عودة المياه إلى 5 مناطق بالجيزة بعد إصلاح كسر الماسورة الرئيسية أمام مستشفى أم المصريين    مكتب نتنياهو: الرفات الذي تسلمناه من غزة يخص الأسير التايلاندي    الأحفاد جمعتنا، إعلامية شهيرة تفاجئ حسن شحاتة داخل المستشفى (صور)    «ما تسيبوش حقه».. نداء والد السباح يوسف محمد خلال تلقى العزاء (فيديو وصور)    ممثل وزير الشباب يشارك في وداع السباح يوسف محمد إلى مثواه الأخير.. فيديو وصور    استشهاد 6 فلسطينيين في غارات إسرائيلية على جنوب قطاع غزة    اليوم، آخر فرصة لسداد رسوم برامج حج الجمعيات الأهلية 2025 بعد مدها أسبوعا    قناة دي فيلت: إذا لم تجد أوكرانيا المال لتغطية عجز الميزانية فستواجه الانهيار الحقيقي    دولة التلاوة.. المتحدة والأوقاف    اللهم إني أسألك عيش السعداء| دعاء الفجر    وزير الخارجية الفنزويلي: استقبلنا رحلات جوية حملت مواطنين مرحلين من الولايات المتحدة والمكسيك    د. خالد سعيد يكتب: إسرائيل بين العقيدة العسكرية الدموية وتوصيات الجنرال «الباكي»    نائب وزير المالية: تمويل 100 ألف مشروع جديد للانضمام للمنظومة الضريبية| فيديو    موعد مباريات اليوم الخميس والقنوات الناقلة    في جولة محطة العبادلة بالقليوبية.. فودة يشدد على التشغيل القياسي وتعزيز خطط الصيانة    الصحة: لا تراخيص لمصانع المياه إلا بعد فحوصات دقيقة وضوابط رقابية مشددة    أحمد حمدي يكتب: هيبة المعلم    حلمي عبد الباقي يكشف إصابة ناصر صقر بمرض السرطان    دراما بوكس| بوسترات «سنجل ماذر فاذر».. وتغيير اسم مسلسل نيللي كريم الجديد    بالمستند.. أكاديمية المعلم تقرر مد موعد المتقدمين لإعادة التعيين كمعلم ل31 ديسمبر    الصحة: خدمات شاملة لدعم وتمكين ذوي الهمم لحصولهم على حقوقهم    جمال شعبان يُحذر: ارتفاع ضغط الدم السبب الرئيسي للفشل الكلوي في مصر!| فيديو    نجاح جراحة دقيقة لمريض يعاني أعراضًا تشبه الجلطة في الجانب الأيسر    لا خوف من الفيروسات.. الصحة توضح سبب شدة الأعراض في هذا الموسم    أستاذة بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية تكشف أفضل أساليب الطهي للحفاظ على جودة اللحوم    محمد رجاء: لم يعد الورد يعني بالضرورة الحب.. ولا الأبيض يدل على الحياة الجميلة    موعد صلاة الفجر.....مواقيت الصلاه اليوم الخميس4 ديسمبر 2025 فى المنيا    أكسيوس: إسرائيل تحذر من استئناف الحرب في حال استمرار تسلح حزب الله    وزير الثقافة يُكرّم المخرج القدير خالد جلال في احتفالية كبرى بالمسرح القومي تقديرًا لإسهاماته في إثراء الحركة المسرحية المصرية    حظر النشر في مقتل القاضى "سمير بدر" يفتح باب الشكوك: لماذا تُفرض السرية إذا كانت واقعة "انتحار" عادية؟    