مر أحد الأحبار بأحد الأديرة المسكونة ذات ليلة، ولأنه لم يكن من النوم بد ولم يكن على مد البصر مرقد بديل، قرر الرجل أن يقتحم المجهول وينيخ راحلته في فم الشيطان حتى الصباح، ورأي أنها فرصة طيبة ليختبر إيمانه بكتابه المقدس. ودفع الرجل الباب في ثقة وتقدم نحو المدفأة في ضوء ثقاب واهن حتى تحسس كومة من الأخشاب السوداء هناك. أشعل الرجل النار في كتل الأخشاب الجافة وجلس على كرسي قريب من المدفأة وبدأ يقرأ أسفاره. وبينما هو كذلك، مرت به قطة صغيرة سوداء كقطع الليل المظلم، وجلست داخل المدفأة ولحست النار بلسانها المتورد، وظلت تحدق في الناسك بعينين براقتين كحبات المسبحة. حاول صاحبنا أن يرفع صوته بالقراءة، لكن حلقه كان يجف بين الحرف والفاصلة، وكان يبتلع ريقه كلما نظر خلسة إلى القطة الجاثمة فوق كومة الجمر ورآها تحدق في عينيه. وبعد فترة من الترقب، تقدمت القطة زاحفة لتجلس بين قدميه وتقول في صوت أنثوي ناعم: "انتظر حتى تأتي إيمي." وبعد فترة من الرعب المقدس، تقدمت قطة في حجم الكلب نحو المدفأة، وجلست وسط النيران وتلهت بقطع الجمر الموقدة حينا، ثم تقدمت نحو أختها وقالت بصوت أجش: "ماذا نفعل به؟" فقالت الأخرى: "ننتظر حتى تأتي إيمي." ومن الباب نفسه لحقت بهما قطة في حجم الفهد، واتخذت نفس المجلس بين عيني الرجل وراحت تأكل الفحم المشتعل في تلذذ شبقي، ثم تقدمت نحو أختيها وقالت: "ماذا نفعل به؟" فقالت الوسطى: "ننتظر حتى تأتي إيمي." وكأني أراك أيها القارئ العزيز تريد أن تجلس في ذلك الكرسي الهزاز قرب المدفأة لتنتظر إيمي. أي خيار يمكن أن تأتيك به تلك الأبواب المشرعة على جحور الأفاعي والقطط آكلة اللهب يا سيدي؟ ولماذا تحرك عينيك بين ويلات قد حلت وعذابات مرتقبة دون أن تفعل شيئا يبرر صمتك المنكر أمام تحركات الأبالسة المريبة؟ هل تكفيك صرخاتك المكتومة في واد غير ذي زرع تتناوبه المردة من كل لون وحجم وفصيلة؟ أم تنتظر ملاكا مجنحا يطفئ جمرات الأسفلت الحارة ويطويك تحت جناحه النوري ويحملك إلى عدن الحريات؟ أم تراك تأمل أن تتحول قطط الليل البهيم إلى حوريات تتلألأ في سماوات ليلك البهيم وتحملك إلى ملك الجن الأحمر حيث اللؤلؤ والمرجان لتسكن قصور الحريات وتنعم بزواج أميرة البحور، وتنتهي قصة الرعب المكسيكية نهاية سعيدة كأفلام السينما المصرية القديمة؟ لماذا لا تتفجر الأرض أنهارا تحت تلكم الأقدام الظامئة للحرية والعدالة في بلاد تغضن محياها بفعل سنوات القهر والذل والاستعباد يارب؟ ولماذا لا تغضب الأرض والسماوات على من حملونا إلى ذلك الرعب المقيم بعدما تفجرت ينابيع الأمل في أرواح شبابنا اليابسة؟ لماذا تكبر المصائب كما وكيفا كلما طال الترقب والانتظار؟ ولماذا تلتصق أقدامنا ببلاط الأرصفة كلما اقتربنا من بوابات الاقتراع؟ أهو الخوف الذي يغلق فضاءات الفعل أمام كل نوافذ الهرب إلى أسواق الحلم؟ أم لأننا لم نجد لعبة المساومات التي أوصلتنا إلى بوابات الصمت وقد وجب الكلام؟ ليتنا نفعل أي شيء غير البقاء في مقعد رد الفعل المقيد، ونبدأ في البحث عن مخارج تنفيذية تجنبنا عبثية انتظار عدالة قضائية أو نظرة عطف عسكرية أو انسحاب طرفي الصراع من الحلبة في آن واحد، وترك الساحة للهاربين من خلف جدران المستحيل إلى رحابة الممكن والمحتمل. ليتنا نبحث عن حلول توافقية تخرجنا بأقل الخسائر من معركة يخسر فيها الوطن كل يوم مليارات الأحلام وتغلق في وجهه بورصة الريادة. وليتنا نتوقف عن تعليق أثواب الأمل فوق شماعات هلامية كانت جزءا من الحل وصارت جزءا من الكارثة. زليتنا نتوقف عن انتظار إيمي. أديب مصري مقيم بالإمارات هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.