إيران تطلب من الإسرائيليين مغادرة الأراضي الفلسطينية المحتلة " لإنقاذ حياتهم "    وزير الشباب يقترح إضافة مادة جديدة على تعديلات قانون الرياضة    ليعود في أسرع وقت.. الخطيب يوجه بتوفير الرعاية الكاملة لإمام عاشور    السيطرة على حريق بمولد كهربائي داخل ثلاجة خضار بسوق العبور    وزير الثقافة يفتتح الدورة 45 للمعرض العام بمشاركة 326 فنانًا    عزاء نجل الموسيقار صلاح الشرنوبى فى مسجد الشرطة بالشيخ زايد.. الثلاثاء    قبل عرض 7Dogs.. كيف روج تركي آل الشيخ للفيلم؟    عضو بالبرلمان التونسي: «الإخوان» اخترقوا قافلة الصمود وحولوها لمنصة تهاجم مصر وليبيا    محافظ جنوب سيناء وسفير الهند يبحثان سبل تعزيز التعاون السياحي وإنشاء مدرسة دولية متخصصة في رياضة اليوجا بسانت كاترين    "نقل النواب" تناقش طلبات إحاطة بشأن تأخر مشروعات بالمحافظات    «الشروق» تكشف موقف بن شرقي بعد الغياب عن مباراة إنتر ميامي    رحلة إلى الحياة الأخرى.. متحف شرم الشيخ يطلق برنامجه الصيفي لتعريف الأطفال بالحضارة المصرية القديمة    لميس الحديدي: كرة اللهب تتناوب بين تل أبيب وطهران.. ولا نهاية قريبة للحرب    شباب القلب.. 4 أبراج تتمتع بروح الطفولة    بعد تصدره «التريند».. الحسن عادل: «أغنياتي نابعة من إحساسي وبتعبر عن مشاعري»    أمين الفتوى يوضح حكم الزيادة في البيع بالتقسيط.. ربا أم ربح مشروع؟    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة النواب بشأن قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها    أوليس أفضل لاعب بمباراة بايرن ميونخ ضد أوكلاند سيتى فى كأس العالم للأندية    السعودية: وصول طلائع الحجاج الإيرانيين إلى مطار "عرعر" تمهيدًا لمغادرتهم    كيف تنظم المرأة وقتها بين العبادة والأمور الدنيوية؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    العمليات العسكرية الإسرائيلية وتوجيهات رئاسية جديدة تتصدر نشاط السيسي اليوم    رسمياً.. جينارو جاتوزو مديراً فنياً لمنتخب إيطاليا    عائلة تطرح جزيرة في اسكتلندا للبيع بسعر أقل من 8 مليون دولار    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    «جزار الوراق» ينكر التعدي على تلميذة: «ردت علىَّ بقلة ذوق فضربتها بس» (خاص)    صراع مع آلة لا تعرف الرحمة.. «نيويورك تايمز»: الذكاء الاصطناعي يدفع البشر للجنون    ضبط المتهمين بقتل سائق توك توك وإلقاء جثته بمقابر أسوان    رامي جمال يوجه رسالة لجمهور جدة بعد حفله الأخير    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    التعليم: تدريب مجاني لمعلمي الإنجليزية بالتنسيق مع السفارة الأمريكية -(مستند)    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    10 سلوكيات خاطئة ابتعدى عنهم مع أطفالك حفاظا على صحتهم    التنظيم والإدارة يعلن ترتيب امتحانات مسابقات التوظيف بالجهاز الإداري للدولة    رئيس جامعة المنوفية يرأس لجنة مقابلات لتجديد مناصب مديري العموم وأمناء الكليات    إيران تنفي إرسال أيّ طلب إلى قبرص لنقل «رسائل» إلى إسرائيل    محافظ الغربية يجرى جولة مفاجئة داخل مبنى الوحدة المحلية بسبرباى بمركز طنطا    الجريدة الرسمية تنشر قرارا جديدا ل رئيس الوزراء (تفاصيل)    طب قصر العيني