الآن.. جدول امتحانات الشهادة الإبتدائية الأزهرية 2025 آخر العام    في احتفالية يوم الطبيب المصري.. تكريم 31 طبيبًا وطبيبة من الأطباء المثاليين    رئيس الوزراء يتفقد مشروعي رووتس وسكاي للموانئ    «السكك الحديدية»: تأخر القطارات على بعض الخطوط لإجراء أعمال تطوير    الصين تدعو الهند وباكستان إلى الهدوء وضبط النفس    بينهم سيدة.. الجيش الإسرائيلي يعتقل 8 فلسطينيين بالضفة الغربية    مشاركة 6 أندية إنجليزية بدوري الأبطال يعزز القوة المالية للدوري الإنجليزي    ضبط شخص يدير مسكنه ورشة لتصنيع الأسلحة النارية بالقاهرة    العظمى تصل ل43.. الأرصاد تحذر من استمرار الموجة شديدة الحرارة وتحدد موعد ذروتها    تحرير 16 محضرا لمخالفات تموينية في كفرالشيخ    مصرع طفل وإصابة شخصين في حادثي سير بسوهاج    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : الكلام وحده لايكفي !?    التأمين الشامل يوقع اتفاقًا مع جامعة قناة السويس لتوسيع خدمات الرعاية الأولية للمستفيدين    عاجل - لماذا استدعى العراق قواته من بكستان؟    القناة 12 العبرية: شركة ITA الإيطالية تمدد تعليق رحلاتها من وإلى إسرائيل حتى 19 مايو    مصر تستضيف الجمعية العمومية للاتحاد العربي للمحاربين القدماء وضحايا الحرب    بعد فقد الصدارة.. تعرف على مواعيد مباريات بيراميدز المقبلة في الدوري    موعد مباريات اليوم السبت في دوري المحترفين والقنوات الناقلة    أسعار البقوليات اليوم السبت 10-5 -2025 في أسواق ومحال محافظة الدقهلية    استثمارات 159 مليون دولار.. رئيس الوزراء يتفقد محطة دحرجة السيارات RORO    مدبولي: تطوير الموانئ والمناطق الصناعية يعدُ ركيزة أساسية لتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني    التخطيط والتعاون الدولي: مصر أكبر شريك تجاري لدولة سويسرا في قارة أفريقيا    حريق هائل في 5 منازل ببني سويف    ثِقل القلب    المتحف المصري الكبير يستقبل رئيس جمهورية جزر القمر ووزيرة التعليم والثقافة اليابانية    وفاة زوجة الإعلامي محمد شردي    أكثر من 2 مليون.. إيرادات فيلم "سيكو سيكو" أمس    وفاه زوجة الإعلامي محمد مصطفى شردي بعد صراع مع المرض    جامعة القناة تشارك في المعسكر التأهيلي لمسابقة بداية حلم (صور)    صرف مكافأة استثنائية للعاملين بمستشفيات جامعة القاهرة    بخطوات سهلة واقتصادية.. طريقة تحضير الناجتس    ثلاثية بصرية.. معرض يوثق الهوية البصرية للإسكندرية بأسبوع القاهرة للصورة    «الثقافة» تنظم زيارة تثقيفية لأطفال المناطق الجديدة الآمنة بمركز الحضارة والإبداع    مكتب الأمم المتحدة للشئون الإنسانية: غزة تحت حصار تام للشهر الثالث على التوالي    أمين الفتوى: طواف الوداع سنة.. والحج صحيح دون فدية لمن تركه لعذر    صحيفة عبرية: ترامب قد يعترف بدولة فلسطين خلال قمة السعودية المقبلة    خبر في الجول - زيزو يحضر جلسة التحقيق في الزمالك    «الصحة»: تدريب 5 آلاف ممرض.. وتنفيذ زيارات ميدانية ب7 محافظات لتطوير خدمات التمريض    رئيس جامعة القاهرة يصدر قرارات لشغل عدد من المناصب