خبر في الجول - انتهاء مهلة عبد الحميد معالي ل الزمالك في "فيفا" ويحق له فسخ التعاقد    وليد صلاح الدين: لم يصلنا عروض رسمية للاعبي الأهلي.. وهذا سبب اعتراضي على بسيوني    مشاجرة بين طالبات وزميلتهم تتحول إلى اعتداء بالضرب عليها ووالدتها    القانون يحدد عقوبة صيد المراكب الأجنبية في المياه الإقليمية.. تعرف عليها    ماكرون يستعد لإعلان تعديلات جديدة على العقيدة النووية الفرنسية    تواصل عمليات البحث عن 3 صغار بعد العثور على جثامين الأب وشقيقتهم في ترعة الإبراهيمية بالمنيا    حريق بجوار شريط السكة الحديد بالغربية.. والحماية المدنية تُسيطر على ألسنة اللهب    أحدهما دخن الشيشة في المحاضرة.. فصل طالبين بالمعهد الفني الصناعي بالإسكندرية    اليوم، آخر موعد لاستقبال الطعون بالمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي    علاج ألم المعدة بالأعشاب والخلطات الطبيعية، راحة سريعة بطرق آمنة    بيراميدز يتلقى إخطارًا جديدًا بشأن موعد انضمام ماييلي لمنتخب الكونغو    الإسكان تحدد مواعيد تقنين الأراضى بمدينة العبور الجديدة الإثنين المقبل    احذر.. عدم الالتزام بتشغيل نسبة ال5% من قانون ذوي الإعاقة يعرضك للحبس والغرامة    هل يجوز لذوي الإعاقة الجمع بين أكثر من معاش؟ القانون يجيب    الحكومة: تخصيص 2.8 مليار جنيه لتأمين احتياجات الدواء    قناة الوثائقية تستعد لعرض سلسلة ملوك أفريقيا    هجوم روسي على كييف: أصوات انفجارات ورئيس الإدارة العسكرية يحذر السكان    أهلي بنغازي يتهم 3 مسؤولين في فوضى تأجيل نهائي كأس ليبيا باستاد القاهرة    استئناف المتهمة في واقعة دهس «طفل الجت سكي» بالساحل الشمالي.. اليوم    بالأسماء.. إصابة 8 أشخاص في حادث تصادم ب بني سويف    تصادم موتوسيكلات ينهى حياة شاب ويصيب آخرين في أسوان    آثار القاهرة تنظم ندوة علمية حول النسيج في مصر القديمة واتجاهات دراسته وصيانته    العناية الإلهية تنقذ أسرة من حريق سيارة ملاكى أمام نادى أسوان الرياضى    مصر تستورد من الصين ب 14.7 مليار دولار في 10 أشهر من 2025    الشباب والرياضة: نتعامل مع واقعة وفاة السباح يوسف بمنتهى الحزم والشفافية    وكيل لجنة مراجعة المصحف ورئيس منطقة الغربية يتفقدان مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهرزاد في حاضر العصر والأوان .. نص جديد للقاصة نادية كيلاني
نشر في المشهد يوم 19 - 08 - 2015

كان يا ما كان في سالف العصر والأوان ملك يدعى شهريار..
كان يحب الحكايات من زينة البنات شهرزاد البلاد.. لكنه انشغل لسنوات طوال في شئون الملك وأحوال العباد، وانشغلت شهر زاد بتربية الأولاد.. حتى كبروا واستقل كل منهم بحياته، فيهم البار وفيهم الفاجر وفيهم من يخلط عملا صالحا بأخر سيئا.. كبرا الاثنان فخلدا للراحة في أمان.. وتركا أحوال الملك لأولادهما وهم يراقبانهم من بعيد سواء بالكاميرات الحديثة أو بالعيون الحديد.. ثم أصاب شهريار بعد الكبر زهيمر.. وراح في غيبوبة طويلة فقد فيها الذاكرة ونسي اسمه ومن هو، وظل على حاله وقتا طويلا تغيرت فيها الأحوال وحدث ما حدث من أهوال.. وربا ضارة نافعة.. ذات يوم حدث لقصره زلزال.. ليس من فعل الأرض بل جاء من السماء.. طائرة حربية كانت تلقي بالارتال فارتجت أركان القصر وكادت تنهار.. وتخبط ملك الزمان شهريار في الجدران، فعادت له الذاكرة بعد طول نسيان.. وأول من تذكر حبيبته شهرزاد.. فسأل عنها فإذا هي في خير حال.. ثم تذكر مسرور فوجده بمكانه مغمور يتمنى أن تعود أيامه الخالية وما فيها من حبور.
