جدول امتحانات النقل من الصف الثالث حتي الصف السادس الابتدائي بالمنيا الترم الأول    وكيل تعليم القاهرة يتفقد مدارس إدارة منشأة ناصر التعليمية    وزير قطاع الأعمال يتابع مستجدات المشروع القومي لتطوير صناعة الغزل والنسيج    الأمم المتحدة: نزوح 100 ألف شخص من الفاشر والوضع فى السودان اقترب من الكارثة    تفاصيل زيارة وزير الرياضة للنادي الأهلي    إعلان يقود الشرطة لضبط دجال كرموز بتهمة النصب والاحتيال على المواطنين    بداية بعث المركب الملكي.. وزير السياحة يشهد تثبيت أول ألواح مركب خوفو الثانية    كواليس كليب المطربة لطيفة تسلملى.. فيديو وصور    الصليب الأحمر: الأطفال وكبار السن الأكثر تضررًا من التدهور الإنساني في غزة    ألمانيا: إيداع سائق السيارة المتسبب حادث السير بمدينة جيسن في مصحة نفسية    رئيس "سلامة الغذاء" يستقبل نقيب الزراعيين لتعزيز التعاون المشترك    البورصة تختتم جماعي بمنتصف تعاملات جلسة اليوم الثلاثاء وربح 17 مليار جنيه    أجواء شديدة البرودة وشبورة كثيفة.. الأرصاد تحذر من طقس غدًا الأربعاء    إحالة أوراق عاطل لمفتى الجمهورية لاتهامه بالاعتداء على طفلة بالبحيرة    4 مراكز بحثية مصرية ضمن العشرة الأوائل على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    إيفان أوس: روسيا لا تخطط لإيقاف الحرب على أوكرانيا    استعدادا لعرضه رمضان 2026| انطلاق تصوير مسلسل «توابع» ل ريهام حجاج    رمضان 2026 |خالد مرعي مخرج «المتر سمير» ل كريم محمود عبدالعزيز    ما هو مقام المراقبة؟.. خالد الجندي يشرح طريق السالكين إلى الله    وزارة الصحة: وفد ناميبى يطّلع على تجربة مصر فى إدارة الأزمات والتحول الرقمى    وزيرة التنمية المحلية تبحث التوسع في إنتاج السماد العضوي من وحدات البيوجاز    محمد منير ل اليوم السابع: أنا بخير وفى البيت وكان عندى شوية مغص وراحوا    تراجع الأحزاب وصعود المستقلين، تقرير الائتلاف المصري يرصد ملامح جديدة لبرلمان 2025    ملتقى المرأة بالجامع الأزهر يؤكد: الطفولة أمانة شرعية وحق إنساني يُصان    جامعة كفر الشيخ تكرم طلاب «الذكاء الاصطناعي» الفائزين في مسابقة للمطورين    وكيل وزارة الشباب والرياضة بالفيوم يستقبل لجنة «المنشآت الشبابية والرياضية» لمتابعة أعمال مراكز الشباب بالمحافظة    حكام مباراة الثلاثاء ضمن منافسات الدوري الممتاز للكرة النسائية    البحوث الفلكية تكشف موعد ميلاد شهر شعبان وأول أيامه فلكيا    مليار مشاهدة.. برنامج دولة التلاوة فى كاريكاتير اليوم السابع    اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعلن استعدادها لدعم عملية إطلاق سراح المحتجزين في اليمن    محمد منير بخير.. مصادر مقربة تكشف حقيقة شائعة تعرضه لوعكة صحية    وزير الدفاع الإسرائيلي يطرح احتمال إنشاء مستوطنات في شمال غزة    ميناء دمياط يضخ 73 ألف طن واردات في يوم حيوي    الاستفتاءات والتكريمات والجوائز ومصانع المكرونة؟!    