الأكاديمية والإدارية    وفاة زوجة الإعلامي محمد مصطفى شردي بعد معاناة مع المرض    شعبة مستأجري عقارات الإيجار القديم: نرفض بند الإخلاء بعد 5 سنوات    الرمادي يعقد جلسة مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة بيراميدز    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    حاجة الأمة إلى رجل الدولة    هل أصدرت الرابطة قرارا بتأجيل مباراة القمة 48 ساعة؟.. ناقد رياضي يكشف مفاجأة (فيديو)    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع جارسيا بيمنتا    المركزي للتعبئة العامة والإحصاء: ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى 13.5% خلال ابريل    الصحة: تدريب أكثر من 5 آلاف ممرض.. وتنفيذ زيارات ميدانية ب7 محافظات لتطوير الخدمات    مستشفيات جامعة القاهرة: صرف مكافأة استثنائية 1500 للعاملين    اليوم.. محاكمة 9 متهمين بخلية "ولاية داعش الدلتا"    حبس لص المساكن بالخليفة    مشجع أهلاوي يمنح ثنائي البنك مكافأة خاصة بعد الفوز على بيراميدز    الرئيس السيسي يعود إلى أرض الوطن بعد مشاركته في احتفالات عيد النصر في موسكو    الشعب الجمهوري بالمنيا ينظم احتفالية كبرى لتكريم الأمهات المثاليات.. صور    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    الهند توقف العمل في 32 مطارا مدنيا بسبب القصف الباكستاني    السيطرة على حريق داخل عصارة عسل أسود بقنا    جامعة القاهرة تكرّم رئيس المحكمة الدستورية العليا تقديرًا لمسيرته القضائية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عشت لأروي لكم طفولتي في مجزرة حماه
نشر في الواقع يوم 03 - 05 - 2011


بقلم : خالد الحموي
ا اعرف ماذا اصابني اليوم...؟
ما عدت أريد التواري وسوف اذهب الى مرسمي، والى كل التظاهرات،. لم اعد استطيع ان اخفي هويتي أنا الفنان الذي تحول الى ثائر منذ وقفة السفارة الليبية. وتحولي هذا ليس له علاقة بذاكرتي البعيدة في حماه عن مقتل أبي ومقتل مدينة طفولتي واغتصاب نسائنا وسجننا وقصفنا وقهرنا وتهجير من بقي منا الى الريف ليتسنى لهم تغطية جرائمهم. اقسم بالله انني لست حاقداً أو طالباً للثأر ولكني مع القصاص العادل. حزني الآن له علاقة بمشاهداتي اليومية لما يحصل من حولي. نتظاهر فيطلقون علينا الرصاص، نشيع فيمطرونا بالرصاص، نعود لنشيع يردون بنفس الطريقة. وهكذا. نجلس في بيوتنا، فيكسرون الابواب ليعتقلوننا ويخيفون امهاتنا..
إذا لم اقتل انا فسوف يقتل غيري؛ اقسم بالله اني احب الحياة ولكني احب العدالة اكثر. ارجوكم، اخبروني ماذا افعل. لا اعرف ماذا اصابني اليوم...؟ تذكرت اليوم، أكثر من أي يوم، تذكرت أبي.
أبي كان طبيب عيون في حماه. لم يكن من جماعة الاخوان المسلمين لكنه انحاز لاهل مدينته المستباحة.
صدقوني، ونصف اهل حماة يشهدون على ذلك، لقد قلعوا احدى عينيه وهو حي ثم قتلوه ومثلوا بجثته أشد تمثيل.
لما دفناه وكنت صغيراً أذكر أنه كان بلا عيون.
في شباط 1982 كان عمري 6سنوات وكنت في الصف الأول ابتدائي وقد انتهينا من الفصل الاول وكانت عطلة الربيع، ويا لها من عطلة..
