منذ أيام قليلة أصدر الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية قراراً جمهورياً بعودة مجلس الشعب المنتخب لعقد جلساته وممارسة مهامه وسحب القرار الذى سبق وأن أصدره رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإعتبار المجلس منحلاً تنفيذا لحكم المحكمة الدستورية العليا فى هذا الشأن، وعلى الفور من صدور ذلك القرار بدأت التداعيات الاقتصادية والسياسية. فعلى المستوى الاقتصادى بدأت البورصة المصرية على انخفاض حاد بلغت نسبته 4.15 % على المؤشر العام لسوق المال، وفقدت القيمة السوقية ما يوازى 11.2 مليار جنيه، وقد كانت السمة الغالبة هى المبيعات المكثفة من جانب المستثمرين الأجانب، ولم يكن ذلك الانخفاض بسبب عودة مجلس الشعب لممارسة دوره التشريعى والرقابى، حيث سبق وأن ارتفع المؤشر العام لسوق المال وارتفعت مشتريات الاجانب فور انتخاب ذلك المجلس، ولكن يرجع الانخفاض فى الاساس لإحتمالية استمرار الصراع القائم بل والتصادم المتوقع بين مؤسسة الرئاسة من ناحية والمؤسسة العسكرية من ناحية أخرى. وعلى المستوى السياسى ارتفعت سخونة المشهد الضبابى الذى نعيشه منذ 25 يناير، حيث بدء تيار الإسلام السياسى بوجة عام وجماعة الإخوان المسلمين وزراعها السياسى حزب الحرية والعدالة بوجة خاص فى حشد القوى والتجهيز للمليونيات بالإضافة الى الاستعداد لجولة المبارزة القانونية أمام ساحات المحاكم، وعلى الجانب الأخر استعدت المؤسسة العسكرية لتلك المبارزة من خلال اعداد الخطط والسيناريوهات وتجهيز أوراق اللعب ولكن كل ذلك من وراء ستار. حيث أكد بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة على أنه ومنذ تحمله للمسئولية إنحاز ولا يزال لإرادة الشعب، ولم يلجأ الى أى إجراءات استثنائية، وقد أعلى قيمة العمل المؤسسى لجميع مؤسسات الدولة مؤكدا على أهمية سيادة القانون والدستور حفاظاً على مكانة الدولة المصرية واحتراماً لشعبها العظيم، وقد تواكب مع ذلك أيضاً ما أكدت عليه الجمعية العمومية الطارئة للمحكمة الدستورية العليا من أنها ماضية فى مباشرة اختصاصاتها التى عقدها الدستور لها وأنها ليست طرفاً فى أى صراع سياسى مما عساه أن يثور بين القوى السياسية ولا شأن لها بما تتخذه هذه القوى من مواقف أو تتبناه من آراء، ثم وعقب ذلك البيان وفى اليوم التالى مباشرة تصدر المحكمة الدستورية العليا حكمها فى بطلان قرار رئيس الجمهورية بعودة مجلس الشعب لممارسة اختصاصاته. وبعيداً عن الدخول فى تناول ذلك الحكم بإعتباره حكم قضائى لا يجوز لنا التعرض له، وبعيداً عن الجدل القانونى المثار بشأن قرار رئيس الجمهورية والذى يرى البعض أنه فى حده الأدنى يعتبر قرار إدارى يمكن الطعن علية أمام المحكمة الادارية العليا - وهو ما حدث بالفعل- أو أنه فى حده الأقصى قرار سيادى لا يجوز الطعن عليه، إلا أن الأمر المؤكد أن ما أصدرته المحكمة الدستورية العليا من حكم يتنافى تمام مع ما أصدرته من بيان يؤكد على استقلال دورها فى ممارسة دورها القضائى بعيداً عن ممارسة اللعبة السياسية التى يمكن أن تزيد من الاحتقان السياسى القائم وتؤدى الى فقدان المصداقية فى القضاء المصرى الشامخ بوجة عام وفى المحكمة الدستورية العليا بوجة خاص. وبين هذا وذاك نجد مواقف متباينة تتخذها بعض القوى السياسية وبعض الأحزاب الكرتونية التى لا يمثلها داخل البرلمان سوى عدد محدود من الأعضاء وليس لها أى رصيد فى الشارع وكل ذلك نتاج ممارستها السابقة خلال العهد البائد والتى لم تكن تمثل المعارضة بقدر ما كانت تلعب دور المحلل للمشهد السياسى الفاسد. وفوق كل هذا وذاك مازال الإعلام المصرى يمارس دوره فى متابعة ورصد سخونة المشهد السياسى بحيادية وموضوعية من البعض وبتدخل وإنحياز سافر من البعض الأخر ممن لم يقتنع ويؤمن بأن هناك ثورة قامت وأرواح ذهقت ودماء أسيلت بهدف تغيير ذلك المجتمع لنعيش ونحيا كراماً كباقى شعوب العالم المتحضر. إنها أحد القضايا المهمة التي تواجه السادة أعضاء المحكمة الدستورية العليا وتحتاج إلى إعادة التفكير.