من كان يظن أن ورقة صغيرة، تحمل عنوانا بسيطا هو "السيرة الذاتية"، ستتحول إلى مرآة كاشفة، تفضح المستور وتكشف الزيف المتقن الصياغة؟ من كان يتصور أن من يتقدمون لبرلمان الأمة، سيعجز بعضهم عن ملء خانة "الخبرات العملية" إلا بسطر يتيم، أو يتركون خانة "المؤهلات" خالية كأنها تنتظر صدفة القدر لتملأها بالصدق المفقود؟ لقد ظن البعض أن الترشح لمجلس النواب أشبه بسباق على لقب 'ملك جمال الشنب"، أو منافسة لأناقة "الجلابية الكشمير" و"البدلة الإيطالي"، لا اختبار لعقل راجح أو قلم واع أو ضمير حي. يا سادة، هذا برلمان مصر، لا ساحة لالتقاط الصور التذكارية ولا منصة لتلميع الذات.هذا مصنع التشريع والرقابة، لا سوق الأربعاء حيث تباع الكلمات بالهتاف ويشترى الضمير بثمن بخس! تصفحنا السير الذاتية للمرشحين، فإذا بها كاشفة فاضحة، لا توثق مجدا ولا تسطر إنجازا. أوراق باردة، فقيرة المعنى، خالية من المضمون، لا تنبض بروح وطنية ولا تشي بقدرة على حمل مسؤولية أمة. بل الأدهى أن البعض كتب في خانة "الخبرة": قاض عرفي! يا للعجب! في دولة القانون، حيث يسهر رجال العدالة على إحقاق الحق، نجد من يفاخر بأنه قاض عرفي، كأننا في زمن القبائل لا دولة المؤسسات..وهم السبب فى إفساد قرى بأكملها..ويستحقون كأس البحار والمحيطات فى النفاق الإجتماعى! يا سادة ؛نعم، هناك قلة تعد على أصابع اليد الواحدة، تسطع سيرتهم كالشمس، فيها من الوطنية ما يطمئن، ومن الكفاءة ما يبشر.لكن الباقي؟ كأنهم نسوا أن مقعد البرلمان ليس وسام وجاهة، بل امتحان ضمير. يا سادة، أنتم لا تتنافسون على كرسي، بل على ثقة شعب بأكمله. أنتم لا تمنحون حصانة، بل تكلفون أمانة. غدا، ستعرض عليكم اتفاقيات دولية، قروض وموازنات، قوانين تمس لقمة العيش وكرامة المواطن. فهل يعقل أن يناقشها من لم يكتب سطرا واحدا عن خبرته أو علمه أو فكره؟ يا معشر الناخبين… أحسنوا الاختيار! افتحوا أعينكم، لا تنخدعوا ببريق المال السياسي ولا بوعود لا تعرف طريقها إلى التنفيذ..لا تأمنوا لمن يلعب بالبيضه والحجر.. لا تمنحوا أصواتكم لمن يشتريها، ولا لمن يتزيّن بالشعارات الخاوية. فمصر لا تحتمل مزيدا من المجاملات المقنعة ولا من الخطب الفارغة. والسؤال البريء الذي لا يجد جوابا؛ أين الهيئة الوطنية للانتخابات؟ أين رقابة الدولة على منتحلي الصفات؟ هل صك الغفران الذي منح ذات يوم لوزير، أو اعلامى فاشل أصبح دستورا جديدا للصمت العام؟ هل صرنا نغض الطرف عن الزيف لأن الفاسد صار معيار الأمان؟ خمس سنوات جديدة تلوح في الأفق… فهل سنمنحها لمن لا يستحق؟ أم سنكسر هذه المرة دائرة الصمت، ونختار من يصلح للصالح العام؟ كفى عبثا، فبرلمان مصر ليس "قاعدة مصاطب" ولا "جلسة عرفية" تنتصروا فيها لصاحب المال على حساب المقهور، ولا ساحة للمجاملة.إنه منبر الأمة، وصوتها الحر، وسيفها حين تغيب الحقيقة.