ليلاً ونحن نيام نسمع اصوات مدوية تكسر صمت المكان وتحول الطمأنية الى هلع قاتل، فيما ارتباك كبير يبدو على عمتي التي ربتني وانا انام بقربها لأملأ فراغ الأمومة لأنها لم تتزوج ابداً، وكانت تعيش معنا في بيتنا الجميل المؤلف من طابقين كبيت عربي تقليدي. باقي اسرتي وابي وامي ينامون في الطابق الثاني، بعد هذا بلحظات أسمع اصوات اخوتي وابي وامي تعلو وهم ينزلون الدرج ويدخلون غرفة عمتي، فيما يتصاعد اطلاق الرصاص أمي تقول لأبي (الم اقل لك ان نبقى في المزرعة)، هذه الجملة لم تفارقني لسنين طويلة وانا افكر بها وتؤلمني فكرة ان أبي لم يبق في المزرعة، بقي الأمر حتى كبرت وسامحته وقلت إنه القدر.
صوت الرصاص بدأ يملأ الحياة، كنت أسمع أزيزه للمرة الأولى، الصوت يرتفع أكثر، ثم بدأ صوت الانفجارات ومرت الساعات وبعدها بدأنا نتعود على هذه الاصوات، يمر الوقت ويبدأ بعض الجيران بالتوافد إلى بيتنا. فوضى عارمة في كل مكان، اطفال يبكون، ونساء تقرأ القران وقلق كبير، هذا الوضع استمر ثلاثة ايام، وبعدها سمعنا صوت انفجار كبير، قال أبي إن قذيفة أصابت الطابق العلوي، واهتز البيت كما ملأ الغبار رئتي كمثل ما ملأ المكان وتعالى صوت النساء يقرأن سورة ياسين، فيما ارتفعت وموجة بكاء حاد.
قال ابي، يجب أن نغادر المنزل باقصى سرعة، خرجنا وبدأ الناس بالتجمع والصراخ،. كان الذعر يسيطر على كل شي، دخلنا الى بيت احد الجيران ومن ثم الى قبو مظلم اعتقد رجال الحي انه اكثر امناً من غير أماكن، وكان العدد اكبر من المكان. وبقينا ثلاثة ايام والرصاص لايتوقف أبداً بعدها تندفع قذيفة مدفعية تهز كل شي، وسورة ياسين ترتفع حتى السماء، وقذيفة ثانية وثالثة المكان في اهتزاز دائم، فيما لم يصب احد من الذين كانوا في القبو، ولكن كثيرين من أهل الحي ماتوا واصيب الكثيرون، والطبيب الذي يسكن الحي انقذ من استطاع انقاذه.
بقينا في القبو حتى هدوء القصف والرصاص، اخرجونا وقالوا يجب المغادرة باتجاه احياء اكثر أمناً، لم يعرفوا حتى هذه الساعة انهم كانوا مخطئين ولم يخطر ببالهم انها كانت حملة ابادة جماعية.
خرجنا مسرعين باتجاه سوق الحاضر لنعبر الى الأميرية وصلنا الى شوارع كان علينا ان نعبرها زحفاً لوجود قناصة في كل مكان، بعد وقت صعب وصلنا الى حي الاميرية عندما قطعنا الشارع الأخير زحفاً كان ابي يساعد عمتي المرأة الكبيرة وانا ملتصق بها تماماً، عبرت امي واخواتي مع الجميع وبقينا نحن الثلاثة، حينها طلب مني ابي ان الحق بالجميع، فرفضت لاني كنت اريد ان اظل مع عمتي التي ربتني، ولكنه اجبرني على اللحاق بأمي والآخرين وبقي هو مع عمتي وهذه كانت آخر مرة أرى فيها ابي حياً.