وزيرة التعاون الدولي ونظيرها الأرميني يترأسان أعمال الدورة السادسة للجنة المصرية–الأرمينية المشتركة    أمم إفريقيا - مؤتمر محرز: لا أعذار.. نريد كتابة تاريخ جديد لمنتخب الجزائر    أمم إفريقيا – مؤتمر مدرب السودان: أحيانا أسمع وفاة أحد أفراد أسرة لاعب في الفريق    مودى ناصر يوقع على رغبة الانتقال للزمالك وإنبى يحدد 15 مليون جنيه لبيعه    محافظ شمال سيناء يفتتح عددا من الوحدات الصحية بمدينة بئر العبد    «اليونسكو» تكرم محافظ المنوفية تقديراً لجهوده في دعم التعليم | صور    البابا تواضروس الثاني يستقبل الأنبا باخوميوس بدير القديس الأنبا بيشوي بوادي النطرون    وزير التعليم في جولة مفاجئة بمدارس إدارتي ببا وسمسطا بمحافظة بني سويف    لو لقيت فلوس في الشارع تعمل إيه؟.. أمين الفتوى يُجيب    ضبط شخصين بالمنيا لاتهامهما بالنصب على المواطنين    إدارة ترامب ترفع مكافأة الترحيل الطوعي للمهاجرين إلى ثلاثة آلاف دولار    «الصحة» توقيع مذكرة تفاهم مع «فياترس» لتطوير مجالات الرعاية النفسية    الحمصاني: الحكومة تستعد لتنفيذ المرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحي الشامل    ضبط صاحب شركة بالإسكندرية لتجارته غير المشروعة بالألعاب النارية والأسلحة    الأهلي في اختبار صعب أمام المحلة بكأس الرابطة    الاحتلال الإسرائيلي يواصل خرق اتفاق وقف إطلاق النار بأنحاء متفرقة من غزة    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 23ديسمبر 2025 فى المنيا    وائل القباني: هجوم منتخب مصر الأقوى.. والتكتيك سيتغير أمام جنوب إفريقيا    رئيس الوزراء: مبادرة «حياة كريمة» أكبر مشروعات القرن الحادي والعشرين    وزارة التعليم: أحقية المعلمين المحالين للمعاش وباقون في الخدمة بحافز التدريس    الداخلية تسمح ل 23 شخصا بالتنازل عن الجنسية المصرية    نظر محاكمة 89 متهما بخلية هيكل الإخوان.. اليوم    «المستشفيات التعليمية» تعلن نجاح معهد الرمد والسمع في الحصول على اعتماد «جهار»    أمم إفريقيا - ياسر إبراهيم: أحب اللعب بجانب عبد المجيد.. ونعرف جنوب إفريقيا جيدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عبد الحليم قنديل يكتب عن : لبنان الذى كان
نشر في الزمان المصري يوم 23 - 06 - 2021

ربما لم تعد من قيمة لكلمات تضاف فى دفتر عزاء لبنان ، فالبلد الصغير الجميل "يغرق" حرفيا بنص تقرير كارثى للبنك الدولى ، وأزمات الوقود والأدوية والأغذية تعدت حدود الخطر ، والشعب اللبنانى نزل بأغلبيته تحت خط الفقر ، والليرة اللبنانية لم تعد تساوى حبر طباعتها ، وعليك دفع ما يزيد على 15 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد ، ربما تزيد إلى 16 ألفا وأنت تقرأ هذا المقال ، وحليب الأطفال أصبح نادرا كلبن العصفور ، لايكاد أحد يجده ، وإن وجده ففى مخازن تجار الدمار اللبنانى ، على طريقة اكتشاف 20 طن حليب فاسد فى مخزن سرى (!) ، صارت حديث المنهكين فى بيروت ، بعد أن كاد الجوع ينهش عظام الأطفال بعد الكبار .
