استيقظت مبكراً من النوم و بعد تناول الإفطار أخذت كوباً من الشاي و ذهبت إلي الشرفة ثم أشعلت سيجاره و أنا أسحب نفساً عميقاً من الدخان و أحتسي بعضاً من الشاي أخذت أتأمل وجوه المارة في الشارع فوجدت أطفالاً مهتمين ومسرعين لللحاق بمدرستهم مع أنها لم تعد تهتم بهم و تذكرت أن هذه الحالة ستبقي معهم لعدة سنوات حتي يكفروا بالمدرسة و تصبح القصة بالنسبة للطالب ما هي إلا مسالة مادية لا أحلام لا موهبة و لا رغبه بل عقول تتشبع بحسابات دخيلة تتفكر في الدخل و المكسب قبل أن تتفكر في المتعة و إرضاء الذات فتحول التعليم من غاية إلي وسيلة و أصبح من الطبيعي أن تواجه بهذا السؤال المستفز ماذا ستجني من المال إذا أنهيت هذا البحث العلمي ؟ لم يهتم السائل بما ستفيد المجتمع و البشرية بل انحصر الاهتمام بما سيجني الفرد نظير المجهود المبذول في البحث العلمي كم هو تفكيرٌ مهين كأن تسأل المجاهد قبل أن يستشهد عن قيمة معاش الشهيد . ما إن أدرت وجهي للجانب الأخر من الشارع حتي وجدت جاري موظف الحكومة و قد هم مسرعاً لكي يلحق بالعمل و هنا تذكرت جيداً هذه الأيام التي قضيتها من قبل بين براثن العمل الحكومي و كيف تحمل هذه الأماكن من مفارقات تثير الضحك و الدهشة في آن واحد فقد تذكرت قول أحد الزملاء الأكبر سنا و أكثر خبرةً وقتها " يا بني أهم شيء هنا هو أن توقع في دفتر الحضور و الانصراف أو أن تجد من يوقع لك " يا للأسى و المرارة" إذن قد صار بنا الحال من شركات حكومية مزدهرة و مصدرة للخارج في الخمسينيات و الستينيات لأماكن تنتشر وسط أرجائها الفوضى والتسيب و الانهيار و تفقد الغرض التي خرجت من أجله بعد أن دفع ثمناً لوجودها الكثير من المواجهات من حروب و قرارات سياسية أما الآن فمن كان يكسب منها قد بيع و من بالخسائر يغرقنا فيذهب إليه الناس ليوقعوا في دفاتر الحضور و الانصراف . كنت قد انتهيت من الشاي و أهم بالدخول حتي سمعت محرك سيارة يدور فأشعلت السيجارة الثانية و نظرت يحركني الفضول لأجد الجار الأخر ضابط الشرطة يسير بسيارته عكس خط السير مسرعاً , و هنا تملكني الشعور بأن شر البلية ما يضحك بل يضحك جداً فالضابط الذي خالف قواعد المرور و هو المسئول عن الحفاظ عليها لم يفعل ذلك كي يلحق بعمله الذي مضمونه هو تنفيذ القانون حتي يحمي به الأرواح و الممتلكات العامة بل راح يسرع بالسيارة مخالفاً حتي يصل إلي مكتبه و يجلس عن العمل مضرباً نعم مضرباً نوعاً جديد من الإضراب يسلكه معنا أفراد الشرطة يعاقبون شعبا بحث عن الحرية دون طلب ترخيص يحمل خاتم وزارة الدخلية . ربما يظن من يقرأ كلماتي أني متشائم فالتعليم و الأمن و القطاع الحكومي ليسوا بخيرلا سيكون مخطئا من يظن ذلك القصة كلها أني فقط أعلم أن الحل قريب بل و بسيط أيضاً و لكني مؤمنٌ أيضاً أن الحل لن يأتي إلا بعد الفهم فالانتصار علي أي مشكلة يكمن في فهمها و من ثم فما سيلي الفهم أسهل إذن فالمشكلة هي أن نتذكر أصل المشكلة و أصل المشكلة أن كل طرفٍ في المجتمع وجد ليؤدي دوراً معينا إذاً يجب إسناد الأدوار إلي المسئولين عنها و يجب إلزام الجميع بالقانون و عقاب من يخالف القانون فقط بهذه الكلمات البسيطة يصبح المجتمع صالحاً و لكن يجب يجب أن نحصل علي الكافي من المشاهدات و نحصر كل المخالفات و من ثم ...... ها أنا قد تأخرت عن ميعادي يجب أن أرحل أنا الآن مسرعاً و لكني لن أفرح فرح الأطفال و لن أذهب للتوقيع علي دفتر الحضور و بالكاد لن أسير عكس خط السير فأنا لا أملك سيارة , انتظروني فمازال لحديثاً بقية .