واشتاق شهريار لسماع الحكايات فنادى وهو فرحان سيافه القديم مسرور الذي صديء سيفه والذي لم يعد يقدر على ذبح دجاجة ولا طير من الطيور.. بل هو يتكيء عليه وكأنه عصا من جريد، فقد أبتكرت الأن أسلحة من فولاذ وحديد.. تسمى دبابات ومدرعات وطائرات ولها مضادات.. وصواريخ للكبير وشماريخ للصغير.. وألآت ما أنزل الله بها من سلطان.. لا تحتاج لقرب مسافة ولا تبيان.. ولا تعرف حرمة لطفل ولا شجر ولا بيان، والقتل صار بالمئات والألوف.. عاطل في باطل على مأسوف.. بإلقاء البراميل الحارقة من الطائرات المارقة، وكثر الملوتوف في الأيادي العابثة والتي تثير الرعب في اليابسة.
المهم قبل أن يدرك شهريار النوم قال لمسرور نادي على زوجتي الحبيبة صاحبة الحكايات العجيبة تحكي لي حدوته.. وقبل ذلك تفسر لي ما يدور من حولي من غرائب لايعيها ذهني فلقد رأيت في البنورة المسحورة صور قتل ودماء لم تشهدها المعارك على طول التاريخ، وسمعت كلاما معكوسا أغرب من الخيال لا يصدقه إلا محتال، وشاهدت بها أناس في لباس البشر في الشكل والصورة لكنهم بلا انسانية ولا ضمير.. يغيرون الكلام عن الحقيقة ويلبسون الزيف ثوبا مألوفا، الصوت كصوت الانسان وكلامه جهل وظلم وبهتان.. وهي التي أبقت عقلي بلا ذاكرة سنينا طوال.. أما الأن وقد عادت الذاكرة فأحضر لي شهرزاد.. فهي لا تكذب علي يوما ولن تبيعني لنخاس..
وقد تعيدني ملكا للبلاد.
أسرع مسرور ينادي مولاته.. التي جاءت من فورها.. بكامل هيئتها وزيها.. ومثلت بين يديه وقالت في حبور ودلال:
- ماذا يريد مولاي أن أحكي له من حكايات.
قال شهريار وهو سعيد فرحان:
- احكي لي يا حبيبتي قصة على بابا والأربعين حرامي.
*1*
قالت شهرزاد:
- لم يظلوا أربعين يا مولاي.. بل صاروا أربعين ألفا أو مائة ألف أو يزيدون..
اندهش شهريار وقال:
- ما هذا العدد المهول هل صار الجميع حرامية.؟ وممن يسرقون.؟ وكم عدد المملكة إذن مع هذا الكم المأهول؟
قالت شهرزاد:
- لم يتوقف العدد على ما تعرف يا ملك الزمان.. ألم تعرف أن الأرض ولادة تلد البشر بالزيادة.. وكل اثنين من الحرامية واحد فقير غلبان.. يتمنى أن يكون منهم لولا قصر اليد.. وقلة الجهد، لا عنده قوة ولا سلاح ولامال يشتري به الفاتنات الملاح.؟ فعاش مضروبا بالمركوب، ومن مصيره ما في مهروب والحياة صارت إما غالب وإما مغلوب.
تنهد شهريار في أسى وقال:
- إذا احكي ما آل إليه الحال واحكي لي عن العيال.. من منهم الغالب ومن المغلوب.
قالت شهرزاد.. ابنك الطيب الذي يأكل الغنم.. هو المغلوب.. وتسلط عليه آكل الخنزير.. وانقسم بينهما آكلوا الجمال والنوق.. وهناك فريق يأكل الحمير.
صرخ شهريار وقال:
- الحمير!! هل صارت الحمير تؤكل.. كيف هذا يكون وليس لها تصريح بالقبول.. وكيف عرفتم ذلك بالدليل.