ولا تسأل من فضلك عن أى حرب عصفت بلبنان ، فقد صارت الحرب الأهلية اللبنانية تاريخا بعيدا نسبيا ، وانتهت قبل أكثر من ثلاثين سنة ، ولم تحطم لبنان برغم ضحاياها البالغين أكثر من 120 ألفا ، عبر 15 سنة من القتال بين عامى 1975إلى مطالع 1990 ، قيل بعدها أن الوئام حل محل الصدام ، وأن "اتفاق الطائف" 1989 أنهى ما كان ، وأن الطبقة السياسية اللبنانية توافقت على اقتسام الحكم ، وبصورة معدلة قليلا عن قواعد "الميثاق اللبنانى" عقب خروج الانتداب الفرنسى عام 1943 ، إذ ظلت نفس العلة الطائفية على حالها ، وإن علا قليلا كعب رئيس الوزراء "السنى" على صلاحيات رئيس الجمهورية "المارونى" ، بينما ظل رئيس مجلس النواب "الشيعى" هو نفسه منذ ما بعد "الطائف" ، فقد احتكر "نبيه برى" المنصب منذ عام 1992 ، وتعاقب رؤساء جمهورية من المارونيين ، فى حين برزت "الحريرية السياسية" كبيت مرجعى لأهل السنة ، ونجح "الصيداوى" رفيق الحريرى فى عمليات إعادة إعمار وتأهيل ، وإلى أن اغتيل فى 2005 ، وخرجت القوات السورية من لبنان ، ودارت حرب 2006 بين جيش الكيان الإسرائيلى وحزب الله فى 2006 ، ولم يتوقف الحديث عن الفساد يوما فى لبنان ، ولا عن الثراء المفزع لأمراء الطوائف وأسرهم والتابعين ، لكن الأمور كانت تمضى فيما يشبه السلاسة ، برغم ملاسنات عنيفة لا تنتهى ، وظل لبنان بلدا للنور وللحريات وللاغتيالات ولعمليات المخابرات ، وكانت المنطقة كلها ترى فى لبنان مرآتها المحجوبة ، وظل وجود الدولة اللبنانية هشا وافتراضيا أغلب الوقت ، لكن حياة الناس العاديين كانت تمشى فى يسر معقول ، وظل سعر الليرة اللبنانية ثابتا على نحو مدهش ، من بداية تسعينيات القرن العشرين ، ظل الدولار الواحد يساوى 1500 ليرة لبنانية ، وإلى أن توالت زلازل الانهيارات فى السنوات الأخيرة ، وانزاح الغطاء عن الجحيم الذى يحرق أغلب اللبنانيين اليوم ، وصار رئيس الجمهورية نفسه يهتف بحياة جهنم ، ولا يعد اللبنانيين سوى بالمزيد من لظى نارها ، ومن دون أن يفكر الرئيس ميشيل عون يوما بالاستقالة ، ولا حتى بترك الفرصة لغيره ، ولا تسهيل مهمة سعد الحريرى فى تشكيل حكومة ، كلفه بها مجلس النواب قبل شهور طويلة ، وأعاد تأكيد التكليف قبل أسابيع ، ومن دون أن يحدث أدنى تغير فى عناد عون ، الذى يصر على حجز أسماء ووزارات بعينها لفريقه المارونى ، بينما يرد الحريرى عليه عنادا بعناد ، ويعلن أنه لن يشكل الحكومة بالطريقة التى يريدها عون وصهره جبران باسيل ، وأنه ماض فى تشكيل حكومة كفاءات فنية مستقلة مع حفظ التوازن الطائفى ، وبرغم وقف الحال "المايل" ، وتهاوى الوضع اللبنانى إلى قاع الكارثة ، فلا يفكر الحريرى بدوره فى الاعتذار عن المهمة شبه المستحيلة ، ولا تنصحه بالاعتذار "دار الإفتاء السنية" ولا مجمع رؤساء الوزارات السابقين ، وبرغم الدعوة لإضراب عام ، فقد لا تتشكل حكومة قريبا ، إلا إذا حدثت معجزة ، أو تغير مزاج المتحاربين على نفوذ زعماء الطوائف ، فقد كانت روما تحترق قديما ، بينما حارقها "نيرون" يتسلى بعزف الموسيقى ، وقادة لبنان الطائفيون مشغولون اليوم بضمان امتيازاتهم الطائفية ، بينما لبنان كله يحترق ، فيما لا يزال نبيه برى منهمكا فى لعبة "تدوير الزوايا" كما يقولون فى لبنان ، فبرى لا يكن شعورا طيبا لعون ، برغم أن الأخير لايزال رسميا حليفا لحليف برى الشيعى الأوثق الأقوى "حزب الله" .