تُحقق انجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    طريقة عمل فطيرة السكر باللبن في خطوات بسيطة    قوافل الأحوال المدنية تواصل تقديم خدماتها للمواطنين بالمحافظات    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    سعادة بين طلاب الثانوية العامة في أول أيام مارثون الامتحانات بالقليوبية    "لا للملوك": شعار الاحتجاجات الرافضة لترامب بالتزامن مع احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأمريكي    استمرار استقبال محصول القمح المحلي للمواقع التخزينية بالشرقية    "طوارئ" بشركات الكهرباء تزامنًا مع امتحانات الثانوية العامة    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    ترقب وقلق.. الأهالي ينتظرون أبناءهم في أول أيام امتحانات الثانوية العامة| شاهد    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    تحرير 146 مخالفة للمحلات لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    «خلافات أسرية».. «الداخلية» تكشف ملابسات مشاجرة بالأسلحة البيضاء في البحيرة    تداول امتحان التربية الدينية بجروبات الغش بعد توزيعه في لجان الثانوية العامة    ماراثون الثانوية العامة بدأ.. طلاب الأقصر يتوافدون على اللجان لأداء أول يوم امتحانات    الأهلي أوقفه.. ميسي يتعطل لأول مرة في كأس العالم للأندية    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    تعليق ساخر من مجدي عبد الغني على مدرب الأهلي قبل مواجهة إنتر ميامي    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عبد الحليم قنديل يكتب عن :حرب تحطيم الأصنام
نشر في الزمان المصري يوم 14 - 10 - 2023

كأنه جرى مسح نصف قرن كامل من تاريخ الصراع مع كيان الاحتلال الإسرائيلى ، وكأنه جرى ويجرى وصل ما انقطع مع حرب أكتوبر 1973 ، فقبل خمسين سنة ، وفى ظهر 6 أكتوبر، كان الجيش المصرى الذى أعاد تكوينه جمال عبدالناصر قبل رحيله ، كان يجترح معجزة عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف بالكامل ، وبعد الخمسين سنة ، وفى اليوم التالى مباشرة للسادس من أكتوبر ، كانت قوات المقاومة الفلسطينية تخترق سياج المليار دولار صباح 7 أكتوبر 2023 ، وتعبر بجسارة هائلة من فلسطين إلى فلسطين ، من "غزة" التى كانت احتلت فى عدوان 1967 ، إلى مستوطنات ومدن غلاف "غزة" فى الأراضى المحتلة منذ نكبة 1948 ، وفى الحالتين ، كانت أساليب الخداع الاستراتيجى والمفاجأة المذهلة هى ذاتها ، مع الوعى طبعا باختلاف الظروف والسياق وحجم الحدث ، وقد يكون الحدث الأخير أقل حجما ، لكن مغزاه يبدو أعمق بمراحل ، وفيه معنى إعادة النجوم لمداراتها الأصلية ، واستعادة قضية تحرير فلسطين لصباها الأول .
وعلى مدارج ومنحنيات الخمسين سنة الفائتة ، كان نصر 1973 العظيم يتعرض للتجريف ، وكانت السياسة تخذل السلاح ، وكان "الذين هبروا" يدوسون على دماء الذين عبروا ، وكان النصر يجرى استثماره فى اتجاه معاكس لمغزاه الجليل ، صحيح أن سيناء عادت لمصر فى النهاية ، ومساحتها وحدها أكثر من ثلاثة أرباع مجموع الأراضى العربية المحتلة فى هزيمة 1967 ، وهو إنجاز لا يملك أحد التقليل من قدره وقيمته ، لكن القيود الثقيلة التى فرضت على مصر فيما أسمى "معاهدة السلام" ، ذهبت