قالت شهر زاد:
- من أكل الحمير تجد له صوتا عاليا ونهيقا مخيفا وهم طبل أجوف ولكنهم يعشقون عصير البرسيم.. بعدها يشعرون أنهم في النعيم، ومن أكل الغنم استكان وقال إنما الدنيا بابان تدخل من أحدهما وتخرج من الأخر وليس هناك وقت سوى أن تعد العدة للرحيل..
وأما من أكل الخنزير فهو الذي يحيك لك المؤامرات ويستغل صفة من يأكلون الجمال من حب للانتقام ويضمرون العدواة ويخزنون الكره والغباوة.. فاستقطب منهم من له استعداد لبيع الضمير والمشي بدون تفكير وأن الله غفور رحيم.
تنهد شهريار وألقى بالعمامة وقال وما هو موقف أبوعمامة من هذه المأساة والندامة.؟ لابد أنه لايعجبه هذه الحال لأنه يخالف كل ما قال،
والمفروض أنه يكون سيد الرجال، عنده الحق والقانون والكل له يطيع وعليه يعولون.
قالت شهرزاد وأساها في ازدياد:
ليس كما تظن يا مولاي ولا ما ينبغي أن يكون، أبو عمامة ويسمونه عندهم أبو أمامة له بنت غير شرعية سفيهة ولعينة وطامعة وغادرة وبنت لذين، والغريب أنه يدللها أيما تدليل وكل طلباتها مجابة ولو كانت في بطن السحابة، جهز لها تحت العمامة أوراقا كثيرة.. كلها تزوير في تزوير لحمايتها من أصحاب الحقوق، لكي تكون راضية مسرورة من الغروب للشروق، ولكنها لا يوقف طمعها عند حد، وتريد أن تتعدى على كل حد لتوسع رقعتها وما اغتصبت من أرض.. وساعدها أبو أمامة وأبو برنيطة واشترى لها بعضا من ذوات الشيلان لتطمئن وتشعر بالأمان، بل وأعطوها صكوك الأمان والتعاون التام حتى ضد إخوانهم ودينهم، وكل يوم يزداد حب أبو أمامة لها وتدليله غير عابيء بما جلبه له من فضيحة بسبب ما ظهر عليه من ظلم لكل من يعارضها أو يقف دون أطماعها الصريحة.
فمن أجلها يجيش الجيوش ويطلق الوحوش ويزرع الفتنة بين الأصدقاء الاشقة، بل وفي صلب الأسرة، ويكيل بمكيالين ولا مانع عنده أن ينشيء السجون البعيدة.. ويقتل الأطفال البريئة، ويهدم الدور على رءوسهم، ويستعمل في قتلهم كل محظور، ويحاصر المأزوم والأعزل والمظلوم لأجل عيونها الوقحة، ويماطل في التحقيق حتى تضيع الحقيقة والوقت في صفهم معناه كسب المزيد من المساحات، والوقت ضد الأخرين معناه مزيد من التجويع والتشريد. وليته ينفع التنهيد.
صرخ شهريار وكاد أن ينهار.. فخافت شهر زاد أن يتذكر أسلوبه القديم فلزمت نفسها الصمت، واحتجبت وراء الستار.. فشاهدت شهريار وهو يلقي بردته من شدة حر ما سمع.. وعقله توقف عن المتعة بسبب ما لاقى من لغط.. استجمع شتاته وقال:
ما بال حكايتك صارت سخيفة.. وليتها فقط بل صارت مخيفة.. حكايات الأمس أفضل يا شهرزاد بكثير فيها خيال وفيها الحق النبيل.. هيا دعينا من هذا الحال الوبيل وهذا الهراء الطويل واحكي لي عن علاء الدين ومصباحه المنير.. لعله ينير الطريق ويزيل ما في قلبي من حريق بسبب ما تحكيه من أشياء تصعب على التصديق.