نعم ، نكبة لبنان أساسا فى قادته الطائفيين ، وهم لا يقبلون التغيير ولا التبديل ، إلا أن يرثهم الأبناء أو الأصهار ، وقد تواطأوا على خراب بلد كان متألقا زاهيا ، و"شفطوا" من موارده فوق ما استطاعوا ، وتركوه يغرق عبر سنين طويلة فى بحر الديون ، وكانوا يضيفون إلى الديون ديونا للإيحاء بدوران العجلة ، وإلى أن بلغت الديون فى حجمها ضعف الناتج القومى الإجمالى ، وحين جاء وقت الانكشاف ، وجفت كثير من صنابير الإقراض والمعونة الخارجية ، بدا لبنان كأنه تحول إلى هيكل من عظام ، لم يتوقف الطائفيون عن امتصاص ما تبقى فيها من رمق و"مرقة" ، ثم جاءت كوارث مضافة من صنعهم ، كانفجار مرفأ بيروت ، لتنهى حياة المئات ، وتهدم ثلث مبانى العاصمة ، وتضيف إلى النزيف صديدا طافحا ، وتجلب خسائر جديدة بنحو 15 مليار دولار ، فى بلد كان كل ناتجه القومى الإجمالى 55 مليار دولار ، ثم انكمش إلى 33 مليار دولار فى عام 2020 وحده ، ويتوقع البنك الدولى انكماشه مع نهاية 2021 بنحو عشرة بالمئة إضافية ، فى واحد من أسوأ ثلاثة انهيارات اقتصادية بالدنيا كلها طوال المئة والخمسين سنة الأخيرة ، بينما تتطاير اتهامات متبادلة بالفساد والنهب ، وصلت فى تقديرات دولية إلى نزح نحو 300 مليار دولار فى الثلاثين سنة الأخيرة ، ناهيك عن التدمير شبه الكلى لمرافق المياه والكهرباء وغيرها ، وشح إمدادات الوقود والدواء والغذاء ، وتهريب كل شئ مع المخدرات عبر الحدود السائبة برا وبحر وجوا ، وتوالى موجات الغضب والاقتتال فى الصيدليات ومنافذ البيع على عبوة لبن حليب ، ومن دون أن ينفتح طريق سالك ، لا لإعادة ترميم النظام الطائفى المهترئ ، ولا إلى تغيير ، طالبت به انتفاضات اللبنانيين منذ ثورة 17 أكتوبر 2019 ، التى حلمت ببناء نظام وطنى جامع بديلا عن محاصصات الطوائف ، لكن الحلم ظل عصيا على التحقق ، وواجهته الطغمة الطائفية بنشر الاحتقانات الدينية والمذهبية ، وبتكديس الثروات المسروقة فى جيوب الزعماء والأتباع ، وإلهاء الناس بمشادات رئيس الجمهورية "المعلق" مع رئيس الوزراء "المكلف" ، أو الخروج بالمطلق عن أبسط مقتضيات وجود الدولة الافتراضى ، وعلى نحو ما عرض حسن نصر الله زعيم حزب الله من حلول ، باستيراد الدواء والوقود من إيران ، وبالليرة اللبنانية لا بالدولار ، وتهديده بأن يستورد بنفسه من غير حاجة إلى موافقة حكومة ، وأن يحمى سفن الوقود الإيرانية فى الموانى اللبنانية ، وأن يشرف بحزبه على عمليات بيع وتوزيع البنزين والمازوت (!) .
ومع التسليم طبعا بمسئولية القادة الطائفيين أولا عن محنة لبنان ، فلا يخفى أن مسئولية العرب تبدو ظاهرة أيضا ، فلبنان بلد عربى فى البدء والمنتهى ، وبرغم صغر عدد سكانه ومساحته ، فإنه عظيم الأهمية فى عالم عربى تتداعى قوائمه ، وهو "سرة" الأمن القومى العربى لو صح التعبير ، وقد حمل عن العرب جميعا عبء مقاومة الكيان الإسرائيلى لعقود ، ومن دون أن تمتد له يد عون عربى مؤثرة ومخلصة ، لا وهو يحارب ، ولا وهو يعانى اليوم أسوأ الظروف الاقتصادية والاجتماعية ، ولا وهو يدفع عن نفسه غوائل إرهاب همجى إجتاحت المشرق العربى كله ، بل ترك لبنان كساحة خالية وملاعب مفتوحة ، لتوحش النفوذ الإيرانى فى أغلب الأوقات ، ولسلاسل المبادرات الفرنسية مع توالى مضاعفات الأزمة الراهنة ، وصولا لعقد مؤتمر دولى خاص بتمويل وتغذية أفراد الجيش اللبنانى ، ومن دون أن نسمع عن مبادرة عربية جامعة لإنقاذ لبنان ، تتخطى دور مساعدات موقوتة من بعض الدول العربية ، فى حين فضل القادرون العرب المكتنزون ماليا متعة "الفرجة" على عذاب لبنان ، وربما تلذذ بعضهم بإشباع شهوة انتقام ملتاثة ، تريد تحطيم لبنان نكاية فى إيران وخدمة لإسرائيل ، وكأنهم يسلمون عقلا ووجدانا بإخلاء أقطار العرب للآخرين ، وينسون ويتناسون أنهم بما يفعلون ، لا يجدعون سوى أنوفهم وأنف الأمة التى يدعون الانتساب إليها ، فالقاعدة السارية فى كل زمان ومكان ، أن الدنيا وتصاريف السياسة لا تحتمل الفراغ ، وأن كل فراغ تتركه خلفك يحتله غيرك ، وهو عين ما جرى ويجرى فى أقطار العرب المحطمة ، من العراق إلى سوريا إلى اليمن وليبيا وغيرها ، وإلى لبنان الذى يمضى إلى خبر كان ، لو لم يستيقظ إليه العرب قبل فوات الأوان .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.