بالسياق كله إلى مكان آخر ، وبدا أن النصر العسكرى تبدد سياسيا وحضاريا ، ودخلنا إلى أجواء هزيمة شاملة فى السياسة والاقتصاد والثقافة ، وانقلب النهوض المصرى إلى انهيار ، وكان خروج مصر من معادلة الصراع جحيما على المنطقة كلها ، وفى قلب مصر قبلها ، وإلى أن كان ما نعرف فى السنين الأخيرة ، واستعادت مصر عافية فى سيناء ، وأزالت قيد "نزع السلاح" الذى كان مفروضا ، وعاد الجيش المصرى إلى مواقعه الأمامية على الحدود مع فلسطين المحتلة ، وهو ما جعل "تحرير سيناء" واقعا فعليا ، وليس صوريا كما كان ، لكن قيود سياسة السلام إياها ظلت تعيق ، وتحاصر السياسة المصرية فى خانة الوساطات المعروفة ، كلما جرى صدام بالسلاح بين المقاومة الفلسطينية وكيان الاحتلال ، وهو سلوك لم يعد يليق ولا يكفى ، وبالذات بعد اندلاع حرب أكتوبر الثانية فى عملية "طوفان الأقصى" ، فقد عادت أساطير "إسرائيل" تتحطم من جديد ، من نوع الجيش الذى لا يقهر ، وأجهزة المخابرات "الإسرائيلية" فائقة القدرة والتكنولوجيا ، وإلى غيرها من مبالغات وفجاجات التخويف ، وقد سقطت بالجملة بساعة الصفر فى الدقيقة العشرين بعد السادسة صباح 7 أكتوبر 2023 ، وثبت أنها كلها بالونات هواء و"خيالات مآتة" ، أخافت الدول العربية الأخرى بعد خروج مصر التاريخى ، ودفعت آخرين للتقليد ، كما فى اتفاقية "وادى عربة" الأردنية ، وكما فى اتفاق "أوسلو" الفلسطينى ، أو فى اتفاقات "إبراهيمية" وضيعة الذكر ، عقدها البعيدون عن خطوط الدم التاريخية ، وكانوا يستعدون لتتويجها باتفاق تطبيع سعودى مع كيان الاحتلال ، وبتنفيذ اتفاق "الممر التجارى" إلى موانئ إسرائيلية كيدا لقناة السويس ، وقد سقطت هذه الأصنام كلها ، لحظة سقوط مئات القتلى "الإسرائيليين" فى عملية "طوفان الأقصى" ، وكان حجر الأساس فى صناعة هذه الأصنام كلها ، هو اتفاق "كامب ديفيد" مع مصر ، وقد راجت من بعده أوهام الخوف من قوة "إسرائيل" المتخيلة بالأوهام ، وإلى حد شيوع مرض "التوحد بالمعتدى" ، وانتفاخ الرغبات فى الاحتماء بقوة إسرائيل "الإلهية" ، وجعل إسرائيل صنما يتعبدونه ، قبل أن تسقط "أصنام العجوة" فى غمضة عين ، وعلى يد ألف من المقاتلين القادمين من "غزة" الصغيرة المحاصرة المعتصرة لمدة 16 سنة ، واجهوا ويواجهون جيشا بقوته العاملة المكونة من ربع مليون جندى ، وباحتياطى جرى استدعاؤه يقارب 300 ألفا ، يحاربون الآن للانتقام المهووس من "غزة" ، التى أذلتهم وداست رقاب ضباطهم وجنرالاتهم بالأحذية ، وقد دمروا "غزة" بأكثر مما فعلوا لمرات من قبل ، بعد أن اضطر الجنرال "شارون" ملك إسرائيل للجلاء عنها مرغما قبل نحو عشرين سنة ، وكان رفيقه فى الوحشية "الإسرائيلية" الجنرال "اسحق رابين" ، قد أطلق من قبله الصرخة الملتاعة ، وقال قولته الذائعة "أتمنى أن أصحو من النوم . فأجد غزة غرقت فى البحر" ، وراح "شارون" إلى سكرة الموت الطويلة من دون أن تسقط "غزة" ، وذهب "رابين" إلى يوم اغتياله من دون أن تغرق "غزة" ، وربما لا يكون مصير "بنيامين نتنياهو" أفضل ، وهو الذى يهدد اليوم بإفناء "غزة" ، ويدكها بقصف جوى ومدفعى وبحرى مجنون ، ويهدم أبراجها السكنية ويزيل أحياءها ، ويخير جيشه أهلها بين المقتلة الجماعية أو الفرار إلى مصر (!) ، ولن يهرب أهل "غزة" أبدا إلى أى مكان .