*2*
خرجت شهرزاد من مخبأها وحكَّت الجبين ثم قالت:
- كان يا مكان يوجد ملك ظالم وجبان، قعد في كرسي الحكم كثير من السنين ثلاثين أو ستين لا ندري عدد السنين.. ربَّى أجيالا على حب المال وظلم العيال، وفي سبيله جلبوا لرعيته وبمعرفته كل مأكل رخيص وفاسد؛ والفساد ألوان، ومن يعترض بسبب ما أصابه من مرض؛ والأمراض أيضا ألوان، كان يجهز عليه لذات الغرض.. وتكال له التهم، فإن أفلِت من الموت فهو في معتقل.. بدون ذنب أو جريرة فالملك لا يريد أن يسمع الشكاية، ولا وقت عنده لأي حكاية.
تجمع الأولاد وقرروا أن يكون علاء الدين هو سيِّد البلاد وبمصباحه المنير يهتدون إلى الطريق وينسون العذاب الذي اشتغل في البلاد على قدم وساق، وأشربهم الجهل والذل، وألبسهم والفقر والقهر.. وكثر الداء وعز الدواء
وكانت صحوة مباركة أطاحت بالملك الغدار، وجاء علاء الدين في وضح النهار، لكنه يا ولداه ما استقر له قرار من أصحاب الفتوى العاشقون لليل وكارهون النهار، وظل الباكون على أمجادهم الغابرة والطامعون في أمجاد تالية، يصيدون له في الماء العكر، ويتمنون لعلاء الدين الخطأ.. وعملوا له من الحبة قبه، وظل الرخ المفترس يحوم حول رأسه، لأي فرصة يقتنص، وهبة وعلى حين غفلة خطفه الرخ من فوق كرسيه وطار به بعيدا، وانضمت له كل الطيور الجارحة أبو منقار وأبو مزمار وأبو منشار ونطاط حائط الدار واللاعبون بالنار.. وقفوا يهللون ويرقصون على نغمة تسلم الأيادي يارخ يكايدهم، حتى انطفأ المصباح وسكت الكون عن الكلام المباح وصار كل الكلام في مدح الرخ وسنينه.. مستبشرين معه بالخير وكأنه المنقذ الجبار وكاشف الأستار.
فكر شهر يار وقال:
- وما هو خطأ علاء الدين الذي مكن الرخ منه.. لابد أنه ارتكب ذنبا لا يغتفر، ولا تحيليه يا مولاتي للقضاء والقدر..
تنهدت شهر زاد وهزت رأسها ثم قالت بثقة ما بعدها وهي تقلب رأيها:
- بعيدا عما يقولونه من أكاذيب، وأسباب من فعل البشر.. لكن ذنبه الحقيقي الذي لا يغتفر كان في حق رب البشر.. لقد مكنه الله ليعلي كلمته فإذا به يسوفها حتى لا يتهم.. خطأه يا مولاي أنهالتمس رضاء الناس بسخط الله، فوَكَل الله أمره إلى الناس.. كان يريد إرضاء الجميع ليعرفوا أنه ما جاء ليحدث التغيير، وكان التغيير هو المطلوب، اعتقد أنه بعد فترة ستهدأ القلوب، لكنهم عرفوا ما به من ضعف وتردد، فقاموا بالملعوب.. لعبوا على هذه النقطة الضعيفة ورفعوا عقيرتهم عليه ينتقدون كل فعل وعمل يقوم به ويقللون منه ولو كان كبيرا، ويسبونه علنا دون خوف من عقوبه، وكوَّنوا ضده جبهة كانت في الزمان أعجوبة؛ اجتمع فيها أخلاط من نبات شتى.. وأعلنوا عليه التمرد، من كثرة التردد ولكنه كان يتودد، وبدلا من أن يخرسهم قال جلدي سميك وكأنه يغيظهم.. وعلى رأي أمير الشعراء في نهج البردة:
والأَرضُ مملوءَةٌ جورٌ، مُسَخَّرَةٌ
لكلّ طاغيةٍ في الخَلْق مُحتكِمِ

وكانت الطامة الكبرى كطامة البرامكة ونكبتهم الحالكة، جاءه سيل كسيل العرم يجتاح ما أمامه فلا يبقى ولا يذر فهل من بعد ذلك لا نقول إنه رب القدر.؟!
