؤلفاته: - القضاء و القدر. - السحر و الحسد. - الحلال و الحرام. - قصص الحيوان في القرآن. - قصص الأنبياء. - المنتخب في تفسير القرآن الكريم. - قضايا العصر. - الأدلة المادية على وجود الله.