في زمنٍ مضى، كان المعلم إذا مر في الطريق، انحنت له القلوب قبل الرؤوس، وهتف الوجدان قبل الألسنة: "قم للمعلم وفّه التبجيلا… كاد المعلم أن يكون رسولا". كان المعلم في مصر حارسَ الحرف الأول، وباني الوعي، وصانع الأمل في عقول الصغار. كان يأتي إلى المدرسة بثوبه المكوي، وصوته المهيب، ونظرته التي تُربّي قبل أن تُعلم. لم يكن ثريا، لكنه كان غنيا بالكرامة، مكتفيا باحترام المجتمع، مطمئنا إلى أن الدولة تُقدر رسالته. لكن اليوم، أيها السادة، هل ما زال المعلم هو ذاك الذي كان؟ اليوم نقف في حضرة يومه العالمي، لا لنحتفل، بل لنعتذر. نعتذر للمعلم الذي تآكلت كرامته بين سندان الغلاء ومطرقة التجاهل. نعتذر له لأنه بات يعاني في صمت، يحارب في جبهة الحياة وحده، بلا سلاح ولا دعم. لم تعد نظرة الناس إليه تلك النظرة الوقورة، ولم يعد راتبه يكفي أسبوعا من ضروريات الحياة. منذ 2014، لم يتحرك "أساسيه" المالي ولم يحصل على حقه إلا في القضايا التي رفعها مضطرا، وكأن عليه أن يقاتل في المحاكم لينال ما يجب أن يكون حقا بديهيا. لقد اختارت فئة كبيرة من المعلمين، رغم الحاجة، أن تبقى بعيدة عن "الدروس الخصوصية"، متمسكة بشرف المهنة، رافضة أن تحوّل رسالتها إلى سلعة تباع وتشترى. هؤلاء هم المعلمون الحقيقيون، الذين يذوبون كل يوم في صمت، دون أن يراهم أحد، ولا يكتب عنهم تقرير، ولا تخصص لهم فقرة في نشرة الأخبار. أليس من الظلم أن يُربى الطبيب والمهندس والقاضي على يديه، ثم يُترك هو نفسه يتسول حقوقه عبر قضايا في ساحات القضاء؟ أليس من الإهانة أن نطالبه بالعطاء، ثم لا نُعطيه حتى ما يسد رمقه؟ أليس من الجريمة في حق الوطن أن يظل المعلم سجين الفقر، بينما نُطالبه بصناعة أجيال قادرة على قيادة المستقبل؟ #يا_سادة: نحن بحاجة إلى ثورة وعي، لا تطالب بزيادات رمزية في المرتبات، بل تطالب برد الاعتبار لمعلم فقد كل شيء: هيبته، راحته، ومستقبله. ولن يحدث هذا إلا إذا خرجنا جميعا من دائرة التجاهل، وإذا أدركت الحكومة أن الاستثمار في المعلم هو استثمار في عقل الأمة. فكيف نُعلم النشء القيم والمبادئ والنهضة، إذا كان معلمهم يعيش محبطا، مكسور الخاطر، ضائعا بين الإيجار وأقساط المدارس ودواء أطفاله؟ وفي هذا اليوم… نتوجه بنداء صادق إلى السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، راعي المصريين، الذي طالما أكّد على أهمية التعليم كقضية أمن قومي، أن ينظر بعين الاعتبار إلى حال المعلم، ليس فقط من خلال مبادرات تحسين أوضاع المدارس، ولكن عبر قرار شجاع يعيد للمعلم حقه المادي والمعنوي، ويخرجه من شرنقة المعاناة اليومية. إنّ المعلم لا يريد قصورا ولا سيارات، فقط يريد حياة كريمة تليق برجل علّم الناس كيف يكتبون أسماءهم. #فى_النهاية_بقى_أن_اقول ؛ فلنمنح المعلم عيدا حقيقيا، لا كلمات معسولة ولا صورا على فيسبوك، بل قانونا عادلا، وراتبا محترما، وكرامة لا تُمس.