صرخ شهر يار وألقى بالحذاء فطار وسكن بجوار ما سبقه من أشلاء وقال في عصبية:
- صه صهٍ يا ولية.. كلامك عن المنطق حاد والذي غطى وزاد أنه من غير ميعاد.. كفي عن هذا الكلام السخيف لقد نشف دمي وجف ريقي.. وسددت في وجهي طريقي.. هل أنت مستأجرة لحرق دمي وتشتيت بريقي.. أريد قصة لأعصابي تريح.. هيا نشمت قليلا في الملك المخلوع لعله نال جزاء يساوي ما تسبب فيه من جروح.
*3*

ضحكت شهر زاد ولكنه ضحك كالبكاء وقالت:
- لعلك تريد ما صار إليه المخلوع، بعد ما كان في عهده خضوع
مصيره يا مولاي صار أضحوكة، يمد الله في عمره لكي نموت نحن بغيظنا.. عاش أياما هانئة، يروح ويجيء بالطائرة.. المحاكمات صورية، والأوراق مخفية، والقاضي قبل أن يمنحه البراءة عدد له تهما تجلب له المهانة، بيع البلاد أرضا وسماء، وذهبا وأثارا وماء، وتمتع وحده في خيرها، وأيضا باع الانسان جملة وتفصيلا، خرَّب رأسه بتعليم موكوس، وخرب جسده بطعام في الداء مغموس، وخرب ضميره بحب الجاه والفلوس، أما هو فربح الهدايا وأموال ليس لها نهاية، وكلها له ولعياله ولم يترك للناس إلا فضلات خدمه وحشمه ورجاله.. من تقرب منه بالمعصية أغدق عليه من النعيم، ومن قال ربي الله نال القهر والجحيم.. وتدهورت الاحوال وظهر على الناس أعراض الآجال من تورم بالأرجل وتلعثم باللسان ونهجان الصدور ووجع البطون وصمم الأذان، باختصار شيخوخة مبكرة ونهجان.. وطال الليل وطال..
عدد القاضي كل ذلك وزيادة قلنا إنها الابادة فإذا به بعدها ينطق بالبراءة لعدم ثبوت الأدلة.. فالدليل لابد أن يكون مكتوبا في ورقة بالألوان، وليس حالا ماثلا وباين للعيان.
صرخ شهريار في هستيريا وانهيار: براءة.. بعد كل هذا براءة..
- نعم يا مولاي؛ ووقف يدافع عن نفسه ويقول لقد أخطأتم في حقي وأنا الذي سهرت عليكم وأطعمتكم من تعبي وكدي.. أما كنتم تأكلون وتشربون وأنتم تسعون مليون.. من وفر لكم الطعام والأمان أليس بقوة بطشي ووقوفي ضد العصيان، من أعطاكم المناعة ضد الأمراض أليس باستيرد ما هو مشع وتالف ألا تعلمون أن المصل من ذات الداء يكون وهو مع الداء يتآلف.. كل هذا كان مقصودا حتى لا يلعب بنا أية مكروب، وحتى لا نشعر بعذاب في الحروب، فنتعلم اللامبالاة ونكون راضين بتصاريف الأيام وبالقدر خيره وشره.
والناس أمام الشاشة في ذهول وكأنه فيلما من أفلام المغول، ثم نزل تتر برز الثعلب يوما في ثياب الفلول.. ونسينا أن نعيد كلمة "لا" مرة أخرى فأنت في حماية الرخ وزبانيته، وقوانين صارمة تمنع الكلام.. رضي بها من رضي بإراقة الدماء تحت عين السماء.
فرح شهريار واستبشر وعن سعادته عبَّر:
- بشرة خير يا مولاتي أن يمنحوا الفرصة للمتهم بالكلام.. فهو الأدرى بحالة وبالمخبوء عن الأنام.
قالت شهر زاد:
- ليس لكل متهم يا مولاي، أولاد المثالية والرقص على أعتاب اللجان فقط هم المحظوظون.. أما علاء الدين ومصابيحه المنيرة ففي أقفاص من زجاج.. وأقفال وأغلال وتهما لا تعد تهما في صحيح الأحوال..
