كنت قد تناولت فى مقالى مع بداية عام 2010 تحت عنوان نهر النيل حياة أو موت بالنسبة لمصر..حذرت فيه من خطورة العبث بمياه النيل وناشدت حكومتنا المصونة وقتها ووزارة الموارد المائية والرى بأن يستفيقوا ..فإسرائيل تعبث بمياه النيل عن طريق أثيوبيا قبل أن يبدأ الأثيوبيون فى بناء سدهم ..وكعادة حكومتنا المصونة ودن من طين وودن من عجين ..حتى وقعت الواقعة ..والخطر يحيط بنا من كل اتجاه ونتهدد فى شريان حياتنا فخلال الشهور الماضية يفشل وزراء المياه والري في دول حوض النيل فى الاتفاق حول النقاط الخلافية خاصة تلك المتعلقة بحقوق دولتي المصب ..مصر والسودان.. التاريخية في مياه النهر الخالد بعد إصرار غريب ومريب من دول المنبع ..بوروندي والكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وكينيا ورواندا وتنزانياوأوغندا..على توقيع اتفاق منفرد من دون مصر والسودان في ظل تمسك القاهرة بعدم المساس بحصتها من مياه النيل. وينحصر الخلاف بين دول حوض النيل في ثلاثة بنود فقط بعد الاتفاق علي 39 بندا في الاتفاقية الإطارية وهذه البنود تتعلق بالإخطار المسبق قبل قيام أي مشروعات وتوفير الأمن المائي للدول ..والتصويت على القرارات بالإجماع وليس بالأغلبية. وأكدت مصر أن موقفها تجاه البنود العالقة بمشروع الاتفاق الإطاري هو موقف ثابت وراسخ ويقوم على أساس قانونى متين يستمد صلابته من الاتفاقيات القائمة والسارية النفاذ والتى تتفق تماما مع قواعد القانون الدولى ..وكذا قواعد العرف الدولى الحاكمة فى هذا الشأن والتى التزمت بها ممارسات دول حوض النيل فى كل العهود…وفي المقابل.. أكدت دول المنبع على السير قدما بمفردهم فى توقيع الاتفاقية الإطارية اعتبارا من 14 مايو القادم وتستمر إجراءات التأسيس لمدة عام مما جعل مصر والسودان تتقدم بفكرة إعلان مفوضية لحوض النيل من خلال توقيع رؤساء دول الحوض واستمرار المباحثات لحل النقاط الخلافية بين دول المنبع والمصب..فالموقف الذي اتخذته دول المنبع يعد خارج إطار مبادرة حوض النيل حيث أن المبادرة أصبح لها وجود قانوني منذ 10 سنوات بموافقة جميع دول الحوض.والكارثة أننا نشهد أزمة في مياه الشرب منذ نهاية تسعينيات القرن الماضى وكانت حكومتنا قد طالبت بزيادة حصتها من النهر بعد أن أصبحت الحصة الأساسية التي تقدر ب 55 مليار متر مكعب لا تكفى احتياجات المواطنين ومشروعات التنمية المختلفة واشترطنا للتوقيع على الاتفاقية الجديدة أن تتضمن في البند الخاص بالأمن المائي نصاً صريحاً يتضمن عدم المساس بحصتنا وحقوقنا التاريخية فى مياه النيل ولكن طلباتنا وجهت برفض جماعي لدول المنبع بدا وكأنه مرتب ومتفق عليه قبل الاجتماع. ويرى مراقبون أن الخلافات الحادة بين دول المنبع ..بوروندي والكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وكينيا ورواندا وتنزانياوأوغندا.. ودولتي المصب ..مصر والسودان.. يؤكد الشكوك حول تورط إسرائيل بالوقوف وراء تلك الأزمة فالكيان الصهيوني كان ولا يزال يطمع بمياه النيل.. ولم يخف هذه الأطماع في يوم من الأيام حيث طالب مصر بتحويل مياه النهر من مصبه في البحر الأبيض المتوسط إلى صحراء النقب.. وعندما باءت مطالبه بالفشل..لجأ الى إثارة الضغائن والأحقاد لدى الدول الافريقية ضد مصر.. وأوعز لهذه الدول بمطالبة مصر بإعادة النظر في الاتفاقيات التاريخية الموقعة بينها والخاصة بتقسيم مياه النهر. وكانت وزارة الخارجية المصرية كشفت في اكتوبر 2009 أن إسرائيل وافقت علي تمويل إنشاء 5 سدود لتخزين مياه النيل بكل من تنزانيا ورواندا وكان نصيب تنزانيا من هذه السدود أربعة سدود أما رواندا فسوف يكون نصيبها سداً واحداً. وأشارت أن كلاً من الدولتين ستنشئان هذه السدود دون إخطار مصر وأخذ موافقتها المسبقة. وجاءت موافقة دولة الاحتلال