في صيف العام 1968، في ايام غزو جيوش المعسكر الشيوعي لبراغ، الذي ادى إلى تصاعد حركة الانشقاق المعادية للسوفيت داخل الاتحاد السوفييتي، كتب الشاعر ومغني المعارضة الروسي فلاديمير فيسوتسكي احدى اغانيه المشهورة جدا صيد الذئاب التي كانت كافية لاثارة الروح لدى الكثير من المنشقين. فرقة ذئاب، محاطة من جميع الاتجاهات بالرايات الحمراء محمولة بأيدي مجموعات من الصيادين مستمتعين، وبدون جهد حقيقي، ترتدع الذئاب من الرايات امام النار. ولكن احد الذئاب الذي هو الرقم في الاغنية يخرب للصيادين الاحتفال: فهو يتغلب على الخوف، وينتفض، ممتئاً بالحرية وروح الحياة، مخترقا حاجز الرايات. من الممكن الافتراض، انه لو كان نفس الذئب رمز الحياة في اغنية فيسوتسكي يتبنى المنطق المطيع الذي اظهره اليسار الاسرائيلي مؤخرا – الذي ردا على نتائج الانتخابات سارعوا للاعلان، انهم يحترمون خيار الناخب لتتويج بنيامين نتنياهو مرة اخرى فهو لم يكن ليجرؤ على اجتياز خط الرايات، وتم اطلاق النار عليه من قبل الصيادين مثل باقي زملائه الخائفين. بكلمات اخرى، دعوة جزء من معارضي الاحتلال قبول هذا الخيار بخضوع هي كتعريف عودة بشارات، علم اسود يرفرف فوقها، مثلها مثل ذئاب فيسوتسكي مع حاجز الرايات الحمراء الدامية. وما تفسير «خيار ديموقراطي»؟ مواطني اسرائيل الذين منحوا صوتهم لمعسكر الاحتلال والاستيطان، بعد التنكر العلني للذي يقف على رأس هذا المعسكر لمبدأ الدولة الفلسطينية، لقد حسموا الاتجاه باستمرار المس بالكرامة الانسانية والوطنية لشعب آخر. هذا الحسم ممنوع علينا قبوله وممنوع علينا احترامه. في الواقع،على جميع اطياف الحرية والمساواة الاسرائيليين ان يناضلوا ضدها وضد تبعاتها، بدون مساومات وبكل الجهود غير العنيفة الممكنة، حيث يتوجب على الذئاب المتطلعين إلى الحياة عدم الامتثال إلى قانون الرايات. احدى الطرق الفاعلة للرفض المتاحة هذه الايام لمعارضي الاحتلال، هي الانضمام إلى نشاط فاعل ومنظم إلى النضال الدبلوماسي للسلطة الفلسطينية للحصول على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. هذا النضال، الذي يدور كما قال في الاسبوع الماضي لصحيفة هآرتس عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتية، على ثلاث قطاعات: التوجه إلى مجلس الامن التابع للامم المتحدة، استمرار الاتصالات لمقاطعة اسرائيل في الدول الاوروبية، واستمرار الخطوات في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. من المناسب، ان يشارك في كل واحد من هذه القطاعات طرف اسرائيلي موحد ومنظم من اجل هذا الغرض من نوع اتحاد منظمات الرفض الاسرائيلية بحيث تكون تنظيمات على اساس الاتحادات ذات الصلة لجميع المنظمات والمؤسسات الاسرائيلية التي تدير هذه الايام نضالات فاعلة، ولكنها في الاغلب متفرقة وبدون تنسيق فيما بينها، ضد الاحتلال والمستوطنات. معارضو الاحتلال هم قلة قليلة من بين سكان اسرائيل، كما ثبت في الانتخابات الاخيرة. ولكن اقلية متبلورة ومنظمة بصورة جيدة، وتتمسك باهدافها بصورة وثيقة، من شأنها ان تحقق اهدافها. طالما يوقع المواطنون بشكل منفصل على عرائض داعمة، مهما كانت اهميتها، لصالح الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، فإن الامر سيعتبر توقيع خاص، يمثل نفسه فقط. اتحاد منظمات الرفض، التي تعرف كهيئة وطنية اسرائيلية بديلة لحكومة الاحتلال والمستوطنات، ويتم تعريفها هكذا من قبل الاسرة الدولية، فإنها سوف تغير طبيعة النضال من النقيض إلى النقيض. ليس فقط النضال الوطني الفلسطيني فقط (بدعم مجموعات اسرائيلية منفصلة)، بل ايضا نضال وطني اسرائيلي على صورة دولة اسرائيل ومستقبلها. نضال هدفه إقناع الدول الاوروبية، وربما ايضا الادارة الامريكية، ان الاستعمار الاسرائيلي يلحق الضرر ليس فقط بحياة الشعب الفلسطيني، بل ايضا سيدمر بشكل كامل المصالح الوطنية الوجودية لدولة اسرائيل. نضال يوضح لكل اصدقاء اسرائيل الحقيقيين التهديد الوجودي الذي يمثله نتنياهو: تطلعه لتحويل الصهيونية، التي ظهرت على مسرح التاريخ كحركة تحرر تمت ملاحقتها عدة مرات، مؤخرا إلى حركة استعمار، وبذلك فهو يدفنها مع نفسه، في مزبلة التاريخ، حيث المكان الذي يوجد فيه الاستعمار الحديث من القرن الماضي. اليمين المتعزز منذ انتصاره في الانتخابات يتفاخر، انه من الآن وصاعدا بإمكانه التحكم «بدون خوف». ولكن ان هذا استعراض كاذب، يهدف إلى التغطية على مخاوفه العميقة، مما يمكن للنضال الدبلوماسي ان يحقق. يكفي التذكير بالردود الهستيرية المذعورة بصيغة «عملية سياسية» او «إرهاب سياسي»، التي يسمعها سجاني الشعب الفلسطيني في القدس امام كلمات «مقاطعة» و «المحكمة الدولية في لاهاي». يعلمني هذا، ان المساهمة المتماسكة والواضحة للمنظمات الاسرائيلية المعارضة للاستعمار، في النضال الدبلوماسي الدولي ضد حكومة الاحتلال والمستوطنات- من شأنها ان تساهم مساهمة حقيقية في معركة التحرير غير العنيفة للسلطة الفلسطينية ومن شأنها ان تزعزع اكثر فاكثر الامن الذاتي الدامي لليمين الاسرائيلي، ولتحقيق مسح عار الشعب المحتل عن جبين الشعب الاسرائيلي. في مقابل ذلك، انه عندما يتخلى معارضو الاحتلال عن النضال الدولي المنظم ضد حكومتهم، التي انتخبت لكي تسيطر على شعب آخر فإن تفسير ذلك يكون تسليم قاتل بمصير شعب مقموع ومستعبد. في حال مثل هذا التسليم، لن تكون الساعة بعيدة التي سنجد فيها انفسنا جميعا، اسرائيليين وفلسطينيين، عالقين في فخ الموت، كتلك الذئاب في اغنية فيسوتسكي.