- وما هي تلك التهم يا شهرزاد:
التخابر مع أخيه.. ومد يد العون للجار والصديق.. ورفض الوصايا من أبو أمامة ودلوعته ذات الدلال.. ووضع الأمور في نصابها؛ فالعدو عدوا والصديق صديق.
ماشي يا شهر أنت تصرين على أن تجلبين لي القهر.. دعي كل هذا لوقته واحكي لي عن الدراويش.. لابد أنهم نسمة الهواء وسط كل هذا الهراء.
*4*
أجهشت شهرزاد بالبكاء وقالت من بين دموع غزار:
- دراويش اليوم يا مولاي غير الدراويش زمان..
أنهم طوال عراض كبار وغلمان، ذقونهم حتى البطون، وصوتهم كفحيح الزواحف السامة، يتكلمون بكل اللغات ويكبرون وهم يذبحون العباد.. يدعون أنهم ينفذون شرع الله، والله منهم براء..
فجأة يا مولاي وجدنا أمامنا جيشا كبيرا بعدة وعتاد، لا تعرف من أين جاء ولا كيف حصل على المال والسلاح، وأين كانون يختبئون.. اقتحموا البلاد الهالكة بقسوة وبقوة فاتكة.. وبين الدولتين الكبيرتين أحدثوا لهم دولة من حروف اسميهما، وأكثروا في الأرض الفساد باسم الدين.. وتأملنا الأفعال فلم نجدها من الدين.
في قلوبهم جسارة وفي نفوسهم حقارة، ينتسبون كذبا لدين السلام، ولا تعرف من يعطيهم الأمان، وإن كانت أصابع الاتهام تشير نحو المدعو أبو أمامة صديق أبو قلنسوة وعلامة، وهو يحمل شهادة ميلاد أعجوبة مدون فيها تزاوج الخصمين وكأنها سبوبة.. فهو الخصم والحكم، وهو الذي يخرج عليك بوجهه الأسود يدَّعي أنه يحارب تلك القوة الزاحفة، ثم يدعي عدم القدرة الكاشفة.. ثم يعلن تعاطفه معنا بدموع زائفة، وليس لها من دون الله كاشفة..
فتقول له، أفتنا يا أبو أمامة في سبع بقرات ثمان ومثلهن ومثلهن تأكلهن بنت مدللة في حماية سبعة نسور جارحة إذا بغت قالوا حقها وإن اعتدت أيدوا بغيها، وإن هدنت أمدوها بكل قوة على عدوها..
وما حقيقة هؤلاء الدراويش الذين لا نعرف لهم ملة ولا دين، ونظنهم أبناء اللقطاء من الحروب السالفة.. تربوا في مكان مجهول وتدربوا لغرض مهول بعد أن تشربت عقولهم بحب القتل والتنكيل وذبح الناس كالخراف وحرقهم في أقفاص، واعتادت عيونم على رؤية البشاعة، أطلقهم سيِّدهم كدروع بشرية، لا يهمه من أمرهم سوى تحقيق الغاية المرجوة.
يدعون أنهم من جهة لكنهم احتلوها وخربوها وساموا أبناء جلدتهم سوءالعذاب، وتركوا عدوتهم المعروفة، بل وكأنهم عون لها على بني جلدتهم فصارت لا تخشاهم.. وصرنا في حيرة من أمرهم، وتحيرنا يا أبو أمامة ما هي وجهتهم..
فيحك أبو أمامة أنفه وتلمع في عينية لمعة الزيف، ويسبقه لسانه بكلام قاطع كالسيف.. زال معه الشك باليقين حين زل لسانه يصارح وهو يلقى كلمته في بيته الأبيض الكالح:
نحن من يدرب الدراويش، ويجب الاسراع في التدريب حتى نعيش..
ومهما انكشفت الحقيقة وصارت واضحة، العالم كأنه لم يسمع، ولم يكن لها صدى ولا توابع، وإن سمع فليس لها من يسارع، ولا ممانع فقد صار أغلبنا من التوابع.. التوابع.
*5*
نام شهر يار وهو ينازع، ويتكلم في نومه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.