على إقامة هذه السدود في أعقاب زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي المتطرف ، أفيجدور ليبرمان إلى خمس دول أفريقية في شهر سبتمبر2009 بينها 3 تقع في منطقة حوض النيل واستغرقت 10 أيام وبحث خلالها إنشاء مشروعات مياه مشتركة إلى جانب تطوير العلاقات الاقتصادية معه. وخرج علينا وقتها وزير الري المصري الدكتور محمد نصر الدين علام ليقلل من تأثير زيارة ليبرمان لأفريقيا.. وقال إن بلاده لا ترى أي تأثير لزيارة ليبرمان إلى عدد من دول حوض النيل منها أوغندا إثيوبيا وكينيا على الأمن المائي لدول حوض النيل. وأضاف أن التحركات التي يقوم بها ليبرمان غير مقصود بها مصر وأمنها المائي..فيا سادة.. إن الوجود الإسرائيلي في دول حوض النيل أقوي من الوجود المصري في هذه الدول مضيفاً و لا يصب إطلاقاً في خدمة المصالح المصرية.. بل إن الوجود الإسرائيلي في دول الحوض يمثل عامل إزعاج لمصر فإسرائيل إذا لم تنجح في الضغط علي دول الحوض لتخفيض حصة مصر السنوية من مياه النيل فإنها ستنجح علي الأقل في منع زيادة حصة مصر السنوية من مياه النيل. وأقيم سد النهضة الأثيوبى ،وماطل الإخوان فى سنتهم العجاف بناء السد ،والمدهش أن المسئولين يتعاملون مع هذه الأزمة من خلال غض الطرف عن بعض المشروعات المائية التي يرون أنها لا تؤثر بالسلب في حصتنا من مياه النيل رغبة منهم في احتواء دول حوض النيل. فدول حوض النيل يشكون مر الشكوي من موقف المسئولين بمصر ويتهمونهم بأنهم يحرمونهم من مياه نهر النيل من وجهة نظرهم ..وللقضاء علي هذه الصورة النمطية السلبية وغير الحقيقية لدي دول حوض النيل عن مصر لن يتحقق إلا من خلال تخطي مرحلة الكلام الحالية إلي مرحلة الفعل وتنقسم هذه المرحلة إلي شقين الأول وهو تنفيذ مصر عدداً من المشروعات المائية بدول الحوض لخدمة شعوبها أما الشق الثاني فيتمثل في تقوية مصر لوجودها في دول حوض النيل خاصة وأن الوجود الإسرائيلي أقوي منها.والدليل محاولة إسرائيل تمويل إنشاء 5 سدود لتخزين مياه النيل في تنزانيا ورواندا فتصاعد تلك الأزمة يهدد الأمن القومى وينذر بحرب مائية حقيقية فى المنطقة بين دول المصب ودول المنبع بعد فشل اجتماعات شرم الشيخ الأخيرة في تقريب وجهات النظر بين الفريقين. وزاد من حدة الخلافات إعلان دول المنبع اعتزامها التوقيع بشكل منفرد على اتفاق إطاري جديد لمياه النيل.. مستبعدة مصر والسودان من الأمر.. ومعلنة رفضها لما طرحته الدولتان سواء من شروط للتوقيع على اتفاق جديد للمياه أو للتوصل إلى حلول توافقية للأزمة من قبيل إنشاء مفوضية جديدة للنيل. فهناك خطراً كبيرا بات يهدد الأمن القومي المصري بفضل العوامل الخارجية التى لعبت ..ومازالت.. دوراً كبيراً في تأجيج الأزمة بين دول حوض النيل.. ويأتي في مقدمتها التواجد الإسرائيلي في دول الحوض الذي يستهدف في المقام الأول إضعاف مصر..وتضييق الخناق عليها.. إضافة إلى استهداف العمل على تقسيم السودان وتغذية مطالب الانفصال لدى عدد من أقاليمه. فى النهاية بقى أن أقول ..يجب أن يستمر المسئولين في استخدام كل الوسائل الدبلوماسية والقانونية للدفاع عن مصالحنا والحفاظ على حصتنا من المياه فهذه المسألة لا يمكن التهاون في التعامل معها..و يجب أن يعملون من منطلق واحد هو أنه لا يمكن تحت أي ظرف من الظروف التفاوض حول حقنا في مياه النيل كما أقرتها الاتفاقيات السابقة وأن هذا الحق لا يملك أحد التنازل عنه أو التهاون بشأنه. فدول منابع النيل تريد التفاوض على كميات المياه المتدفقة في نهر النيل فيما تتحدث مصر عن كميات المياه في حوض النيل ..وهي كميات ضخمة للغاية وتهدرها دول الحوض التي لا تعتمد بشكل أساسي على مياه مجرى النيل .. فيما تعتمد مصر عليها بنسبة تتجاوز ال 95 في المائة من تلبية احتياجاتها المائية.