في اختبار الفلسفة وضع المعلم كرسيا فوق الطاولة وطلب من طلابه أن يستخدموا ما تعلموه من حجج منطقية لإثبات أن الكرسي غير موجود. وبدأ الطلاب صراعا مع الأوراق استغرق ثلاث ساعات بالتمام والكمال، بيد أن أحد الطلاب استطاع أن ينتهي من الإجابة في دقيقة واحدة. الغريب في الأمر أن ذلك الطالب هو الوحيد من بين الطلاب الذي استطاع أن يحصل على الدرجة النهائية. ويوم إعلان النتيجة، تجمع الطلاب حول زميلهم ليسألوه عن إجابته التي استحق بها التميز عليهم، فقال الطالب: وضعت على الورقة كلمتين وختمتهما بعلامة استفهام، وسألت "أي كرسي؟" يمكننا اليوم أن ندعي أننا لا نرى في الأفق بوادر أزمة قد تشتعل بين عشية وضحاها بين أقطاب اختلفت أهدافهم ورؤاهم ونزعاتهم، وإن توحدت في الظاهر هتافاتهم وشعاراتهم ودبيب أحذيتهم فوق أرصفة الميادين. ويمكننا أن نستخدم ما أوتينا من منطق وما تعلمناه من سفسطات كلامية في التدليل على صدق نوايانا وتوحد أهدافنا، لكن تقدم المفاصل نحو غاية واحدة لا يعني بالضرورة توحدا في الرأي أو الرؤية. قد يكون بمقدورنا أن نتجنب حتى حين ما يثير غضبة الآخر ونكتم أصوات الأنانية التي تفضحها ملامحنا وزلات أقدامنا نحو المنصات البعيدة، لكننا لا نستطيع أن ننكر قرقرة بطوننا ووجيب صدورنا، ولا نستطيع أن نمنع أيادينا من الالتصاق بصدورنا اللاهثة مع كل خطوة نخطوها معا لنقرأ الفاتحة والمعوذتين. حين التفت الطفل إلى والده في براءة ليقول: "لماذا يُشَبِّه الكتاب الذي بين يدي الزوج والزوجة اللذين لا يكفان عن الصراع بالقطة والفأر؟ ألم تر بنفسك كيف تعيش قطتنا وفأر الجيران في وئام وانسجام وكأنهما قد عقدا بينهما صلحا؟" قال له أبوه: "لا يغرنك ما بينهما من مودة، وإذا أردت أن تختبر ما يربطهما من وشائج، فاربطهما معا في حبل واحد." لهذا أعتقد أن المجلس الرئاسي المنتظر الذي قام على فكرة ارتجالية بثها أحد المنظرين على أحد المواقع الاجتماعية أول بالون اختبار لإرادة التوحد بين قوانا الثورية التي فرقتها الصناديق ووحدتها النتائج ذات خيبة. لكنه ليس اختبارا نزيها هذه المرة، لأنه يعود بنا إلى مربع الصفر الأول، لنرتكب اليوم نفس الحماقات التي ارتكبتها إحدى الفرق ذات أنانية، فاتفاقاتنا الاستحواذية والاستعبادية تحمل في طياتها شبح السقوط الأخير. هل قدر يا رب على هذا الشعب المغلوب على رأيه أن يكرر انتكاساته كل يوم وينتقل من يد إلى رأس إلى قدم؟ فتارة يقهر باسم الأمن، وأخرى يساق كالقطيع باسم الدين، وثالثة يُغلب على خياراته باسم الحرية؟ ماذا لو نجح فصيلنا "الثوري" هذه المرة في استبعاد المرشحين الأكثر قربا حتى الآن من قصر الرئاسة يا ترى؟ هل سينادي مجلسنا الرئاسي من فوق جبل الحريات ليجمع المصريين كلهم في صعيد واحد ثم يقول لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"؟ أم يتحول إلى مستبد آخر باسم الحفاظ على الثورة والوصاية على مستقبل الوطن؟ وهل يبدأ فيما بعد الصراع الوقواقي على السلطة، فيبدأ فرخ الأنانية الذي فرخ في صدورنا وباض بإلقاء ما تبقى من بيض أحلام فوق عش الوطن، لينفرد الزعيم الأوحد بكامل التاريخ وكامل الجغرافيا بعد أن يمهد لمذابح قلاعية للتخلص من مماليك الاستبداد باسم الحرية؟ وماذا لو تمرد المحرومون من شطيرة الرئاسة الشهية التي يسيل لها كل لعاب ويفتح أمامها كل فم مطبق؟ ماذا لو وجد الخارجون على أقانيم الديمقراطية ميادين أخرى تعبر عن سخطهم؟ ماذا لو تقدمت بهم ذات يوم أقدامهم نحو القصر الديمقراطي ونادوا بسقوط عصر الحريات الكاذب؟ هل ترى سيسلمون من هراوات الحرية وكعوب البنادق الديمقراطية؟ لا يحق لنا اليوم أن نطالب من تقدمت به الأصوات يوم تفرقت أصواتنا بالتراجع إلى المقعد الخلفي وقد أبينا أن نترك مقعدنا الأمامي في سيارة الأحلام قبل أن تقول الأوراق كلمتها. ولا يصح أن نناندي بإطالة مرحلة الفوضى التي لن يتحملها حصان الوطن المكدود أكثر. ولا يجب أن نحمل الآخرين عواقب أثرتنا وتكالبنا على مصالحنا الضيقة ونزواتنا الماحلة. يجب أن لا نغرر بشعوبنا وأن نعترف بجرائمنا في حق الوطن ونرسم خارطة اتفاق مع جميع القوى المستنزفة لندق معا خيمة أمان يمكن أن تتسع لجميع أبناء هذا الوطن، وإلا فلن تجد حشودنا التي تملأ الميادين وتسد منافذ الأفكار المتعقلة شيئا، وسيبقى الوطن رهين الثورات والثورات المضادة باسم الحرية والعدالة الاجتماعية حتى ينفد رصيد الوطن ويسقط في هاوية التاريخ وفخ التبعية. ليتنا نحرك أكتافنا قليلا لنسمح للآخر أن يجد ممرا آمنا، لأن لعبة المساومات التي يجيدها طرفا الرهان لن تنتهي إلا بسقوط مدو للجميع على صدر وطن أنهكه الاقتتال والتناحر. وستذكرون ما أقول لكم، وأفوض أمري إلى الله. يقول ألبرت كاموس: "مآل كل ثائر إلى الظلم أو الهرطقة." أديب مصري مقيم بالإمارات هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.