في حي الأميرية تابعنا البحث عن ملجأ يحمينا، وجدنا قبوا مكتظا بالناس، لم يستطيعوا ادخالنا لأن عددنا كان كبيراً جداً (معظم سكان حي البارودية)، ولكنهم ادخلو ابي وعمتي، فهم اثنان فقط. في ذلك الملجأ في الأميرية اعتقل ابي وبقيت عمتي التي رأت وأخبرتنا بما حدث.
تابعت مجموعتنا الطريق باتجاه شمال الأميرية ووجدنا هناك ملجأ كبير يتسع للجميع وبقينا داخله يومين قبل وصول الجيش العربي السوري. عندها تحول الملجأ الى معتقل، حيث اخرجو جميع الرجال والشباب من المكان، واعدموا بعضهم مباشرة عند الباب، واعتقلوا الشيوخ كبار السن. بقي في المكان النساء والأطفال، البعض يبكي والأكثرية يرددون بعد مجبرين تحت التهديد (”بالروح بالدم نفديك ياحافظ”، “يا الله حلك حلك يقعد حافظ محلك”، للامعان في مهانتنا).
ثلاثة أيام سجنونا وقتلوا من شاؤوا، اقسم بالله من دون طعام، رائحة المكان أتذكرها جيداً،. كانت لاتطاق ودائما ما كنا نسمع اصواتا صراخ خارج القبو، اغتصاب نساء وتعذيب لايمكن لي اليوم ان اصفه أو أتذكره إلا ويؤثر بي.
لقد كان مع بعض النساء سكاكر وشوكولا، وقبل ان يأخذوا الرجال احضر احدهم خبزا وزيتون تقاسمنا كل شي كميات لاتكفي لرجل واحد؛ في هذا الوقت كانت النساء تقرأ القرأن من دون توقف ولكن بصوت منخفض. وبعدها فتح الباب وطلبوا منا الخروج لأنهم قالوا سوف نقتلكم وبدأنا نهتف بروح بالدم نفديك....الخ، عندها قالوا يجب أن نذهب باتجاه طريق حلب والاتجاه خارج المدينة،. سرنا نرفع ايدينا ونحن نردد ما طلب منا، منظر لا يعقل. المكان مليء الجثث، وهي منتفخة، والدماء سوداء، ونحن من شارع الى آخر، الجثث والدمار في كل مكان.
تقدمنا حتى وصلنا الى جامع عمر ابن الخطاب (الذي تسمعون عنه اليوم والذي بدأت فيه الآن التظاهرة للمطالبة بالحرية). كان الجامع مدمراً، لم يبق فيه الا الموضأ، كان فيه بعض عناصر الجيش اخافونا بتوجيه اسلحتم علينا، فانبطح الجميع أرضاً، وبعدها ادخلونا الى الموضأ واغلقوا الباب بإحكام، بعض النساء قلن لعناصر الجيش اقتلونا ودعوا الجميع يخرجون من المدينة ولكنهم رفضوا.
عند دخولنا الى الموضأ وجدنا خبزاً عفناً هجمنا عليه وبدأنا بالأكل.. وهناك وجدنا ايضاً تمثالين صغيرين من حمام الزينة الأبيض، لا اعرف لماذا كانا هناك، ولكنهما بديا لي على انهما مؤشراً لبداية الخلاص من حمام الدم. بقي الباب موصداً لمدة يوم ونصف بعدها القيت خطبة من احد الضباط قال فيها “التي لها زوج أو أخ او ابن أو أب وتنتظره، فلا تنتظره لأنه لن يخرج حياً ابداً و لن يعود”.
اطلقونا باتجاه حلب، مشينا اكثر من عشرة كيلومترات نسابق الزمن ونحن حفاة نبكي والنساء تقرأ القرآن، واذا سمعنا اطلاق رصاص مباشرة كنا ننبطح جميعاً حتى وصلنا الى النقطة التي سمحوا فيها لأهالي القرى الوصول اليها لمساعدة الناجين.
ماذا أقول... اقسم بالله، هذا غيض من فيض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.