أن وزير الزراعة تقدم باستقالته بناءاً على توجيهات من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عقب عودته مباشرة من جولته الأسيوية، حيث طلب من رئيس الوزراء تقريراً مفصلاً عن الأزمة، وانتهى الأمر ب "إرغام" الوزير على تقديم استقالته. وتعيش أروقة الوزارات حالة من التخبط نتيجة التطورات الأخيرة سواء بقضية الفساد واستقالة الوزير والقبض عليه، أو بعد الإعلان عن التغيير الوزاري المرتقب. وبدأت الأزمة حينما تم الكشف مؤخراً عن قضية فساد كبرى داخل وزارة الزراعة متورط فيها وزراء سابقين ورجال أعمال وإعلاميين بقيمة عشرات المليارات تم عبرها الاستيلاء على عدد من الأراضي، إلا أن النائب العام المصري أصدر قراراً بحظر النشر في القضية. أن طرف القضية الأول "الراشي" هو رجل أعمال من دمياط (أحد رموز الحزب الوطني المنحل بالمحافظة) والذي استولى على 2500 فدان ملاصقة للريف الأوروبي بطريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي، تصل قيمتها إلى حوالي 3 مليارات جنيه، عن طريق تقديم رشوة لصلاح هلال وزير الزراعة الحالي. أن هناك 3 صحفيين لعبوا دور الوسيط في قضية الفساد أحدهم محمد فوده – المقبوض عليه حالياً – الذي لعب دور السمسار في القضية أن فوده هو الذي قدم الرشوة لوزير الزراعة عن طريق مدير مكتبه محمد محيي قدح، المقبوض عليه الآن أيضاً. أن الراشي استطاع الحصول على موافقة وزير الزراعة الحالي وقام بدفع شيك بقيمة 2.5 مليون جنيه "تحت الحساب" في أرض قيمتها تفوق ذلك المبلغ بكثير.أن القضية لا تتضمن وزير الزراعة فقط، وإنما تضم عددا كبيرا من رجال الأعمال والمسئولين في الدولة والحكومة، وإهدار ما يقرب من 600 مليار جنيه في قضايا فساد تتعلق بأراضي الدولة على طريق مصر إسكندرية الصحراوي، وطريق القاهرة إسماعيلية وطريق الفيوم. لقد نهب ملايين الأفدنة التي نهبتها مافيا الأراضي بمساعدة مسئولين في وزارة الزراعة، و أنه لا يزال مصرًا على استكمال الملف رغم الحرب الشرسة التي يتعرض لها البرنامج من رجال أعمال ومسئولين لمنعه من كشف ملف القضية. لم تكن إقالة وزير الزراعة المصري صلاح هلال والقبض عليه فور خروجه من مجلس الوزراء اليوم الاثنين، بسبب قضية فساد بوزارته هي الأولى التي يخضع فيها وزير مصري للإقالة أثناء وجوده في منصبه والقبض عليه ومحاكمته سبقه كثيرون أبرزهم مصطفى السعيد وزير الاقتصاد الأسبق ومحيي الدين الغريب وزير المالية وماهر الجندي محافظ الجيزة وبعد ثورة يناير كان خبر إحالة وزراء للمحاكمة والحكم عليهم في قضايا فساد أمرا مألوفا في وسائل الإعلام المصرية، منهم أحمد المغربي ومحمد إبراهيم سليمان آخر وزيرين للإسكان في عهد مبارك وعاطف عبيد وأحمد نظيف آخر رئيسي وزراء في عهد مبارك أيضا، إضافة لوزير الزراعة يوسف والي ووزير الداخلية حبيب العادلي ووزراء آخرين هاربين مثل رشيد محمد رشيد وزير التجارة ويوسف بطرس غالي وزير المالية . لكن الشيء اللافت للنظر هو أن إقالة وزراء أثناء وجودهم في مناصبهم لم تتكرر إلا قليلا كان القاسم المشترك في سقوطهم شخص واحد هو محمد فوده طليق الفنانة غادة عبد الرازق فقد تسبب من قبل في إقالة محافظ الجيزة من منصبه وإحالته لمحاكمة وحبسه واليوم تسبب في إقالة وزير الزراعة والقبض عليه، تمهيدا لمحاكمته. محمد فوده ظهر لأول مرة منتصف التسعينيات حين أفردت له بعض الصحف المصرية مساحات ضخمة، لنشر أخباره وتحركاته وكان يشغل وقتها منصب سكرتير وزير الثقافة فاروق حسني وبدا كإخطبوط له علاقات متشعبة بدوائر المال والأعمال والسياسة حتى فوجئ الجميع بخبر القبض عليه متورطا في قضية رشوة . فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق الأجهزة الرقابية المصرية لاحظت تضخم ثورة فوده رغم أن راتبه من عمله لا يزيد عن مئات