ما نقوله لا يعنى طبعا ، أن أحدا عاقلا ، بوسعه الاستهانة بحجم وخطر العدوانية الإسرائيلية الهمجية ، لكن الجديد ، أن الثقة صارت أعظم فى المقدرة المقابلة على منازلتها بالسلاح ، وبالذات بعد الهزيمة المذلة التى لحقت بها فى طوفان غزة ، والتى جعلتها تلجأ لطلب إغاثة عسكرية صريحة من الغرب ومن واشنطن ، فإسرائيل التى حلم حكام عرب فى الاستظلال بحمايتها الموهومة ، صارت تستجدى الحماية من أساطيل أمريكا ، ومن جسور جوية أمريكية عاجلة تزودها بالسلاح الطازج ، ومن أكبر حاملات طائرات واشنطن "جيرالد فورد" و"أيزنهاور" ، والرئيس الأمريكى الصهيونى "جو بايدن" لا يملك سوى الاستجابة الفورية ، ربما على ظن أنه قد يردع آخرين من الالتحاق بحرب قوات المقاومة الفلسطينية ضد كيان الاحتلال ، وما من أحد يعقل ، عاد يرتعب من قوة أمريكا ، التى هى و"إسرائيل" كيان واحد ، فإسرائيل هى أمريكا ، وبينهما اندماج استراتيجى ، وقد جرت "مرمطة" إسرائيل فى ساعات الحرب الأولى ، وكل محاولات "إسرائيل" وأمريكا لترميم صورة الهيمنة المفترضة ، سوف تنتهى إلى بوار ، فهم يتخوفون اليوم من التحاق "حزب الله" بالحرب ، بينما يدفعونه إليها باستفزازاتهم وبحشودهم ، وعلى الأمريكيين أن يتذكروا واقعة إذلالهم قبل أربعين سنة فى "بيروت" ، وقتها كان "حزب الله" لايزال جنينا يتشكل فى رحم المعاناة ، وبضربة استشهادية من مقاتل واحد ، قتل 241 وجرح 128 من مشاة البحرية الأمريكية ، وقتها كان "رونالد ريجان" رئيسا لأمريكا ، وسحب ما تبقى من حشوده وأساطيله فور المقتلة الدامية ، فما بالك اليوم ، وقد صار "حزب الله" أقوى جيش مهدد لوجود الاغتصاب الإسرائيلى من الشمال ، وقد تدافعت نذر إمكانية دخوله إلى الحرب ، ربما عند اللحظة التى تقرر فيها "إسرائيل" اقتحام "غزة" بريا ، وصواريخ "حزب الله" أكثر وأقوى وأدق بمراحل من صواريخ "حماس" ، ومقاتلوه أفضل تدريبا ومراسا على الحرب المباشرة مع جيش العدو ، وعبوره الحدود إلى فلسطين وارد جدا إذا دعت الحاجة ، وإذا حدث ذلك ، فسوف يلقى كيان الاحتلال جحيما وحريقا مستعرا مروعا ، لا تنجو منه ولا فيه أى مستوطنة أو منشأة "إسرائيلية" ، من المفاعلات النووية إلى أكبر مصانع "الأمونيا" ، فلسنا هذه المرة بصدد حرب قصيرة الأيام ، من تلك التى تعود عليها ويفضلها كيان الاحتلال ، بل بصدد حرب متطاولة الأماد ، ومن الشمال والجنوب معا ، فى استعادة رمزية لما كان قبل خمسين سنة فى حرب أكتوبر الأولى ، وإن كان الخطر على الكيان أكبر هذه المرة وبما لا يقاس ، فالتكنولوجيا الحربية التى تملكها "إسرائيل" ، جرى تعويض فجواتها ، أو جلب بدائل لمواجهتها ، بينما يظل تفوق أطراف المقاومة العربية الجديدة غلابا فى عقيدة المحاربين ، وهم يقاتلون دفاعا عن وطن أو طلبا لاستعادته ، بينما لا يملك عنصر الجيش الإسرائيلى عقيدة قتال ، ويفر من الميدان عند أول لحظة خطر على حياته ، وهنا أصعب أسئلة الامتحان الحربى الذى تواجهه "إسرائيل" ، فالمذعور "نتنياهو" يقول أنه سيغير خرائط الشرق الأوسط بحرب دموية طويلة ، وهو لا يملك فيها غير هدم الحجر ، بينما البشر الذى يقاتلونه لا ينهدمون ولا تفنيهم تضحيات ، والشرق الأوسط سيتغير فعلا ، ولكن فى الاتجاه المعاكس لآمال كيان الاحتلال ، وفى الاتجاه المعاكس لفرص بقائه أصلا ، وقد صار وجوده فى ذاته رهينة لضربات المقاومة ، تماما كما المئات من نسله ونسل الأمريكيين الأسرى المحتجزين فى "أنفاق غزة" ، وإن لم تطو أيام الحرب الراهنة سريعا ، فعلى "نتنياهو" المتبجح ، أن ينتظر طى أوراق كيانه المهتز فى سنوات مريرة مقبلة بإذن الله .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.