الجنيهات شهريا، ومع ذلك ووفقا لتحريات الأجهزة الرقابية تبين أنه يمتلك وقتها 3 ملايين جنيه، لذلك بدأت في مراقبته حتى تم ضبطه متلبسا بوساطته في قضية رشوة بين المستشار ماهر الجندي محافظ الجيزة وقتها ورجل الأعمال عمرو خليفة، لإنهاء إجراءات تخصيص130 فدانا بطريق مصر – إسكندرية الصحراوي ووجهت له النيابة تهمة أخرى، وهي استغلال النفوذ والكسب غير المشروع خلال سنوات عمله بالوزارة. وزارة الثقافة قامت بتقديم مستندات تثبت أن مجموع ما حصل عليه فوده من رواتب ومكافآت خلال السنوات التسع لعمله في الوزارة لم تتعد 51 ألف جنيه وهنا تم تضييق الخناق على فوده وبدأ في الإدلاء باعترافات خطيرة، حيث كشف أمام النيابة تفاصيل علاقته بمحافظ الجيزة وأنه ارتبط بعلاقة وثيقة به منذ أن كان يشغل منصب محافظ الغربية, وتوسط لديه لكي يحصل لرجل الأعمال عمرو حليقة على قطعة أرض مساحتها 130 فدانا بطريق مصر إسكندرية الصحراوي، مشيرا في اعترافاته إلى أن محافظ الجيزة طلب رشاوى لنفسه من أجل إنهاء تخصيص هذه الأرض وكان يمنحه في كل مرة يلتقي فيها ما بين 10 آلاف و30 ألفا إلى أن وصلت جملة المبالغ التي تتقاضاها المحافظ منه 100 ألف جنيه. فوده في اعترافاته أيضا ذكر أسماء رجال أعمال آخرين تورطوا في الحصول على أراض مقابل رشاوى واكتشفت النيابة أثناء التحقيق معه تورطه في واقعة رشوة واستغلال نفوذ أخرى قام فيها بتقاضي أموال لتوصيل الكهرباء لمزرعة في الطريق الصحراوي لشخص يدعى ممدوح الجوهري وحاول فوده توريط علي حسن رئيس هيئة الآثار السابق في هذه القضية، حيث قال إنه توسط لديه للتوقيع علي أوراق تفيد خلو هذه الأرض من آثار ونفي علي حسن ذلك. ماهر الجندي وبعد إحالته للمحاكمة قررت المحكمة حبس محافظ الجيزة الأسبق ماهر الجندي وحكم على فوده بالسجن 5 سنوات، وغرامة 3 ملايين جنيه، كما قررت المحكمة ضم زوجته كمتهمة في القضية وطالبتها برد 3 ملايين أخرى. بعد خروجه من السجن بسنوات قليلة فوجئ الجميع بزواج فوده من الفنانة غادة عبد الرازق في مارس 2012 وباستضافة بعض الفضائيات له باعتباره كاتبا صحافيا وهو ما نفته نقابة الصحافيين وتقدمت ببلاغ ضده للنائب العام، كما خصصت له صحيفة مستقلة عمودا ثابتا لكتابة مقال يومي، ولوحظ أن هذه الصحيفة تفرد مساحات وصورا لجولاته ولقاءاته مع بعض رجال الأعمال والوزراء، وكما كانت تنشر له حوارات صحافية مع الوزراء مثل وزيري البترول والزراعة . في فبراير الماضي تقدم فوده بأوراق ترشحه لانتخابات مجلس النواب عن دائرة زفتى مسقط رأسه في محافظة الغربية وفي الشهر نفسه طلق زوجته الفنانة غادة عبد الرازق للمرة الثالثة، بسبب خلافات بينهما وبعد طلاقه ترك منزل الزوجية وأقام بصفة مستمرة في جناح خاص به بأحد الفنادق الكبرى والشهيرة في القاهرة وهو الجناح الذي اقتحمه رجال الأمن الأسبوع الماضي للقبض عليه بعد ثبوت تورطه في قضية الفساد الكبرى بوزارة الزراعة بالاشتراك مع محيي قدح مدير مكتب الوزير ومسئولين آخرين بالوزارة، حيث اشتركوا في التوسط لرجال أعمال كبار في الحصول على أراض لهم مقابل رشاوى وعمولات ضخمة . التحقيقات مع فوده تسربت فيها أسماء مسئولين وشخصيات لامعة وصحافيين ولكن وفقا لقرار حظر النشر الذي أصدره النائب العام في القضية فلم يكن متاحا معرفة كل الأسماء وتفاصيل التحقيقات، لكن ما تأكد منه اليوم الاثنين هو تورط وزير الزراعة نفسه في القضية وهو ما عجل بإقالته والقبض عليه واقتياده لأحد المقار الأمنية لاستجوابه، ومن ثم إحالته لمحاكمة قد يتم الحكم عليه فيها بالحبس القضية ستطال مسولين آخرين، وقد يكون السجن مصيرهم ليصبح محمد فوده الشخص الذي بات متخصصا في إسقاط وزراء ومسئولين مصريين ببئر الفساد. كاتب المقال دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية